Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل العاشر

وصل شريف إلى المنزل ودخل غرفته للنوم، ولكنه ظل مستيقظًا على الفراش يفكر في خطوته التالية، هل يذهب لها؟، أم ينتظر عودتها؟، كان القلق يساوره لا يعلم لماذا، كلمات والدته ووالدة شمس أزعجته كثيرًا، إنه يحاول ألا يستسلم لليأس، ولكن الخوف استطاع أن يتسلل له ويداعبه، لذا هو الآن في حيرة، هل يتركها قليلًا حتى تهدأ؟، أم يطرق على الحديد وهو ساخن؟ أوقف قصي المحرك، ثم فتح الخزانة ليخرج منها ملابس أكثر راحة من التي يرتديها، خلع عنه القميص والبنطال والحذاء، وارتدى فقط شورت قصير وحذاء رياضي خفيف، ثم صعد الدرج ليصل إلى سطح القارب حتى يبحث في المبرد عن شيء يتناوله، وصل إلى الدرجة الأخيرة وقبل أن يطأ بقدمه الأرضية، لمح خيال يتحرك أمامه وفِي يده شيئًا يلمع في الظلام، وبلا تردد أو أدنى تفكير قفز نحوه يهاجمه وهو يصيح قائلًا: أنت مين؟ كانت شمس تقف متأهبة لما قد يحدث وبمجرد أن شاهدت هذا الرجل يصعد على الدرج، انتظرت حتى يكون في مواجهتها لتتحدث معه، لم تتوقع أن يهاجمها عندما يراها، لذا عندما شاهدته يسرع نحوها، وهو يصيح بها انتابها الفزع والارتباك، وبلا وعي وكرد فعل سريع هوت على رأسه بتلك القطعة الحديدية التي بيدها، وهي تصرخ قائلة: ابعد عني يا مجنون . ترنح قصي قليلًا ورجع للخلف وهو يمسك رأسه من الألم، فتعثرت قدمه في الدرج ليهوي من عليه ويسقط في الأسفل، أما شمس فكانت تشاهد هذا المشهد وهي ترتعد من الخوف وتحدث نفسها قائلة: يا دي المصيبة.. مات!.. موته.. يا لهوووي.. اعمل ايه انط في الميه ولا أنيل ايه في عيشتي الهباب؟! ظلت الأفكار تلعب بها وهي خائفة من عواقب فعلتها، وبدأت تقترب من الدرج رويدًا، حتى وصلت إليه ونظرت في الأسفل لتشاهد المصيبة الأكبر (قصي الدالي)، لم يكن مجرد شخص عادي، لم يكن أي شخص، بل كان قصي، ما تلك الصدف الغريبة؟، وماذا ستفعل الأن؟، فزعت شمس بمجرد رؤيتها له ممددًا في الأسفل، فهرعت نحوه سريعًا وجلست بجواره على الأرض تحاول إسعافه.. في البداية تحسست النبض حتى تأكدت أنه ما زال حيًا، ثم سمعت صوته يتأوه من الألم، فقالت له والخجل يملؤها: أنت كويس؟.. في حاجة بتوجعك؟ فتح قصي عيناه ببطء ووضع يده على رأسه ليجد بضع قطرات دماء في يده ثم نظر لها وقال: واحد مضروب على رأسه بماسورة، ووقع من على السلم عظمه اتفشش، ورأسه بتجيب دم، تفتكري حيبقى كويس! تلعثمت شمس قليلًا وازداد خجلها مما فعلت، ثم قالت: والله أنا مكانش قصدي.. أنت خضتني معرفتش اتصرف، غصب عني ضربتك . نظر لها قصي متألمًا وقال: والله!.. أنا اللي خضيتك!، وحضرتك لما تطلعي ليا في الظلمة وماسكة في أيدك ماسورة ولا حديدة ده اسمه ايه!