يعود للظهور مجددًا بعد أكثر من نصف ساعة منحها إياها كحق لها في التعود أولًا ولاستعادة ثباتها، وقد شكرته عليها.. كانت قد ارتدت عباءة مزركشة بلون القشدة فوق ثوب النوم الحريري الذي وضع لها في الحقيبة التي جاءت بها، فلم تكن هي من وضبت حاجياتها بل تولت والدتها رفقة وفاء تلك المهمة، وها هي تندم الآن؛ لأنها لم تحضر معها منامتها القطنية.. كيف ستظهر أمامه بهذا الثوب المغري؟.. كان لا يزال ببدلته الأنيقة واكتفى بالتخلص من ربطة العنق فقط، اقترب بروية إلى الزاوية التي افترشت فيها سجادتين ووقف وهو ينظر إليها ينتظر أن توافيه ليصلي بها.. أحكمت حجابها حول رأسها واقتربت بتعثر لتقف خلفه بخشوع ترمي كل شيء خلف ظهرها، تطلب من الله أن يلهمها حسن التدبير وتفوضه أمرها وكم ارتاحت بعد لجوئها إليه.. أنهى صلاته وأنهى تلاوة أدعيته عليها، ثم استقام واقفًا يجمع السجادة ويطويها ويقف ينتظرها تجمع سجادتها أيضًا ليأخذها منها تحت نظراتها المترقبة، دون أن تعي ليدها التي شدّت على السجادة كأنها طوق نجاة لها.. ابتسامة وضاءة أنارت وجهه من حالتها المشتتة بتعثر لذيذ.. ليتورد وجهها وهي تطرق بنظرها حياء.. وضع ما في يده في إحدى الزوايا ثم عاد إليها يسألها وهو يخلع سترته بهدوء: " هل اشتكيت لوفاء مني؟.." أنة خافتة جاءت وكأنها تختنق وعيناها تتابعان حركاته واقترابه.. ليضج صدرها بنبضات قلبها الهادرة.. اصطدمت نظراتها بقوة جسده العضلي الذي حدده القميص الأبيض الملتف حوله.. لم تسمع سؤاله.. كانت كأنها مغيبة تمامًا وقدماها توشكان على خيانتها لتذوب وتهوي أرضًا.. ألقى بالسترة جانبًا ووقف أمامها يغطيها بضخامته وطوله الفارع، بينما انشغلت يداه بفك الزرين العلويين للقميص، فتسري حمى منفعلة بأوردتها وعيناها تلتقطان تلك الشعيرات على مقدمة صدره العريض.. " هل تحكين لها كل شيء يحدث معكِ؟.." سؤال آخر مطموس لم تستطع التقاطه.. لترفع عينيها وتقع أسيرة لتلك العيون الذهبية التي سحرتها طويلًا وراودت أحلامها.. ابتسامة أخرى فاتنة تطيح بالباقي من تعقلها أبرزت بياض أسنانه المتساوية وهو يطرح سؤالًا آخر بلمعة ماكرة في عينيه: " هل في نيتك أن تحكي لها ..عن.. هذا.." تقطعت الكلمات من فمه بتروٍ مذيب للأعصاب بينما يميل عليها بغتة وهي تسبح في عالم آخر دون وعي ليقتنص أول قبلة من شفتيها.. بهتت وتسمرت مكانها ووقعها على شفتيها كأنها رفرفة الفراشات.. ناعمة.. مذيبة للمشاعر.. رفع رأسه يستلذ بتلك الزوبعة المنعشة التي أثارتها ملامسته لشفتيها في نفسه.. لحظة إدراك متأخرة صفعتها لتعيدها للواقع.. هل قبلها توًّا؟.. هل هذه المشاعر المتدافعة بداخلها بعواصف هوجاء رد فعل طبيعي على ما انتابها إثر تلك القبلة؟ لقد خطر لها قبلًا في لحظات يأسها واحباطها أنه ربما لا يحب التقبيل.. أو لا يجيده.. كيف خطر لها أنه لا يجيد التقبيل؟.. لم تشعر بأنها تترنح وتكاد تقع أرضًا.. كما لم تشعر بيده التي التقطت رسغها يمنعها السقوط بينما التفت ذراعه الأخرى حول خصرها.. رفعت عينيها إليه ترمش ببلاهة وقد تذكرت أمرًا مخزيًا لتوها: " ماذا أخبرتك وفاء؟.." تتسع ابتسامته بتسلية أكبر بينما ومضت عيناه خبثًا ومكرًا وهو يناورها بسؤال مماثل: " ماذا أخبرتها أنتِ؟.." " لم أخبرها شيئًا.. صدقني.." هتفت ببراءة وقلبها يصرخ بلوعة من هذا القرب منه.. هل لا تزال تقف على قدميها؟ إذًا لماذا تشعر أن الأرض هلامية لا تكاد تتحكم بتوازنها.. حرارة تسري بأوردتها يبثها دفء جسده بذبذبات مخدرة تفقدها تركيزها.. عطره محملًا بأنفاسه، يخترقها وينفذ إلى أعماق روحها يسحرها.. لتغدو مسلوبة الإرادة تستكين بين ذراعيه كأنما لا تقوى على الحركة.. تتسع ابتسامته لاستكانتها ووداعتها وهو يتذكر تلك المحادثة الغامضة التي دارت بينه وبين شقيقته.. فقد جاءت إليه وراحت تطرح عليه بضعة أسئلة عن شعوره تجاه هذا الزواج.. وهل يشعر أنه تسرع؟ وهل هناك مشاعر يكنها لآية؟.. ليدرك فورًا أنما تلك ليست إلا مخاوف تقاسمتاها معًا وكان يدرك سببها.. لهذا كان يتسلى بحيرتهما معًا دون أن يريح وفاء بإجابة شافية واحدة.. " ماذا قالت؟.." تطرح سؤالها بحذر وهي تتوقع الاسوأ.. تلك الفتاة لا تتوقف عن مفاجأتها.. تشع عيناه بعبث أكبر وهو مشغول عنها وأصابعه تعبث بحجابها لينزعه عنها بسلاسة ويرميه جانبًا.. مرر يده على شعرها المنسدل على ظهرها يستكشف ملمسه وطوله بينما يجيب بمكر: " لقد نقلت إلي مخاوفك.." يكتم ضحكته وتسليته عنها وهو يرى اتساع عينيها بفزع بينما تدمدم بكلماتها الحانقة: " تلك الثرثارة.. سأدق عنقها ما إن أراها.." " إذن فهناك مخاوف تنتابك فعلًا؟" علق بدهاء وقد فضحت نفسها ليمتقع وجهها ويتلون بكل الألوان.. وفي اللحظة التي فكرت فيها بالانحسار قليلًا عنه لتلملم ما تشتت منها.. كانت يده قد تسلّلت إلى عنقها يرسم بأصابعه لمسات مخدرة ترسل رجفات لذيذة متفرقة على طول جسمها.. ذراعه تشتد بطوقها حول خصرها ورأسه تميل مجددًا إليها هامسًا ببحة مميزة: " وأنا هنا لأعمل على طمأنتك.. وإزالة مخاوفك.." عيناها تهيمان بضياع في عمق عينيه، بينما تستقبل شفتاها سيلًا من القبلات الناعمة.. متعمقًا ومتوغلًا لحدائقها يقتطف ثمارًا هفّت إليها نفسه طويلًا.. يغرقها هذه المرة في عاطفة لم تختبرها قبلًا ولا تعرف عنها شيئًا.. طوفان يجرفها وهي ضائعة مترنحة بين مد وجزر بحثًا عن أرض ثابتة تقف عليها.. ساقاها ترتخيان من تحتها وذراعه تسندها.. يرفع رأسه ينظر عميقًا إلى عينيها وأنفاسه اللاهثة تترجم العاطفة المحتدمة بداخله وقد أطلق سراحها لتجرفهما معًا.. يقرأ في عمق عينيها ذلك الاعتراف الذي باحت له به وفاء عن عمق عاطفتها نحوه ..