Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الثامن

سقطت الشمس في أحضان المياه وتحول لون السماء إلى لون الغروب البرتقالي الجميل ليزيد المكان روعة، ثم حل المساء سريعًا واستيقظت شمس من قيلولتها التي فضلت أن تلجأ لها بعد عودتها من رحلة اليخت، كان الظلام يلف المكان في الغرفة، فتحسست بيدها زر المصباح الذي بجوارها وأضاءته، فأنارت المكان قليلًا، نظرت حولها تبحث عن الجوال لتتصل بصديقتها، ولكنها اكتشفت أنها نائمة في الفراش المجاور، تنهدت شمس وأسندت رأسها للخلف على حافة الفراش وشردت في هذا اليوم الغريب الذي لا تعلم كيف بدأ وأين انتهى، تذكرت لمسة قصي لوجنتها وهو يقول لها: حاضر بس أرجوك متبكيش، كانت لمسة دافئة رقيقة، تمنت لو تطول، ولكنها لم تعد تحتمل أي أوجاع أخرى، نعم استمتعت بلمسته، ولكنها في ذات الوقت رفضتها وعبرت له عن ذلك جيدًا وأنذرته ألا يحاول أن يلمسها مرة أخرى، آهه نابعة من الصدر وشعور مريض بالخوف من كل شيء وأي شخص، يجب أن تغلف قلبها وتضع علىه سياج حديدية، يجب أن تبتعد عن كل ما يؤذيها، لم يعد هناك شيء مضمون، لقد خذلها حبيب العمر، فهل سيأتي أفضل منه؟، بالطبع لا . ظلت هكذا شاردة حتى انتبهت على صوت شاهي المتثاءب: ااه، الواحد كان محتاج ساعتين النوم دول . التفتت شمس إليها وعدلت من جلستها لتصبح في مواجهتها، ثم قالت: قومي حالًا فزي من مكانك، وتحكيلي على كل حاجة من الأول للأخر وإلا والله يا شاهي حأفرج عليكي الفندق كله، وخدي بالك مش حأتحرك من هنا غير لما أعرف حتى لو حبستك في الأوضة . نهضت شاهي من الفراش وجلست على حافته وقالت: مفيش يا ستي، وليد ده الحب الأول والوحيد في حياتي، ثم صمتت . حدقت بها شمس قليلًا وصرخت قائلة: اخلصي يا ماما، احنا لسه حنتنهد، انجزي وبلاش نظام القطاعي ده، احكي الموضوع كله مرة واحدة . _ كده طب استني بقا نعمل مجين نسكافيه عشان نفوق وأحكي، وبالفعل نهضت الفتاتان معًا وقامتا بتجهيز القدحين، ثم توجهتا إلى الشرفة وجلسوا أمام البحر وبدأت شاهي تروي لها حكايتها مع وليد : أنا ووليد نعرف بعض من زمان، مامته كانت صاحبة ماما الأنتيم، كانوا دايمًا مع بعض، فطبيعي أنا ووليد كنّا بنشوف بعض كتير، أول مرة أعترف ليا فيها بحبه كنّا في النادي، كانت الشلة كلها متجمعة وكان في ولد فيها بيحبني ودايمًا ملاحقني، يومها وليد اتخانق معاه وشدني بعيد عنهم وقعد يتخانق معايا ولما صرخت فيه وقلت له وأنت مالك، رد عليا وقالي عشان أنتِ بتاعتي، محدش ينفع يقربلك أو يبصلك، وبعدها مسك أيدي وباسها وقالي أنه بيحبني، كنت وقتها لسه في أولى جامعة وهو كان مخلص جامعة وبيشتغل، مهما أوصفلك يا شمس إحساسي مش حاعرف، كنت حاسه إني طايرة في السما، فجأة حسّيت اني بحبه اوي ومقدرش أعيش من غيره، كنت عايشة أسعد لحظات حياتي، لغاية ما ماما ماتت كل حاجة اتغيرت، طنط سميرة مامت وليد وقفت جنبنا ومسابتنيش خالص، عشان أقدر أخرج من