، وأن أصلًا سيادتك تبقي موجودة على المركب من غير ما أعرف ده ايه بالضبط . حاولت شمس أن تبرر تصرفها، ولكن مهمتها كانت صعبة: طبعًا أنا لو حلفتلك ميت يمين، إن أنا ما اعرفش المركب دي بتاعة مين، ومكانش قصدي خالص أضربك، ومكنتش شايفة أصلًا أنا بضرب مين، مش حتصدقني صح؟! رفع قصي حاجبه وقال بسخرية: أنتِ شايفة ايه؟! فأجابته بعفوية: وهي دي فيها شايفة ايه.. حأكذب يعني.. لا طبعًا متصدقش.. مفيش عيل أهبل حيصدق أصلًا. حدق بها وقال بحدة: عيل أهبل؟! فتلعثمت قليلًا وقالت: لا مش قصدي أنت.. أنا قصدي إن الكلام حتى العيال الهبل مش حتصدقه.. يووووه.. بص بقى، أنت صح وعندك حق متصدقش، أنا أصلًا هبلة.. واحدة راجعة أوضتها وشافت مركب تقوم طالعة فيه زي العبيطة كده، لا ومن غبائي كمان أنام.. يعني مشافهمش وهما بيسرقوا.. شافوهم وهما بيتقاسموا.. لا الصراحة أنا استغبتني، بس والله أنا طلعت اتفرج بس علىه وعجبني المنظر فقعدت ونمت، مكانش قصدي بقا كل اللي حصل، أنا أسفة بجد . _ هششششش ينفع تسكتي شوية وتساعديني أقوم . نظرت له شمس بارتباك وقالت: اه صحيح.. أنا أسفة نسيت، ثم حاولت أن تساعده على النهوض، ولكن كلما حاولت أن تقترب منه كانت يداها ترتجف من مجرد فكرة ملامسة جذعه العاري، شعرت بالخجل الشديد، حاولت أن تمسك يده فقط، ولكنه كان مترنح بشدة من إثر السقوط والإصابة التي في رأسه . فطن قصي ارتباكها ومحاولاتها ألا تلمس جسده، وساوره شعور غريب بالحيرة من هذه الفتاة، هل يعقل أن تكون بكل هذا الطهر؟، أيعقل إنها تخشى ملامسة رجل حتى ولو لمساعدته!، وماذا عمن ترمي بجسدها في فراشه، وتتعمد ملامسته طوال الوقت، هل هي بريئة إلى هذا الحد؟، أم فقط ممثلة بارعة تؤدي دور الفتاة الخجول ببراعة . لم يستطع الحكم عليها، كان الأمر ليس هينًا عليه، خاصة مع كل تلك الفتيات اللاتي يراهن أمامه، لذا تعمد إرباكها أكثر فصاح بها قائلًا: هاتي أيدك يلا أنا جسمي وجعني من الأرض، ساعديني . مدت شمس يدها له ليتكأ عليها، ولكنه أخذ ذراعها ووضعه حول جذعه ثم اتكأ على كتفها ورفع نفسه قليلًا، كان جسديهما ملتصقان، يدها حول جسده، أناملها ترتجف من لمسه.. عضلاته زادت من توتر جسدها فارتجفت بشدة، وبحركة مفاجئة ابتعدت عنه.. وتركته يسقط مرة أخرى على الأرض . _اااااه... الله يخربيتك يا شيخة، أنتِ حد مسلطك عليا؟، أنتِ مصممة تعملي فيا مصيبة النهارده صح؟ وقفت شمس تنظر إلىه وقد توردت وجنتاها خجلًا وعجز لسانها عن الحديث، ثم التفتت حولها وعندما وجدت مبتغاها، هرعت نحوه وعادت تمسك بقميص وهي تنظر في الجهة الأخرى قائلة: خد البس ده . قطب قصي حاجبيه وزاد إحساس الحيرة بداخله ثم قال: ليه؟ _معلش لو سمحت إلبسه عشان أقدر أساعدك. ضحك عاليًا، ثم قال: ايه الحلوة بتتكسف؟!