ضمت ورد ذراعي مريم وأشارت لمحمود الذي كان انتصب متأهبا عند المدخل ما إن التقط إشارتها، فانسحبوا بعدما ودعت السيدة عائشة الجدة بكلمات مقتضبة، تبعهم العميد مودعا هو الآخر العائلة يسرع في اتجاه ورد التي أدخلت مريم السيارة قبل أن تلتفت الى ملامحه القلقة تهادنه بالقول اللطيف. ¤ سأكون بخير ..لن نستطيع التحدث الآن سأكلمك غدا، إن شاء الله. أهداها إبتسامة متفهمة، بحنان يجيبها. ¤ لا مشكلة بنيتي، إستريحي فأنت شاحبة ويجب أن ترتاحي، السلام عليكم. ضم هشام والدته يسحبها برفق ليخرجوا من هناك، فقد أصبحوا محط أنظار البقية من الحضور، شعر بلمسة صديقه على كتفه يسأله بإشفاق. ¤ هل أنت بخير؟ أستطيع نقلكم إلى منزلكم. فرد عليه ممتنا. ¤لا داعي لذلك أنا بخير، أراك غدا بالمركز إن شاء الله. أومأ له بتفهم وظل يشيعهم بأنظاره القلقة حتى تنبه ليد جدته التي أمسكت به، تطلب منه بحنو. ¤ تعال بني أوصلني لحجرتي، لقد تعبت وأنت أيضا...لندع والداك و زوجي العتيد يودعون ما تبقى من الضيوف. إبتسم ليث لطرافة جدته، يتساءل متى تنتهي مفاجآت تلك الليلة الطويلة، تسللا بخفة إلى غرفة الجدة حيث أجلسته على الأريكة المقابلة لسريرها، تستوضح منه بحماس طفلة فضولية بينما تجاوره. ¤ هيا... أخبرني بالذي حدث. رمقها ببعض الارتباك استغربه بنفسه بينما يرد عليها. ¤لا شيء جدتي، مجرد مطاردة كالعادة ...أنت تعرفين عملي. حركت الجدة رأسها كلا الإتجاهين، تعقب بحزم لا يخلو من الحنان. ¤ لا أقصد الرضوض الخضراء على وجهك والذي أنا متأكدة بأن له علاقة بشحوب وجه الفتاة وعرجها الخفيف، لقد حاولت جاهدة إخفاءه لكن ليس علي أنا! بل أقصد ملامح الخيبة والتشاؤم بعينيك، فالنظرة فيهما الليلة ليست أبدا تلك اللامعة وأنت تخبرنا عن ورد، لذلك عد إلى طبيعتك معي وأخرج ما بقلبك حبيبي، هذا الشعر الأشيب وهذه التجاعيد قد يساعدونك وحتى إن لم يفعلوا سيواسونك. مال ليث نحوها ليمسك بيديها، يقول بعتاب وحب يكنه لها. ¤ جدتي أنت لا زلت صغيرة والتجاعيد بوجهك تكاد تلمح. إبتسمت الجدة بمرح خبا ما إن سحب ليث يده ليمسح على وجهه بكآبة، يكمل. ¤ آه جدتي، لطالما كنتِ بئر أسراري و لم تخذليني يوما ..أنا حقا بحاجة لك، ولحكمتك، فأنا في حيرة من أمري وعقلي مشوش لكن لن نستطيع التحدث هنا . ربتت على يده، تقول. ¤ حسنا حسنا، إذهب إلى شقتك ونل قسطا وافرا من النوم وستجدني عندك غدا بإذن الله لنتحدث على راحتنا. أجابها بعزم لمع بعينيه الزرقاوين. ¤لا ليس صباحا جدتي ...هناك أمر بغاية الأهمية ينتظرني بالمركز، سأتصل بك لتأتي إلى شقتي بالوقت المناسب. ردت عليه وهي تقوم من على الأريكة لتمسك بوجهه تقبل جبينه. ¤ حاضر بني سأتركك الآن، فأنا تعبة للغاية و سأخلد لنوم ...