الأزمة، لحد ما في يوم بابا فاجئنا كلنا وطلب أيدها، والمفاجأة الأكبر أنها وافقت، هي منفصلة عن بابا وليد من زمان، للأسف دي كانت بداية تدهور علاقتي بيه، الجواز تم، أنا كنت حأتجنن ازاي تتجوزي جوز صاحبة عمرك، معاملتي ليها اتغيرت ومبقتش طايقاها، وطبعًا وليد غضب وساب البيت؛ لأنه مكانش موافق على الجواز، لحد ما بابا كملها وعرف واحدة عليها وطلقها، ده كان أخر مسمار اتدق في نعش علاقتي بوليد ومن وقتها منعرفش حاجة عن بعض، وأنا محبتش حد من بعده . روت شهيرة كل شيء دفعة واحدة، ثم تنفست بعمق وصمتت لتعاودها ذكرى قبلة اليوم التي كانت كالفتيل الذي أشعل كل شيء من جديد، مذاقها ما زال في فمها وجسدها ما زال يخبرها بما تغير فيه، قلبها مازال يترنح من شدة الشوق، لقد ذابت تمامًا بين ذراعيه لم تستطع الفرار من تلك المشاعر الثائرة، كانت تشتاق للمزيد، ولكنها في الأخير جاهدت نفسها عندما استطاعت أن تتوقف وتهرب من أمامه ومن الكوخ، شعرت بالخوف من ضعفها وهي بين ذراعيه، إحساسها بالراحة معه، وبالرغبة في البقاء أرعبها، وجعلها تهرب بلا تفكير . استمعت شمس إليها وهي تشعر بالدهشة، ثم قالت أخيرًا: وليه أول مرة أعرف الحكاية دي، ما أنتِ حكيتي ليا حاجات كتير تخصك، اشمعنا ده . شردت شاهي في البحر أمامها ثم قالت: صدقيني مش عارفة، يمكن عشان دي الحاجة الوحيدة اللي وجعتني بجد، أو يمكن كنت فاكرة اني نسيته . نظرت لها صديقتها وقالت: وأنتِ ما نستيش؟ تنهدت شاهي بحرقة: عارفة يا شمس هو عمل ايه النهارده، أخدني معاه لمكان على البحر، شاليه، نفس الشاليه اللي رسمناه قبل كده وقلنا حيبقى العش بتاعنا، عمل زيه بالضبط، حتى الفرش من جوه نفس اللي كنت مختاراه، لا وكمان رسم صورة ليا وليه على الحيطة اللي ورا السرير، صورة من دماغه لأول مرة باسني فيها، تخيلي، أنا أول ما شفتها حسّيت برعشة، كل حاجة حواليا رجعتني ٨ سنين لورا، كأني عمري ما سيبته، كأننا عمرنا ما بعدنا . _ ياااه يا شاهي ده بيحبك اوي.. الراجل اللي يفضل يعمل كده يبقي بيعشقك، ثم تذمرت وقالت بعصبية: ايه الجبروت اللي أنتم فيه ده، كل الحب اللي جواكم وتقعدوا ٨ سنين متعرفوش حاجة عن بعض، عشان ايه، حاجة في منتهى التفاهة مالهاش علاقة بيكم، أنتم الاتنين غلطانين يا شاهي، مفيش حاجة تستاهل أنكم تتفرقوا كده، وبعدين الواد مز وطول بعرض، ازاي تسيبيه كده؟ ضحكت شاهي وتذكرت لمساته لها وبلا وعي وضعت أناملها على فمها تتحسس قبلته ثم قالت: ااه يا شمس، تفتكري لسه عايزني؟ حدقت بها شمس في ذهول ثم ألقت عليها وسادة صغيرة بقوة وهي تقول: أنتِ البعيدة مش بتحس، الراجل قعد يعملك بيت الأحلام وراسمك على الحيطة كل ده ليه، عشان يتف على صورتك كل يوم ويقول أحسن أنها غارت، ولا عشان بيحبك يا هانم؟! _جتك قرف في ملافظك، طب قومي يلا عشان نلبس وننزل نتعشى . كان قصي يقف أمام المرأة يرتدي ملابسه، ووليد يجلس في انتظاره وهو يحدث نفسه قائلًا: ايه يا وحش أول ما شفتها عملت كده ليه، كأنك مشفتش بنات قبل كده، مش كنت خلاص قفلت الموضوع ده جواك، ايه اللي حصلك؟ انتهى قصي وعندما التفت له وجده شارد، ظل يشاهده بعض الوقت ثم قال أخيرًا: وليد.. أنت بتكلم نفسك!، مالك يا كبير، أنت وقعت ولا ايه؟! نظر له صديقه وقال: أنا واقع من زمان يا معلم، بس أنت اللي مش هنا . اندهش قصي واقترب من صديقه وجلس بجواره: واقع من زمان ازاي؟.. ثم تذكر فقال سريعًا: أستنى، هي دي حبيبة القلب اللي عملت الشاليه اللي على البحر عشانها . حرك وليد رأسه بإيماءة تؤكد توقعات قصي، فأضاف قائلًا: يا خرابي على الصدف.. دي صدفة بنت لذينة، طب وبعدين حتعمل ايه يا صاحبي . زفر وليد بقوة ثم قال: حأعمل ايه يعني، وقال أنا اللي كنت فاكر أني قدرت أنساها، لقيت أني أول ما شفتها كأنها عمرها ما مشيت ولا بعدت، كأنها لسه معايا وجوايا وعمرها ما سابتني أبدًا، لدرجة إني نسيت معاها كل البنات اللي عرفتهم، نسيت نفسي حتى . وضع قصي يده على كتف صديقه وقال له: خلاص يا معلم طالما كده مستني ايه، بصراحة هي إنسانة جميلة، وأحلى من أي واحدة من البنات الزبالة اللي كنت ملموم عليهم، وتستاهل إنك تسيب الدنيا كلها عشانها . صمت وليد قليلًا يتذكر كل ما حدث بينهما منذ سنوات وما حدث اليوم، تذكر والدته وهل سيكون هذا الوضع مناسب لها أم ماذا؟، ولكنه لم يعد يحتمل الفراق، هو متيقن الآن أنه مريض بحبها ولا سبيل للشفاء سوى بقربها، لم يعد يستطيع أن يتراجع ثانية بعد أن عادت من جديد، فلتذهب كل الذكريات المؤلمة إلى الجحيم، لن يبقى سوى حبها الذي يملأ قلبه وجسده وروحه، لذا لن يهتم بمراعاة الجميع ثانية، بل سيلحق قلبه فقط، حزم وليد قراره ونظر لقصي وقال: يلا بينا ننزل . انتهت الفتاتان من ارتداء ملابسهما، ارتدت شاهي فستان أحمر قصير بحمالات عريضة وتركت شعرها منسدل ووضعت فقط ملمع شفاه وأبرزت جمال رموشها وعيناها بمساحيق رقيقة، أما شمس فأرتدت بلوزة بيضاء قطنية (بدي) بأكمام قصيرة جدًا وجيب قصيرة منفوشة عليها ورود ملونة وفِي قدمها حذاء برقبة طويلة يصل إلى منتصف الساق لونه أسود، وصلتا الفتاتان على المطعم وتجولتا بين الأطعمة المختلفة حتى انتهت كلًا منهما بوضع الطعام في الصحن، ثم جلستا على مائدة في التراس للاستمتاع بالمنظر الجميل للبحر والأضواء الهادئة التي تنيره وهما تتناولان طعامهما في صمت، وكلاً منهما شاردة في أمرها وما التالي الذي قد يحدث لها . دق جرس الباب ونهضت السيدة رقية لترى من الطارق لتجده شريف ووالدته السيدة خديجة، صديقة العمر ورفيقة دربها، بعد الترحيب الحار، جلسوا جميعًا في حجرة الجلوس وافتتح شريف الكلام سريعًا بسؤال: كلمتيها يا طنط؟ شعرت رقية بالحرج الشديد وتلعثمت قليلًا، ثم قالت: بصراحة يعني.. لسه مقلتش حاجة . شريف باستغراب: ليه يا طنط؟!