جلس قصي بمفرده يتناول العشاء، وهو يفكر هل يذهب إلى الملهى قليلًا؟، أم يصعد مباشرة لغرفته ويحاول النوم مبكرًا، ولكنه شعر أنه لا يريد أن يختلط بأحد الأن ويفضل أن يبقى بمفرده، لذا من الأفضل أن يتجه لغرفته، كان على وشك الانتهاء من طعامه والنهوض، عندما شعر بيد توضع على كتفه وصوت أنثوي مثير يعرفه جيدًا يقول: الملك قاعد لوحده ليه؟ ترك شوكة الطعام من يده ومسح فمه بمنديل السفرة، أما حسناء فجلست بجواره ووضعت يدها على رقبته تحركها كما تشاء، لذا أفلت المنديل من يده وأمسك بيدها وأزاحها جانبًا بدون حتى النظر إلىها وهو يقول: عايزة ايه يا حسناء؟ عادت تلك المرة لتتصرف بجرأة أكبر ووضعت يدها على صدره تتحسسه وهي تمرر أصابعها بدون أي حياء قائلة: حأكون عايزة ايه يا بيبي.. أكيد عايزاك أنت.. وحشتني.. بقالك يومين بعيد عني، وخلاص مش قادرة استحمل اكتر من كده . نظر لها قصي باشمئزار وقال: هو اللي حنقوله حنعيده ولا ايه؟، الزمي حدودك وأعرفي أنتِ بتكلمي مين، ومتنسيش نفسك . نظرت حسناء نحوه ببرود شديد وقالت: بقا كده؟! طب اسمع بقا يا بيه يا كبير، مش حسناء اللي يتعمل معاها كده، مش أنا اللي تأخذني لحم وترميني عظم، اصحى وفوق لنفسك، أنا مش واحدة من بتوع ليلة وخلاص، ولو فضلت كده كتير، متزعلش من اللي حيحصل والفضيحة اللي هأعملهالك . حدق قصي بها بغضب شديد وقال: فضيحة ايه يا زبالة، أنتِ ناسية نفسك؟! ناسية أنتِ جربتي ورايا ازاي؟ ناسية مين اللي جاتلي الأوضة وكنتِ حتتجنني عشان تفضلي معايا . نظرت له حسناء بدلال وقالت بصوت ناعم: لا يا بيبي مش ناسية.. فاكرة كل حاجة.. بس اوعى تفتكر اني سهلة أو مش عاملة حسابي، ركز معايا يا حبيبي كويس عشان متلاقيش بكره خبر بالبونط العريض بيقول قصي الدالي يستدرج الفتيات باسم الحب والزواج والوهمي، بص الصحافة مش حتغلب اكيد حيعرفوا يحطوا عناوين تشد وتعمل فرقعة . ضرب قصي المائدة أمامه بقبضته بقوة وهو يقول: اه يا واطية . حسناء ببرود: تؤتؤ تؤتؤ تؤتؤ كده عيب يا بيبي مش أخلاقك، فكر في كلامي كويس وحأسيبك النهارده وبكره ميعادنا بالليل في أوضتنا مع بعض يا قلبي عشان نرجع ليالينا الحلوة . ثم نهضت من أمامه وأرسلت له قبلة في الهواء، وهو يحدق بها ويتمنى أن يسحقها بقبضته وبغضب شديد قال: اه يا زبالة يا واطية، بس أنا اللي غلطان اني نزلت نفسي للمستوى الحقير ده . وصل وليد إلى الحفلة ووجد شاهي تجلس بجوار صديقتها وهي تضحك ومستمتعة بعروض الساحر، اتجه نحوهما وجلس خلف حبيبته ثم اقترب من أذنها وهمس: ينفع اتكلم مع القمر شوية؟ تفاجأت شاهي به واستدارت نحوه في خجل ثم قالت: اتفضل . فأضاف: تؤتؤ مش هنا، ممكن تيجي معايا نتكلم شوية لوحدنا . نظرت شاهي له، ثم التفتت نحو شمس وانتابتها الحيرة ولَم تعرف ماذا تفعل؟، حتى وجدت صديقتها تنهض قائلة: طيب أنا حأقوم أنام عشان عندي شغل بدري، خليكي أنتِ براحتك، وأنا حأسبق على الأوضة، تصبحوا على خير . نهض وليد من مكانه وودع شمس ثم أمسك يد شاهي وقال: تعالي معايا . غادرت شمس واختارت أن تسلك الطريق الأطول من خلال البحر لتذهب إلى غرفتها، فالوقت ما زال مبكرًا على النوم، ظلت تتجول على الشاطىء حتى وجدت قارب خشبي كبير يرسو على الشاطىء، فقررت أن تصعد وتجلس به قليلًا، كان الجو رائع، ونسمات الصيف الباردة تغازل وجهها وتداعب خصلات شعرها، إحساس غريب بالراحة