إهتم بنفسك واعلم أن لكل مشكلة حل بإذن الله. وجد ليث بقية أفراد عائلته بالردهة حيث هبت إليه والدته، تستفسر بلهفة. ¤إلى أين حبيبي؟ الفجر على بعد سويعات، فلماذا لا ترتاح بغرفتك؟ خرج صوته تعبا مجهدا و هو يجيبها. ¤ آسف أمي لا أستطيع، لدى عمل ملح صباحا والشقة أقرب. مطت والدته شفتاها يأسا فولدها قراراته حاسمة بينما هو يلتفت إلى جده الذي قصده بقوله. ¤ إتفق مع أهل الفتاة على موعد وبلغنا لنستعد واحرص على أن يكون الموعد قريبا . أومأ بتوتر لم يخفى عن الجد وانصرف. *** دقات على الباب تعرفت مريم على صاحبتها التي دخلت وهي تخفي ألم قدمها بعرج خفيف لم تلاحظه صديقتها الشاردة بنقطة وهمية أمامها، لا تصدق ما حدث ولا تستوعبه، تستحضر ومضات من الماضي حين كانت تضبط والدتها تمسح بقايا دمعات متحجرة على خديها فكانت دائما تسأل عن سبب تلك الدموع و دائما ما كان ردها *أنت ووالدك أهلي وأحبابي أخشى فقدانكما * وإذا صادف الأمر وجود والدها تلاحظ الألم مرتسما على وجهه وهو يضمها بقوة يخبرها بأن صدره مكانها وأهلها ووطنها. كانت تتأثر كثيرا بذلك المشهد وتتمنى من صميم قلبها أن يرزقها الله برجل يعاملها ويخبرها كلاما مشابها اعتبرته شاعريا، لم تكن تعلم بأنه كان يواسي فراقها وحرمانها من أهلها. انتبهت لورد الجالسة أمامها على السرير صامتة ساكنة وكأنها تحترم سهوها و انفرادها بنفسها، فقطعت الصمت الثقيل حولهما. ¤ أ تعلمين؟ الآن فقط تذكرت أنني لم أسأل والدتي يوما عن أهلها ...كان أبي دائما ما يحكي لي عن كونه الابن الوحيد لوالدين توفيا ولم يتبقى له إلا عم خارج الوطن فقد الاتصال به، ففكرت تلقائيا بأنها أيضا وحيدة عائلتها الراحلة عن الحياة، لا أتذكر مرة تطرقنا أو ناقشنا بها ما يمت لعائلتها بصلة ..ولم أعد متأكدة إن كان ذلك سهوا أم عمدا . صمتت ورد تمنح صديقتها مساحة للتعبير و لأنها أيضا منهكة، لولا طبعها المتأصل بها لكانت الآن بسريرها تحدق بالسقف وتحصي عدد دقات قلبها المصاب بالهلع، فما بصديقتها أخف بكثير من مصابها أو ما سيصيبها لكنها صديقتها الرقيقة، لقد أدركت ورد خلال المدة القصيرة التي قضتها مع مريم بأنها هشة وحساسة، تتأثر بأبسط الأمور كما هو الحال الآن، فبدل أن تفرح باكتشاف عائلة لها بعد اعتقادها اليُتم والوحدة تفكر باحتمالات لن تفيدها بشيء تماما كقولها المستطرد. ¤ لا أستطيع تقبل الأمر يا ورد ...أين كانوا قبلا؟ وماذا فعلوا لأمي كي تهرب منهم و تتنكر لوجودهم، عقلي لا يكف عن التفكير بأنهم لو لم يتخلو عنها لما وقعنا فريسة ذلك الحقير و لكانت أمي حية. أمسكت ورد يدها، تزجرها بحزم. ¤ إستغفري الله مريم ..