رجفة غريبة سرت به، وشهقة قوية أطلقها وكأن الروح ستخرج من الجسد، عرق يتصبب من جبينه، الرؤية لم تعد واضحة، وفجأة وصل إلى سمعه صوت يعرفه جيدًا: صباح الخير يا بيبي . فرك عيناه بيديه وحاول أن يستجمع قواه، وفتحهما ببطء ليجد نفسه ما زال في الفراش، وتلك الحسناء بجواره، صدمة لم يكن يتوقعها، لم يكن يتخيل أن كل هذا مجرد حلم، من تلك الفتاة؟ لماذا تظهر له في الحلم دائمًا؟ ماذا تريد منه؟، أحاسيس متضاربة تجتاحه، وشعور بالاشمئزاز يتغلب عليه منذ ليلة أمس، حاول قصي أن يهدأ قليلًا ويستعيد ثباته، ثم نظر بطرف عينه لحسناء التى تتمدد بجواره غير عابئة بجسدها العاري الذي لا تحاول إخفاءه تحت الغطاء، بل تتعمد أن تظهر منه أكثر مما تخفي، وبصوت تملؤه الحدة والصرامة قال: عايز أخرج من الحمام مالقيش خيالك هنا، دقايق وتكوني لابسة وبره الجناح، واعملي حسابك لو اللي حصل امبارح اتكرر منك تاني، حأرميكي بره حتى لو عريانة ولا حيهمني، أنا بالنسبة ليكي مستر قصي وبس، ثم أنهى جملته ونهض من الفراش متجهًا إلى الحمام غير عابئ بها . أما حسناء فكانت تجلس تستمع إلىه وهي مذهولة لا تعلم ما الذي حدث؟، وكيف بين ليلة وضحاها يتغير هكذا؟، أفاقت من صدمتها على صوت باب الحمام وهو يغلق بقوة، فنهضت مسرعة تلملم أذيال خيبتها وخسارتها، لقد أعطته كل ما يريد في مقابل الحصول عليه، والآن خسرت كل شيء . جلست الصديقتان في الطائرة في انتظار لحظة إقلاعها، كانت شمس تشعر بالغضب الشديد من شاهي لأنها خدعتها وحجزت تذاكر الدرجة الأولى، أما شاهي فكانت سعيدة بالرحلة، تحاول أن ترسم في مخيلتها ما سيدور فيها، ثم نظرت لوجه صديقتها ولَم تكن في حاجة لأن تعلم مدى الغضب الذي يجتاحها: ما خلاص بقا يا شمس، أنتِ أوفر الصراحة، يا ستي أنتِ واحدة واخدة على الاقتصادي، أنا لا، أنا عمري ما ركبت حاجة تانية إلا الدرجة الأولى، بلاش جو بقا الشهد والدموع اللي أنتِ عاملاه ده، وفكك كده وحاولي مرة واحدة تستمتعي باللحظة، أنا مش عارفة ايه الرخامة اللي أنتِ فيها دي . حدقت بها شمس والشرر يتطاير من عينيها وقالت: أنا رخمة، وأوفر وعايشة في جو الشهد والدموع، صح ما هو اللي يقول الحق معاكي يبقى كده، فرقت ايه الكرسي ده من كرسي الاقتصادي، لكن ندفع كل الفرق ده في الفلوس عشان ساعة طيران، أنتِ مفترية فعلًا ضحكت شاهي قائلة: أنتِ حتموتيني ناقصة عمر، مش شايفة أي فرق بجد؟!، اسكتي يا شمس أحسنلك، كفاية اللي عملتيه فيا اليومين اللي فاتوا . التفتت لها صديقتها بجذعها وهي تضع يدها بخصرها وقالت: نعم يا ختي، عملت ايه بقا فيكي، أنتِ تسكتي خالص وليكي عين تتكلمي، كفاية الفلوس اللي خلتيني اصرفها على شوية هلاهيل مالهمش لزمة . اتسعت حدقتا شاهي في ذهول وظهرت على وجهها علامات التعجب والغيظ الشديد ثم قالت: داليدرس، بيلا دونا، CHANEL, H&M .DOLCE & GABBANA ، BURBERRY ، يتقال علىهم هلاهيل يا جبارة، بس يا شمس، اسكتي أحسنلك بدل ما أخنقك، أنتِ فعلًا واحدة مبتفهمش حاجة، رايحة تقابلي واحد تقريبًا ملياردير، عايزة تشتري لبس منين؟ من الموسكي ولا وسط البلد، أفهمي بقا لازم تظهري عشان تقدري توصلي . جعدت شمس جبينها وعضت على شفتها السفلية وهي تعلم في قرارة نفسها أن ما تقوله حقيقي، ولكن ما زال تبذير الليلتين السابقتين يؤلمها، ثم قالت بصوت يتراجع عن تعنته: ما هو أصل يعني يا شاهي كان ممكن نجيب لَبْس حلو بردوه بس مش بالتكاليف دي كلها، أنا ما اتدفعش من ساعة ما اتولدت لحد دلوقتي في لبسي تمن فستان واحد من الفساتين دي . نظرت لها شاهي بغضب، فأغمضت شمس عيناها وقالت: خلاص حاتكتم ، ابقي صحيني لما نوصل . وصلت الفتاتان إلى الفندق قبيل منتصف الليل وتوجهت شمس مباشرة إلى موظفي الاستقبال، لتأكيد الحجز، واستلام مفاتيح الغرفة، في حين أن شاهي كانت تجلس في بهو الفندق تتفحص هاتفها، وعندما أنهت الأخرى أمر الغرفة انضمت إلى صديقتها وجلست معها: ايه يا مزة.. يلا نطلع ننام عشان عندي شغل الصبح . رمقتها شاهي بنظرة غاضبة، ثم قالت: نوم ايه!