سكتا الإتنان يفكران، فتكلم واحد ¤ أحضره إلى العنبر لنتحدث قليلا معه ونرى إن كان أهلا للثقة أم لا! ابتسم فيصل راض عن نفسه لقدرته على اقناعهم و طمعه يستسهل له خطواته ويهون عليه الأمور. "عمي ماذا هناك؟" ..."أبدا صغيرتي جئت أختبئ معك هنا، حتى لا تجدنا رنا ...تعالي في حضني كي لا تخافي هيا!" .."حاضر"...."عمي ماذا تفعل؟ لماذا تعرق هكذا؟"...."أنا أحضنك لأنك صغيرة وجميلة "....".أبي أين أنت؟" ..."مممم" .. "شششش لا تخبريها بمكاننا، فتجدنا بسرعة "...."أرجوك عمي دعني! أنت تخيفني ".."شششش" ..ورد ..ورد! انتفضت ورد مكانها على السرير تريح يدها فوق عنقها تستنشق أكبر كمية من الهواء لتدخلها إلى رئتيها، تشعر بجبل ضخم يطبق على صدرها ولا تستطيع التنفس، تلفتت بهلع لحظي وكأنها نسيت أين هي! قبل أن تطرق السمع ليصلها صوت طرقات خافتة وهمس باسمها، تركت السرير واستقامت واقفة تخطو نحو الباب وفتحته لتجده واقفا أمامها بطوله وهو لايزال بقميصه الأبيض والسروال الأسود من بدلته ليلة أمس متجعد كالقميص المفتوح أول زرين من أزراره. نظر إليها بتفحص، فابتسم يهمس بهدوء ¤ لم أغير ثيابي لعدم وجودها هنا، فما هو سببك أنت؟... أم أن سترتي حازت على إعجابك، فقررت ارتدائها مدى العمر؟ أنزلت رأسها لتكتشف بأنها قد نامت بثيابها، فنزعت السترة بارتباك ومدتها إليه ومازالت ابتسامته على ثغره بينما يقول وهو يلتقط سترته من يدها. ¤ طرقوا باب الجناح مرتين ...أعتقد لاستدعائنا للفطور ....قومي بتغير ملابسك و انزلي! ...سأذهب لغرفتي القديمة لأغيّر ثيابي وسأوافيك إلى هناك. تنحنحت تجلي حنجرتها هامسة مثله لكن برقة استغربتها هي قبل ان يفعل هو ¤ححمم، لمَ لا تطلب من أحد ما إحضار ملابسك هنا؟ رمقها لريبة، لتكمل بارتباك ¤ أقصد سيكون الأمر غريبا إن لمحوك ذاهبا إلى غرفتك القديمة. أجابها حائرا وخائفا من تصديق ما يرغب به ولم يفت انتباهه المرآة المغطاة بالوشاح ¤ فليكن إذن! سأرسل أحدا ليأتيني بملابسي، استعجلي أنت. أومأت بنعم قبل أن تقفل الباب واتجهت إلى حقائبها تعقد جبينها، تسأل نفسها لماذا بحق الله قالت ما قالته؟ أما هو فاتجه إلى الهاتف الداخلي يطلب ملابس من غرفته القديمة وجميع التكهنات تهجم على عقله، بين خوفها من أن يتركها لوحدها والوشاح فوق المرآة وخاطر آخر يقاوم ليظهر نفسه ولا يسمح له بأن تكون الغيرة. ابتسم بسخرية عند هذه الفكرة منفضا إياها عن عقله. خرجت من غرفتها بعد أن انتعشت وارتدت ثيابها، عبارة عن تنورة اختارتها بيضاء إلى كاحليها وكنزة من الصوف الرقيق كلون التنورة لكن أغمق بدرجتين وجمعت شعرها كعادتها تاركة بعض الخصلات حرة ثم كحلت عينيها واستعملت دهان البشرة لتخفي بعضا من شحوب وجهها، فهي الآن عروس بنظر الجميع ولا تريد الاخلال بشروط ليث كي لا يخل هو بشروطها. أجفلت على صوت فتح الباب، فلمحته خارجا يرتدي ملابسه المعتادة، سروال جينز أزرق وقميص أسود وبيده سترته الجلدية، شملها بنظرة رضا ثم أشار لها بتقدمه نحو الباب. نزلت من غرفتها متجهة إلى غرفة الجلوس لكنها وجدتهم جالسين في البهو وكأنهم في عزاء، كل واحد منهم على كرسي قبالته فنجان قهوة حتى سهى الحامل، فهتفت ¤ سهى! القهوة ليست جيدة للحامل . ضمت سهى شفتاها بضيق وهي تشير إلى والدتها، التفتت إليها فهالها ملامح وجهها المنهكة، تعلم أن لا أحد منهم ذاق طعم النوم، فالجميع وهي من بينهم لا يصدقون مغادرة ورد بهذا الشكل. صدح جرس الباب، فتساءلت إن كان ابن خالتها الذي جاء في مثل هذا الوقت الباكر؟ رفعوا رؤوسهم للداخل عليهم والذي لم يكن سوى هشام، فحنقت ولم يهدئ غيظها منه دقات قلبها المتسارعة. لمحها فابتسم يعلم بأنه قد جاء باكرا، لكن ماذا يفعل بنفسه التي ظلت طوال الليل تنتظر الشمس لكي تشرق فيتمكن من رؤيتها؟ نهضت كل من سهى ومحمود الذي تقدم إليه ليصافحه، فتحدث هشام يلاحظ توتر الأجواء ¤ أنا آسف حقا، أعلم بأنني أبكرت ...أردت إيصال مريم إلى البيت قبل الذهاب إلى عملي ووالدتي تنتظرها. أجابه محمود بأدب، يغتصب إبتسامة رسمية ¤ لا مشكلة ضابط هشام تفضل! تناول القهوة إلى أن تستعد الآنسة. ثم التفت إلى شقيقته، يستطرد ¤ رافقيها أختي وساعديها من فضلك. هتفت مريم بقلق ¤لن أترك الخالة هكذا! رمقها هشام بريبة يتأكد لديه شعوره بحدوث خطب ما، أما محمود فرد عليها بتعب لا يطيق نقاشا إضافيا ¤ لا تقلقي! ستكون بخير إن شاء الله، أنا معها وسهى أيضا، أعلمت زوجها بقضائها اليوم معنا، فلا تقلقي! ..أليس كذلك أمي؟ ¤ ها؟ رفعت السيدة عائشة رأسها مجفلة من ذكر اسمها، لتتنبه إلى حضور هشام، فقامت ترحب به ¤ أهلا بك بني، أنا آسفة لم ألاحظ دخولك. ابتسم هشام بامتنان بينما تكمل بحزن وهي تقترب من مريم ¤ يحزنني فراقك أنت أيضا لكن هم أهلك و أولى بك، لا تطيلي الغياب عني بنيتي، سأشتاق إليك. ضمتها مريم بشدة تطلق العنان لدمعاتها، قائلة بصوت متهدج اهتز له قلب هشام ¤ لن أنساك أبدا يا خالة، أنت بمقام والدتي وسأزورك باستمرار إن شاء الله. أبعدتها برفق لتمسح دموعها، مجيبة بتشجيع ¤ هيا كفى دموعا واذهبي لكي لا تتأخري على ابن خالتك. أومأت بوجوم واتجهت إلى غرفتها لتحضر أغراضها. حمل أمتعتها ورتبها بحقيبة السيارة ثم فتح لها الباب لكي تركب بجانبه فأشارت للعائلة مودعة قبل أن تحتل مكانها ويغلق عليها الباب، اتخذ مكانه خلف المقود وانطلق يحيط بهما هدوء إلا من صوت هدير السيارة وعجلاتها تلتهم الطريق أمامها حتى قرر قطع الصمت بأي حديث مهما كان ¤ ما بها السيدة عائشة؟ لاحظت بأنها شاحبة ثم أنا لم أرى الآنسة ورد، أهي بخير؟ أجابته من بين أفكارها المحيطة بها منذ أن تركت منزل ورد ¤ أنت لا تعلم ماذا حدث أمس... التفت إليها عاقدا حاجبيه، يعقب ¤ أمس؟ أليست خطبة ورد وليث بالأمس؟ لقد فارقني متحمسا؟ ماذا جرى؟ ردت عليه ساخرة ¤ لا شيء! فقط بدل أن يتفقوا على الخطبة و يحددوا موعدا للزواج زوجوها له وأخذها بيده خارجا. ضغط على فرامل السيارة فجأة مما جعلها تمسك بمقعدها توازن نفسها، فأوقفها جانبا والتفت إليها كليا، يقول بدهشة ¤ ماذا؟ تزوجها؟ كيف ذلك؟ رفعت يدها تلوح مفسرة بضيق ¤ مثل كل الناس يا هشام ، تزوجا وأخذها معه إلى بيته أو بيت أهله إن صح القول! كان يهم بالتحدث لكن اسمه من بين شفتيها لأول مرة، جمد الحروف بحلقه كما جمد مقلتاه على شبيهتيهما. لاحظت مريم صمته فتوترت من تحديقه وتحركت بمكانها، تقول بارتباك ¤ أ.أ...لم تت..تأتيكم إخبارية عن تخطيط جديد لخطف ورد؟ رمش بجفنيه وما إن فهم كلامها ضم ما بين حاجبيه يتمتم محاولا التوصل لمعنى حديثها ¤ إخبارية ...خطف ورد؟ رمقته بريبة، تستفسر منه ¤ ألا تعلم بالأمر ؟ قال ليث بأن هناك إخبارية بلغته بخطة جديدة محتملة لخطف ورد لذا وجب زواجهما بسرعة ليحميها. فكر بسرعة يؤكد قوله مرجئا حقيقة الموضوع إلى حين رؤية صديقه ¤ آه طبعا نعم، لقد حدث، بيد أنني لم أتوقع بأنه سيحل الموضوع بالزواج. جمعت فمها إلى الجانب الأيمن تضيق عينيها مدققة بملامحه، ففر منه تركيز كل خلية بدماغه إلى تلك الشفتين المزمومتين. توترت مجددا و التفتت أمامها تطلب منه بارتباك ¤ حممم... شغل السيارة من فضلك. تنبه الى طلبها فشغل السيارة ينطلق بها بينما يفكر بقول وفعلة صديقه، محاولا نفض أفكاره الخاصة حول التي تجاوره حتى حين. كانت الخالة وابنتها لمار في استقبالهما وضمتها خالتها بشدة ترحب بها قبل أن تسحبها لمار من والدتها تقبل وجنتها وتدعوها بسرور ¤ تعالي معي! سأريك غرفتك. رافقتها منبهرة بكبر البيت مع أن ظاهره العتاقة لكن فخم، أدخلتها غرفة بين غرف أخرى برواق طويل بالطابق العلوي، انشرح صدرها بألوان الطلاء الكريمي الفاتح يضاعف من رحابة مساحتها وسرير ضخم يتوسط الغرفة بأعمدة ذهبية وستائره زهرية شفافة منسدلة عليها، بالجانب الآخر دولاب كبير من نفس اللون وفي الجدار المقابل نافذة ضخمة مطلة على الحديقة وأخيرا باب بالركن دققت به فهتفت لمار تفسر لها ¤ إنه الحمام المرفق، لكل غرفة هنا حمام مرفق لها، هل تريدين أن أساعدك بترتيب ملابسك؟ همت بالرد لكن صوت يزيد من دقات قلب مريم حال دون ذلك يقول ¤ لا.... اتركا ذلك للخادمة وتعاليا! أمي تنتظر على المائدة لنفطر سوية. سحبتها لمار من يدها فتبعتها مستسلمة وقلبها يهفو إلى من يسبقهما غافلة عن فكره الذي يخبره باستحالة عيشها معه تحت سقف واحد من غير أن تكون حلاله. **** ما إن خطت ورد إلى الرواق حتى وقفت، فألقى عليها نظرة تساؤل ردت عليها ببلاهة لحظية ¤ أنا لا أعلم الطريق . تفهم قولها يهز رأسه ولم يتقدمها رغم ذلك يسير معها بالتوازي، تلفتت حولها في الرواق العريض المزين بشتى التحف الغالية الثمن منها العريق والأصلي ونزلا على سلمٍ درجاته واسعة ومنقوشة من كلا الطرفين. أشار لها إلى مدخل مفتوح مزخرف بنقوش إسلامية بجوانب سقفه لتدخل، فولجت إلى الغرفة تتأمل وسعها والمائدة الطويلة التي تتوسطها. رفعت رأسها إلى الجدار الطويل أمامها المصنوع كله من زجاج مطل على البحر مباشرة، دخل الهواء المشبع بعبير البحر رئتيها فابتسمت تلقائيا لمرأى البحر قبل أن تجفل على إمساك الجدة لها من كتفيها تسحبها إلى المائدة، قائلة بلطف ¤ يعتقد المرء بأنه سيتعود رؤية هذا المنظر ويصبح أمرا عاديا لكن لا يحصل أبدا والدليل أنا، أسكن هذا البيت لست وخمسون سنة ولازلت ابتسم نفس ابتسامتك كلما دخلت هنا وكان هذا الجدار عبارة عن نافذتين صغيرتين بالماضي، اجلسي يا ابنتي لتفطري. هزت رأسها وأمسكت يدها تقبلها، بينما تقول ¤ السلام عليكم، صباح الخير جدتي. ردت عليها الجدة التحية وليث يزداد احتراما لها وأخلاقها الحسنة تضاعف من قيمتها في نفسه. نظرت حولها ولم تجد سوى ليث والجدة التي قالت تفسر لها ببسمة حانية لا تفارق ثغرها، ترتدي فستان بيتي تقليدي بلون أزرق فاتح كلون الطرحة يلف رأسها الصغير المناسب لجسدها الضئيل طولا وعرضا ¤ الكل غادر باكرا ....فأحمد و يوسف أعمالهما لا تنتهي، اسراء في المدرسة وبيان بعملها. تذكرت الجدة شيئا، فأكملت ¤ لا أظنك تعرفين بيان، تكون ابنة أخت زهرة، توفي والداها في حادث وهي لاتزال رضيعة لم تكمل الحول، أحضرتها زهرة لتتكفل بها وأحببناها جميعنا، مقامها في البيت كليث واسراء وهي الآن تعمل تحت إمرة ابني يوسف، فهو شديد الحرص فيما يخصها، يعتبرها أمانته الغالية. رمق ليث ورد بنظرة ذات معنى وهذه الأخيرة قد رق قلبها تجاهها، فلقد سمعت الكلمة السحرية "يتيمة" ففكرت تتساءل هل من الممكن أن تكون سببا بتعاسة بيان؟ وهناك بوسط قلبها وجع أنانية لم تعهدها بنفسها تصرخ بملكيتها لليث، فتنهدت بتعب من تضارب مشاعرها التي أنهكتها وحاولت التقاط شيء تسد به رمقها، فهي لم تأكل منذ غداء الأمس. .