بعد أسبوع تميل مع استدارة السيارة لتدلف للشارع وعيناها تتسابقان بلهفة للبيت، حيث كانت العائلتين تقفان أمامه في استقبال عودة العروسين من رحلة عسلهما التي قضياها في إحدى المدن الشمالية الجميلة.. كانت رحلة شاقة بالسيارة لكنها لا تحتسب ولا تعد شيئًا أمام مشاعر السعادة الغامرة للعاشقين داخلها.. فقد مضت بهما الرحلة كأنها دقائق ومشاعرهما المتدفقة لبعضهما البعض تنسيهما أي تعب.. حماس يتصاعد في النفس وشوق للقاء الأحبة يشع من النظرات.. لتبتسم بسعادة في وجه حبيبها وزوجها لقمان المتأمل لتلك البهجة المُعدية على ملامحها بابتسامة هادئة.. ويده تتناول يدها مستغلًا تلك اللحظات المتبقية لهما معًا.. يلثمها ويخطف لحظة تخصهما معًا بعيدًا عن أعين المراقبين.. قبل هجوم الأهل عليهما ليستولي كل على فلذة كبده يطفئ به نار الشوق.. كان أسبوعهما معًا أشبه بحلم فوق غيمة وردية.. مضى بهما كأنه دقائق أو لحظات معدودة نجحا في انتزاعها قسرًا من دوامة هذه الحياة.. لينعما بها معًا يقطفان ثمار حب طاهر جمعهما.. أحلّه الله ومنّ به عليهما نعيمًا خالصًا لهما.. " حمدا لله على وصولك سالمة حبيبتي" يهمس لها بعيون تشع دفئًا وحنان وذلك الاحمرار اللذيذ المنعش لروحه يزين محياها فيزيده بهاءً.. بينما تلتف يداها معًا حول كفه الحنون ترفعها لترد له قبلته بتقدير أكبر هامسة بحب: " بل حمدًا لله على وصولي سالمة معك لقمان.. وتحت رعايتك.. أدامك الله لي ولا حرمني من قربك وأنفاسك تحيط بي وتحميني.." يتباطأ بسيارته بينما تهتز كتفاه بضحكة شابتها ارتجافة خفيفة، لينظر إليها بعتاب رقيق متوعدًا: " لعبك غير نظيف يا نور عيون لقمان.. أنتِ تدركين كمية المشاعر التي أثرتها في نفسي بغزلك هذا.. وهذا ليس عدلًا.. أهلنا ينظرون إلينا.. فكيف سأقتص منكِ الآن أمامهم.." ضحكة خافتة حملت غنجًا ودلالًا فتاكين وهي تداريها بيدها بينما تزيده احتراقًا وتوقًا لنيل حقه منها.. " سأجعلك تدفعين ثمن مجونك هذا.." همس لها بخفوت متوعدًا وهو يوقف السيارة فلم يتلقَ إلا ضحكة أخرى خافتة مشاكسة منها ليتنهد بيأس وقلة حيلة هامسًا: " سأفتح لكِ الباب.." " انتظر.. أخبرني أولًا ..كيف أبدو؟" يده ترتفع وتمسح عرقًا طفا على جبينه وعيناه تلامسان هيئتها الأنيقة باحتشام راق، بجلبابها الأنيق ذا التصميم الفخم والمطعم بفصوص متلألئة وفوقه حجاب حريري رقيق قائلًا: " (غزالة) جميلة حد الفتنة ومهلكة.. كان الله في عون لقمان.. متى سينقضي هذا النهار الطويل؟.." رفعت يدها لتداري ضحكتها لينهرها بنظرة غضب مفتعل وهو يعض طارف فمه بتحذير لم تزدها إلا ابتهاجًا وعيناها كأنهما تضخان السعادة تتلألآن بفتنة.. فتح الباب المجاور له يتمتم بالاستغفار قبل أن يرسم ابتسامته الهادئة الرزينة على شفتيه للعائلة وهو يدور حول السيارة ليفتح لها الباب.. عيناها تعانقان عيناه بنظرات كأنه الرجل الوحيد في هذا الكون بابتسامة مشرقة، وهي تترجل لتقف أمامه تتلمس قربه وتحس بدفئه يغطيها وينشر الحماية من حولها.. فتتنهد باكتفاء ويدها تتسلل إلى يده تتلمس دفء احتوائها بين أصابعه.. يقفل الباب وعيناه لا تنزاحان عن عينيها يسألها بنظرة خاصة إن كانت جاهزة فتعطيه إشارتها بنعم من رموشها المنسدلة.. الزغاريد تحفهما من كل مكان بينما كانت وفاء تسارع بنثر حبات الملح عليهما وفي يدها مبخرة يتصاعد منها البخور تطوف بها حولهما وهي تتمتم بعض الأدعية المحصنة، ووالدتها تدعمها وهي ترى السعادة الناضحة من عينيهما معًا.. تقترب والدة آية تحمل صينية فوقها صحن تمر مع كوبين مذهبين من الحليب كعادة دأب عليها الأهل للترحيب بأحبتهم وضيوفهم، فكان لزامًا على العروسين تناول حبة تمر مع رشفة حليب كفأل حسن يبدآن به مشوار حياتهما الزوجية قبل أن يطفئا نار الشوق بعناق الأحبة.. تمد الأم ذراعيها وتعانق ولدها وهي تقرأ المعوذتين ودمعة خائنة تفر من عينيها، تهمس باشتياق وكأنه قد غاب عنها عامًا كاملًا وليس مجرد أسبوع: "حفظكما الله من كل عين حاسد.. أدام الله عليكما تلك السعادة التي كتبها لكما.." يبادلها لقمان العناق باشتياق أكبر و يقول وهو يقبل رأسها: " أدامك الله فوق رؤوسنا والدتي، ولا حرمني من دعائك الدائم لي.." ثم رفع نفسه ينظر حوله متسائلًا: " أين هي تلك الشنيولة ( صغير البعوض)؟.." ضحكت والدته وهي تمسح دمعة من عينيها مشيرة ناحية ابنتها التي اشتاقت لصديقتها أكثر من شقيقها، فكانت هي من سبقت إليها تتعانقان بحماس لتعلق على ذلك قائلة: " سبحان من خلق المحبة والأخوّة في قلبيهما لبعضهما البعض، من كان يظن أن تلك الأخوّة ستغدو واقعًا وتجتمعان في بيت واحد؟.." يحيط لقمان كتفيها بذراعه وعيناه تتعلقان بهيئة المجنونتين اللتين رزقه الله بهما، وحنين وشجن يعبر قلبه إليهما قائلًا لأمه مذكرًا إياها بمشاكسة: " لقد كنتِ متشككة في اختيار وفاء لآية أمي.. أتذكرين؟" تبتسم الأم وهي تربت على صدره تغمره بالرضى وهي تقول: " كنت متشككة من موافقة السيد مصطفى، لكني الآن متيقنة ومتأكدة من اختيارنا للعروس.. وجهك يحكي ويبرهن لي على هذا.." يحمحم لقمان يجلي حلقه، وإحراج يداهمه وقد فضحت عيناه مشاعره الفياضة تجاه زوجته، فابتعد ليسلم على أنسبائه ويقبل رأسيهما على هديتهما التي جادا بها عليه.