يضع المفاتيح في الباب، يفتحه ويدخل وهو متأهب لهجومها المعتاد عليه ككل ليلة، وما إن أطل برأسه حتى هرولت نحوه تباغته وتتشبث بذراعه كأنها لا تزال تلك الطفلة الصغيرة ولم تكبر رغم ولوجها للجامعة، تشرئب على أطراف أصابع قدميها لتقبل خده بصخبها وجنونها وهي تهتف: " ماذا أحضرت لي معك؟.." ينظر إليها بطرف عينه نظرة جانبية ويبتسم قليلًا دون أن يتخلى عن جديته ووقاره قائلًا بتأنيب" ما هذه التصرفات الطفولية يا وفاء؟ ألا تريدين أن تكبري أبدًا؟" " لا، لا.. لا أريد أن أكبر.. ولماذا سأكبر لأحرم من كل ما أحبه؟ هيا أخبرني ماذا أحضرت لي؟.." يضحك بخفوت وهو يهز رأسه بقلة حيلة مستسلمًا لجنونها، فيمد لها بكيس يحوي بعض الحلويات التي يعمد لإحضارها كل ليلة لها، يناوله لها، بينما كانت هي تصيح مبتهجة وتخطف منه الكيس تفتش فيه بعيون لامعة، ثم تدخل وتتركه بينما تؤنبها والدتها الجالسة في غرفة الجلوس قائلة: " وفاء.. لقد أصبحتِ على أعتاب الزواج وما زلت تنتظرين من لقمان أن يحضر لكِ الحلويات كالأطفال؟.. متى تتعقلين يا فتاة؟" تركت لكم التعقل والرزانة.. تهمس بداخلها وهي لا تكترث بأي من تلك التوبيخات فما يهمها قد حصلت عليه، تقفز على أحد المقاعد وهي تثني ساقيها تحتها ثم تجذب المنضدة عندها، تضع عليها مقتنياتها الغالية من الحلويات، بينما يكمل لقمان سيره بثباته وهدوئه المعهودين نحو غرفة الجلوس، يلقي التحية على أمه وهو يقبل رأسها ثم يدقق النظر إلى وجهها باهتمامه الملفت قائلًا بصوته العميق الاجش: "كيف حالك والدتي؟ كيف كان يومك؟" تأخذ يده بين كفيها تربت عليه بطمئنة قائلة:" أنا بخير بني.. لا تقلق " لكن قلقه واهتمامه لا يخفتان لدى طمأنتها، فقد أشعرته وعكتها الصحية الأخيرة برعب شديد عليها وجعلته يشعر بتأنيب ضمير فظيع؛ لأنه يتركها طيلة النهار وحدها، وكذلك وفاء التي تلتحق بكليتها كل يوم بينما تبقى هي وحيدة في البيت ولم يكن هذا ملائمً له أبدًا، حتى أنه فكر في إحضار مرافقة لها (ممرضة) تهتم بصحتها نهارًا بينما يتكفل هو بها ليلًا، لكنها لن توافق، فهو يعلم جيدًا طباعها المتحفظة تجاه إدخال شخص غريب لبيتها، لهذا وجد نفسه يتجه بأفكاره لمنحنى جديد يدرك جيدًا أنها تتمناه أكثر منه.. عاد يطبع قبلة على رأسها قبل أن يقترب ليجلس بجانبها على الأريكة، يأخذ وقته قبل طرح موضوعه الجدي.. أطرق برأسه قليلًا يفكر ونظرات والدته ترافقه، وانتظرته حتى قال بهدوء: " هذا الوضع لا يلائم أحدًا منا والدتي.. لا يمكنني أن أذهب لعملي مطمئنًا واحتمالية توعكك واردة في أية لحظة كما قال الطبيب، لهذا يجب علينا أن نفعل شيئًا، وأنتِ لا توافقين على إحضار مرافقة لكِ أو ممرضة.." تمد كفها المرهقة لتربت على ذراعه وهي تقول بإيمان: " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. لا داعي لقلقك هذا بني.. أنت لا تتوقف عن الاتصال بي وأنت في عملك، كما أن وفاء تحاول جهدها البقاء معي في البيت وتفويت بعض المحاضرات وتكتفي بنقلها من صديقتها آية " " رغم كل هذا لا يزال قلقي عليكِ قائمًا، لهذا قررت أمرًا، وأتمنى أن