خرج قصي من حمام السباحة وهو كالثور الهائج الذي يشتهي أن يقتلع رأس مصارعه، ووقف ينظر لهما شزرًا وهما تهربان من أمامه كالنعاج التي تهرب من الذئب المفترس، كانت المياه تتساقط من ملابسه وصنعت بركة تحت قدميه، فقام بخلع المعطف ودس يده في جيبه ليخرج هاتفه، ولكن فات الآوان، تحرك نحو جناحه في غضب شديد وهو يطلق الشتائم والسباب ويتوعد تلك المجنونة، وبمجرد أن دخل غرفته قام بالاتصال بالاستقبال وطلب منهم أن يبلغوا السيد وليد أنه يحتاج إليه في الجناح على الفور، ثم دخل إلى الحمام وأخذ دشًا باردًا سريعًا وارتدى ملابسه في انتظار صديقه . أما شمس فكانت تهرول كالمجنونة في الطرقات المؤدية للغرف، وهي تبحث عن رقم غرفتها وفِي نفس الوقت تلتفت وراءها لتتأكد أنه لا يتبعها، حتى وجدت الغرفة وفتحت الباب بالكارت الخاص بها ودخلت مسرعة ثم أغلقته خلفها، ووقفت وراء الباب تسند ظهرها علىه وهي تلهث من التعب . دقائق قليلة وطرقات مفزعة على الباب جعلتها تنتفض وتثب إلى الأمام كما لو كانت لص وقد ضبط بالجرم المشهود، وقفت تنظر للباب وهي تستمع للطرقات المتتالية ثم سمعت صوت صديقتها يأتي من الخارج قائلة: افتحي.. افتحي يا مؤذية بسرعة . وقفت للحظات تستمع إلىها وهي ترتعد، ثم أخيرًا استعادت صوتها وقالت: أنتِ لوحدك ولا حد معاكي؟ صرخت شاهي بصوت غاضب: افتحي يا متخلفة.. مين حيكون معايا؟، خلصيني بقا . استطردت شمس وقالت: طب أتاكدي إنك لوحدك الأول قبل ما افتح . كان الغضب قد بلغ أشده مع شاهي ولَم تعد تحتمل فقالت بصوت يحمل نبرة تهديد: ورأس جدو الدرملي باشا لو الباب متفتحش دلوقتي حتتمني أن يكون في حد معايا عشان يخلصك مني . هرعت شمس كالفأر المذعور من الوقوع في المصيدة لتفتح الباب، فهي تعلم صديقتها حق المعرفة، لا تستدعي رأس جدها إلا إن كانت قد وصلت لذروتها، وبالفعل دخلت شاهي الغرفة كالإعصار الذي يجتاح المكان ويغير معالمه، ألقت بحقيبتها أرضًا وخلعت حذائها عنها، ثم حدقت بشمس مطولًا قبل أن تجذبها من شعرها قائلة: أنتِ بتستهبلي يا هانم!، بتسلميني تسليم أهإلى، توقعي الواد في الميه وتتخانقي معاه وتجري تقفلي عليكي الباب وتسيبيني أنا في وش المدفع . وقفت شمس تتأوه من الألم وحاولت أن تخلص خصلاتها المسكينة من مخالب صديقتها المفترسة، وقالت بصوت يشبه الصراخ: اااه.. يا مفترية سيبي شعري حيطلع في أيدك، وبعدين أعملك ايه حد قالك تلبسي كعب ومتعرفيش تجري؟، أنا كنت خايفة يكون جاي وراكي وأفتح ألاقي بونيه في وشي . فلتت ضحكة عإلىة من شاهي على كلمات صديقتها، ثم تركتها وارتمت على الفراش وتمددت علىه في محاولة للاسترخاء، ثم قالت لها: ماشي يا فالحة، حتعملي ايه دلوقتي؟، حتتصرفي ازاي في ميعاد بكره؟ نظرت لها شمس ببلاهة وحدقت بعينيها قائلة: هو أنا حأروح بكره؟! وفِي الجانب الأخر جلس قصي في جناحه ينتظر وليد الذي وصل بعد نصف ساعة من طلبه ودخل عليه الجناح ليجده في قمة غضبه: خير يا قصي، في ايه؟! نظر له وعروق وجهه تنتفض من شدة الغضب وأجاب: في مصيبة يا وليد.. مصيبة . حدق صديقه به في دهشة وأجاب وهو يجلس على المقعد أمامه: مصيبة ايه؟، في ايه؟ قولي بسرعة قلقتني. مرر قصي أصابعه بين خصلات شعره بعصبية وحاول إرجاعه إلى الخلف ثم قال: في حد خاين بينا . تصلب وجه صاحبه وشعر بالريبة وقال: حد خاين.. تقصد ايه؟ ومين ده؟ أجابه بيقين شديد: أنا بقالي يومين عندي هلاوس عمرها ما حصلت لي، بقالي يومين بحلم ببنت عمري ما شفتها قبل كده ولا أعرفها، والحلم بيبقى غريب اوي، لحد هنا أنا مكانش في بالي حاجة، اه مستغرب اني بحلم وبواحدة معينة ومش عارف ليه؟، لكن اللي حصل النهارده أكد ليا أن الموضوع مش طبيعي وأن في حاجة بتتدبر ليا . كان وليد يستمع في ذهول وذهنه يفكر: هل فقد قصي عقله؟، عن أي حلم يتكلم؟، ثم قال: ايه اللي حصل؟ أجابه بتوتر: شفتها . وليد: شفت مين؟! قصي: شفت البنت اللي في الحلم. صمت وليد قليلًا وهو يحاول أن يتماسك قبل أن يطلق قذائف من فمه ثم قال: نعم يا بيه.. أنت عامل مشكلة، وجبتني أجري، وسيبت البت المزة اللي معايا وكنا ناويين على سهرة حمراء، وتقولي في خاين وعميل وجاسوس وحسستني أن الموساد بيراقبنا، وأنا قاعد ركبي بتخبط في بعضها، عشان في الآخر يطلع الموضوع بنت حلمت بيها وشفتها، أنت سخن يا قصي؟! ولا شارب حاجة؟! قفز قصي من مكانه وكأنه قد وجد غايته وقال بصوت محموم: ايوه.. ايوه.. هو ده.. شارب حاجة.. أنت قلت اللي أنا عايزه، أنا شارب حاجة . حدق صديقه به وقال ببرود: طب يا سيدي خلاص، نام وتصحى تبقى زي الفل، والمفعول أكيد حيروح، بس أنت ضارب ايه مخلي الفولت عالي كده؟!