فتحت عينيها على صوت المنبه لصلاة الفجر، بسطت يدها تلقائيا وقامت بإسكاته، أرجعت يدها فاصطدمت بشيء ملمسه خشن أفزعها، مسحت على مقلتيها لتتبين ماهية ما لمسته وتجمدت ملامحها ترمق أنف ليث الذي لا يفصله عن أنفها سوى سنتمترين أو أكثر بقليل، أسرعت دقات قلبها لكن ليس رعبا كما اعتادت في مواقف أقل بكثير من موقفها هذا وعقلها يردد مرارا، لم يؤذني، نام بجانبي ولم يؤذني حتى أنه لم يحاول لمسي. انفرجت شفتاها عن ابتسامة تشع بالأمل. كانت أنفاسه هادئة و أطرافه ساكنة حركت يدها إلى أن وصلت فوق خده الخشن وسمرتها في الهواء لا هي أنزلتها لمبتغاها و لا ردتها إلى مكانها، بقيت على جمودها ذاك حتى سمعت آذان الفجر، فانتفضت تقفز من السرير تلهث من هول ما كانت مقدمة عليه، حركتها تلك أيقظته من نومه يتلفت حوله وما إن وعى على نفسه تصنع التذمر من إغفائه، يعتدل جالسا بينا يهتف ببراءة مزعومة ¤أنا آسف ورد لقد كنت منهكا ولم أعِ على نفسي، سامحيني حبيبتي هل أرعبتك؟ أسبغ على نبرة صوته بعض التوسل مما أشعل فتيل كبدها تشفق على كرامته التي يبسطها مداسا لقدميها، يحرم نفسه من حقوقه عليها ويتأسف من أجل عقدها أيضاً، فقط لأنه يحبها، يحبها هي! نهض من مكانه حين لم تجبه زافرا بيأس يشعر بأن خطته فشلت وأعاد أسفه متوجها نحو الباب حتى سمع شهقة بكاء إلتفت على إثرها وجزع لبكائها الحارق، فاقترب يهمس بلوعة ¤حبيبتي ما بك؟ لمَ البكاء؟ أنا آسف لم أقصد إرعابك. تكلمت بنبرة متهدجة، تهتز بفعل الشهقات الموجعة ¤ أريد أن أكون طبيعية كالفتيات ....لمَ أنا هكذا؟ بهت ليث وتسمرت قدماه لم يعد يفقه شيئا، فأكملت تحرك يدها في الهواء ¤ لقد نمت بجانبي و لم تؤذني بالعكس لقد أحسستني بالأمان. ¤لمَ البكاء إذن؟ استفسر بلهفة يتمنى أن يفهمها، صمتت تتأمله كأنها تفكر أتخبره بمخاوفها أم لا لكنها قررت تقول بشجن ¤ أنا لا أعلم إن كنتُ سأشفى، و أنت ...أنت رجل ستمل يوما ما من عقدي وسترحل و انا ... أمالت رأسها ودموعها تنصهر بملامح الألم على صفحة وجهها تهوي بقلبه في قعر الجحيم فاقترب منها خطوة يجيبها بحب ¤ أنا لن أمل منك ولن أبتعد عنك ولست بحاجة لامرأة أخرى، لأن من يعرفك حبيبتي ويفوز بقربك لا يملأ عينيه غيرك من النساء، ثم من قال لن تشفي؟ ألا ترين؟ لقد بت ليلتي معك تحت سقف واحد وها أنت واثقة بي تفضين إلي بمخاوفك، إنها أول خطواتنا على الطريق الصحيح. توقفت عن البكاء تنصت إليه بتركيز بينما يكمل ¤ لا تتراجعي حبيبتي ولا تستسلمي، كل خطوة نخطوها إلى الأمام نتحد عليها جيدا لنخطو عليها أخرى وهكذا حتى نصل بر الأمان . أومأت توافق على كلامه، فأضاف ¤ هيا اذهبي و توضئي، فأنا لاحظت كيف أن الصلاة تعيد شحنك كالبطارية. تبسم فتبسمت معه من بين دموعها وهم بالخروج من الغرفة حين نادته بخفوت، فاستدار إليها ¤ ليث! عندما تفرغ من صلاتك عد و نم بمكانك. تلكأت ثم أكملت بخجل اختلط به اليقين بشكل عجيب ¤ بسريرنا.. انصرفت محمرة الوجه متلافية إياه مفغرا شفتيه، يلجم أطرافه المتلهفة الانقضاض عليها يطلب منهم التريث فلا زالوا على بداية الطريق ¤ يجب علي الصبر حتى لا أهدم كل ما بنيناه. وغادر إلى الحمام وقد بات يعلم يقينا بأن كل ما يلزمه ليربح معركته معها هو أن يحيطها بالأمان وهذا ما سيفعله ولو كلفه ذلك الحرمان من إسكانها بين ضلوعه والاكتفاء بأخذ أنفاسه من أنفاسها والإحساس بقربها يحيطه عبيرها. أنهت صلاتها التي دعت فيها ربها أن يثبتها على عزمها ثم آوت إلى فراشها ولم تقدر على التحكم بنفسها التي ابتعدت إلى أقصى طرف السرير، سمعت صوت فتح الباب، فأغلقت عينيها تعتصرهما بينما الذي فتحه بهدوء يقترب من السرير بحذر، لمحها منكمشة على نفسها أقصى طرف السرير، فابتسم حين لاحظها تشد على جفنيها، يدرك بأنها تدعي النوم، استلقى مكانه متمهلا وظل ينظر إليها حتى فتحت عينيها يلوح منهما القلق، فهمس بهدوء ¤اهدئي حبيبتي ونامي أنت بأمان. وكأنها كلمات سحرية ألقيت عليها، فسكنت أعصابها وسحبت إلى عالم الأحلام، أما هو فظل يراقبها إلى أن أشرقت الشمس وانسحب من السرير بخفة، يكتب لها على ورقة بأنه ذاهب لعمله وأن تهاتفه ما إن تستيقظ ثم جلب وردة من المزهرية بغرفة الاستقبال ووضعها على الورقة، ألقى عليها نظرة أخيرة ثم انصرف. **** يتطلع إلى واجهة الدار حاملا صندوق أدوية لا يصدق بأنه سيراها، لقد مرت أيام كأنها أعوام ولم يلمح طرفها، محتاج هو ليراها، نظرة من عينيها تنسيه همه كله. تقدم خطوة ليسمع نداء باسمه مدركا تلك النبرة جيدا، أغمض عينيه بضيق وتأفف بخفوت منزعج ثم التفت إلى سوسن التي هتفت مبتسمة ¤انتظرني محمود، لقد قدمت هنا باكرا مخافة أن أتوه، لكني وجدت العنوان وانتظرتك إلى أن أدخل معك. أجابها بينما يغتصب ابتسامة رسمية ¤لمَ أتعبتِ نفسك بالمجيء؟ أخفت انزعاجها ببراعة، تجيب ببراءة ترفرف له برموشها وتعيد خصلات شعرها خلف أذنها ¤ أي عمل أشاركك به يسعدني القيام به. رد عليها وهو يستدير منصرفا باتجاه الدار ¤ حددي نيتك لله سوسن وليس لشيء آخر حتى لا يضيع تعبك ويذهب أجرك أدراج الرياح. تبعته بينما تتلفت حولها، تستكشف المكان بملل تحاول إخفائه بشدة، فالآنسة أو الدكتورة سوسن لم يجلبها سوى فريستها التي تحوم حولها منذ رأتها لتشحذ كل أسلحتها لتوقع بها في شباكها لكن الفريسة عنيدة رزينة لا يغريها كل ما تزين به فخها، إلا أنها تحاول باستمرار ولا تستسلم وها هي في مكان لم تكن لتدخله يوما لولا فريستها الغالية. توقفت حين توقف ترفع رأسها إليه، جامدة ملامحه حتى أن صفحة وجهه أظلمت يشوبها بعض الشحوب وعينيه من تحت عويناته مثبتة على نقطة ما، تتبعت مسار نظرته لتلمح فتاة محجبة بملابس واسعة، متوسطة الحجم والطول تملك جمالا هادئا بوجهها الخالي من الزينة، يقف بجانبها شاب وسيم ذو هيئة بسيطة، يرمقها بنظرات معجبة لا يمكن لأحد أن يخطئها ويبدو أنه قد أخبرها بنكتة ما لأنها ضحكت باستحياء، تحاول حصر ضحكتها، فتزداد توهجا بحمرة استولت على وجنتيها. شعرت بتنفس الجامد بجانبها يحتد حتى أضحى كزمجرة خفيفة، فضمت حاجباها وفمها بريبة تستشعر بعض التوجس. انطلق محمود بخطوات واسعة حتى وصل أمامهما فاستدارا إليه مجفلين، وحلق قلبها عبر سحابة الحب ترمق ملامحه بلهفة مشتاق، لاهية هي عن نار الغيرة التي أضرمتها بجوفه. تحدث كريم باسطا يده ليصافحه ¤ مرحبا دكتور، لقد اشتقنا إليك. صافحه على مضض يرميه بنظرات حارقة لو كانت سهاما لأردته صريعا، يجيبه بجفاف و برودة حيّرته بينما نون النسوة بقربه قد فهمتا علة جموده، لتنطلق دقات القلوب تعدوا، فاطمة عبر سحابة حبها وسوسن عبر سحابة سوداء تنذر بفقدان فريستها. اندفع محمود مسرعا إلى غرفة الفحص يكبت غضبه خلف قناع من الهدوء المخيف، غضب لم يشعر به قبلا وهو المعروف بالاتزان والحكمة بتصرفاته لكن منظرها بينما تمنح كريم تلك الضحكة التي لم تمنحها إياه من قبل جعله يغلي