، هو احنا تلاميذ، تعالي نلف لفة في الفندق كده، أو نروح نتفرج على الشو اللي هناك ده . تنهدت شمس فهي تعلم أنه لا فائدة من المجادلة معها، وأنها لن تقبل بأي شيء آخر فنهضت وهي تقول: اتفضلي لما نشوف أخرتها، بس اعملي حسابك ننجز هناك عشان لازم أنام بدري . نهضت شاهي خلفها وهي تقول: حاحاول . لم يحتمل قصي الأجواء الصاخبة كثيرًا، شعر بألم في رأسه، فغادر الحفلة واعتذر للضيوف الذين كانوا يجلسون على مائدته، وتوجه على الفور إلى المكتب لمراجعة بعض الأوراق التي أهملها في المساء، كانت حسناء تجلس على مقربة منه، تتابعه بنظراتها، نيران الحقد والغضب تملأ صدرها، عازمة كل العزم على الانتقام منه . غادر قصي المسرح الذي تقام به الحفلات، واتجه إلى بهو الفندق حيث يكون مكتبه في الردهة التي بجوار مكتب الاستقبال، سلك طريقه حول حمام السباحة إلى باب اللوبي، وهنا سمع صوت نداء له من الخلف، التفت ليجد حسناء قادمة من بعيد، كان عقله يحدثه قائلًا: يا ربي، عايزة ايه الزفت دي، أنا مش فايق لها، لذا قرر أن يتجاهلها ويكمل طريقه، فأسرع في خطاه وفتح الباب المؤدي للبهو ليعبر من خلاله، ولكنه ارتطم بفتاة بقوة جعلتها تسقط أرضًا. شعر بالحرج الشديد من هذا الموقف، وأسرع بمد يده ليساعدها على النهوض، وهو يلقي نظرة علىها للاطمئنان وهم بالاعتذار، ولكن: أنتِ!.. أنتِ ايه اللي جابك هنا؟!، جيتي ازاي؟! أنتِ بتعملي ايه؟ وقفت الفتاة مرة أخرى على قدميها بعد أن تعلقت بيده، ونظرت له بغرابة شديدة، ثم قالت: ايه الجنان ده؟!، أنت مين أنت؟، وايه الأسئلة دي؟!، ده بدل ما تعتذر وتقولي أنا آسف، داخل فيا شمال!، أنت مجنون ولا ايه؟! كان قصي قد وصل إلى ذروة الغضب، لم يعد يعي أي شيء ولا يبالي بأي شيء، لا يهتم بمن حوله ولا يرى أحد، فقط هي، من سببت له الأرق والحيرة طوال اليومين الماضيين، لذا لم يعبأ بكلامها ولَم يحاول استدراك الموقف، بل قبض على ذراعها بقبضة يده بعنف وسحبها خلفه للخارج، ثم أوقفها أمامه بجوار حمام السباحة وهو يحتجز ذراعاها بيديه وصرخ بها قائلًا: لو مقلتيش حالًا أنتِ مين وعايزة مني ايه، حتشوفي حأعمل فيكي ايه . شعرت شمس بالرهبة والخوف وتقلصت ملامح وجهها، ولكنها حاولت إظهار القوة والتخلص من يديه وهي تصرخ به: أنت أهبل يا بني؟!، حأعوز منك ايه؟، هو أنا أعرفك ولا شفتك قبل كده، أنت شارب حاجة يا بني على بالليل وجاي تطلعه عليا . لحقت شاهي صديقتها بعد أن لملمت حقيبتها التي وقعت منها أرضًا، وعندما وصلت وجدت هذا الموقف المحتدم بينهما، حاولت أن تتحدث، ولكن قصي لم يمنح أحد الفرصة وقال: كده يعني مش عايزة تتكلمي، طيب انا حأوريكي حأعمل ايه . وسحبها من ذراعها خلفه وهو يسرع بجوار حمام السباحة، وهي تحاول التملص، وشاهي تصرخ به أن يتركها، ولكنه لا يستمع لأحد، كان الذعر قد تملك شمس، لم تحاول التفكير بل بدون وعي دفعته بقوة ليسقط في حمام السباحة، ووقفت هي تشاهده وهي تشعر بالنصر، ثم قالت: بلاش تتقل في الشرب يا توتو بعد كده، طالما مش أد اللي بتطفحوه، بتتنيلوا ليه؟ أدركت شاهي صديقتها ووقفت بجوارها قائلة: الله يخربيتك يا شيخة، ايه اللي عملتيه في الراجل ده؟