والهدوء النفسي يصاحبها الآن، تشعر أنها قوية، ولا يوجد ما قد يكسرها ثانية، كانت مستمتعة بكل ما حولها، ظلت تتجول على سطح القارب قليلًا، بالرغم من أنه ذو طراز قديم ولكنه مجهز على أعلى مستوى، رائحة الخشب تصل إلى أنفها وتستمتع بها، السطح به مقاعد كبيرة على الجانبين، ثم هناك درج لتنزل إلى جوف القارب، يبدو أن به حجرات وكابينة القيادة، لم تحاول النزول، لا يجب أن تتطفل أكثر من هذا، هي فقط تريد الجلوس قليلًا والاستمتاع بالمنظر الجميل والجو الرائع، جلست في أقصى القارب، خلف الدرج، بحيث تكون غير مرئية لمن على الشاطىء وظلت تشاهد البحر والأمواج المتلاحقة، ثم استلقت على ظهرها لتستمتع برؤية السماء الزرقاء الصافية المزينة بالنجوم التي تبدو كمصابيح كثيرة مشتعلة، ظلت هكذا حتى غلبها النعاس واستغرقت في النوم . اصطحب وليد شاهي مرة أخرى إلى الكوخ لتجد هناك أمامه المدخل مزين بالأزهار.. والورود تفترش الأرض، ومشاعل على الجانبين من بداية الطريق حتى مدخل الشاليه وفِي التراس يوجد مائدة مزينة بالورود والشموع، وقفت شاهي مذهولة مما تراه، لم تكن تتوقع أن يفعل كل هذا من أجلها، أما هو فقد أمسك يدها ونظر في عينيها وقال: حأسألك سؤال واحد وعايزاك تجاوبي من غير تفكير . نظرت له شاهي وشعرت برجفة في جسدها وأماءت برأسها وقالت: حاضر . رفع وليد باطن يدها إلى فمه وأمطره بالعديد من القبلات الدافئة، ثم قال: بتحبيني وعايزاني ولا لا؟ زادت الرجفة في جسدها، وانتابتها قشعريرة جعلتها تنتفض، حاولت أن تتكلم ولكنها تلعثمت ولَم يخرج أي شيء من فمها . نظر لها وليد وذاب بعيناها أكثر ثم قال: طيب أنا حأقولك.. أنا بعشقك يا شاهي.. عمري ما حبيت ولا حأحب واحدة غيرك، أنتِ حبك عامل زي اللعنة اللي مقدرش أتحرر منها، حاولت كتير انساكي ببنات كتير.. صدقيني مكنتش شايف ولا واحدة فيهم.. مفيش واحدة علمت فيا ولا خلتني انساكي لحظة واحدة.. أول ما شفتك تاني حسّيت كأني لسه سايبك امبارح، قلبي كان بيرقص من الفرح، مسكت نفسي بالعافية اني اخدك في مكانك الطبيعي.. حضني.. أنا بحبك يا شاهي.. بحبك ومش حأقدر أبعد عنك تاني، ولا حأقدر استنى ولا يوم تاني وأنتِ مش جنبي، أنا عايزك معايا امبارح قبل دلوقتي، عايز أعوض السنين اللي فاتت من غيرك.. قلتي ايه؟ كانت شاهي تستمع لكلماته وهي تبكي وعندما انتهى، نظرت له بعينين دامعتين ووضعت يداها على صدره ثم بقبضتيها انهالت علىه باللكمات وهي تصرخ فيه قائلة: يا غشاش.. يا كذاب.. أنت ندل.. سبتني ٨ سنين أتعذب.. مفكرتش تكلمني مرة واحدة ولا تشوفني.. مسألتش عليا، أنت كذاب، لو كنت بتحبني بجد مكنتش قدرت تعيش كل ده من غيري، مكنتش قعدت كل الفترة دي محاولتش تكلمني، جاي دلوقتي تقولي بحبك، وكنت فين طول ال ٨ سنين دي، وافرض مكنتش جيت كنت حتكمل عادي، أنت خاين وكذاب، أنت خدعتني، قلتلي بحبك وعمري ما حأبعد عنك ولا اسيبك وسيبتني، قلت مش حأخليكي تبكي في يوم ولا تندمي على حبك ليا، وجرحتني وعيشت سنين ابكي بسببك، قلت إنك مش حتسمح للحزن يقرب مني، وخلتني أحزن بسببك وكل يوم يعدي عليا من غيرك كنت بموت فيه، أنت كداب.. كداب . وقف وليد في صمت يستمع لها، يتركها تفعل ما تشاء، تخرج كل الغضب الذي بداخلها، وعندما خارت قواها وقالت كل ما تريد، احتجزها بين ذراعيه، وهو يستنشق عبير شعرها، وهمس في أذنها قائلًا: أنا كنت