Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل السادس

بعد سويعات تتمطى وجسدها يتقلص ويتمدّد وهي تغمغم في نومها وابتسامة رائقة تعلو شفتيها.. انبطحت على بطنها وعيناها مثقلتان بالنعاس، وشعرها مبعثر من حولها يغطي وجهها بفوضوية لذيذة.. لمسات رقيقة مدغدغة كأنها رفرفة فراشات تمر فوق ذراعها العاري صعودًا ونزولًا لتضربها لحظة إدراك ويصفعها الواقع، فتحت عيناها والاحمرار يغزو وجهها تلقائيًا باعثًا حرارة منصهرة وهي تلتقي بتلك العينان المشعتان كالذهب، ترسلان وعودهما العابثة وتدغدغان مشاعرها.. " صباح الخير.." همست بخفوت وهي لا تكاد تستطيع الصمود أمام قوة نظراته النفاذة إلى روحها.. تنتقل يده إلى وجهها يزيح بصبر خصلات شعرها التي غطته وهو يرد بعمق: " صباحي مزهر برؤياكِ" يتورد خداها وغزله يخترق فؤادها ويرديه.. تدير وجهها تخفيه في وسادتها وهي تهمس والحرارة تكاد تصهرها: " توقف.. لا تنظر هكذا.." يكتفي بالابتسام دون أن يستجيب لطلبها وهو يسألها بمراوغة: " كيف؟.." " هكذا.. تلك النظرات.." ترميه بنظرة خاطفة قبل أن تعود وتخبئ وجهها وحرارة نظراته تذيبها وتصهرها.. " حرمت نفسي طويلًا من النظر إليكِ، فلا تطلبي مني أن أفعل الآن وقد صار من حقي.." عادت تدير وجهها لتنظر إليه بعين وواحدة ووجهها لا يزال مدفونًا إلى الوسادة وهي تسأله: " ماذا تعني؟.." يرفع نفسه قليلًا يتكئ على كوعه وهو يقول بابتسامة عابثة: " أعنيييي أن.. ابن الجيران كان معجبًا بابنة الجيران.. لكنه لم يستطع أن يبوح بذلك.." تتقلب في مكانها لتستلقي على ظهرها تنظر إليه والدهشة تعلو محياها وهي تتساءل: " منذ متى؟" " منذ أن بدأت مراقباتك الصباحية لي وأنا ذاهب إلى العمل.." وجهها يتورد لا إراديًا وكلامه له معنى واحد.. لقد كانت مكشوفة دون أن تدري.. " هل كنت تعلم أنني أراقبك؟.." يبتسم مجددًا وعيناه تسرحان بشجن يتذكر هيئتها كل صباح وهي تقف وتطل عليه من نافذتها دون أن تتخلف عن عادتها يومًا واحدًا، كان يدرك أنها تستيقظ كل صباح بهمّة ونشاط فقط لتودعه، وهذا كان يزيد من مكانتها ومعزتها في قلبه.. يزحف قليلًا مقتربًا منها، شفتاه تتلمسان طريقهما فوق بشرة خدها وهو يهمس فوقها: " وكيف لا أعلم وتصرفاتك العفوية المنطلقة تفضحك.. كنتِ تقفين في نافذتك وتكادين تخرجين منها.. أعترف أن نسمات منعشة تغزو روحي كلما شعرتك واقفة في انتظاري.. لهذا لم أكن أريد أن أحرم منها .." " لكنك لم.. لم تُظهر.. حتى بعد.." تقطعت الكلمات من فمها ووجدت صعوبة للتعبير، فرفع وجهه ينظر إلى عينيها قائلًا بكلمات حملت صبرًا لا محدودًا: " قد أكون متزمتًا، أو عاشقًا تقليديًا لكني لم أسمح لنفسي أبدًا بنيل ما ليس حقًا لي.. أردتك لي، لكن بما يرضي الله.. لهذا انتظرت وتحينت الفرصة الملائمة لأطلبك للزواج" رفعت نفسها بدورها تتكئ على كوعها تواجهه وقد شعرت أنها قد أدخلت في دهاليز لا تعرفها فقالت تفضي بما لديها: " لكنك لم تخترني أنا للزواج.. لقد كانت وفاء من اقترحتني عليك.." يبتسم بابتهاج وذلك التذمر الغيور المرتسم في عينيها يجذبه ويطيح بالباقي من تعقله، فيميل عليها بتطلب ملح ينهل قبلات من شفاه أدمنها وروحه تطالبه بالمزيد بينما يهمس بحرارة: " وإذا أخبرتك أنكِ كنتِ اختياري الأول والأخير؟.." تناور بتعثر: " لست طفلة لتداهنني وتوهمني .." يتأوه وكأنها طعنته في صدره ليسألها يغالب ضحكاته المستمتعة: " لقد جرحتني.. ألست تصدقين كلامي؟" تضم شفتيها بعزم وهي تواجهه بالقول: " لقد تركت لوالدتك مهمة اختيار العروس ولم تذكرني أبدًا.. وفاء أخبرتني بهذا.." يلتوي فمه وعيناه تلمعان بشر مفتعل وهو يقول متوعدًا: " تلك الثرثارة، لا تتوقف عن تناقل الأخبار" ثم يعود للابتسام بعبث لها وهو يؤكد وأصابعه تتلاعب بحمالة قميصها: " كنت متأكدًا أن اختيارها سيقع عليكِ، ألا يقولون الاقربون أولى؟ وتلك الثرثارة ساعدت كثيرًا وجعلت الأمور كلها تسير في المسار الذي تمنيته.." " وماذا لو لم تفعل؟" " كنت اخترتك أنا.." رد ببساطة وأصابعه تلتقط خصلة من شعرها الملفوفة والتي اعتنت بها وفاء جيدًا في تصفيفها، رفعها إلى مستوى فمه يستنشق عبيرها ويلثمها قائلًا بيقين أكبر: " لا تلوميني لأني أردت تلك المشاعر النبيلة التي حملتها في صدري أن تبقى نقية.. خلق الله حبك طاهرًا في قلبي.. وخلق معه السبيل إلى التنعم به حلالًا صافيًا لي وحدي.. وأبعدني عن كل السبل الأخرى التي قد تؤذيك قبل أن تؤذيني وتؤذي علاقتي بخالقي.. لي أخت، واحدة لا أريد لبراءتها أن تدنس من مخلوق.. فكيف أرضى بهذا لكِ؟ وأنتِ أغلى مخلوق زرع الله معزته في قلبي وتعمقت جذورها حتى استحكمت في الوجدان.. رجولتي ومروءتي لن ترضى أن تسمعي من أي شخص كلمة قد تجرحك.. لن أرضى أن يرميك أحد بكلمة سوء واحدة ويتهمك أنكِ كنت على علاقة بي قبل الزواج.. حلمي كان يتلخص في أن تدخلي بيتنا معززة مكرمة دون أن تمس أخلاقك بكلمة واحدة.. حتى والدتي وشقيقتي لا أريدهما أن تنظرا إليكِ نظرة قد تؤذيك وتشعرك بالنقص.. اختياري طرق باب بيتكم والتوجه إلى والدك أولًا قبل التحدث إليكِ كان لرفع قيمتك الغالية في أعين الجميع.." صدرها يعلو ويهبط بلهاث متلاحق.. قلبها يرقص ويتناغم بخفقاته مع كل كلمة تخرج من بين شفتيه تحمل تقديرًا واحترامًا مطلقًا لها.. نبرة صوته تحمل حمية ومروءة للدفاع عنها فيتضخم صدرها بحبه الخالد في الفؤاد.. عيناها لا تزالان أسيرتين لتلك النظرة من عينيه.. نظرة إجلال لها وحدها، كأنها أغلى شخص في هذا الكون.. يختنق صوتها بعبارات التأثر المتجمعة في مقلتيها وهي تهمس بابتهال: " لم.. لم أكن أعلم.. كل هذا تخفيه في قلبك.. وتتركني لحيرتي ووساوسي ينهشان يقيني من حبي لك.." يبتسم بحنو وهو يستلقي على جنبه يجذبها إليه ويحيطها بذراعيه.. يطبع قبلات متفرقة على جبينها وعينيها وهو يقول بمشاكسة: " تلك الوساوس أنا كفيل بمحوها.. فقط امنحيني الإذن لذلك وستنبهرين بقدراتي.." ضحكت بخجل وتلك الشخصية العابثة التي اكتشفتها فيه تثيرها وتجذبها أكثر.. شفتاه تعودان لاستكشاف بشرة خدها وتقتربان من جانب فمها وهو يقول: " هناك غمازة على خدك لا تظهر إلا عندما تضحكين.. هل هناك من سبيل لسجن ضحكتك تلك داخل جدران البيت ولا تخرجي بها أبدًا؟" تنظر إليه باستفهام ليتحرك بخفة وضخامة جسده تشرف عليها وهو بضيف وشفتاه ترسمان قبلة عميقة على تلك الغمازة: " رجل عربي ذو دماء حارة غيورة على عرضه مثلي.. نفسه تتوق لأن يستولي على تلك الضحكة لنفسه ولا يتمتع بها غيره.. هل أسمى متزمتًا إذا فعلت؟" وجهها يتوهج احمرارًا وهي تتذكر منعه لها من الضحك أمام الملأ غيرة منه عليها.. لتنطلق في ضحك رائق وتلك الغيرة عليها تشعرها كأنها تمتلك العالم بأسره.. جسده يرتج من فوقها بتأثر ويداه تبدآن باستكشاف طريقهما على ثوبها الحريري قائلًا بصوت مبحوح: " سلمت لي تلك الضحكة المهلكة.. ألم تكتفي من الحديث؟ عائلتينا سيحضرون في أية لحظة ..لهذا يجب علينا أن نستغل الوقت المتبقي لنا.. ما رأيك؟" لم يكن يسألها ولم ينتظر إجابتها.. بل قذف بها سريعًا في أمواج عاطفته، يبحر بها لبر أمان حبهما.. وهي راضية تمامًا وقد سلمته مقاليد حكمها راضية بكل خياراته ومقترحاته.

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514