فتعلو الحرارة مع سائر أجزاء جسده. استأنف عمله دون أن ينطق بكلمة وفكره كله منصب حول وجوب التقدم لها لتصبح له وحينها سيغلق عليها في بيت لهما لا تضحك لأحد سواه، قدمت سوسن نفسها إلى كريم وفاطمة بينما تتميز غيضا من تجاهل محمود لها، فلم تستطع إخفاء عدوانيتها تجاه تلك التي استحوذت على اهتمام فريستها لدرجة أن يشتعل غيرة عليها فقالت : أنا الدكتورة سوسن زميلة الدكتور محمود. ثم أضافت، تنتقم لكبريائها ¤طلب مني الحضور معه لأساعده، فهو لا يستطيع الاستغناء عني يحب رفقتي بما أننا معرفة قديمة. كان دور فاطمة لتتميز غيرة، فانسحبت إلى مكتبها تسر أحزانها لنفسها أما كريم الغافل عن الموقف كله، فيشير لسوسن بأن تتقدمه نحو غرفة الفحص لاحقين بمحمود الذي بدأ عمله بصمت مستمر لم يستطع أحدهما أن يتجرأ ويقطعه إلا بهمهمات مقتضبة وبعد ساعتين زفر محمود بضيق يكتفي من التفكير، فوضع السماعة على المكتب وأزال الوزرة قبل أن يلتفت إلى سوسن التي ترمقه بريبة، يخبرها ¤ آنسة سوسن، هلا أكملتِ عني اليوم؟ تذكرت أمرا مهما يجب أن أقضيه؟ أجابته متصنعة الود تكتم غضبا جارفا ¤طبعا محمود، طلباتك أوامر. تمتم بالشكر و خرج باتجاه مكتب فاطمة حيث وجد الباب مفتوحا فدخل ليلمحها أمام النافذة ساهمة في بحر أفكارها. تنحنح ليلفت إنتباهها، فاستدارت إليه تبتسم بتوتر وتهمس ¤ مرحبا دكتور، بما أساعدك؟ سمر نظره عليها قليلا ثم التفت إلى الباب يواربه وتقدم نحوها بينما هي تتململ في مكانها ارتباكا. أزال عويناته و نظر إلى مقلتيها يتصرف حسب طبيعته المباشرة بعد كتمان طويل لا يعرف من الطرق سوى المنبسطة الواضحة. ¤ أحبك. ارتعشت تطرق برأسها حياء وذهولا من وطأة الموقف وهو يكمل قوله ¤و أطلب الزواج منك. رفعت رأسها متفاجئة تفغر شفتاها بلونهما الزهري الخفيف الطبيعي، فيبلع ريقه بصعوبة وقد نزلت عينيه إلى تلك الشفتين، تراجعت خطوة إلى الوراء، فاستطرد ¤ أريد جوابك الآن فاطمة. استدارت توليه ظهرها وأغمضت عيناها بألم، ترد بخفوت ¤ لا يمكن، هذا مستحيل. قطب جبينه بقلق، يستفسر ¤ مستحيل! لماذا؟ عادت تستدير إليه لتقول بصوتها الرقيق ذو النبرة المنخفضة تشير إليه ¤ أنظر إلى نفسك وانظر إلي، ما الذي نتشاركه بالضبط؟ لا مستوى مادي ولا علمي.. ماذا؟ ما الذي سيجمع بيننا؟ بهت من منطقها غير أن شعلة أمل ضئيلة تومض بصدره من عدم نفيها لمشاعر تبادلها إياه، فرد عليها ¤ في الحقيقة هو شيء واحد إن تشاركناه غطى على كل تلك الفروق الواهية. رفعت وجهها تساؤلا فاستطرد ¤ الحب ...إن كنت تشاركينني هذه العاطفة السامية، فلا شيء آخر يهم ...فكل ما يهمني هو الدين والأخلاق وأنت تتصفين بهما. ثم أكمل بنبرة تهكم انتهت بجدية ¤ مهما ترقى الإنسان علميا إن خلا من دين وأخلاق ظل مستواه دونيا لم يفده علمه بشيء ..ألا يقول الله تعالى" أكرمكم عند الله أتقاكم "؟ أنت لا تعلم! أنا لا أصل لي ولا أهل، سيرفضني وسطك وعائلتك، ستظل تقاوم وتحارب إلى أن تنهار قواك وعندها ستستسلم وأنا سأدمر كليا! لا ،لا أستطيع! "ظل عقلها يصرخ بتلك الكلمات تنشر سمها بأعصابها، فأطرقت برأسها واقتربت من مكتبها حتى استندت إليه، هامسة بنبرة متألمة ¤ أرجوك غادر الآن. خطا نحوها يلفظ اسمها بخفوت متوسل : فاطمة. قاطعته بتوسل موجع ودموعها الحارقة، تنهمر على وجنتيها بغزارة : الآن أرجوك. تسمر للحظة يتأمل ظهرها، بعدها أعاد نظّارته إلى مكانها ثم غادر يشعر بضيق في صدره وكأن جبلا قد أطبق عليه ولم ينتبه لتلك الملامح الغاضبة المتوارية بينما صاحبتها تتسحب بعد أن أصغت للحوار، تتساءل لماذا رفضته وعن الذي تخفيه؟ ما إن أضحى وسط حديقة الدار، استل هاتفه من جيبه وطلب أخته ورد، فهي أنسب شخص يسمع شكواه، كما أنها صديقتها ستفيده في فهم مخاوفها أكثر. ¤السلام عليك، أخي كيف حالك؟ أتاه صوت أخته، فأجابها بجدية ¤ عليك السلام ورد أريد أن أراك ...أحتاجك بأمر مهم. استغربت ورد نبرة محمود، فهو عادة لا يطلب من أحد شيئا ودائما ما كان يحل مشاكله بنفسه ولا يطلع أحدا على أسراره، فهتفت بقلق ¤ ماذا حدث أخي أقلقتني ..أمي؟ زفر بوجوم يفسر بينما يتخصر بيده اليسرى ¤ أمي بخير الحمد لله، اهدئي! إنه أمر يخصني، أين نتقابل؟ أم آتِ لأقلك؟ ...أنت في بيت الجندي؟ ردت عليه قائلة ¤ لا داعي فالطريق طويلة وأنا كنت أنوي الذهاب لزيارة مريم، تلك المحتالة كنت انتظر زيارتها لتطلب مني الذهاب إليها، سيعقد قرانها بعد غد إن شاء الله و... قاطعها بنفاذ صبر وقد تجاوز مخرج الدار، يستقل سيارته ¤ هنيئا لها أختي ...سأنتظرك بمطعم 'النجمة' لا تتأخري .سلام! تمتمت بسلام لا تزال على ريبتها من الأمر وهاتفت زوجها الذي اختفى منذ الصباح تاركا قلبها يدوي باسمه وهي تراقب الوردة التي تركها على ملاحظته ببلاهة، كأنها لم ترى وردا من قبل لكنها لم تتلقى ردا سوى الصوت الأنثوي المعلن عن إغلاق الهاتف المطلوب. تنهدت بيأس و توجهت إلى الجدة وحماتها الجالستان بالشرفة الصغيرة، تخبرهما بما يحدث معها ¤ هاتف ليث مقفول وأخي ينتظرني بمطعم يريد رؤيتي بشيء مهم وصديقتي مريم عقد قرانها بعد غد وقد طلبت مني الذهاب إليها، ماذا أفعل؟ ردت عليها الجدة مبتسمة : لا مشكلة حبيبتي نحن ذاهبتان إلى المشفى، نقلك معنا وبعدها تبقين مع أخيك إلى أن يأتيك زوجك أو يوصلك بنفسه. ردت عليها مفسرة وهي تقعد على أحد كراسي الشرفة ¤ المشكلة لا تكمن بمن يقلني، أنا لم أستأذن ليث لأخرج! رمت الجدة كنتها بنظرة ذات معنى تبتسم بفخر لاختيار حفيدها والحقيقة أن زهرة تفاجأت لكنها ما لبثت أن غيرت ملامحها تمطط شفتاها، مجيبة ¤ هذه جدته وأنا والدته يعني كأنك استأذنته، المهم أن نعلم أين تذهبين ثم ألست في خطر لم الخروج من الأصل؟ ظلت ورد على هدوئها وتدخلت الجدة، تعقب بضيق ¤ هل توقف حياتها من أجل خطر لا تعلم حتى إن كان سيطولها، نحن سنقلها ويستلمها شقيقها إلى أن يوصلها، إذن ما المشكلة؟ رافقتهن ورد على مضض وقلبها ليس مطمئنا، تكرر مهاتفة زوجها طوال الطريق، فهي لم تتعود على خرق ما تعد به خصوصا إن كان من حدود الله، قابلت محمود على باب المطعم ورافقته إلى إحدى موائد المطعم، تبادر بالسؤال ¤أخي، ماذا بك؟ رمقها بتوتر، فهو لم يعتد مواقف مثيلة ثم رد ببعض الارتباك ¤ انا ...أنا طلبت الزواج من فاطمة. فرغت ورد فمها ورفعت حاجباها مبهوتة، تتمتم ببلادة ¤ ما...طلبت ..فاطم....من؟ تنهد محمود، يفسر ¤ ركزي معي ورد، طلبت الزواج من فاطمة صديقتك، مسؤولة الدار. أجابته مبتسمة ما إن وعت مقصده وتلاشى أثر المفاجأة ¤أخي لقد فاجأتني، لكن أتعلم؟ أنتما مناسبين جدا لبعضكما كيف لم أفكر من قبل في ذلك؟ ابتسم محمود بحزن والكآبة ظاهرة على وجهه، يقول ¤ نعم ...لكنها رفضتني. اومأت بتفهم تؤكد قوله: طبعا سترفضك . ارتفع حاجبا محمود يشعر بدهشة ممزوجة بريبة، فأكملت توضح له ¤ أنت لا تعرف فاطمة، كيف تقدم على خطوة كهذه دون أن تحاول فهمها على الأقل؟ ما زالت ملامح التساؤل على صفحة وجهه، فاستطردت ¤ سأختصر عليك الطريق لتفهمها جيدا ...محمود! فاطمة مجهولة النسب يعني في عرف المجتمع لقيطة ...وهذا الأمر يسبب لها عقدة تنغص عليها حياتها، تظن بأنها من حقير المجتمع ولا تستحق أن تعيش بكرامة مثل معروفي النسب ، وأنت إنسان راقي وكامل بنظرها و مجرد ارتباطك بها سيشوه سمعتك وصورتك الكاملة وما سيخيفها أكثر أن تنظر إليها بدونية يوما ما أو أن تعايرها. تفاجأ محمود ثم رق قلبه لألمها واحساسها بالنقص، ليهتف باستنكار في آخر كلام ورد ¤أنت تعرفين أخلاقي مستحيل أن أفعل ذلك حتى لإنسان لا يمت لي بصلة، فبالنهاية كلنا عباد الله وسنحاسب على ما كسبت أيدينا. حركت يدها بالهواء، تجيب بضجر ¤ أنا أعرفك هي لا ...اسمع المفيد أخي! ...فكر جيدا واستشر أمي أيضا ففي النهاية أنت إنسان ملتزم ولن تخالف والدتك لذلك قبل أن تبدأ بإقناعها يجب أن تكون مستعدا من جميع النواحي لتناضل بقلب قوي. هز رأسه دلالة على الإدراك، يعقب شاكرا ¤ شكرا أختي أنا ممتن لك، سأتبع نصيحتك. علا رنين هاتف محمود، فأجاب برتابة قبل أن ينتفض بجدية يهتف ¤ أنا قادم! جهزوا غرفة العمليات. التفت إلى ورد قائلا بسرعة ¤ مريض حالته خطرة و لا يوجد أحد بالمناوبة ..لم يصلوا لأحد غيري يجب أن أغادر بسرعة ...هل أوصلك لمكان ما؟ فكر ثم استطرد ¤ أتعلمين ماذا؟ خذي مفاتيح سيارتي، سأستقل سيارة أجرة فالمستشفى قريب. أمسكت المفاتيح مبتسمة وودعته ثم انصرفت متجهة إلى البيت فقلبها لايزال منقبض، لذا ستنتظر زوجها ثم تذهب معه لاحقا إلى منزل مريم . **** في وسط مخزن من مخازن المنشاوي يقف تامر مع زمرة من الرجال يخططون للعملية الكبيرة، اهتز الهاتف بجيبه، فسحبه مجيبا باهتمام : نعم، ما الجديد؟ انصت ثم رد بظفر ¤جيد جدا، تعلم ما ستفعله، ..... لا أريد أخطاء هذه المرة، ولا تستعجل بخطفها فقط أخرها وإن وجدت الفرصة اخطفها، إن وجدت فرصة سانحة لا تغامر ،المهم أخرها إلى أن أهاتفك، هيا! حين تفعل المطلوب أعطيني إشارة. أغلق الهاتف ثم طلب رقما آخر، يخاطبه ¤ جهز الفتاة و عندما أعطيك إشارة تفعل ما طُلب منك. أرجع الهاتف إلى جيبه و ابتسامة شيطانية ترتسم على محياه **** ¤سيدي لقد أتممنا كل شيء ...أخبرتك لا داعي لتتعب نفسك. كان ذلك ليث يؤكد للعميد إتمام مهمته برفقة الشباب بنجاح حيث قاموا بنشر مجموعة من أجهزة مراقبة وتجسس على مختلف وسائل نقل مجموعة المنشاوي. رد عليه العميد الذي ساعدهم بنفسه ¤أخبرتك من قبل, هذه معركة شخصية ولن يقبض عليه سواي و سيتمنى الموت لا يناله. هز ليث رأسه بتأكيد يقول بينما يسحب محموله ليفتحه ¤الشباب انصرفوا منذ مدة، أنا أيضا سأغادر. انفصلا كلاهما إلى وجهات مختلفة، طالع ليث كم الرسائل الواردة من ورد، فهم بطلب رقمها ليسبقه الهاتف برنينه يومض برقم غريب، فتحه لينساب صوت أغرب يقول بغموض ¤ إن كنت تريد معرفة حقيقة زوجتك المصونة فتعال إلى وانقطع الخط، حك رأسه بريبة وهاتف زوجته، فظل الهاتف يرن إلى أن انقطع دون إجابة، تسلل الخوف إلى قلبه وطلب رقم والدته، أجابته وأخبرته بما حدث، فزفر براحة اختفت ما إن أخبره الممرض الذي رد عليه من هاتف محمود بأنه في غرفة العمليات. ركب سيارته وانطلق بها كالصاروخ ليصل إلى العنوان وأوقف سيارته يتلفت حوله، تجمد الدم في عروقه وهو يرى ورد تمسك بيد رجل يخطوان بهرولة داخلين إحدى زقاق ذلك الحي البسيط، لم يصدق نفسه و أسرع في أثرهم يتأكد من كونها ورد، نفس الشعر الأسود المجموع إلى الوراء و تنورتها الطويلة عليها معطفها، صرخ قلبه يا الله ماذا يحدث؟ مستحيل! زاد من سرعته و فجأة اختفيا، بحث عنهم لاهثا، قلبه وكيانه لا يصدقان أجفل على اهتزاز الهاتف بجيبه، فسحبه يطالع رقم هشام يرد عليه غير مفارق لصدمته: نعم! إنساب صوت هشام عبر الأثير ¤أين أنت يا صاح ألم تفتح هاتفك بعد؟ أخبرتني ورد بأنها هاتفتك كثيرا ولم تجب... ضم ليث حاجباه بجهل و بلاهة لا يفهم شيئا، فسأل بريبة ¤ أين أنت؟ أقصد أين ورد؟ أجابه، بحذر : ليث لا تجزع، إنه حادث بسيط. انقلبت الريبة إلى خوف، يهتف ¤ حادث؟ ما بها ورد؟ تكلم؟ زفر هشام بملل، يقول : سأصلك بها لتشرح لك. انساب صوتها الرقيق رأسا إلى صميم قلبه، فذهبت كل أوجاعه وشكوكه أدراج الرياح ¤ ليث ..ليث! لقد اتصلت بك مرارا لأخبرك بأن أخي يريد ملاقاتي وأيضا مريم لكنك لم تجب وجدتي قالت ...قالت أن لا بأس بخروجي إن كانت ستوصلني بنفسها ....بعدها أخي جاءه اتصال طارئ فترك لي السيارة....أقسم أنا كنت عائدة إلى البيت لأنتظر عودتك حتى تقلني لبيت مريم لكن عند إشارة الوقوف صدم رجل سيارتي من الخلف بسيارته ...بدأ يصرخ ويرغي ويزبد لم أفهم منه شيئا ...كلما حاولت التكلم لا يمهلني، تدخل شرطي المرور يهدئ من روعه عبث إلى أن لمحتُ هشام يوقف سيارته و يجري باتجاهي، ما إن تدخل حتى انسحب الرجل يعتذر ولم نفهم شيئا. ابتسم ليث و شع وجهه سعادة وراحة وما لبث أن تحول بشره إلى عبوس حين بلغه الإدراك وهو ينظر إلى مكان اختفاء الشخصين المجهولين، فقال بهدوء حازم ¤ حبيبتي ظلي برفقة هشام إلى أن أصل إليك، أعطيه الهاتف لو سمحت. ¤ نعم ليث؟ رد عليه يحذره بحزم : زوجتي أمانة برقبتك إلى أن آتِ إليكما، أعطني العنوان بسرعة وتيقظ جيدا، إنها محاولة اختطاف ..لا تخبرها وأبقِ عينيك عليها. أجابه هشام بجدية، يعده ¤ لا تقلق يا صديقي، خذ العنوان ..... انطلق ليث وهو يهتف بصراخ بسيارته كالمجنون، يضرب على المقود ¤تاااامر أيها ال... اصبر علي! آخرتك اقتربت وعلى يدي! *** يجلس وسط حديقة الدار على إحدى الكراسي الحديدية، مائلا بجسمه إلى الأمام يضع قبضة يده تحت ذقنه، مسندا مرفقها بفخذه والأخرى مثنية خلفها، يتأفف بكآبة كل حين وكأن هموم الدنيا اجتمعت لتتمركز على كتفيه، بالقرب منه تقبع الصغيرة أمل تجلس نفس جلسته في مشهد مضحك كلما تأفف هو تأففت مثله وإذا تنهد تنهدت هي الأخرى، حتى أجفلا الإثنين على مفاجأة لم يتوقعاها ¤جيد جدا، أصبحت لك ابنة وأول ما تعلمها التأفف والتنهد كآبة . قام سمير عن مكانه يقترب من أخته، قائلا بحيرة ¤ أسماء! ماذا تفعلين هنا؟ ردت عليه بنزق بينما تضع يديها على كلا جانبي خصرها ¤ لم أسألك يوما ماذا تفعل أنت هنا؟ تترك عملك لتتخذ الدار سكنا لك من جديد! هتفت أمل ببراءة تدافع عن 'البابا خاصتها' بينما تتخصر بدورها عابسة بطفولية جادة ¤إنه بابا خاصتي، يأتي ليزورني و يشتري لي ألعابا كثيرة مع ماما خاصتي. ضيق سمير عيناه وضم فمه بامتعاض أما أسماء فقد تبسمت بمكر ترفع حاجبها الأيسر واقتربت من أمل التي انكمشت على نفسها خوفا، تسألها ¤ و من تكون ماما "خاصتك" يا أمل؟ ارتخت أطراف الصغيرة داخل فستانها الأزرق كلون عينيها، تجيب بفخر ¤سنبلة! ضحك سمير ملئ شدقيه على ملامح أسماء تستغرب الإسم قبل أن تلتفت إلى شقيقها تنظر إليه بعبوس، تنتظر منه التفسير، فقال متداركا قهقهته ¤ سأخبرك إن أخبرتني أنت ماذا تفعلين هنا؟ زفرت بانزعاج، تجيبه بضجر وهي تلوح بكفها في الهواء ¤ جئت أصلح شيئا مما أفسدته. لم يجب لكن رفع حاجبيه انتظارا للتتمة، فأكملت ¤سأنظم معرضا كبيرا للحرف التقليدية وطبعا سيكون الرواق الأكبر للتطريز و عائدها سيكون للدار بعون الله. غامت عيناه بحزن حتى لمعت مقلتيه الرماديتين، فجزعت أسماء وأنزلت يديها إلى جانبيها تقترب منه بقلق، تسأله ¤ ما بك يا سمير؟ سحبها بين ذراعيه وضمها بحنان أخوي، يهمس ¤ انا آسف أختي، أرجوك سامحيني. ابعدته مسافة يدها، تجيبه باستفسار حائر ¤ لماذا تطلب مني السماح أخي؟ مسح شبح دمعة تحت عينه برأس إبهامه مجيبا ¤ كان يجب علي الاهتمام بك أكثر، لو دفعتك باكرا إلى المعالجة، كنتِ ل؟ أمسكت جانبي وجهه بكفيها هامسة بحنو ¤ أخي أنا لم أكن جاهزة حينها وأنت كنت تؤمن مستقبلنا كي لا نحتاج لأحد... أنت حميتني صبيا أم أنك نسيت عندما كنت تقتحم عنبر الفتيات لتنام بجانبي ومهما عاقبوك كنت تعود من جديد وتتبعني كظلي حتى أنك أصبحت فتوة الدار بسببي، ثق بكلامي أخي، لولاك بعد الله لطالتني أبشع الأمور. أخذ نفسا حادا يوسع به ضيق صدره وهم بالتحدث حين صاحت أمل التي كانت تراقب بصمت ¤سنبلة! هرولت إليها لترتمي بأحضانها، فحملتها شاهي تخفي بها دموعها التي نزلت رغما عنها وهي تراقب المشهد بينه وبين شقيقته، تفاجأ كلاهما بصياح الصغيرة واستدارت أسماء بفضول لتتأكد من صحة ظنونها، أما سمير فدوى قلبه ينبض وسط صدره حتى خشي أن تسمعه شقيقته والتفت يلتهم تفاصيلها وكأنه لم يرها مدة من الدهر، ابتسمت أسماء بمكر تقول ¤ إذن أنت سنبلة؟ توترت شاهي خجلة من تصرفها معها في أول و آخر لقاء بينهما، فاقتربت اسماء تبسط راحة يدها نحوها تخاطبها ببسمة رسمية ¤ لم نتعرف جيدا كان الموقف بشعا وكنتِ محقة فيما فعلتِه، هل لي أن أطمع في بداية جديدة من أجل الأشيب الذي هو أخي؟ بادلتها شاهي الإبتسامة وبسطت يدها تصافحها، مجيبة بحرج ¤نعم لننسى ما حصل، أنا متأكدة بأن هناك سوء فهم بالأمر. نظرت إلى الصغيرة التي تتشبث بعنق شاهي ثم قالت تخاطبها بلطف ¤ إذا كان هذا الأشيب بابا خاصتك فأنا أكون العمة خاصتك يا صغيرة. ثم نظرت إلى شاهي، تكمل ببعض المرح الغريب عليها ¤ لا تدعيها معه كثيرا، إنه يفسدها. ثم استدارت تبتعد مستطرده ¤تزوجا سريعا، فالصغيرة تكبر والزمن يهرول. احمرت سنبلة وأنزلت أمل ثم أمسكت يدها تلحق بأسماء هاربة من الذي يبحلق بها غير آبهة بندائه عليها، فيهمس لنفسه ¤ أنتِ جنيت على نفسك. **** ظلت ورد تنتظر داخل سيارة أخيها وهشام متكئ على مقدمتها حتى لمحا سيارة ليث يركنها أمامهما، صافحه هشام و حدثه بخفوت، ينطق باسم واحد ¤تامر؟ أومأ ليث بينما عينيه على حبيبته التي تبادله نظراته الولهة بأخرى مذنبة آسفة، انتبه إلى صديقه يسأله بخفوت ¤ ماذا ستفعل؟ أشار له بالانتظار يقترب من ورد التي فتحت الباب واستقامت واقفة، يستفسر منها ¤ تريدين زيارة الآنسة مريم؟ لم تجبه لكنها قالت بدل ذلك بنبرة متوسلة ¤ أنا آسفة ليث لأنني خرجت دون إذنك أنا. قاطعها ليث مبتسما بدفء ¤ لا تعيديها فقط من أجل سلامتك حبيبتي، ليس تحكما مني. فردت بعجالة : أعلم ذلك أنا أتأسف، هل سامحتني؟ تقتله بصدقها ولا يبرح يفكر إلا كيف يحميها فتلح عليه ضلوعه ليسحب ساكنتهم إلى مكانها الأزلي، أعاد سؤاله، فهزت رأسها بموافقة وأقفلوا سيارة محمود يتركونها مكانها إلى أن يبعثوا من يوصلها له وهناك بالقرب منها كانت المرة الأولى التي يتجرأ فيها ليث ويمسك يد ورد يرافقها إلى سيارته متجاهلا تصلبها وتوترها. ترك يدها ما إن وصلا إلى سيارته و فتح لها الباب، لاحظ شحوبها لكنه ظل على تصنعه للسهو وعدم التعمد، شعرت بيدها يابسة في أول الأمر لكن ما لبثت أن استشعرت الدفء يتسرب من كفها الذي يمسكه إلى سائر أعصاب جسمها، تسمرت مكانها على المقعد تمسك كفها التي كانت يمسكها ليث بيدها الأخرى بينما هو يخبر هشام بأنهما ذاهبان إلى زيارة مريم، أحست ورد بفمها إلى حلقها قد جف فبدأت بترطيب شفتيها وهي غير قادرة على الإتيان بأي تصرف، فسكتت تتأمل الطريق أمامها وحين عاد لمحها تمسك بيدها فابتسم بخفة متظاهرا بالغفلة. **** زفرت بيان زفرة راحة ما إن غادر آخر فرد من العائلة، هي لا تتذمر فعائلة الجندي مهما أبدت من تحفظات بخصوصهم فإنها تحبهم حبا جما، فهم أهلها الذين لا تعرف سواهم، السيدة زهرة والدتها بالرغم من طريقتها الغريبة في التعامل حتى مع من تحب والسيد يوسف' آه ' تنهدت بيان بأسف وهي تتذكر نظرته المعاتبة ما إن رآها، خجلت منه بشدة، ذلك الرجل العظيم الذي يعاملها منذ وعت على الدنيا كأولاده، يغدق عليها حنانا واهتماما أبوي وفي نفس الوقت يحافظ على ذكرى والديها، فكان يحكي لها عن والدها وكونه رجلا محترما و صالحا، دائما ما كان يصلح أخطاء خالتها ولقد نصحها مرار أن لا تنجرف وراء كلامها وهو سيظل يساند قراراتها مهما كانت والجد أحمد ذلك الرجل الحازم الذي يظهر صلابته للكل لا يعلم أحدا بأنه كان في صغرها عندما يحضر هدايا لحفيديه يحضر لها الضعف، يهديها لها سرا ويأخذ منها وعدا بأن لا تخبر أحد كي لا يغاروا منها وكانت تصدقه و تعتبره سرها الحربي و تذكر جيدا أنه كلما صادفها في ركن في البيت يربت على رأسها مبتسما لها بحنو ثم يخرج قالب الشوكولا من أحد جيوب بدلته أما الجدة فمصدر الحنان والحب الفائض على الجميع والحكمة بعينها متجسدة في تلك المرأة الكبيرة بعقلها وبأخلاقها حتى أولاد خالتها، ليث أعتبرها أخته التي ملأت عليه وحدة بنوته لعائلة الجندي، فمارس عليها دور الأخ الأكبر مع أنه لم يكن بينهما سوى ثلاث سنوات أو أكثر بأشهر، كان يراقبها ويحميها من الأولاد ويدافع عنها وعندما أتت إسراء كبرت وهي ترى فيها أختها الكبرى وقدوتها، دمعت عينا بيان حين تذكرت دخولها مسرعة إليها تضمها بشدة وتبكي خوفا تخبرها بمدى حبها لها وخوفها عليها. ¤ ما الذي يبكي النجلاء؟ أجفلت بيان على صوت ذكوري أجش فالتفتت لتجد الرجل الذي أنقدها وأدخل الحيرة إلى عقلها، فظل يشغله منذ أن تركها، يملأ الغرفة بهيئته الضخمة ممسكا بباقة ورد و علبة،،،، شوكولا! رفعت عيناها إليه يرمقها ببسمة بها بعض المكر، فقالت برسمية : مرحبا سيدي، كيف حالك؟ اقترب منها يضع الباقة على المنضدة بجانبها والعلبة على حجرها وهي لاتزال ترمقه باستغراب فمد إصبع إبهامه الضخم ليمسح بقايا دموعها على خذها لكنها تراجعت برأسها مما دفع به إلى التوقف منبهرا بوسع عينيها المترقبتين بريبة. ¤أنا إسمي ناصر مجران ولا أريد أن أسمع سيدي تلك منك أنت خصيصا ..هل لي أن أعرف سبب هذه الدموع؟ انزعاج بداخله يضيق عليه تنفسه بينما يفكر بأنها تبكي ابن خالتها ذاك، تحركت في جلستها بتوتر تبتعد عنه أكثر متمتمه ¤ أنا لم ...