تنبهت إلى قول ليث الذي سأل ¤ أين أمي؟ لم يكد يكمل سؤاله حتى سمعا صوتها داخلة عليهم ¤ انا هنا بني، كنت أتمم على الغداء. ضحكت الجدة بمرح وغمزت لحفيدها الذي ابتسم بتلقائية لقول جدته المرح ¤ قولي بأنك شاكستِ سعاد المسكينة كما العادة، ها! على ماذا تشاجرتما هذه المرة؟ كانت قد بلغت جوارهم تلوح بكلتا كفيها بطريقة أنيقة، ككل شيء فيها بينما تجيب بحنق وورد تتأملها لأول مرة تلمحها بشعرها البني الملموم إلى الخلف في ذيل حصان أنيق، ترتدي فستانا مريحا قصته جميلة بلون الكراميل ¤ تلك المرأة قد كبرت وخرفت، أخبرتكم بوجوب تبديلها لم تصدقوني، لقد وجدتها تطبخ بالسمن البلدي، تريد قتلنا، مليون مرة أخبرها أن الطبيب منع الدهون الكاملة على أغلب سكان هذا البيت لكن رأسها اليابس يظل على فكرة واحدة أن القوة الجسمانية من كل شيء بلدي. أطلق ليث ضحكة صاخبة من كل قلبه وقد أعاده ذلك المشهد إلى طفولته السعيدة، ففتحت ورد فمها بينما يدها جامدة أمامها بالملعقة تتأمل وجهه الضاحك الذي أظهر غمازتين خفيفتين وتجعيدات تكاد لا ترى على جانبي عينيه المبتلتين من أثر الضحك حتى أضحت زرقتهما تبرقان بشدة، رمقها بمكر و كأنه ضبتها فحادت بعينيها عنه إلى الطبق أمامها وقالت الجدة تكتم ضحكاتها تشاكس كنتها هي الأخرى ¤ زهرة بنيتي إن كانت سعاد كبرت وخرفت، فهي من نفس عمرك حبيبتي، فاحذري كلامك. رفعت رأسها بأنفة ترد بعبوس رافض ومستنكر ¤ أنا أصغر منها بالتأكيد وأجمل أيضا، فلا تثيري حنقي أمي. استقام ليث واقفا يمسح أثر الضحك من على عينيه وضمها إليه بحنو، يهادنها بالمدح المجامل ¤ طبعا أمي، أنت دائما الأصغر والأجمل وأعلم أيضا بأنك لا تستطيعين التخلي عن رفيقة عمرك مهما تجادلتما. شدت من ضمها له وقد تغير حنقها إلى بسمة رضا تجيبه ¤ انت دائما تفهمني، حبيبي. غمز لورد مازحا فغصت بالأكل وبدأت تكح حتى دمعت عينيها، فتحول عبثه لقلق يسرع إليها بالماء والجدة تمسد بخفة ظهرها، نظرت إليها الأخيرة وحتى السيدة زهرة بريبة بينما ليث يضم شفتاه لداخل فمه يكتم ضحكة ماكرة تفرض نفسها عليه. تجاهلت عبثه واستقامت واقفة بتوتر تتجه نحو حماتها لتمسك بيدها تقبل ظهرها كما فعلت مع الجدة وكما تربت ونشأت الفعل مع الكبار عموما احتراما لهم ¤ السلام عليكم أمي، أنا آسفة، بالأمس حصل كل شيء بسرعة ولم أجد الوقت لأقبل يدك وأتلقى مباركتك. لانت ملامحهم حتى السيدة زهرة تفاجأت بها ولم تتوقع تصرفها هذا، خصوصا وقد حضرت رفضها لها وظنت بأنها ستشمت بها لأن ابنها فرضها عليها ورضخت لكن الآن بدأت ترمقها بنظرة جديدة ويبدو بأنها حقا مختلفة عن الأولى. تنبهت إلى إشارات حماتها فاستوعبت مقصدها وقامت بنزع خاتم زواجها لتمسك بكف ورد، قائلة تحت أنظار الأخيرة المبهوتة مما تفعله ¤ هذا خاتم العائلة، ينتقل من كنة إلى كنتها الكبرى، احتفظي به جيدا إلى أن تسلميه إلى كنتك التي أرجو أن تحصلي عليها وأنا على قيد الحياة... بارك الله لكما وعليكما ورزقكما البنين والبنات وطولة العمر. ارتعدت يد ورد بينما ترفعها لتنظر إلي الخاتم بمقلتين تكادان تخرجان من محجريهما من شدة جحوظهما، اقتربت منها الجدة التي لمحت إشارة خطرة كان ليث قد التقطها أيضا، تضمها وأنزلت يدها تخاطبها برفق ¤ تعالي معي إلى الشرفة الصغيرة، إنه مكان جميل سيعجبك. أما ليث فقد سحب والدته يطلب منها التكفل بنقل ملابسه إلى جناحه الجديد فيشغلها دون وعي عن حالة ورد. **** مجتمعين حول مائدة إفطارهم، السيدة هناء على رأس الطاولة وابنها على يمينها، مريم على يسارها ولمار تجاور الأخيرة التي تتناول طعامها بحياء وهو لا يرحمها من نظراته الملاحقة لتفاصيلها، ضحكت لمار بمكر، فتنبهت السيدة هناء على الوضع، تتساءل ببعض المزاح ¤ بني، هل اليوم إجازة؟ لم يجبها، فالرجل يهيم بحمراء الحاجبين قبالته، فضربت ساقه حتى أطلق آهة حنق وليس ألم التفت على إثرها إلى والدته يستنكر فعلتها، أعادت سؤالها فشملهن بنظرة سريعة قبل أن ينهض عن مكانه مجيبا ¤ أنا ذاهب أمي، إن احتجتم لشيء هاتفوني. خص مريم بنظرة في آخر جملته ثم انسحب وهو يؤكد لنفسه ضرورة إخبارها برغبته بزواج بها، فليجد وقتا مناسبا عندها سيخبرها دون تردد. **** متسمرة مكانها تقبض على جانبي خصرها، تتأمل سريرها المغطى بأنواع قطع الأقمشة الحريرية المطرزة، تأخذ أحدهم تتأمله قليلا ثم تعيده و تأخذ آخر إلى أن قطع مسابقة اختيارها لأحسن ثوب مطرز طرقات على بابها، دخل صاحبها باسما ثم ما لبثت أن تحولت ابتسامته الى استغراب، يشير إلى السرير مستفسرا ¤ ما هذا أختي؟ هل ستنظمين معرضا و أنا لا أعلم؟ مطّت أسماء شفتاها ترد بهزؤ ¤ معرض ماذا يا حسرة؟ فأنا أصبحت عاطلة بلا شغل ولا مشغلة كل ما في الأمر أن الطبيب سألني عن هوايتي، فأخبرته وطلب مني قطعة ليراها. اقترب سمير منها وأمسكها من كتفيها يخاطبها بحنان ¤ تعلمين بأنك لا تحتاجين لعمل، فأنا قادر على تأمين ما تريدينه عزيزتي. زفرت باستسلام تربت على إحدى يديه الممسكتين بكتفيها، تجيبه بحب ¤ أعلم أخي و أنا لا أعترض. أنزل يديه ثم أخبرها ¤ أنا سأخرج لذلك مررت عليك لأراك، هل أنت مستعدة لجلسة الغد؟ أعطته ظهرها تنظر إلى السرير وقد اتخذت قرارها بشأن القطعة التي ستختارها، عبارة عن منديل طاولة أبيض متوسط ومنديل شخصي أصغر منه مطرز بنفس شكل باقة الورود. ¤ نعم، إن شاء الله. همست، فهز رأسه والتفت خارجا بينما يقول راضيا ¤ جيد إذن، أراك لاحقا بإذن الله. أقفل باب غرفتها واستل الهاتف ليطلب شمسه الحارقة، رنتان و ردت عليه بنبرة مبهجة ¤ مرحبا. ابتسم ببلاهة ولمع الرماد بمقلتيه مجيبا بسخرية يدرأ بها مشاعره الجياشة نحوها ¤ مرحبا سنبلة أين أنت؟ لا تقولي مع أمل، لقد استحوذت عليك تلك الفتاة. سلبت لب قلبه بضحكتها الرائقة، تجيبه بدلال تعمدته ¤ هل تغار منها يا أشيب الشعر؟ عبس بينما يده ترتفع لتلمس مكان قلبه الخافق، يجيب بحزم ¤ يجب أن أراك قبل أن أذهب لعملي، هل أنت بالدار ؟ ردت بالإيجاب، فطلب منها انتظاره على بابها. **** يديها على السور المطل على البحر، ترمقه بتركيز لا تريد أن تفر منها مقلتيها إلى الخاتم فيهدر قلبها رعبا من جديد، تخشى المسؤولية الملقاة على كاهلها، فتتجادل الأفكار بعقلها .."يا إلهي! إنهم ينتظرون مني القيام بواجبات الكنة، انجاب وتحمل مسؤولية البيت، قراري لم يكن مدروسا، ألقيت بنفسي بحفرة أعمق." أطلقت زفرة حارة فنادتها الجدة الجالسة عل الأريكة الخشبية خلفها ¤ تعالي ابنتي، اجلسي بجانبي. استدارت إليها مستجيبة لطلبها، فحطت الجدة بيدها على يد ورد، تحاورها بلطف ¤ماذا بك يا بنتي؟ تحدثي وأفرغي كل همك علي وكل ما ستبوحين به سيبقى بيننا ولن يعلم به أحد. ألقت عليها نظرات حائرة، تفكر بأن هذه السيدة حكيمة وطيبة وموضع ثقة وهي الآن في أشد الحاجة إلى مساعدة، كونها كرهت غرفتها التي أمضت بها سنوات وقررت الزواج فقط كي لا تعود إليها فرارا من أشباح ماضيها التي قررت الإعلان عن نفسها والتحول لحقيقة ملموسة، هذا بحد ذاته يعلمها بمدى قربها من الجنون، أجفلت على دخول ليث يمد لها يده بهاتفه، فالتقطته بتردد تتفادى لمس أصابعه. وضعته على أذنها تصغي لصوت والدها القلق ¤ ورد، لماذا هاتفك مقفول؟ ردت عليه بينما تعقد جبينها ¤ آه، إنه في حقيبة يدي، لقد نسيت أمره بالكامل، كيف حالك أ.... نظرت إلى الجدة، فأكملت بدل ذلك ¤ عمي؟ أجابها برقة ¤ أنا بخير ما دمت بخير .سآتي الليلة مع السيدة عائشة والباقي، اتفقت معهم وأخبرت ليث ليبلغ عائلته، اعتني بنفسك جيدا حبيبتي من أجلي اتفقنا؟ ¤ حاضر عمي وأنت أيضا، في أمان الله. تركت الهاتف فوق المائدة الصغيرة أمامها ليأخذه ليث الذي سألها قبل أن ينصرف ¤ سأذهب للعمل ...هل تحتاجين لشيء؟ اكتسى وجهها القلق لكنها أومأت بلا، فأكمل قاصدا جدته ¤ لا تتركيها جدتي أبدا، ظلي معها إلى أن أعود، فهي لم تتعود على البيت بعد. هزت رأسها و ضمتها قائلة ¤ ستؤنس وحدة عجوز إلى أن تعود بإذن الله. انصرف مطمئنا عليها بجانب جدته أما ورد فردت عليها ¤يشرفني مصاحبتك جدتي لكنك لست عجوزا أبدا. ضحكت الجدة بمرح ترد عليها ¤لست أنا من يقول حبيبتي، إنما هي سنوات عمري المتجاوزة للسبعين. لمحها تنتظره على باب الدار ببدلتها المحتشمة كثيابها التي غيرتها عن سابقتها وتحسبه لا يلاحظ ذلك، شعرها الأشقر الذهبي مصفوف بعناية ومنسدل على كتفيها يسابق أشعة الشمس في لمعانها بينما صفحة وجهها متقونة الزينة، ليهتف برفض ¤ تبا! متى يأتي دور الحجاب؟ وتلك الزينة لا داعي لها إطلاقا. ألقت عليه التحية وفتح لها باب سيارته المهترئة مشيرا لها بالدخول، فدخلت على مضض تخفي امتعاضها. ذهب بها إلى نفس المقهى على البحر يرمقها بتفحص، فاحمرت كعادتها منذ تعرفت عليه ليضحك بمرح ينعش صدره فيشاكسها بقوله ¤اشقت إليك. زاد احمرارها تنهره بعبوس شرس ¤ سمير! فيضيق عينيه مفكرا قبل سؤاله ¤ متى ستحدثين أهلك؟ أريد أن أخطبك من والدك. تفاجأت من حديثه وتوترت، تتمتم بارتباك ¤ ا...يجب أن نن..تريث قليلا، فأنت تعلم... سكتت لا تدري ما تقول ليكمل هو بسخرية ¤ نعم أعلم الفرق الشاسع في المستوى المادي الذي سيجعل والدك يلقي بي إلى الشارع حتى قبل أن أفتح فمي. نكست رأسها من صدق قوله، فأكمل ¤ أنا لا يهمني رأي والدك، كل اهتمامي منصب عليك أنت، هل تستطيعين الوقوف بوجه أهلك من أجل علاقتنا؟ و الأهم من ذلك هل ستقدرين على التخلي عن المال والدلال لتعيشي معي و بمستواي المادي؟ فأنا لن أقبل بحسنة من زوجتي أو أهلها. أجفلت من هجومه وظلت تنظر إليه مفغرة فمها، فقام من مكانه يهتف قبل أن يغادر وقد اشتد به الغضب خائفا من فقدانها يلعن عقده ¤ عندما تتيقنين من صدق مشاعرك نحوي و يكون حبك لي أكبر من كل مال و جاه، اتصلي بي وحينها سأحارب الدنيا من أجلك، أعتقد بأن لديك في حقيبتك الجميلة هذه أكثر من مبلغ سيارة أجرة. انصرف تاركا إياها تزفر بحنق من حساسيته المفرطة، تكتف يديها على صدرها، خلفها مباشرة يقبع جاسوس محترف سجل كل الحوار بالحرف وقام بإرساله عبر أحد تطبيقات التواصل لرئيسه. خرج من سيارته مسرعا لتأخره الذي لم يستأذن من أجله، فماذا سيقول وبماذا يعلل؟ خطبته تحولت لزواج؟ التفت إلى صديقه الذي أوقفه بلمسة على كتفه، يهتف باسما ¤ كلانا متأخران اليوم، لولا سمعتنا التي صنعناها بشقاء لتم تأنيبنا أيما تأنيب. أجابه بينما يلج مكتبه وقد انتقل إليه مرحه ¤ أنا لدي حجة مقنعة صدقني.. فماذا عنك أنت؟ فرد عليه ساخرا ¤آه نعم نعم، أعلم بأنك قمت بحبك قصص بوليسية تخدع بها عائلتك وعائلة العروس لتحظى بها. رفع ليث يده ليسكته وأسرع يغلق الباب و الآخر ينظر إليه بريبة ¤ شششش ستفضحنا. اقترب من مكتبه وجلس بجانبه على سطح الطاولة يخبره بجدية ¤ أنت تعرفني جيدا، لا أفعل شيئا من فراغ، ورد متفقة معي لأسباب ضرورية لن أخوض فيها الآن. أجابه بجدية كذلك وحزم ¤ طبعا صديقي أنا أثق بك، لذلك أكدت على كلامك لمريم دون أن أعلم بالموضوع . زفر براحة ثم ما لبث أن ضم حاجبيه، يستوضح منه ¤ متى رأيتها؟ ذهبت لبيت ورد؟ رفرف برموشه مازحا، يجيبه بهيام لم يدعيه ¤ جلبت صدفة عمري إلى مكانها الأزلي. ضرب ليث يدا بيده الأخرى مجيبا بتهكم ¤ رحمك الله يا ضابط هشام برتبة ممتاز، مت وتركت لنا إمرؤ القيس هذا، لا يليق بك! ضحكا معا ليقطع ضحكهما دخول الضابط ياسين دون إذن هاتفا بجدية ¤ سيدي، زيد يطلب رؤيتك حالا! نهض الإثنان يتناظران بجدية استولت على جميع خلاياهما العصبية وانطلقوا إلى سجن العاصمة وكلهم تفاؤل وعزم. **** طلب منه فيصل مرافقته إلى العنبر الذي ينزل فيه مع صديقيه، فمن دونهما لا يستطيع اتخاذ قرار مهم فيما يخص عملهم الإجرامي، رافقه على مضض مزعوم و تظاهر بالضيق . عرّفه إلى صديقيه الظاهر عليهما الريبة والحنق وبعد أسئلة مضنية وسيجارتان أطبقتا على صدره اتفقوا معه على إخباره بهوية رئيسهم شرط أن يشرح لهم كيف سيسلمه ورد وخرج من العنبر يفكر بأن الموضوع أكبر مما خطط و سيطول، فناجى ربه ليمده بالعون، تذكر رؤية الشاب "مروج البضائع" في ركن في عنبرهم الخالي من نزلائه بهذا الوقت من النهار، لتولي كل واحد منهم مهمته إلا من كان مصابا أو متملصا بحجة مقنعة وهو يريد "المروج" ليزوده بمسكن لرأسه فقد آلمه من كثرة الدخان ما إن بلغ مدخل العنبر حتى أتاه صوت نقاشهم الحاد، فتجمد مكانه يطرق سمعه بحذر ¤ هل جننت؟ بعد كل أجوبته الواثقة لازلت لا تثق به؟ ¤ اسمع فيصل! نحن لا نلعب هنا، الرئيس إذا عرف بتسريب اسمه لأي كان سيقطع ليس فقط رقابنا بل ورقاب ذوينا أنت تعرف كيف وظفنا عنده وخطورة عقابه. ¤ لكن ابنه مجنون بالفتاة، فما بالك بتسليمها له ثم زيد هذا مجرم أيضا، بماذا سيضرنا؟ ¤ ها أنت قلتها بنفسك، مجرم يعني لا دية له والمنشاوي لا يلعب مع أحد. ¤ششششش ماذا تقول؟ أخفض صوتك! لكن الأوان كان قد فات، فالصقر التقطها وفر بخفة ضاحكا لا يصدق حظه، يستغرب من الاسم الذي ليس إلا لأنسباء الخطاب وأول ما فعله صلى ركعتين شكرا لله غير قادر على تأجيلها، مذهولا من سرعة استجابة الله لدعائه، لماذا القدر بدأ يتيسر له بعد طول عسر لسنوات طويلة؟ بلغ مدير السجن كما طلب منه ليث إذا ما أراد مقابلته وانتظر يتحرق شوقا للغد المبهج. ***** دفع تامر الكرسي بقدمه وارتطم بالحائط حتى تشتت إلى قطع خشبية وقطعة الحديد لحالها، التفت إلى مكتبه، فرمى كل ما عليه بيديه أرضا ثم أمسك بخصلات شعره يكاد ينتفها من منابتها، صديقه يحاول ثنيه عما يفعله إلا أنه أزال يديه بشدة يصيح بكل ذرة غضب يشعر بها ¤ لماذا؟ لماذا فضلته علي ولماذا يحصل على ما يريده دوما؟ لماذا؟ أجابه صديقه محاولا تهدئته ¤ هدئ روعك يا صاح! الفتيات كثُر وأجمل منها بمراحل، تشير لأي منهن فتأتيك جريا ...لمَ كل هذا الحنق؟ فليذهبا إلى الجحيم! رد عليه حاقدا قد بلغ به الغضب مداه ¤ أنت لا تفهم ..لا أحد يفهمني، ورد غير تلك الفتيات، إنها مختلفة ولقد حصل عليها مثل كل شيء ثمين يحصل عليه في حياته ...التفوق في الدراسة ...دخول كلية الشرطة ..