وكأنه لا يدري.. يبتسم لنفسه بمكر.. ينحني قليلًا ليحملها بين ذراعيه ويقترب بها من السرير هامسًا بعاطفة غلفت صوته: " هناك حديث طويل بيننا.. ولكن هذا ليس وقته.." يضعها برفق على الفراش جالسة ويتخذ مكانًا أمامها قائلًا ويداه تتسلّلان بأصابع متلاعبة لعباءتها: " الآن.. دعينا نرى ما تحت هذه العباءة.." اتسعت عيناها وقلبها يعلو بخفقاته ويختنق صدرها.. وتلقائيًا تنكمش وذلك الهلع الفطري لأي أنثى في ليلة زفافها يعتريها ويفسد عليها التنعم بعطاياه التي يظهر استعداده التام ليغدقها عليها.. يتغاضى تمامًا عن تلك الرجفة التي سكنت مقلتيها.. وبدا صبورًا لأبعد الحدود وهو يعيد محاولات طمأنته لها بلمساته الحانية، وشفتيه تنتقلان هذه المرة لعنقها تلامسان بشرتها برقة تذيب قلبها الصريع في هواه.. هل ما يعتريها الآن من زلازل ترتج لها مشاعرها شيء عادي؟ لا تدري.. كل ما تعلمه أن قلبها ينتفض باستجابة لكل لمسة وهمسة حب منه.. وأنوثتها تنتفض باستجابة لمغازلاته.. لم تشعر متى نزع عنها تلك العباءة لتبقى بثوب النوم الحريري.. يسألها بمهادنة وهو يلقي بها أرضًا وأنفاسه اللاهثة تحتد وتفصح عن صراعه حتى لا يفقد السيطرة الكاملة على نفسه: " هل تحبين أن نتحدث قليلًا؟.. ربما لم تسنح لنا الفرصة لنفعل سابقًا.." ترتجف كل أوصالها وهي تحاول مجاراته والثبات لكنها تفشل وهي ترد باهتزاز تملك صوتها: " كان هذا حقنا.. لكنك لم تطلبه.." يرفع وجهه يواجه عيناها فترتجف شفتاه بابتسامة حانية وهو يرى لمحة اللوم والعتاب الرقيق اللذين سكنا عمق عينيها.. هل تظنه غافلًا عما يجيش في صدرها تجاهه؟.. " لماذا لم تطلبي أنتِ ذلك الحق؟.." نظرة لوم أخرى من عينيها فاقدة القوة لإظهارها.. بينما صدرها يعلو ويهبط بتسارع يحكي الطوفان الذي جرفها دون هوادة.. " هل خاب أملك أني لم أحاول التقرب منكِ في فترة الخطوبة؟.." تلك النظرة لا تفارق عينيها وهما تتسعان بصدمة أكبر.. فيضحك بخفوت وهو يعود لتلمس عنقها بشفتيه هامسًا من بين ضحكاته المرتجفة: " ربما لن تتفهمي أسبابي.. لكني شخص لا يرضى بأنصاف الحلول.. والاكتفاء بحديث عادي معكِ لا يكفيني وأنتِ لست حلالي.. لكني سأعوضك الليلة عن كل ذلك.. ما رأيك؟.." يميل بها لتستلقي على ظهرها وهو يطرح سؤالًا آخر عادي كأنه يختتم به ذلك الحوار الوهمي الذي وعدها به وابتدأه بلعبه غير النظيف على حسابها: " هل أعجبك الجناح الذي حجزته لنا؟.." تبقي عينيها مغمضتين دون أن تجيب مسلوبة الإرادة وقد أخذت على حين غرة ولم تعطى فرصة التمهيد لقلبها.. أنفاسها تتضارب مع أنفاسه.. ليضيف بحزم دون أن ينتظر إجابتها وهو يتخلص من قميصه ويلقي به أرضًا: " حسنا.. هذا يكفي.. لقد طال هذا الحديث.. ألا تظنين ذلك؟.. " ارتعاشة سكنت يده وهي تتجرأ بلمساتها أكثر بينما بحثت شفتاه من جديد عن شفتيها.. فتقابلهما استكانة واستسلام من قبلها لم يلبث أن تبعهما تجاوب خجول لذيذ أنعش رجولته.. ليتعمق أكثر في الغوص معها في بحور عاطفة سكنت الفؤاد لأمد طويل.. وشاء الله أن يهديهما لحظاتها خالصة حقًا شرعيًا لهما للتنعم بها..