أكن أبكي! ثم أخذت العلبة بين يديها تهمس برسمية ¤ شكرا لك. جر الكرسي يقربه من السرير وجلس عليه، فأصبح قريبا منها مما زاد من ارتباكها، فابتسم قائلا بمرح لا يناسب ضخامة ملامحه ¤ لا شكر على الشوكولا. انتقل إليها مرحه فابتسمت بدورها وإن كانت بسمتها حيية متقهقرة، فظل يتأمل بسمتها يسأل نفسه عن شعوره الغريب بالإعجاب يجذبه نحوها تحديدا، ذلك الوجه الصغير بعينيه النجلاوين وأنفه كنقطة وسطه وشفتين تكادان تكونان كخيط رفيع بسبب شحوبها، تنحنحت من بحلقته لينتبه من سهوه، يسألها : كيف تشعرين الآن؟ أطرقت برأسها تتفقد العلبة باهتمام بينما تجيبه بنبرة عادية ¤لازلت أشعر كأن حافلة دهستني. ضحك بمرح، فدغدغت ضحكته بنبرته البحة صدرها وتسللت إلى أحاسيسها لذة تتعرف عليها لأول مرة، فطالبها صدرها بالمزيد. سمعته يهمس بينما ينحني أمامه قليلا بعد ¤أنت لم تدهسك حافلة، بل انقلبت بك سيارة وكنت ستحترقين داخلها وتنتهي حياتك. أنهى جملته بجدية جعلت مقلتيه تلمعان بزرقتيهما القاتمة، فشعرت بخوف وعبست بينما هو يستطرد بجدية أبرزتها ملامحه فأضحت مخيفة ¤ أخبريني أيتها النجلاء ما الذي أطلق جنونك من عقاله حتى أعمى بصرك وبصيرتك لتلقي بنفسك إلى الموت بكل بساطة واهمال؟ تجمدت مكانها تحدق به بخوف ممزوج بشيء آخر لا تعلم ماهيته، فاقترب أكتر حتى حجب ظله الضخم كصاحبه النور عنها وتغلغل عطره الثمين عبر خلايا رئتيها يسكر عقلها، يهمس بخفوت يحاول إغواءها واستمالتها لا ينكر ¤ ما الذي بحق الله يستحق أن تحترق هاتين العينين من أجله؟ احتبست أنفاسها في صدرها وأسرعت دقات قلبها، فجف فمها تبلع ريقها دون جدوى، لم يستطع تحمل قربها وعينيها تناديانه تطلبان منه شيئا يجهله، فيسمع توسل قلبه بخفاقته المضطربة تحثه على الاقتراب أكثر والتنعم بقربها عله يهدئ قليلا من سرعة عدوه لكن رغبته الشديدة كانت في لثم مقلتيها البندقيتين، هم بلمس الأولى فأجفلها وأيقظها من تأثيرها بحضوره الطاغي، برائحة عطره المسكرة ثم اقترابه منها وهمسه المغوي كتعويذة سحرية دافئة، دفعت بها إلى بحر لا تعلم إن كانت ستنجو منه، فجأة سحبت منه حين رمشت عينها، لتدرك بأنه يحاول لمس مقلتها، فكرت بيان هل جن هذا الضخم؟ أبعدت رأسها للخلف، فشعرا كلاهما ببرودة ووحشة لكنها أخفت ذلك ببراعة تهتف بصياح ضعيف بينما تمسك جانب بطنها تشعر بألم مزعج كلما توترت ¤ ما هذا الذي تفعله؟ ...ارحل أرجوك؟ تفاجأ للحظة من فعلته لكنه سريعا ما استرجع ثقته مع ثباته وتراجع هو أيضا إلى الخلف ملقيا بثقله على الكرسي المسكين، يسألها بهدوء مستفز ¤هل فعلا تريدين مني الرحيل؟ انزعجت من عجرفته، فصاحت ¤ أخرج من هنا يا سيد! أو سأستدعي... قام عن كرسيه بحدة وانحنى تجاهها يرمق عينيها المرعوبتين، فيفقد تعقله بزيادة، مالت إلى الخلف بينما هو يهمس من بين أسنانه الكبيرة الناصعة البياض ¤من ....من ستستدعين؟ الأمن؟ أو ربما .... تلكأ قليلا يكمل بعبوس جاف ¤ ربما ابن خالتك الذي بسبب زواجه أصبت بالجنون و أردت الموت. بهتت و ارتعش جسدها بأكمله وهو يسترسل هاتفا بجنون لا يجد لما يفعله من سبب وحجة سوى رغبة شديدة من قلبه ليحيطها من كل اتجاه فلا تفر منه ¤هل تحبينه لدرجة قتل نفسك؟ ردي علي؟ أنفاسه الغاضبة تلفح صفحة وجهها، ترمق التساؤل بعينيه فتستغرب ما همه هو ولمَ كل هذا الغضب؟ لم تقدر على دفعه فقالت بعبوس اختلط به الغضب والحزن ¤ابتعد عني! أنت لا تعلم أي شيء، ابتعد! تجاهل شعور الدفء الجارف بالقرب منها ووضوح تأثيرها عليه، يطالبها بفضول قاتل ¤ما الذي لا أعرفه؟ أخبريني؟ أطلقت العنان لدموعها وشهقاتها الضعيفة، فتركها مشفقا عليها واستقام واقفا ينظر إليها، فهمست ¤ارحل من فضلك! زفر بيأس، يقول ¤سأرحل الآن و لكني سأعود وأريد جوابا وافيا على سؤالي. التفت مغادرا قبل أن يتوقف بجانب الباب، يستدير اليها قائلا ¤ إلى اللقاء يا نجلاء، تعافي بسرعة! وغادر تاركا إياها تبكي حيرة جديدة ودوامة أكبر قد ألقاها فيها ذلك الجيئل. ***** استقبلت عائلة الصياد ليث و ورد بحفاوة وسعدت مريم بلقاء صديقتها تسحبها إلى غرفتها لتنفرد بها بينما أخذ هشام صديقه إلى الحديقة، تكلم الأول حين لاحظ وجوم الثاني و نظراته الحارقة بغل يكبت غضبا أسود سينسف المنشاوي وابنه معا ¤ ليث، هلا أخبرتني ماذا حدث؟ نظر إليه، يجيبه بحقد يهز رأسه ¤حدث أن تامر قد ثقل حسابه جدا و أنا ألجم نفسي فقط من أجل القضية للإطاحة بالعقرب الأكبر والده. أشار بسبابته نحو هشام يحركها مكملا بغل ¤ذلك فقط ما يلجمني عن الذهاب إليه في التو واللحظة لأفرغ رصاص مسدسي في جسده وأريح العالم من كلب ،،لا،، تلقيبه بكلب إهانة في حق الكلب" ..قل حية سوداء مسمومة تزحف بين خلق الله تنفث سمها لتدمير حياتهم. صمت هشام ينصت إليه ويمنحه مجالا ينفس عن غضبه الذي يشاركه به، يفكر بأنه لو كان بمكان ليث ما كان ليتحكم بنفسه لحظة الخيانة وكان ليقتل الإثنين فوق فراشهما. انتبه إليه وشعر بالريبة حين سمعه يقول ¤ لكن ماذا سينجب الشيطان سوى حية؟ ....الولد سر أبيه! قاطع هشام حديثه المسترسل قائلا ¤ لكن على الأقل والده تاجر مخدرات، لم أسمع أنه خان السيدة ناريمان. تسمر هشام ينظر إلى ضحكة ليث الهستيرية لا تحمل أي علامة بهجة إلا الوجوم والسخرية القاتمة. يحاول كبت ضحكته السوداء الناجمة عن غضبه الحارق الخالية من ذرة مرح وهشام يستفسر مستغربا حالة صديقه ¤ ليث، ما بك؟ تجمدت الضحكة السوداء على شفتي ليث ونظر في عيني صديقه هامسا بفحيح يدل على مدى كرهه لما يقوله ¤ المجرم قاتل أم هل تظن بأن العميد قد وضعه برأسه و يعمل على القضية بيديه فقط لكونه تاجر مخدرات؟ ضم هشام حاجباه لا يفقه شيئا، فاستطرد ليث هامسا وقد اقترب من صديقه كاتم أسراره ¤ أتذكر رنا الفتاة الغريبة التي كانت تحضرها السيدة ناريمان مع تامر إلى بيتنا؟ تلك التي كانت لا ترضى باللعب معنا حتى مع بيان وتبقى ملتصقة بوالدتها إلى أن يرحلوا. فكر هشام قليلا ثم هتف بادراك ¤آه نعم أذكرها، الفتاة التي جلبوها من العدم و قالو بأنها ابنتهم وسمعنا بعدها أنها اختفت أو خطفت لا أذكر جيدا. عقب ليث بحزم غاضب : قتلت! هتف هشام بخفوت : ماذا ...كيف علمت؟ رد عليه بملامح متألمة :الشاهدة على ذلك أخبرتني. لم يجبه، فأضاف بينما يتكئ على جانب كرسيه المجاور لصديقه في زاوية من زوايا الحديقة ¤ ورد كانت شاهدة على جريمة قتل رنا. بهت هشام للحظة قبل أن يقول بنفاذ صبر ¤ ليث كف عن الألغاز وأخبرني كل شيء. أسند مرفقاه على الطاولة أمامه وبدأ بسرد كل ما يعلم لرفيق عمره الوفي. ¤ هل تصدقين ورد؟ سأتزوج، أنا لا أصدق! ...كل هذه السعادة تقلقني، فأنا لم أعتد عليها. أجابتها ورد وهي تلمس خدها بحنان ¤ ما شاء الله لا قوة الا بالله، حبيبتي استخيري ربك وتوكلي على الله ثم صلي لله واحمديه على نعمه. أمسكت يدها، تقول بامتنان ¤ لن أنسى أبدا أنك السبب في كل سعادتي لولا لقائي بك وحنانك علي ومساعدتك ما التقيت بأهلي ولا بهشام. ابتسمت ورد، مجيبة ¤ كلنا أسباب يسوق الله بعضنا لبعض لقضاء أقداره... مريم أنت قلبك أبيض كبير وستجازين عليه بكل خير. ثم استطردت، قائلة ¤هل جهزت نفسك لعقد القران؟ ...ومتى الزفاف؟ ثم ضحكت بمرح، مكملة ¤ هل أخضعتك خالتك لنفس حملة الإعلانات التي أغرقتنني وسطها من قبل؟ بادلتها مريم الضحكة تجيب عليها وهي ترخي الوشاح عن عنقها ¤ أجل أجل لكن هشام أصر أن نترك الفستان حتى يختاره لي بنفسه غدا إن شاء الله، سيرافقني و لمار إلى السوق ....أما الزفاف فخالتي حاولت معه جاهدة أن نقيمه بالصيف لكن عبثا، فخضعت لرغبته وحدد الموعد بعد عشرين يوما، هل تصدقي؟ تكلمت ورد مبتسمة بمكر ¤ مممم يختار لك الفستان بنفسه والزفاف في وقت قريب، ما كل هذا الحب؟ أنت محقة، يجب أن تخافي من الحسد اقرئي المعوذتين حبيبتي. ضربتها على رجلها بخفة تضحكان بسرور تتبادلان الحديث المرح عكس حديث الشباب الجدي، قام هشام من مكانه مصدوما يشد بشعره بغل يحاول استيعاب حديث صديقه، يتساءل، كيف يكون الإنسان منافقا لهذه الدرجة ويخفي بشاعة كهذه؟ بواجهة رجل الأعمال النزيه ثم ابنه الحية المسمومة! التفت إلى صديقه قائلا ¤ حركة تامر الأخيرة غايته منها زرع الشك بينكما. هز رأسه مؤكدا، يعقب ¤ أعلم ولو لم يسقك القدر إلى هناك، الله أعلم ماذا كان سيحدث؟ رد عليه هشام وهو يهل عليه متخصرا ¤ للحظة شككت بذلك الرجل، لكن انسحابه بسرعة و هو يعتذر دفع بي لإهمال الأمر. هم بالحديث لكنهما أجفلا على خروج مريم و ورد باتجاههما، فتبادلا النظرات و غيرا الموضوع ثم ودعوا بعضهم على وعد اللقاء يوم عقد القران و غادرا. ***** حاول التحدث معها لكنها رفضت فلتتحمل إذن ما سيفعله، لا بل فعله! ...ها هو جالس بحلته البسيطة على الكرسي الجلدي الفاخر، بكل ثقة واضعا رجلا على رجل أمام والد شرسته التي قررت معاقبته. هذا الرجل الذي علم ما إن رأى نظرته الدونية التي ألقاها على ملابسه والمفاجأة التي ارتسمت على ملامحه حين قدم له نفسه، فغير نظرته الدونية إلى أخرى مهتمة طامعة، أن حماه بلا فخر إنسان مادي محض! ....سأله والد شاهي بعد أن ضيفه بكرم فائض عن سبب زيارته، فرد عليه مباشرة ¤ أريد ان أطلب منك يد الآنسة شاهي. رد عليه بشك وهو يعتدل على مقعده خلف مكتبه الفاخر ¤ ابنتي شاهيناز؟ أنت تعرفها؟ أجابه مبتسما : نعم، تعرفت عليها في دار الأمل. ابتسم الوالد بسعادة، يقول : إذن أنت من محبي الخير كابنتي. أجابه بسخرية مستفزة وبتعمد ¤ لا ... بل أنا من أبناء تلك الدار . تفاجأ السيد مجران مجددا، و سمير يكمل باستفزاز حافظ عليه بكل رغبة ممتعة ¤ توفي والداي، وطُردنا من بيتنا أنا وأختي واستقبلتنا الدار بينما أنا في سن العاشرة. ضحك والد شاهي بتوتر، يستفسر بحرج مختلط بعدم تصديق ¤ كيف إذن أصبحت غني ومن رجال الأعمال الناجحين؟ حينها تغيرت ملامحه إلى الجدية بينما يجيبه بكل ثقة وفخر ¤ أنا رجل عصامي بنيت نفسي بنفسي طبعا بعون من الله، بدأت صبيا في محل ميكانيكا السيارات أعمل وأدرس وخطوة بخطوة ترقيت في سلم النجاح الذي لا يخلو من العقبات حتى بعت أول سيارة مستعملة رممتها بيداي، وبعدها أخرى و أخرى إلى أن أصبحتُ شريكا في وكالة تسويق السيارات الجديدة وكراء المستعملة، بعد ست سنوات أسست أول وكالة لي ملكي وحدي والآن ولله الحمد أصبحوا عشرة فروع بمدن مختلفة. رفع والد شاهي يديه متصنعا الفخر، يعقب ¤ مبهر! هنيئا لك، أنت بارع. أنزل يديه ثم أضاف: لكن يجب أن استشير شاهي أولا. ابتسم سمير بمكر يشوبه بعض اللؤم وقام عن مكانه، يجيبه برسمية ¤ أخبرها أنها إن وافقت سأكتب باسمها فرعين منهما الرئيسية. غادر تاركا السيد مجران مفتوح الفم مصدوما، يتمتم لنفسه ¤ وكا...لتين ...الرئ....يسية ...ستوافق أقسم ستوافق! ****** تحول الاجتماع الذي بدأ بالتوتر إلى اجتماع مثمر حيث أن فاطمة وشاهي اُعْجِبْتا بشخصية أسماء الجديدة والْتَمسْنَ صِدْقَ نيتها للِتَّعْويضِ عن خطأها بخطط بارعة لإنشاء معرض دائم يشتغل فيه أبناء الدار كلُُّ حسب حرفته، يُدرُّ عليهم أرباحا ويخصصوا جزءا من تلك الأرباح لتنمية الدار نفسها، أسعدهن ما وصلن إليه وكلهن عزيمة وأمل في أهداف سامية حددنها وسيبذلن جهدهن لتحقيقها. نهضت شاهي تجمع أغراضها استعدادا للانصراف قبل أن يعلو رنين هاتفها، نظرت إلى شاشته فلمحت رقم والدها، ترد باستغراب ¤ مرحبا بابا، هل كل شيء بخير؟ أجابها بتملق زاد من ريبتها ¤ حبيبة بابا، اشتقت إليك، لم نتحدث منذ مدة هيا تعالي إلى المنزل في الحال أنا وماما في انتظارك. أنهت المكالمة وريبتها قد بلغت مداها، تفكر في الذي سيجعل والديها يطلبان رؤيتها بإلحاح، تنبهت إلى صوت فاطمة، تقول ¤ يجب أن نخبر ورد أيضا ستتحمس ومساعدتها ستفيدنا. إبتسمت أسماء تتذكر حوارها مع طبيبها فأصبحت تراها من منظار مختلف أو أن المنظار موجود من قبل ولكن لم تتجرأ على استخدامه. أومأت أسماء وشاهي بسهو كل واحدة منهما غارقة بأفكارها. ما إن فتحت الباب وجدت والديها ينتظرانها في البهو، والدها مستقيم بحلته الغالية ذات العلامة الأصلية والسيجار بين إصبعيه أمام الباب الزجاجي، يرمق الحديقة أو ينشغل بذلك حتى يهرب من استجواب المرأة المتأنقة بتكلف، فلو تم حساب كلفة الفستان 'البرادا' مع مجوهرات 'اللازوردي' وضف عليه الحذاء ذو الكعب الأنيق من جلد الحيوان الأصلي هو و حقيبة اليد 'الكوتشي'، غير تسريحة الشعر الأشقر الذهبي كابنتها، من أشهر و أغلى ليس صالون حلاقة، لا" لقد أصبح موضة قديمة بل منتجع يوفر مع تسريح الشعر تدليك وقناعات للوجه والشعر الخ..الخ... تكون النتيجة ثروة متنقلة على رجلين أو لنقل الآن ثروة جالسة على الكرسي واضعة رجلا على رجل بطريقة أنيقة ترمي الواقف أمامها بنظرات المحقق كما تفعل دائما في حضرته، وهناك في الركن المنزوي الخالة فتيحة واقفة تتململ بقلق، تتوقع ماذا سيحدث تحديدا! نطقت شاهي بريبة ¤خير! ما سبب هذا الاجتماع الطارئ؟ تنبه الثلاثة وابتسموا مرة واحدة لكن طبعا بنيات مختلفة، فابتسامة التملق على فم والدها تختلف عن ابتسامة والدتها الأنيقة التي يشوبها بعض الحنان المتحفظ، أما ثغر الخالة فَتُزَيِّنُهُ ابتسامة كلها دفء و ....شفقة للخيبة الجديدة التي تتنبأها ستصيب أميرتها الجميلة. تكلم والدها مقتربا منها يقبلها على وجنتها ¤ حبيبتي، إشتقت إليك. بادلته القبلة بشك تستشعر مصيبة قادمة والتفتت لوالدتها التي وقفت على كعبي حذائها الرفيعين، لتقبلها هي الأخرى، تعاتبها ¤ أَخَذَتْكِ منا تلك الجمعية حتى أن صديقاتي أصبحن يسألنني عنكِ وعن سبب غيابكِ و ابتعادكِ عن بناتهن. لم تتحمل شاهي الإنتظار، تهتف بفضول ¤ أرجوكما ادخلا في الموضوع مباشرة، ماذا هناك؟ عبست والدتها ب 'أناقة' وضحك والدها، قائلا بتوتر وترقب ¤ لا شيء حبيبتي، أنا و أمكِ فكرنا بأنكِ قد كبرتِ و حان وقت التفكير بمستقبلكِ، فأنت لن تظلي عازبة دائما. ترمقهما بريبة تشير برأسها حتى يسترسل، فيكمل بحرص يختار كلماته ¤أنت ابنتنا الوحيدة وبالتالي وريثتي الوحيدة وهذا سبب كافي لتجمع الطامعين حولكِ، لذلك كنا أنا ووالدتكِ نَتَريَّث في أمر زواجك لنختار لكِ زوجا مناسبا يقدر وزنكِ ذهبا حبيبتي. والدتها تومئ بموافقة على كل جملة يقولها والدها كَدُمْيَةِِ آلية، فسألت شاهي بنفاذ صبر وملامحها ترتسم عليها الحيرة وعدم الاستيعاب ¤مباشرة بابا ..مباشرة! وأخبرها مباشرة ¤تقدم إليك شاب ونحن نراه مناسبا جدا لكِ. ارتفعا حاجبا شاهي حتى لمسا مقدمة رأسها، تهتف ¤ كل هذه المقدمة و التوتر من أجل شاب تقدم إليّ ثم متى كنتما تقرران عني؟ فهذه ليست بالمرة الأولى التي أُطْلَبُ فيها للزواج. رد والدها بجدية وقد بدأ قناع التملق يضمحل ¤المختلف هذه المرة أننا موافقين على الشاب. ضمت شاهي ما بين حاجبيها، تتساءل بحيرة ¤ من هو على أي حال؟ أجابها بفخر لا يشعر به أبدا ¤ سمير رشدان صاحب وكالات س.ر لتسويق أشهر ماركات السيارات ...أنت تعرفينه هو أخبرني. شهقت بحدة لم تتخيل أبدا أن يقوم سمير بتلك الخطوة، للحظة شعرت بسعادة تُدَغْدِغُ أوصالها لكنها أَرْجَأتْهَا لوقت لاحق و نظرت إلى والدها تسأله بحماس أجادت إخفاءه ¤ هل أخبرك أين التقينا؟ رد عليها بضجر يُلَوّحُ بيده الممسكة بالسيجار ¤ نعم نعم، أخبرني بكل شيء عن حياته البائسة ورحلة كفاحه. تدخلت والدتها بملامح مشمئزة ب "أناقة" تعقب ¤ أنا لم أوافق في البداية، إذا علم أحد من معارفنا أننا زوجناك من إبن دار للأيتام "ييععع" ستكون فضيحة لنا لكن ما يقدمه من أجلك ليس بهين وسيضمن مستقبلكِ. مع كل كلمة تنطقها يغمز لها السيد مجران لتسكت، فهو يعلم ابنته جيدا ستعتبرها عملية بيع وشراء ولن ترضى أما شاهي فقد تغيرت ريبتها إلى إدراك ثم إلى غضب و .....خيبة جديدة تضاف إلى رصيدهما، فاقتربت من والدها و نظرت بعينيه الشبيهتين بعيني ابن عمها ناصر، تهتف من بين فكيها و زرقتيها الصافيتين قد لمعتا بدموع توشك على مغادرة مكانها ¤ ما هو الثمن بابا؟ لم ينطق يبلع ريقه بصعوبة يُسَلِّكُ حنجرته ليجيبها لكن نظرة الخيبة بعينيها و الألم تحبسان الكلمات بحلقه، فاستدركت بوجوم ¤ لا تريد أن تجيب! لا مشكلة، أنا سأعرف بنفسي. سحبت الهاتف من الحقيبة تستدعي رقم سمير الذي باتت تحفظه عن ظهر قلب تحت أنظارهم المتسائلة، رد عليها مع أول رنة يقول بسخرية مرحة ¤شرستي الجميلة، قررت أخيرا الصفح عني؟ تجاهلت مرحه تسأله بألم ظاهر بنبرتها :ما هو الثمن سمير؟ رد عليها ببلاهة : ثمن ماذا؟ انا لا أفهم! أجابته بغل ممزوج بغيض ¤ الثمن الذي حددته مع والدي لتشتريني منه؟ تجمد سمير و الإدراك يزحف إلى دماغه أما والدها فصاح باستنكار : شاهيناز مجران أنت تتجاوزين حدودك. نزلت دموعها بوفرة وهمست له عبر الهاتف بحرقة شعر بها تحرق صدره و قد فهم و استوعب أخيرا أن حبيبته صادقة بشعورها نحوه و أنه بالفعل لا يعرفها أبدا وأن المظاهر خداعة. ¤هنيئا لك سمير، لقد أثبت وجهة نظرك وأبشرك بأن والداي موافقان على أصل منبتك الوضيع بالنسبة لهما، فقط من أجل ما تقدمه من مال. أكملت بوجع قبل أن تقطع للاتصال و تهرول إلى غرفتها ¤لقد أثبت أنني سلعة تباع لمن يدفع أغلى سعر. همت الخالة باللحاق بها إلى غرفتها فتوقفت تنظر إلى السيد مجران يصيح بأوامره ¤عَقِّلِيهَا يا فتيحة ....إنه عريس لا يُرْفَضْ، فَلْتَكُفَّ عن الدراما فمثله لن ينتظر موافقتها كثيرا، هناك فتيات كثيرات غيرها تلك البلهاء. هزت رأسها بيأس وانسحبت بينما سمير يشعر بفداحة ما اقترفه وإن كان من قبل قد أغضبها فالآن يَخْنُقُهُ إحساسه بفقدانها، فظل ممددا فوق سريره يتأمل سقفه من جديد بحلته الذهبية طبعا من صنع خياله. ***** شاب آخر ممدد على سريره لكن دون تأمل للسقف، ليس بعد على أية حال! يشد على الهاتف فوق أذنه يتمنى لو كان هاتفا سحريا، فيسحب منه حبيبته الفاتنة التي لم يقابلها وجها لوجه منذ الخطبة، فقد طلب منه والدها عدم مقابلتها إلى يوم عقد القران الذي لا يريد أن يرحمه و يأتي بسرعة، و لأنه محل ثقة العائلة بأكملها وقبل ذلك إنسان مؤمن وَفِيُّ اكتفى بالمكالمات الهاتفية كل ليلة واستراق النظرات من بعيد وهي تخرج من مدرستها، تنهد بشوق وهمس ¤ فاتنتي ارحميني و دعينا نعقد قراننا في هذا الأسبوع ...أشتاق إلى رؤيتكِ و التحدث معكِ. تمسك هاتفها بكلتا يديها بحنان والملامح المتولهة ترتسم على محياها مع تلك الإبتسامة البلهاء التي يعرفها كل عاشق على ثغرها، تجيبه بنبرتها الرقيقة الخافتة تعبث بأعصاب طه ¤ لم يتبقى على انتهاء الموسم كثيرا، الصبر فضيلة كما تعلم. تنهد مرة أخرى ليجيبها ¤معكِ الصبر عُلْقُمْ، مُرُُّ مَذَاقُه بشدة. صمتت تبتسم بحياء، فأكمل ¤ أرجوك تحدثي لا تحرميني صوتكِ أيضا. ضحكت بخفوت، فتصلبت يشد على الهاتف المسكين يوشك على تهشيمه، يعقب ¤ ستقتلينني قبل أن نبدأ حياتنا معا. شهقت برقة، تجيبه : حفظك الله من كل سوء. فيبتسم بعاطفة يسألها : تخافين علي فاتن؟ فتجيبه بصدق :طبعا ... ليهمس بكل عشقه الذي تفشى بأعصابه و خلاياه :أحبكِ.. احمرت ولم تجبه، فاستطرد ¤ قوليها فاتن أتوسل اليكِ، فقط انطقيها .. أغمضت عينيها وكأنه يراها وهمست قبل أن تنهي المكالمة ¤سأقولها إن شاء الله. ..بعد عقد قراننا ... نظر إلى الهاتف بحنق ورماه على المنضدة ليلتفت إلى سقفه الونيس يتأملها فيه وقد أصبحت عروسا له ومن حقه كل شيء فيها. **** إنه وقت النوم على أي حال والجميع ممددين على أسرتهم حتى الليث الذي تاه عن غضبه بتوتره، يرمقها خارجة من الحمام تشد على حزام المئزر الذي ترتديه على منامتها التي هو متأكد من كونها ثلاث إن لم يكن أربع قطع سميكة واسعة كأنها ستدخل في سبات شتوي. ابتسم لهذه الفكرة وظل يتابع مشيتها المتعثرة حتى جلست على طرف السرير، تمتمت بأدعية النوم مستقبلة القبلة ثم اندست تحت الغطاء بصمت، وكأنه ليس بجانبها يعلم جيدا أنها مرعوبة زائد متوترة وضف عليها خجلة يقسم إن أتى بحركة واحدة ستفر من جانبه كسهم أطلق من يد صياد محترف، لذلك سمَّر أطرافه كلها بحذر إلا عينيه اللتين لا تحيدان عنها. تسلحت بشجاعة واهنة، تخبر نفسها مرارا و تكرارا* لا تكوني جبانة، أنت ابنة العميد وتربية النقيب وزوجة الضابط يعني قدرك البسالة، لا تكوني جبانة* تقدمت وجلست على طرف السرير وتسلحت بسلاح أقوى و هو ربها فهمست بالأدعية ثم اندست تحت الغطاء محافظة على المسافة بينهما، مستلقية على ظهرها ترمق السقف دون أن تجمح بخيالها، فجموحها كله بجانبها تشعر بحرارة أرجعت سببها لكومة الثياب على جسدها والغطاء من فوقها. همس ليث بخفوت فَدَوَى قلبها دَوْيا هز صدرها إلى أسفل بطنها يولد لديها خوفا : ورد! بلعت ريقها تتسع مقلتيها اَلُمُتَسَمِّرَتَانِ على السقف وهمهمت بحذر : همم! لم يطلب منها الالتفات إليه فقط أكمل بهمسه الخافت ¤أستحلفك بالله الغالي على قلبك لا تخرجي من هنا أبدا إلا برفقتي مهما حدث. زَفْرَةُ راحة أطلقت سراحها فتلاشى الخوف وحل مكانه الأمان والامتنان لخوفه عليها ثم الحب ....