تعيناني عليه لأتوفق فيه" ترفع وفاء رأسها عن حلوياتها لتقول بمساندة: " أنا معك في كل ما تقرره يا أخي.. فقط أؤمر ونحن سننفذ" تنهرها والدتها وهي تعود لولدها قائلة: " دعك منها إنها طفلة.. تحدث إلي أنا " تتسع عينا وفاء استغرابًا وهي تهتف باعتراض: " سبحان الله! قبل دقيقة واحدة كنتِ تقولين أني على أعتاب الزواج ولم أعد طفلة، وها أنتِ تتراجعين عن كلامك بسرعة" تتلقى نظرة زاجرة من عيني والدتها لتعود لما تفعله تاركة لهما الحديث، فيبدأ لقمان الكلام وقد بان عليه بعض التردد والتوتر يحكيان جدية الموضوع وأهميته: " لقد فكرت في الزواج.." قاطعته وفاء بذهول: " زواج من؟.. زواجي أنا؟.." " اصمتي وفاء.." زجرها بنظرة رادعة من عينيه المهيبتين لتخرس تمامًا بينما يتابع ببعض الانزعاج على ملامحه من ضغط الموقف: " لقد وصلت لسن تخولني البحث عن إنسانة تشاركني حياتي وأنشئ معها عائلة.. لهذا أبلغكما بنيتي في الزواج" ذهول وفرحة مفاجئة تجمعت لها الدموع في عيني الأم وهي لا تصدق ما يطلبه ولدها، ولم تستطع منع نفسها من إطلاق زغاريدها الواهنة ابتهاجًا بقرار طال انتظارها له حتى بات كأنه المستحيل بعينه.. يسارع لقمان إلى إيقاف زغاريدها ويده تنزل يدها المرتفعة إلى فمها يغالب ابتسامة محرجة تفضحه: " أمي حبُّا بالله! ماذا تفعلين؟ سيسمعك الجيران.. كما أن صحتك لا تتحمل.." تلقفته والدته بين ذراعيها تضمه إلى صدرها وهي تهتف بسعادة: " أريد أن يسمعني العالم بأسره.. وصحتي وزغاريدي كلها فداء لهذا اليوم الموعود، هل هناك ما يستحق أن أفرح له وأزغرد كفرحي بزواجك.. لا أصدق ما تسمعه أذناي!.. أخيرًا.. أخيرًا يا لقمان قررت أن تدخل السرور إلى قلبي وتتزوج؟ أنت لا تعلم مدى شوقي لضم أطفالك بين ذراعي وتمتع ناظري بمرآهم يلعبون ويطوفون أرجاء هذا البيت.." يضحك لقمان يداري توتره من قراره المصيري، بينما استبدت الصدمة بوفاء لترفع وجهها إليهم تحدق بهم مسمرة، وصورة شخص عزيز على قلبها تترائى لها مهددة بالتحطم لخبر كهذا.. " أخبرني من هي؟ هل هي زميلة لك في العمل؟" يضحك لقمان مجددًا ويده تحك مؤخرة رأسه بإحراج تام وقال: " لا أمي ليست زميلة.. الحقيقة ليست هناك أية مرشحة.. سأترك لكِ مهمة اختيار العروس المناسبة لي" ينظر إليها بحذر يقرأ ردة فعلها لهذا القرار المصيري الذي يحملها عبئه كاملًا، ليظهر عدم الاقتناع على ملامحها وهي تقول: " ولكن بني.. الأجدى أن تجد بنفسك من يرتاح لها قلبك وتتزوجها، اختياري أنا للعروس لن يكون مناسبًا.. قد لا تتوافقان معا" يأخذ يدها بين يديه ويطبع عليها قبلة تقدير واحترام وهو يؤكد: " بلى أمي.. أنا أثق باختيارك لأنها ستعيش معنا ولابد أن تتوافقي معها قبل أن أتوافق معها.." " آية.." همسة منفلتة من بين شفتي وفاء وسط ذهولها وصدمتها وقد تجلت لها صورة صديقتها المفجوعة عندما ستسمع خبر زواج شقيقها.. لتتجه الأنظار إليها بتساؤل.. تدور عيناها في أرجاء المكان مبهوتة قبل أن تستدرك وتنقذ الموقف: " صديقتي آية ابنة جارنا السيد "مصطفى لخضر".. عروس مناسبة أخي" يمط شفتيه بتفكير وهو يومئ برأسه كأنه