، مش احنا كنّا اتفقنا . فأجابته رقية: اه اتفقنا.. بس لازم اختار الوقت المناسب، أنا مش فاهمة يا شريف أنت ازاي مش عارف شمس، ايه للدرجة دي نسيتها؟! صمت شريف قليلًا، ثم زفر الهواء بقوة من صدره وقال: لا يا طنط عمري ما نستها، بس بردوه أنا متأكد إن مهما كان طبعها، اللي بينا أقوى بكتير . تلك المرة أجابته والدته السيدة خديجة وقالت: ما هو عشان اللي بينكم كان كبير اوي يا شريف، فوجعه بردوه عندها كبير، أنت كسرتها، وأنا مش متأكدة إنها حتقبلك تاني ولا لا . حدق شريف بوالدته قائلًا: ايه يا ست الحبايب أنتِ معايا ولا معاها؟! فزجرته بحزم وقالت: أنا مع الحق.. ومعاها قبلك، أنت نسيت إنها بنتي واتولدت وأتربت على أيدي، اوعى تكون فاكر اني حأجي عليها عشانك، لا يا أستاذ فوق لنفسك، أنت اخترت قبل كده، واختيارك دمرنا كلنا، مش ذنبنا إنك دلوقتي رجعت في كلامك، وأنا مش حأجي على البنت الغلبانة دي مهما حصل . ابتسمت رقية لصديقتها وقالت: يسلم فومك يا خديجة يا ختي، بص يا شريف أنا قلبي بيتقطع على بنتي، شمس اتوجعت كتير واستحملت كتير من بعد موت أبوها، ومحدش ساعدها وأنت اتخليت عنها، قسمًا برب العزة لولا إنك ابني وابن اختي وأقرب واحدة ليا، أنا مكنتش خليتك عتبت باب الشقة تاني، بس عشان غلاوتك أنا أديتك فرصة تانية، بس مش حاغصب على بنتي حاجة، وفِي الآخر اللي يرضيها حأعمله ليها، كفاية بقا أنا دوست عليها كتير، ومش ناوية أدوس تاني . أطرق شريف رأسه أرضًا وهو يشعر بالخجل الشديد ثم قال: هي فين دلوقتي؟ فأجابته والدتها: في شرم الشيخ عندها شغل هناك، حتقعد كام يوم وجاية. لمعت عينا شريف بفكرة وقرر تنفيذها . أنهت الفتاتان عشائهما ونهضتا من مكانهما للذهاب إلى المكان المخصص للعروض التي تقام يوميًا للأطفال والكبار، وأثناء ذلك وهما في طريقهما اعترضهما قصي ووليد، ووقف الجميع معًا وبعد التحية قال وليد: ايه رايحين على فين؟ أجابته شاهي: رايحين نشوف الشو اللي هناك في المسرح . وليد: طيب كويس واحنا كمان كنّا رايحين هناك . حدقت به شمس وقالت متسائلة: ازاي يعني؟! أنتم كنتم جايين ناحية المطعم، يعني أكيد لسه حتتعشوا. تلعثم وليد، فتحدث قصي سريعًا: لا احنا كنّا بنعمل جولة بس عشان نطمن إن كل حاجة تمام وبعد كده رايحين هناك، وتقريبًا خلصنا كان فاضل المطعم . فنظرت له شمس بتحدي وهي تشعر بكذبه وقالت: يبقى مش حنعطلكم عن شغلكم ويا ريت بكره نكمل الاجتماع اللي حضرتك بوزته النهارده عشان أبدأ الشغل، بعد إذنكم . ألقت بكلماتها وأمسكت يد شاهي وغادرت، تاركة الرجلين يشعران أنهما قد حصلا للتو على دشٍ بارد من التهزيق ولكن بشياكة، نظر وليد لقصي وقال: غسلتنا ومشت وخدت شاهي معاها . فأجابه قصي: لا خلاص بقا أنا مش حأتفاجئ، أنا من ساعة ما شفتها وأنا بتهزق عادي . ضحك الصديقان بقوة، ثم قال له وليد: طيب أنا رايح أحاول اتكلم مع شاهي . فابتسم له قصي وقال: بس بلاش تدلق بدري، خليك تقيل، أنا حأروح اتعشى.. سلام يا روميو .

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514