، ليه عمرك ما شفتي راجل مش لابس قميص . حدقت شمس فيه بعينين غاضبتين،ثم قالت: وأنا حأشوفه فين إن شاء الله؟!.. بقولك ايه خلصني وأنجز أنا مش ناقصة . صمم قصي من داخله أن يعلم حقيقتها جيدًا، فقال والألم بادي على وجهه: طب ممكن تلبسيني القميص عشان مش حأقدر ألبسه لوحدي . تأففت مما يحدث لها وحدثت نفسها: ايه يا ربي المصيبة دي؟.. اجمدي كده يا شمس وبيني له إنك راجل ولا يفرق معاكي حاجة، ثم اقتربت منه وهي تمسك القميص بأطراف أناملها وتمد يدها به للأمام نحوه كأنها تحاول ألا تقترب كثيرًا، مما جعل قصي يقول: حد قالك إني عندي مرض معدي ولا حاجة، مالك يا بنتي هو أنا جربان.. بتعملي كده ليه؟ _ممكن تخلص وتبطل تتكلم كتير مد ذراعك يلا.. التاني كمان . استطاعت أن تجعله يرتدي القميص، ثم ساعدته على النهوض ليستلقي على الأريكة التي بغرفة القيادة، وقالت: فين علبة الإسعافات؟ أجابها قصي وهو ممدد: هناك في الدولاب ده . أحضرت شمس الإسعافات وجلست بجواره، عاينت الجرح وبدأت في تنظيفه ثم تضميده، وعندما انتهت أخيرًا قامت بإعطائه مسكّن للألم: حاول ترتاح شوية عشان تقدر تسوق المركب وترجع بينا . لم يستطع قصي المجادلة لقد كان مجهد بالفعل، يشعر بدوار شديد والألم يجتاح كل جسده، أغمض عينيه في سكون وغط في النوم، أما هي كان الإرهاق قد تملكها، لذا تجولت في القارب تبحث عن مكان تنام به وعندما وجدت غرفة بها فراش، ألقت بجسدها عليه بلا تفكير وغلبها النوم سريعًا . داعبت نسمات الربيع البارد وجهها، وانضمت له خيوط النهار تدغدغ جفونها.. فتحت عيونها ببطء شديد.. وبدأت تستعيد وعيها تدريجيًا، وتذكرت كل ما حدث ليلة أمس، ثم انتفضت مذعورة وهي تقول: شاهي.. يا دي المصيبة، دي حتقتلني . ظلت تفتش حولها عن حقيبتها وعندما وجدتها أخرجت الهاتف وحاولت الاتصال بصديقتها، ولكن لم تجد تغطية للهاتف، انتابها الخوف مما قد تفعله شاهي عندما لا تجدها، وتمنت أن لا تقوم بفعل شيء يثير قلق الجميع وأولهم والدتها . ثم نهضت من الفراش وقررت أن تذهب للاطمئنان عليه، وبالفعل توجهت إلى كابينة القارب، وألقت نظرة علىها فوجدته ما زال مستغرقًا في النوم.. لا تعلم لم وقفت تتأمله؟، وجهه البرونزي.. أنفه الذي يشبه أنف الرومان.. شعره الناعم الطويل الذي يضفي عليه مزيد من الجاذبية.. جسده الذي يبدو أنه يعتني به جيدًا ويتدرب كثيرًا، عضلات صدره البارزة، نعم هو يمتلك وسامة وجاذبية شديدة، تذهب عقول الفتيات، لا تستطيع إنكار هذا، لقد تأثرت هي أيضًا به، وتشعر بانجذاب قوي نحوه، بالتأكيد ليس حبًا ولا إعجاب، ولكنه استطاع أن يثير أحاسيس عديدة بداخلها، استطاع أن يربكها، هي فقط منجذبة نحوه ليس إلا . ظلت شاردة هكذا مع خيالاتها حتى انتبهت على صوت: أنتِ حتفضلي تتفرجي عليا كده كتير؟ انتفضت شمس وزاد ارتباكها ثم أجابت قائلة: ايه؟.. لا.. لاااا.. أنا كنت.. أنا كنت بطمن عليك وبشوفك صحيت ولا لسه . _ بتطمني عليا ااه، واطمنتي؟ ! شمس وهي تمرر أصابعها في شعرها بتوتر: أنت عامل ايه دلوقتي؟ قصي وهو مغمض العينين: مصدع شوية.. حاسس بدوخة . _ ألف سلامة عليك.. طب ارتاح وأنا حأشوف حاجة تأكلها . غادرت شمس الغرفة وتركته وحيدًا لتبحث عن طعام في القارب، أما قصي فقد نهض من على الأريكة واعتدل في جلسته، وشرد قليلًا يفكر في حاله، وما أصابه مؤخرًا، أصبح يكره كل شيء حوله، حتى ما كان يرغب به لم يعد يطيقه، وأولهم حسناء، تلك الفتاة اللعوب، قلبه يحدثه أن وراءها سر كبير لا يعلمه بعد، ظل هكذا إلى أن عادت شمس ومعها بعض المأكولات الخفيفة وعلبتين صودا . جلست بجواره بعد أن أحضرت منضدة صغيرة ووضعتها أمامهما، ثم رتبت الطعام وجلسا يتناولناه، وبعد أن انتهيا منه قالت له: ايه رأيك نطلع فوق تقعد في الهوا والشمس شويه؟، تعال وأنا حأسندك يلا، نهض قصي معها وصعدا سويًا وجلسا على حافة المركب يتأملان البحر، كان ما زال شاردًا قليلًا، نظرت هي نحوه وشعرت بأن هناك خطبًا ما فبادرت بسؤاله: مالك؟، في حاجة مضايقاك؟ نظر نحوها ورأى لمعة غريبة في عينيها لم يلحظها من قبل، جال بعيناه على تفاصيل وجهها وهو يحدث نفسه قائلًا: مين قال إنها مش جميلة، اه هي مش زي البنات اللي جمالهم يدوخ، بس هي ليها جمال خاص بيها، براءة وشها، طفولتها، الطيبة اللي في عينها، والراحة اللي تحسها بمجرد ما تسمع صوتها، جمالها مختلف، جمال يتحس مش يتشاف، ثم انتبه على صوتها تقول: ياااه أنت سافرت كل ده، رحت فين؟ عاد قصي يشاهد البحر: مش عارف، دماغي مشغولة بحاجات كتير اوي . ابتسمت بهدوء وقالت: طب بما أننا شكلنا هنطول هنا، فممكن تستغلني وتقعد تشكي همك، متخافش أنا بسمع كويس اوي، وممكن كمان أقدر اساعدك . تنهد قصي وزفر أنفاسه بقوة، ثم قال: افضفض.. يا ريت بالسهولة دي . _ وايه اللي حيخليه مش سهل، بص أحلىى حاجة في الفضفضة لما تكون مع حد غريب، حد ممكن يبقى شايف الموضوع من زواية مختلفة، حد احتمال ما تشوفوش تاني، ده حيبقى مريح أكتر . شعر قصي بغصة في قلبه عندما سمع آخر جمله قالتها، ولكنه لن يعير انتباهه لما يشعر به، فهو ليس في حالته الطبيعية الآن: تفتكري ممكن تفيديني؟ ! شمس بمرح: جرب حتخسر ايه، يوضع سره في أضعف خلقه . قصي بحذر: بس بشرط . _ أشرط يا سيدي . _ مش عايز أحكام، تسمعي من غير ما تقاطعيني أو تقعدي تنظري عليا . أشارت شمس إلى قلبها وقامت بعمل إشارة x عليه وقالت: وعد مني.. وشرف الكشافة مش حأحكم عليك . نظر لها قصي وهو يفكر هل يسرد لها كل شيء أم لا؟، وهل ستتقبل ما سيخبرها به أم ماذا؟

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514