يستحسن الاختيار بينما اعترضت والدتها قائلة: " هذه الامور أكبر منكِ يا وفاء فلا تتدخلي بها، اذهبي إلى غرفتك ودعيني وحدي مع شقيقك" لوت وفاء شفتيها بعبوس، وتوبيخ أمها لها وطردها من هذه الجلسة المصيرية بالنسبة لها أغضبها.. لن تتحمل أن تتحطم آمال صديقتها آية إذا ما تزوج شقيقها بغيرها، لن تتحمل أن يكسر قلبها بهذا الشكل.. يشير لها لقمان بالبقاء في مكانها وهو يقول بهدوء: " دعيها أمي.. هي أيضا منوطة بهذا الموضوع وتملك الحق في إبداء رأيها.. هل تعرفين أنتِ ابنة السيد مصطفى لخضر؟" " عز المعرف.. إنها صديقتي المقربة، ولن تجد عروس أفضل منها" ردت عليه وفاء بسرعة ولهفة حملتها نبرة صوتها لتقول والدتها باعتراض: " لن يقبل والدها بزواجها، فهو يرغب بأن تنهي دراستها أولًا" يلتقي حاجباه عاليًا وهو يلتفت لوالدته مؤكدًا بجديته ورزانته: " أنا لن أمنعها عن دراستها أمي" ظهر التفاجؤ على ملامح الأم من اقتناعه السريع بالفتاة ليسارع إلى التبرير قائلًا بصوته الأجش العميق: " أعني أنني لن أمنعها إذا ما وقع اختيارنا عليها" ثم يحمحم يجلي حلقه يداري الإخراج من هذا الموقف الذي يهزم أي شخص، لأنه قرار حاسم ومصيري.. ثم استطرد يقول بجدية: " سنأخذ وقتنا في التفكير قبل اتخاذ القرار الحاسم، ولكني قبلًا أريد أن أعرف رأيك في الفتاة من معرفتك بها" رفعت الأم يديها وهي تقول بصدق: " الفتاة جميلة، وأخلاقها طيبة، كما أن والديها شخصين مهذبين ومحترمين جدًا، منذ انتقالنا للعيش هنا في الحي قبل بضعة سنوات لم نر منهم سوى الخير والأخلاق العالية وكل سكان الحي يشهدون بهذا" أنهت كلامها ثم أطرقت برأسها بوجوم علا وجهها فجأة ليسألها لقمان مستفسرًا: " ماذا هناك أمي؟ هل هناك شيئًا تخفينه؟" " بني.." تكلمت الأم بتلكؤ، وبدا وكأنها تتصارع ضد خيارين أحلاهما مر ليحثها لقمان على الكلام فتابعت تقول: " بني أنت تعلم أنني حلمت طويلًا باليوم الذي ستقرر فيه إنشاء عائلة والزواج، ولكني لم أحب أن يكون بهذه الطريقة" " أي طريقة أمي؟" زفرت بتنهيدة متعبة وهي تقول بأسى: " أنت تقول أنك ستتزوج من أجلي.. هل ترضى لأختك أن تتزوج لترعى حماتها فقط؟ هذا ليس صائبًا بني.. بنات الناس لا يتزوجن ليتحولن إلى ممرضات لدى أزواجهن" نقل لقمان نظراته بينهما وقد غامت عيناه بتعبيرات غامضة حملت في طياتها تحذيرات وقد اتُّهِم بما ليس في ذمته.. رفع يده يمسح على وجهه مستغفرًا ربه وقد تسلل شعور مهين إلى نفسه وهو يقارن ما قالته والدته بنواياه الحقيقية.. " ماذا تقولين أمي؟ هل تعلمين عني شيئًا كهذا؟ هذه ليست رجولة ولا تمت إلى الشهامة بصلة.. سامحكِ الله.." توتر وارتباك استولى على الأم وقد وصلها شعور بأنها قد جرحته وأهانت رجولته ونخوته الحرة، لتعتذر بتلعثم قائلة: " بني أنت تعلم أنني أتحدث من غيرتي عليكِ.. وعلى شقيقتك بالأخص.. أنتما ولداي الوحيدين، وما لن أرضاه لها لن أرضاه لغيرها.." " لهذا اقترح عليكِ الاستعانة بممرضة يا أمي.. أرجوك توقفي عن تعنتك هذا.. لا تريدين ممرضة استعيني بامرأة تعرفينها جيدًا تقوم بأعباء البيت وتساعد، والفتاة