الحب لهذا الرجل الذي اختارها قلبه دونا عن فتيات العالم بأجمع وهي تعلم بأنها ليست بالأجمل أو حتى طبيعية مثلهن، فهمست مبتسمة بكلمة واحدة : أعدك. كلمة واحدة مصحوبة بابتسامة حب عَلِمَهَا بقلبه كفيلة بتهدئة توتره والتفت إلى السقف ليبدأ خياله هو بالجموح. إنساب صوت المنبه إلى عالم أحلامها الذي لا تَتَذَكَّرْ متى سُحِبَتْ إليه، فرمشت بجفنيها ثم فتحت عينيها لتجده ثابت على شِقِّهِ يراقبها بوله تحركت في مكانها و جلست ليقوم هو الآخر مبتسما، يهمس ¤ صباح الخير وردتي. تسارعت دقات قلبها، فاضطرب تنفسها لينتابه القلق، يهتف ¤ هل أخطأت مرة أخرى؟ فهمت حديثه فابتسمت تغادر السرير محمرة الوجه وهي تومئ بلا، عادت ابتسامته يخبرها قبل أن تدخل الى الحمام ¤ سأتوجه الى المركز عقب صلاة الفجر وسأعود في الموعد لأرافقك إلى الطبيبة ...ان شاء الله. . همست محافظة على ابتسامتها ب إن شاء الله و انسحبت، ليقوم هو بنشاط تخلل كل أعصابه قبل أطرافه. ***** لم يغمض جفن لسمير طوال الليل، يفكر بالحل الأنسب لِيُضَمّدَ جرحها الذي كان هو سببا فيه وأشرقت الشمس وشمسه هو لاتزال غائبة، تنهد بخيبة يتكئ على مائدة الإفطار ينتظر شقيقته، أجفل على نبرتها المتهكمة تقول ¤ كثر تنهدك يا أخي العزيز ...هل أترك لك الحصة اليوم مع الدكتور مفيد؟ نظر إليها بفتور، يجيبها بنفس التهكم ¤ها ها ها أضحكتني. ضيقت عيناها تعلم جيدا هذه الحالة التي تَتَلَبَّسُ شقيقها فقط إن اقترف خطأ فادحا، فسألت ¤ ألن تخبرني بالمصيبة التي أحدثتها؟ رمقها بريبة، فاستدركت بتهكم ¤ أرجوك! أنا أعرف تلك النظرة جيدا أم هل نسيت أنني تقريبا من ربيتك؟ أنزل كتفاه بحزن وقام يتقدمها خارجين بينما يقول ¤ نعم لقد قمت بمصيبة لكن سأصلحها لا تشغلي بالك فقط ركزي على المعالجة. استسلمت أسماء لرغبة شقيقها، فهذه طبيعته منذ صغره يتحمل نتائج قراراته ويتصرف لوحده دون تدخل من أحد وكما العادة كانت السيدة زينب في الانتظار بملامحها المتذمرة والممتعضة بينما ترمق أسماء بنظرة شاملة ثم أشارت لها إلى باب مكتب الدكتور، فَخَطَتْ باتجاهه في صمت .. استدارت السيدة زينب إلى سمير المكتئب، فضحكت بسخرية : خربتها وقعدت على تلِّها. نظر إليها بيأس، فاستطردت : الآن ستفهم حكمة المثل... رفعت يدها إلى وجهه تشير عليه بشكل دائري ¤هذه الملامح على وجهك هي 'قعدت على تلها' لم يجبها، يَنْفُخُ بنفاذ صبر، فأضافت تحبس ضحكتها بمشقة ¤ تعال واحك لي كيف خربتها سَأُضَيِّفُكَ بكوب قهوة سوداء ترحما على المرحوم. لأول مرة لا تجده على المكتب بل واقف أمام الجدار الزجاجي يراقب سربا من الطيور المهاجرة تزين السماء بشكل خلاب، تأملت ملابسه التي لا يغير هيئتها فقط الألوان تتغير، هذه المرة سروال أسود وكنزة سوداء بفتحة عنق مثلثة تحتها قميص أزرق غامق ثم رأسه الذي تظل تبحلق في صلعه لا تعلم ما الذي يشدها في رأس أصلع؟ لا يشغلها عنه سوى ابتسامته الجانبية، تلك مسألة أخرى... ماذا يحدث معها؟ تنحنحت حين لم يشعر بحضورها، فالتفت إليها وأهداها ابتسامته الجانبية، يتقدم إليها قائلا ¤ مرحبا أسماء ...هل تسمحين بمناداتي لك بأسماء؟ أومأت بنعم تفكر، نادني كيفما شئت فقط كف عن الابتسام!. أشار لها إلى الأريكة، فخطت إليها وجلست ....جلس أمامها، يسألها : كيف حالك أسماء؟ ردت عليه بخفوت فدائما ما كان صوتها يهرب منها أمامه فقط: بخير الحمد لله ...لقد عملت بنصيحتك. رماها بنظرة تساؤل، فأكملت : سأنظم معرضا للحرف لكن ليس لي بل للدار لذا سنحتاج لزبائنك. ابتسم بحبور، يجيبها : جيد جدا مبارك، سأكون أول الحاضرين في الافتتاح إن شاء الله وأحضر معي أيضا أول الزبائن. بادلته الإبتسامة الرسمية وقد شَحَنَ هِمَّتَهَا بتشجيعه و ....وعده بحضوره. ¤ إذن أسماء تصالحتِ مع الدار؟ رمقته ببلاهة، فاستطرد ¤ تحدثت من قبل عن الدار وكانت نبرتك عدائية. أومأت تعبر عن شعورها ¤ عشتُ فيها أياما سوداء لكن شئت أم أبيت تغير حالها إلى أفضل وانتقامي كان غباء مني. سألها مدعيا عدم علمه بسرقة الدار مع أنه يعرف دافعها لكنه يريدها أن تخبره بنفسها ¤ انتقام؟ ضمت شفتاها قبل أن تقول ¤ نعم لقد قمت بفعل غبي ...شعرت بحنق وغضب حتى اختنقت، كنت أتنفس بصعوبة وكأن هناك شيئا ثقيلا يطبق على صدري ويكتم أنفاسي بفمي حتى أحسست بأنني سأنفجر، أردت أن أقوم بشيء ما أصرخ، أفعل أي شيء ...نُظِّمَ حفل بالدار واجتمعت فيه تلك النسوة المتبجحات اللواتي يَدَّعِينَ الخدمة الإجتماعية و يتصرفن وكأن الجمعية قامت على تعبهن في الوقت الذي كل ما كن يفعلنه هو إلقاء الأوامر والتأنق في الحفلات والتباهي بممتلكاتهن من مجوهرات و ملابس ....جلست أراقبهن أفكر بأن أغلبهن كُنَّ من قَبْلِ اِلْتِحَاقِ ورد التي قلبت موازين الدار وسألت نفسي لماذا لم يفعلن مثل ما فعلته ورد؟ لماذا لم يهتمن بمراقبة المشرفين المعينين من طرفهن و يَتَتَبَّعْنَ مصير الأولاد اليتامى الذين من أجلهم أسسن الدار و الجمعية، فاستنتجت شيئا واحدا ...أنهن أسسن الدار فقط للواجهة. ضحكت بمرارة بينما تضيف ¤ كنا مجرد واجهة للتباهي أتصدق؟ فسألها بهدوء: كيف انتقمت أسماء؟ اهتزت عيناها بخِزْيِ وخجل ثم قالت بنبرة متوترة ¤أردت فقط أن أدمر الدار لِتُدَمَّرَ واجهتهن، أعلم بأن ما فعلته خطأ فادح، لكني لم أكن بوعيي، لم أفكر بالذين لايزالون يحتاجون الدار، كل ما كنت أفكر به .... صمتت والدموع قد بدأت بالنزول تعبر عما عجزت عنه، فأكمل عنها ¤ أنهن السبب في تدمير حياتك و ضياع أحلى سنين عمرك .. أومأت و خرجت من فمها شهقة بكاء حارقة، فنهض الدكتور مفيد وجلب كأسا من الماء و مده إليها، أمسكت به وشربت منه ثم استرجع منها الكأس يعطيها علبة المناديل الورقية، مسحت دموعها بينما تسمعه يقول و قد عاد إلى مكانه ¤لنعد إلى الخلف أسماء، إلى من بدأ بتدمير حياتك ....إلى من حمتك منه والدتك و راحت حياتها ثمنا لذلك. نظرت إليه فاغرة الفم، مبحلقةَ به لكنها ما لبثت أن قررت أنه آن أوان التحدث. ***** عاد قبل موعد الطبيبة ليجدها جاهزة و غادرا البيت كالمرة السابقة، استضافتها لوحدها وليث ينتظرها خارجا 'قرب باب مكتب الطبيبة ' سألتها بملامح كاسمها باسمة ¤ كيف حالك ورد أرى التورد على وجنتيك، أنت سعيدة يا ترى ما سبب سعادتك؟ أجابتها بسعادة وكأنها حققت انجازا عظيما لكن بحياء حتى أنها احمرت : أنا و زوجي نتقاسم السرير. زادت ابتسامة الدكتورة، تثني على فعلها ¤جيد... هذا تطور جميل. ثم استطردت : هل تسمحين له بلمسك؟ عبست ورد تومئ بلا وعلى نفس بسمتها، سألت : حتى يدك؟ هتفت ورد بأمل ¤نعم، لمس يدي مرة واحدة. هزت الدكتورة رأسها باستحسان، تسأل ¤ ما كان شعورك حين لمس يدك؟ ضيقت عينها ثم رَدَّتْ ¤ في البداية لم أشعر إلا بالمفاجأة فقد باغَتَنِي ثم أحسست بعدها بدفء لمسته لكن لم أستطع