وقبل كل ذلك والد وجد يدعمانه دوما، فيفعل ما يريده ولا أحد يقف بطريقه. ظل صديقه يرمقه باستغراب، لا يفقه من قوله شيئا حتى عداوته بليث لم يعرف بها حتى خانه و تشاجرا، فبدأ يظهر كل حقده الذي أخفاه، فهو يتذكر كيف كان مرافقا له ولهشام كظلهما منذ صغرهم إلى أن قرروا الالتحاق بالسلك الأمني، إلا أن والد تامر لم يسمح له ولا أحد يعلم لرفضه سببا. تكلم يحاول تهدئته مجددا ¤ رافقني، سأعد جلسة ترفيه من أجلك خصيصا، فقط أخبرني ما تريده وسأحضره بأي ثمن . رماه بنظرة أرعبته، فاستدرك متمتما يرفع يديه باستسلام ¤ فهمت لقد فهمت، أنت غاضب الآن....كلمني حين تهدأ . وفر من أمام إعصار الغضب الجارف. مسح تامر على وجهه يزيل من عليه بعض الإرهاق وفُتح باب مكتبه على حين غفلة، فزفر بقنوط يعلم تحديدا من يفعل ذلك، التفت إليه يراقبه بينما يتلفت حوله مستنكرا الفوضى ¤ ماذا بحق الله حدث هنا؟ ابتسم ساخرا يهمس كالعادة من أقوال والده المنافقة ¤ حق الله! صاح والده، قائلا بنفاذ صبر ¤ ارفع صوتك أنا لا أسمعك، ماذا حدث هنا ؟ أجابه و هو يهوي بثقله على الأريكة الجلدية الفاخرة ¤ ورد تزوجت من ليث ...أظنك سعيد الآن. رد عليه بضيق وهو يجلس بجانبه ¤ ألم نغلق هذا الموضوع من قبل؟ فليتزوجا أو ليحترقا ماداما بعيدان عنا. أمسك تامر أعلى أنفه بين عينيه بسبابته وابهامه يدلكه، مجيبا بتعب ¤ أجل أجل أغلقناه، ماذا تريد؟ اقترب أكثر ليشد انتباهه هامسا ¤ هناك شحنة كبيرة ستدخل قريبا في موعد الانتخابات، هكذا سيكون الأمن مشغولا وسيكون تمويها مناسبا. أجابه بملل ¤ وما الجديد؟ يعني ككل مرة ....سأتولى كل شيء. استشعر تامر الخوف من نبرة صوت والده الذي قال بحزم ¤ الشحنة ستدخل عبر وسائل نقلنا. رفع حاجباه هاتفا بعجب ¤ ستغامر بنفسك؟ إنها أول مرة تفعلها، فأنت دائما تجيد إخفاء اسمك ما الذي استجد؟ ضم شفتاه بتفكير ثم فتح فمه يشرح ¤ بها حجر الماس ولا أريد المغامرة بها مع أي أحد، لذلك سأقوم بهذه الصفقة التي ستدر علينا مبالغ خيالية، سأنشئ مصرفا أضمه إلى المجموعة وهكذا تغسل الأموال بعضها ويبقى اسمي نظيفا وستكون هذه آخر عملية لي، سأتقاعد بعدها . أطلق تامر ضحكة صاخبة خالية من المرح ومن يتحقق منها جيدا يشعر بمدى مرارتها، فهتف والده بحنق ¤ ما الذي يضحكك؟ جمدت الضحكة فجأة كما بدأها، يجيبه بوجه جامد وصوت بارد ¤ممم، تريد التقاعد جيد جدا، لا تخبرني بأنك أيضا ستحج لتتوب ثم تفتتح دار أيتام تغدق عليهم من خيراتك. زوى ما بين حاجبيه الفضيين، متشدقا ¤ و إن يكن؟ إن الله غفور رحيم و سأفتتح أحسن دار أيتام . ابتسامة ساخرة سوداء صاحبتها كلمات كالسم الزعاف نفثها بينما ينهض ليستقيم على قدميه ¤إن فتحت دارا يا أبي لن تكون إلا لليتيمات فقط والصغيرات منهن. استقام والده بحدة يصيح مبهوتا، متشككا من كلامه ¤ ماذا تقصد يا ولد؟ أدار ظهره إليه متظاهرا بالنظر إلى الشارع من نافذة مكتبه ومقلتيه تنذران بنار ستحرق الجميع وهو أولهم ¤ لم أقصد شيئا أبي. .. المهم! سنتحدث لاحقا عن تفاصيل العملية ...أتركني الآن! ضاقت عيني حلمي على ابنه بريبة قبل أن يهز رأسه مستسلما، يقول محاولا ثنيه عن التي استحوذت على عقله وستدمرهم كبيرة كما لم تفعل وهي صغيرة. ¤ إنسها بني، لا هي تليق بك ولا أنت تليق بها، انسها والتفت إلى عملك. ثم انسحب من مكتب ابنه هامسا لنفسه ¤ كنت سأريحك منها وهي مجرد قزمة صغيرة لكن القدر أنقذها مرتين حين أحسنت الاختباء ووجدوها قبلي وحين أنستها الصدمة كل شيء. أما تامر فعينيه على نقطة وهمية يهمس هو الآخر لنفسه ¤ لقد حذرتكِ ومع ذلك اخترته، فلتتحملي النتائج إذن! استل هاتفه يستدعي رقما ما ثم وضعه على أذنه لبرهة قبل أن يخاطب محدثته ¤ رهف يجب أن تعودي ..أريدك في أمر ما فكوني أمامي في أقرب فرصة ...سلام.