التي سنختارها سواء كانت ابنة جارنا السيد مصطفى أو غيرها.. ستتناوب هي ووفاء على البقاء معكِ نهارًا لحين عودتي في المساء، وليس مطلوبًا منها أن تفعل شيئًا سوى إعطاءك الدواء والاطمئنان عليكِ؛ حتى لا تتعرضي لوعكة صحية جديدة.." أطرقت الأم برأسها انزعاجًا وقد بان على وجهها أنها قد بدأت تلين قليلًا وقالت بوجوم: " لا بأس بني، افعل ما تراه صوابًا.. كنت سأطلب منك أن تنتقل بسكنك بعيدًا؛ لأني أقدّر أن أي فتاة سترغب أن يكون لها بيتها الخاص.." قاطع لقمان استرسالها بالقول الجاد: " أفضل ألا أتزوج أمي على أن أتركك بحالتك الصحية هذه.." أومأت برأسها قائلة بيقين: " لهذا لن أعارضك ولن أقف في وجه سعادتك، والفتاة ستكون أمانة عندنا لهذا لن أتوانى عن توفير كل سبل الراحة لها.. أحضر من تساعدنا في أعمال البيت؛ حتى لا أكون أنا والبيت عبئًا عليها.." لف لقمان ذراعه حول كتفيها وهو يطبع قبلة عميقة على جبينها قائلًا بمحبة وتقدير: " لستِ عبئًا على أحد ولن تكوني أبدًا أمي، لن أحضر إلا من تتفهم كل ظروفي ولا أظن أن عائلة لخضر ستساومنا عليكِ أمي، إنها عائلة طيبة كما سبق وقلتِ وإذا كان النصيب لنا في النسب معهم فلن نجد أفضل منهم، على الأقل يعرفون بكل ظروفنا، ومتى احتجنا لمساعدتهم فلن يتأخروا علينا كما لن نتأخر نحن، فالتكافل والود بيننا لن ينقطع بحكم الجيرة" أومأت الأم برأسها تستحسن قوله وتوافقه عليه بينما يضيف وهو يستعد للنهوض: " إذن على بركة الله.. سألجأ إلى الله أستخيره بينما تجسين نبض العائلة قبل الإقدام على أية خطوة.." تتمتم بنعم وهي تنهض بدورها مربتة على ذراعه وشفتيها لا تتوقفان عن تلاوة بعض الأدعية التي تحصنه بها من عين كل حاسد.. " أجل بالطبع.. العروس يليق بها إحضار خادمة تساعد في البيت بينما أنا لم يفكر بي أحد.." هتفت وفاء بتذمر طفولي وهي ترسم وجهًا باكيًا مزيفًا بينما يدها لم تكف عن حشو فمها بالحلويات، فنظرت إليها والدتها بتأنيب تنهرها: " من يسمعك سيظن أنكِ لا تخرجين من المطبخ أبدًا، أنتِ لحد الساعة لا تجيدين قلي بيضة.. هيا انهضي من أمامي قبل أن أرميكِ بهذا.." اتبعت قولها بالفعل وهي تنزع خفها " الشربيل" من قدمها وتصوبه نحوها.. بينما استغرق لقمان في ضحك رائق ووفاء تغمغم ببضع كلمات تذمر طفولي بتظلم مضحك.. فقال ممازحًا: " سأصعد إلى غرفتي واترككما لتنهيا شجاركما.." *** بعد يومين.. تنتفض وتقفز واقفة على ركبتيها فوق سريرها وهي تهتف كأنها رأت شبحًا: " ماذا تقولين يا وفاء؟.. هل ما سمعته حقيقي أم أن حاسة السمع لدي قد تعطلت؟" يصلها صوت وفاء الجدي يؤكد كلامها قائلة بصبر: " لقد سمعتني جيدًا يا آية، أخي الموقر لقمان سيأتي رفقة والدتي غدًا لطلب يدك من والدك.." قطعت وفاء كلامها وهي تبعد الهاتف عن أذنها مغمضة عينيها بانزعاج وصرخة هستيرية تصلها من الجهة الثانية، بينما تسترسل آية بهذر غير مفهوم لم تستطع سماعها أو فهمها فلم تكن بوعيها.. انتظرتها لتكمل وصلتها قبل أن تقول لها بحزم: " توقفي عن هذه التصرفات الصبيانية يا آية ودعينا نتحدث بجدية أكثر.." صيحة أخرى هستيرية تنطلق من آية وهي تردد ومادة الادرينالين تندفع سريعًا إلى جسمها: " جدية؟.. وهل هناك جدية أكثر من هذه؟.. ألا تعين ما يعنيه هذا؟ لقمان البارد القلب والقاسي ينوي التقدم لخطبتي؟.. هل تستوعبين هذا الأمر؟.. إنها خارقة طبيعية لا تحدث سوى كل مئة عام أو أكثر.. اتضح أنني مرئية بالنسبة له وأنه مهتم ولست الوحيدة المهتمة.. أنه.. أنه ..ماذا أقول؟ لقد تاهت مني الكلمات.." زفرة حارة عقبت بها وفاء على كلماتها الحماسية بمبالغة مستفزة، ثم انعقد حاجباها بعبوس وهي تجهل كيف تثنيها عن التأمل أكثر من اللازم.. إنها صديقتها ولا تستطيع تحطيم آمالها.. عادت تزفر بحرارة وهي تقول بحذر: " هذا بالضبط ما أريد توضيحه لكِ آية.. لقد فاتحنا لقمان قبل يومين برغبته في الزوا.." " قبل يومين؟!.." قاطعتها آية مستنكرة وفمها ينفتح على اتساعه وتضيف باستهجان أكبر: " أيتها الخائنة.. يومين كاملين كنتِ على علم بنيته في التقدم لخطبتي ولا تقولين لي شيئًا أو تأتين على ذكره؟.. أية صديقة أنتِ؟.." " آية حبًّا بالله! تمالكي نفسك قليلًا ودعيني أوضح لكِ الصورة.." هتفت بها وفاء أخيرًا بعصبية وقد نفذ صبرها: "حالتك الهستيرية لا تسمح لكِ بتقدير الامور ووضعها في حجمها الحقيقي.. اصمتي قليلًا ودعيني أتكلم" نبرتها الحادة بجدية غير معتادة جعلت آية تصمت وتبتلع سيلًا من الكلمات المعاتبة التي نوت اسماعها لها.. " لهجتك تخيفني يا وفاء.. هل أنتِ متأكدة أن لقمان ينوي التقدم لخطبتي؟.." دلكت وفاء جبينها بإنهاك وهي تشعر أن الموقف أصعب مما اعتقدته، لكنها بدأت تقول بكل الأحوال: " هذه هي النقطة التي أريد التحدث عنها.. لقمان لم يذكرك أبدًا عندما فاتحنا بموضوع زواجه.. بل أنا.. أنا من اقترحتك له.." تبلد تلبس آية دون أن تفهم وهي تسأل: " ماذا تعنين؟ أنا لم.. لم أفهم" " أعني أن لقمان لم.. ليس.. آه اللعنة كيف أقولها؟.. لا أريدك أن تعقدي آمالًا عريضة قد تصابين بعدها بخيبة قد توجعك.. لقمان لديه أفكار تقليدية وليس ذلك الشخص الرومانسي الذي اعتقدته.. لقد طلب من والدتي أن تختار له العروس، وعندما اقترحتك له لم يعارض.." توقفت لحظة تستجمع أفكارها لتوصل ما تريد قوله، لكن الأمر بدا صعبًا.. بل مستحيلًا.. " إذًا؟.." حثتها آية على قول المزيد وقد شعرت بالريبة وبدأ الخوف والقلق يزحف إلى نفسها من نبرتها الجدية غير المعتادة، لتتنهد بيأس وهي ترمي بكل ما لديها دفعة واحدة: " إذًا.. حتى لو كانت والدتي اقترحت عليه فتاة أخرى لم يكن سيعارض، وهذا يعني أنه لم يشعر بكِ أو يهتم كما اعتقدت.." لحظات صمت وتأمل من كلا الطرفين.. أنفاس وفاء تتلاحق وقد شعرت أنها استهلكت كل طاقتها، بينما ظلت آية هادئة هدوءًا مريبًا وكأنها لا تعي ما سمعته: " حسنا لا أفهم ما تريدين الوصول إليه يا وفاء.. هل تطلبين مني إعادة التفكير قبل الموافقة على طلبه مثلًا؟" " بل أريدك أن تفكري جيدًا وتدرسي الموضوع قبل اتخاذ القرار، ولا تنساقي لمشاعرك المندفعة نحو القبول فقط لأنه لقمان رجل أحلامك الذي تمنيت الزواج به.. هل فهمتني جيدًا يا آية؟ أنا صديقتك وأريد الخير لكِ"