بموت في اليوم ألف مرة من غيرك، قلبي نسي ازاي يدق تاني، حياتي كانت مجرد وقت وبيعدي، أنا كنت بتعذب في بعدك، صدقيني لو كنت أقدر أرجعلك كنت حأرجع من غير تفكير، بس كل حاجة كانت صعبة، سامحيني.. سامحيني على أي دمعة نزلت.. وأي وجع حسيتيه، سامحيني وخلّينا نبدأ من جديد . تشبثت به ودفنت وجهها في صدره، وضمته أكثر لها ثم قالت: أنا بحبك يا وليد.. عمري ما حبيت حد غيرك، ولا حأحب . غادر قصي المطعم ثائرًا، يريد أن يحطم أي شيء أمامه، حاول أن يستعيد هدوئه، ولكنه لم يستطع، لذا فضل الابتعاد عن الجميع، انطلق نحو الشاطئ وهو يتملكه الغضب يفكر أن يذهب للفتك بتلك الفتاة، ولكن لا يجب أن يدمر حياته من أجل فتاة رخيصة، يجب أن يجد الطريقة المثلى للتخلص من تلك الحسناء، لذا قرر أن يأخذ القارب في رحلة إلى الجزيرة، ليهدأ قليلًا ويستطيع التفكير بشكل صحيح . صعد إلى القارب ونزل إلى جوفه ليتأكد من أنه مجهز بكل ما يحتاجه، ثم دخل الكابينة وأدار المحرك وبدأ رحلته نحو أقرب جزيرة (تيران) ليرسو هناك، ويتمتع بعزلته حتى يصل إلى الحل المناسب، أضاء قصي الكشافات وزاد من سرعته، وهو لا يعلم أنه ليس بمفرده، وأن هناك ضيف لم يكن في الحسبان . استيقظت شمس من غفوتها في فزع ورعب شديد من صوت المحرك، ولوهلة لم تدرك ما يحدث حولها وأين هي، ثم تذكرت أنها صعدت القارب ويبدو أنها غفت، تصلبت في مكانها لا تعلم ماذا تفعل، لقد تحرك القارب، والشاطئ يبتعد أكثر فأكثر وهي لا تجيد السباحة، ولن تستطيع القفز في المياه في هذا الظلام، وأيضًا لا تعلم من يقود القارب، وماذا قد يفعل بها؟، انتابتها العديد من الهواجس التي جعلت الفزع يتملكها أكثر، حاولت أن تسيطر على أعصابها وتفكر جيدًا، أقنعت نفسها أن من يقود المركب بالتأكيد لم يرها، وتلك هي فرصتها، أن تختبئ في أي مكان حتى يرسو على الشاطئ وتحاول التسلل دون أن يراها صاحب القارب، نهضت سريعًا وحاولت البحث عن مكان جيد للاختباء، ولكنه كان من المستحيل ذلك، فسطح القارب كله مكشوف لا يوجد به مكان تستطيع أن تحتمي فيه، لذا اعتمدت على الظلام وجلست في مؤخرة القارب في انتظار أن يرسو حتى تهرب منه سريعًا. مرت نصف ساعة وعندما شاهد قصي الجزيرة أمامه دار حولها بالقارب، ثم وقف في بقعة خاصة به يفضلها دائمًا، وأطفأ المحرك، ثم أنزل المرساة، وقرر أن يقضي بعض الوقت في هذا المكان، كانت شمس تنتظر تلك اللحظة، لحظة وقوف القارب، اقتربت من السلم لتهبط ولكنها اكتشفت أنها ما زالت في عرض البحر، وأن القارب لم يرسو على الشاطئ، بل على مرآى منه ولكن يبتعد عنه قليلًا، ارتعدت من الخوف وبحثت في حقيبتها عن هاتفها وعندما حاولت الاتصال لم تجد تغطية جيدة للشبكة، فأعادته مرة أخرى وبدأت تبحث عن خطة بديلة، وعندما سمعت صوت قادم من أسفل، عرفت أن أيًا كان الشخص فهو سيصعد عما قريب ويكتشف أمرها، لذا لم تستطع أن تمنع نفسها من البحث عن أي شيء قد تحتاج أن تدافع به عن نفسها، فهي لا تعلم من أي الكائنات هو . ظلت تبحث حتى وجدت خزانة في مقعد القارب، فأسرعت بفتحها وظلت تنبش داخلها في الظلام حتى ارتطمت يدها بشيء معدني طويل، لا تعرف ماهيته ولكنه سيفي بالغرض، أمسكته بحزم بين قبضتيها الإثنتين ووقفت مستعدة للمواجهة، متسلحة بمبدأ (الهجوم أفضل وسيلة للدفاع) وظلت عيناها متعلقتان بالدرج، منتظرة صعود من بالأسفل لتبدأ المواجهة .