Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الأول

بسم الله الرحمن الرحيم نرسم أحلامًا مزدانة بالورود ومحفوفة بالأماني.. ونراقبها ترفل بعيدًا تنحسر عن ربيع صبانا.. فيغتال اليأس الأمل بصدورنا، لكن ربك يمنح قلبك سكينته وطمأنينته ويعوضك بما يبهج قلبك.. فيغرقك بنعمه الجزيلة حتى ترضى.. تغلق صفحات مذكراتها وتعيد القلم إلى مكانه ونظرة شجن وأسى تسكن مقلتيها.. تشرد بعيدًا لطيْف سكن أروقة خيالها طويلًا.. تنام وتصحو على ذكراه المعطرة بنسيم الصباح.. عادات اكتسبتها وتبنتها منذ بضعة سنوات لأجله.. تستيقظ مع تباشير الصباح لتلوّح لطلّته المشرقة عليها كشمس يبدأ لها يومها.. وقبلها تركن إلى رفيقتها الدائمة التي تستمع لكل فضفضاتها الطفولية دون ملل.. مذكرتها.. تخط بها ما تجود به نفسها الهائمة في دروب العشق.. بعض مما يؤرقها ويوجع قلبها.. وجعًا رقيقًا منعشًا إن أرادت الصدق، فهي لن توهم نفسها بأنها تسهر الليالي وتذرف الدموع على حب صعب المنال بالنسبة إليها، بل إنها تعيش مع كل كلمة تكتبها وكل حلم تحلمه أملًا متجددًا وأمنية في أن يأتي اليوم الذي يرميها فيه بنظرة اهتمام صغيرة، وهي كافية جدًا بالنسبة إليها لتكمل نسج فصول بقية حلمها الفاتن.. تنهض من مكتبها الوردي الطفولي ككل شيء فيها.. تشعر أنها لم تخرج من مرحلة الطفولة الوردية بعد.. ولا تريد الخروج.. غرفتها لا تزال تحتفظ بطابعها وهي طفلة.. ربما هناك بعض التجديدات الطفيفة، لكنها لا تُذكر أمام كل شيء يحتل غرفتها منذ صغرها.. دُماها وألعابها لا تزال تزين إحدى الزوايا، وقد رتبتها داخل خزانة جميلة لتعطي رونقًا للغرفة.. الطلاء كان لا يزال نفس لونها المفضل -أزرق سماوي- بكل تدرجاته مع بعض الظلال البيضاء كأنها غيوم تطفو وتسبح في فضائها الخاص، والسماء تحيط بها من كل جانب، غير أن الستائر والفراش الوثير العريض طالهم بعض التغيير.. وقفت أمام منضدة زينتها بمرآتها العريضة وهي أيضا كانت ضمن الاثاث الذي تم تجديده، فقد كانت منضدتها السابقة صغيرة جدًا ولا تتسع لكل حاجياتها التي تزايدت مع تزايد سنين عمرها الاثنين وعشرين، رسمت ابتسامتها المشرقة تدفع إلى نفسها تحفيزًا تحتاجه، تفك ربطة شعرها وتفرده فوق كتفيها بتقييم شامل لنفسها وتتساءل: "لماذا لم تلفت نظره حتى الآن؟ ذلك القاسي القلب والبارد.. أليست جميلة بما يكفي؟" تلوي شفتيها ونظراتها تنزل بتقييم شامل من شعرها العادي جدًا بشكله ولونه البني الباهت، إلى وجهها البيضاوي الشكل بسمرة خفيفة محببة تعطيها لمحة حلوة، تزين خده الأيمن غمازة صغيرة لا تكاد تظهر إلا عندما تضحك بصخبها المجنون، ربما تكون عامل الجمال الوحيد الذي تفتخر به فملامحها كانت عادية ككل بنات جيلها، عيناها لم تكونا ذات لون مميز ومبهر، وأنفها لطالما كان عقدتها الأزلية وتمنت كثيرًا أن يكون لها أنف دقيق مرتفع كنجمات السينما، لكنها لم تحصل إلا على أنف متدلٍ نوعا ما بأرنبة منزلقة للأسفل بدل أن ترتفع للأعلى.. تمد سبابتها لترفعه للأعلى.. ربما عملية تجميل صغيرة له ستجعله كما تريد؟.. دار ذلك الخاطر المشاكس في ذهنها وهي متأكدة من أنها لن تقدم عليه، من أين لها بالمال الكافي لتفعلها؟ وليست متأكدة ما إذا كان إجراء عملية للأنف تعد معصية.. هل هي حرام يا ترى؟ سألت نفسها بسذاجة ثم ضحكت.. من يهتم بشكل الأنف؟ هل ستغدو ملكة جمال الأرض إذا ما جمَّلَته وأصبح صغيرًا؟ بالطبع لا.. كما أن الأنف لا يعد تلك المشكلة العويصة التي تعقد بها حياتها.. ربما عليها النظر إلى مميزاتها الأخرى.. لكن أين هي تلك المميزات التي ستطغى على عيوبها؟ تبتسم لنفسها وهي تناورها بالكلمات لتعترف أنها تملك ابتسامة جذابة، فأسنانها لم تكن تعاني من أية مشكلة، بل إنها بدت مثالية جدًا ويمكنها تقديم إعلانات معجون الأسنان بها.. وشفتيها أيضا بحمرتهما الطبيعية تزيدان من جاذبيتها.. كما أن لديها مقومات أخرى ترفعها عن التفكير في أنفها.. وشعرها.. وعينيها.. تأففت بحنق وهي تستدير بجسدها أمام المرآة وتنظر لنفسها جيدًا تستكشف ما لديها.. حسنا لديها بعض المقومات.. فقدها الممشوق يعطيها كل الامتيازات لتلفت انتباهه.. فلماذا لا يفعل وينظر إليها؟ تقفز في مكانها مجفلة وهي تسمع صوت هاتفها برنة مألوفة تنبئ بوصول رسالة، فالتقطته وهي تطير بخطواتها ناحية النافذة تزيح ستائرها وتفتحها وهي تقرأ الرسالة: " لقد خرج.."رفعت عينيها عن شاشة الهاتف، واندفعت بجسدها تميل على النافذة تراقب الباب بترقب وتعد الأرقام المألوفة: "واحد.. اثنان.. ثلاثة.." ثم ينفتح الباب ويظهر منه.. بهيّ الطلّة.. شديد الهيبة.. متفجر الرجولة.. فيتعثر قلبها بصدرها ويرفرف عاليًا وعينيها تلتهمان مشيته الواثقة والرزينة.. حقيبته الجلدية السوداء في يده.. بينما يده الأخرى تعدل من سترته الرسمية الداكنة.. يتلفت حوله يمنة ويسرة بترفع ولا مبالاة قبل أن ترتفع يده اليسرى يتطلع إلى ساعته.. ثم يخرج نظارته السوداء من جيب سترته يغطي بها عينيه التي تفتك بكل ثباتها، ويتحرك بشموخ ناحية سيارته السوداء اللامعة المركونة أمام باب بيتهم.. يفتح بابها ويدخل وهو يضع حقيبة أوراقه في المقعد المجاور له.. بضعة ثوان أخرى متبقية من وقت مراقبتها الصباحية له.. يأخذ فيها وقته وهو يدير محرك السيارة ويلتقط هاتفه ينظر لشاشته لبضعة ثوان.. ثم ينطلق بترو شديد عبر زقاق حيهم تجتازه سيارته بانسيابية تلائم شخصيته الهادئة.. عندها فقط تطلق تنهيدتها الحالمة، ونظرها في إثره مبتعدًا.. ويديها على قلبها المرفرف بنبضات منعشة كأنها رفرفة فراشات تحملها عاليًا.. " هل اطمأننتِ عل حبيب القلب؟" صوت هاتفها يوقظها من أحلامها الصباحية الوردية فتلتقطه تقرأ الرسالة، ثم تحيد بنظراتها ناحية نافذة البيت المقابلة لنافذتها حيث تقف أعز صديقاتها وكاتمة أسرارها "وفاء" تحادثها عبر رسائل أحد مواقع التواصل، لتلوح لها "آية" بيدها وابتسامة مشرقة تنطق بالكثير ترتسم على وجهها فعمدت إلى الرد عليها بنفس الرسالة: " آهٍ.. قلبي الصغير لا يتحمل.. حلو ومغرور.." ترسل الرسالة وهي تضع يدها عل قلبها وترسم تأوها حالمًا على ملامحها تشرح به رسالتها.. لتصلها ضحكات وفاء المتسلية، وتبدأ بنقر إجابتها على شاشة الهاتف: " بل قلبي أنا الذي لا يتحمل هذا الهذر الذي أساعدك فيه.." وأرفقت جملتها بملصق يحمل وجهًا عابسًا مضحك، لتضحك آية مستمتعة وهي تنسحب للداخل لتبدأ بتغيير ثيابها استعدادًا للانطلاق لدراستها..

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514