كل نفس عليها موعد للرحيل مهما كان السبب لن تتقدمه و لن تتأخر. استغفرت مريم ودموعها مدرارا على وجنيتها وورد تكمل بينما تنهض عن طرف السرير. ¤ على العموم يلزمك وقت حتى تستوعبي ما حدث، و كل كلمة أقولها الآن ستطير هباء لذا حبيبتي حاولي النوم و سنتحدث غدا أو بعد غد بإذن الله عندما تكونين مستعدة للإنصات ...تصبحين على خير. مسحت دموعها تغمغم برد خافت قبل أن تندس تحت الغطاء تغمض عينيها تنشد النوم لعلها تريح عقلها من تخبطه، أما الأخرى فقد غيرت وجهتها نحو غرفة والدتها حيث استلقت بجانبها تضمها كأنها طفلة تختبئ من مجهول، فضمتها والدتها بنفس القوة دون سؤالٍ تعلم بأنها لن تلقى له جوابا. *** بلغت عائلة الصياد بيتهم والسيدة هناء لا تزال تبكي خسارة أختٍ ماتت قبل أن تحصل على صفحها وابنتها تبكي إشفاقا أما هشام فمراقب من غير حول ولا قوة، يتساءل ممتعضا *من بين فتيات الكون تكون هي إبنة خالته!* ليس أنه رافض بل العكس، هي دمائه و مسؤول عنها بغض النظر عن كل شيء آخر لكن ما يعكر عليه صفو الحدث عدم يقينه من تقبلها لهم بعد أن تدرك سبب هروب والدتها من العائلة، فهل يا ترى ستقبل به رغم تورط والدته في القطيعة؟ لكن ما ذنبه؟ هي ابنة خالته و مسؤول عنها و كفى، لم يدري بأنه ظل واقفا على عتبة الباب الداخلي شاردا إلى أن نادته أخته. هوت السيدة هناء على أحد كراسي البهو ولم تستطع إكمال طريقها إلى غرفتها، فحدثتها لمار برقة. ¤أمي هيا حبيبتي ...يجب أن ترتاحي في غرفتك. رفعت إليها عينين حمراوين كالدم، تجيبها بصوت باكٍ. ¤ كيف سأنام يا بنتي و أختي مدفونة تحت التراب؟ فقدت فرصة طلب الغفران.. فأين السبيل لذلك؟ نزلت دموع لمار المشفقة من جديد، فتدخل هشام الذي جاءته فكرة قد يريح بها بال والدته ومن يعلم؟ قد تؤثر إيجاباً بمريم. ¤ابنتها أمي. نظرتا إليه بتساؤل فأكمل بينما يتخصر تحت طرفي سترته. ¤ يمكنك التماس عفو خالتي رحمها الله بالاهتمام بابنتها ....هي أمانتها التي ستكون ممتنة لمن يصونها ..يجب أن تعطيها حق أمها بالإرث ثم تعوضينها حنان والدتها الذي فقدته، هكذا ترتاح خالتي في قبرها و تسامحك. ومضت شعلة أمل بعيني السيدة هناء، فمسحت دموعها تقوم وكأن قوتها شحنت من جديد، تقول. ¤ نعم بني أنت محق، سوف أفعل كل ما يلزم لأحافظ عليها، ستكون كلمار و سأغدق عليها بحناني و عاطفتي. ثم ما لبثت أن أصيبت بإحباط وهي تتذكر ردة فعلها. ¤ لكنني أخاف أن لا تتقبلني عندما تعلم بأن لي يدا فيما حدث لوالدتها. اقترب منها هشام و ضمها إليه، يجيبها بمهادنة. ¤ إنه أمر مرجح لذلك عليك بالصبر والإصرار حتى تنجحي حينها سترتاحين أمي، جميعنا نحتاج فترة استيعاب وخصوصا مريم، هيا كلتاكما إلى غرفتيكما، فأنا متعب للغاية و لدي عمل مهم بالغد . وكأنه أمر مُطاع كل واحد منهم ساقته رجليه لغرفته حيث غير ملابسه وحط برأسه على وسادته بهم مختلف وفي النهاية أحاط النوم بسلطانه جميع الجفون ليسدل بذلك الستارة على ليلة طويلة حدث فيها العجب، مهلا هناك من لم يُسدلها بعد لا زال يحاسب ابنا لم يحسن تربيته، كيف يربيه وهو فاقد لتلك التربية! ألا يقولون فاقد الشيء لا يعطيه؟ وصاحبنا ينطبق عليه المثل وها هو واقف أمام ابنه يرفع يده ليحط بها على وجنته حتى احمرت و سال خيط دم رفيع من فمه يصيح به. ¤غبي!...غبي! خمسة عشر سنة لم يستطع فيها أمهر محققي الشرطة أن يصل حتى لحرف من إسمي، لتأتي أنت الآن و تهديني إليهم ومصفد أيضا. أجابه الابن بهدوئه المغيظ الذي دائما ما يعامله به بينما يمسح جانب فمه. ¤ هدّئ نفسك بابا لم يحدث شيء لكل هذا. قاطعه بحدة يشتاط غضبا من برود الأحمق أمامه. ¤لم يحدث شيء؟...تُهديهم بضاعة كلفتني الملايين بحجة كشفهم لها منذ دخولها البلد ولم أعلق، والآن ثلاث من خيرة رجالنا بقبضتهم بسببك وكل هذا من أجل فتاة! ظل الابن على هدوئه المغرض يبتسم بسخرية، يعقب. ¤ خيرة رجالنا لم يستطيعو اختطاف فتاة.... السجن أفضل لهم ثم أنت تعرف جيدا بأنهم لن يشوا بحرف من اسمك ما دامت رواتبهم تصل ذويهم. صك الأب على أسنانه من تسيبه يهتف بسخط. ¤ وما فائدتهم إن ظلوا بالسجن؟ ....أموال تصرف بسفه ...أريد أن أعلم شيئا واحدا، لماذا هذه الفتاة بذات؟ أجمل فتيات المدينة يسعين خلفك، ما المميز بها؟ زاغت نظراته تلمعان شهوة ورغبة، يجيبه بصوت أقرب للهمس. ¤أريدها هي لا غيرها وستكون لي أنا ...لم أكن لأخطفها لو لم يدخل هو بالخط، كنت سأصبر عليها كما العادة حتى أستميلها بأي طريقة لكن أن يأخذها هو؟ لا وألف لا! وستكون لي برضاها أو دونه. نظر إليه بريبة، يسأله. ¤ من هذا؟ انتبه الابن لإفصاحه عن أكثر مما يجب، فتوتر يوليه ظهره لكن والده لم يمهله وأداره إليه بعنف، يصيح به. ¤قلت من يا تامر ؟ أجبني! رد عليه بتلعثم، يعلم مسبقا مدى الغضب الذي سيستبد به. ¤ للل..لليث الجندي. جحظت عينا حلمي المنشاوي بإدراك، فقبض على وجه إبنه بكلتا يديه يخاطبه بنبرة كفحيح أفعى سامة بأوج تأهبها. ¤ لم تجد سوى ليث الجندي لتتورط معه بتحدٍّ ستخسره ونوضع كلنا بالسجن! أم أنك تعتقد بحمقك أنه سيمررها كفعلتك الأولى؟ لا! أنت تحلم ....إسمعني جيدا... ستنسى ورد و تلتفت لحياتك وعملك، لديك فتيات الكون اختر أجملهن لكن تلك، مادامت عينا ليث عليها إنس أمرها ...لأنه إذا وضعك هو برأسه ستضيع و تضيعني معك و أنا لن أسمح لك، قتلك أهون عندي، هل سمعتني؟ لم يجبه تامر ينكس رأسه، فعاد والده إلى رفعه يصيح بصوت أعلى. ¤ قلت هل سمعتني؟ أومأ بحقد ظهر جليا بمقلتيه ولم يهتم به والده بينما ينصرف بعد قوله المستدرك. ¤ أرسل المحامي ليخبرهم بأن رواتبهم زادت للضعف وستصل ذويهم، وإن فتح أحدهم فمه بحرف أعدمناهم جميعا. سكن مكانه ينظر إلى مكان خروج والده ثم مسح على وجهه يمسك بشعره بينما يهمس لنفسه. ¤ ستكون لي.. لي وحدي، وإن سبقت وتزوجتها يا ليث سأفعل تماما ما فعلت مع رهف ولا تلم إلا نفسك ...ولكن رهف استجابت بملء إرادتها أما ورد فستكون ضربة قاضية لك يا ضابط يا مثالي! **** في غرفة ضيوف بيت العم سعيد المتواضعة يجلس الأستاذ طه متوترا، تارة يسوي هندامه وأخرى يعدل من جلسته، فيسخر من نفسه هو طه فاروق, المسير لمؤسسة الفاروق والذي نشأ على يد أم فرنسية مسلمة وملتزمة ربته على الشجاعة و الإقدام على تحقيق أهدافه مادامت مشروعة, فأضحى شابا واثقا من نفسه ثم رجلا يهابه المنافسين في السوق و كان فخر والده الذي ترك له تسيير المؤسسة حتى قبل أن يسلم روحه لبارئه ليغرق في بحر رجال الأعمال الذي لا يرحم لكنه توقف يوما فجأة و باندفاعه المعتاد قرر أن يحد من كثرة أعماله ليخصص وقتا لممارسة هوايته المفضلة والتي كان يريد اتخاذها مهنة بالأساس لولا ابتغاء رضا والده دفع به ليؤجل ذلك الحلم، لم يكن يعلم أن بتحقيقه سيجد هدية دخلت قلبه بدون استئذان من النظرة الأولى. عاد يسخر من نفسه، يفكر بأنه لم يكن يعلم أن هناك حب من النظرة الأولى، دائما ما كان يعتبره كلام أفلام وروايات وها هو الآن يجلس على أعصابه ينتظر ملكة قلبه لتهل عليه بعدائية يعلم أنها ستتخذها معاملة له باعتباره سيحرمها من أحلامها ولكن ليس طه فاروق من يستسلم، سيستعمل كل ثقته و ذكائه و أيضا سحره ليمتلك قلبها كما امتلكت هي قلبه بل كل خلجاته، نظر الى المدخل حيث ولج العم سعيد تلحق به تلك التي شغلت باله ....مهلا هل ترتدي حجاب؟ يا آلله لقد زادها جمالا و بهاء لكن لماذا ارتدته؟ هل ذلك من ضمن الخطة؟ إن كان كذلك فهي مخطئة تماما، فأنا وددت لو حجبتها داخل قمقم لا يلمحها أحد سواي. لم يعلم في خضم حديثه مع نفسه أنه يبحلق بها مما اضطر العم لأن يتنحنح، فانتبه طه و حاول التركيز على كلماته ¤ بنيتي هذا الأستاذ طه فاروق، لقد جاء اليوم ليتحدث معك قبل أن يحضر والدته ليتقدم إليك رسميا ..سأكون في الردهة عزيزتي. اتخذت فاتن كرسيا بعيدا عنه منكسة رأسها لم ترفعه مذ دخلت، فمنحته فرصة ليتمعن بها قليلا ثم ابتسم بمكر يتحرك بكرسييه ليقترب منها، فانتفضت من مكانها واقفة ليرفع يديه بحركة استسلام يقول ¤ اهدئي آنسة فاتن، اقتربت من مجلسك لتسمعيني جيدا. ظلت جامدة مكانها ورأسها لايزال منكسا، فزفر بانزعاج من موقفها العدائي، يضيف ¤ اجلسي يا آنسة، أنا لن آكلك، سنتحدث فقط . استجابت له على استحياء، فجلس هو أيضا وطبعا كان البادئ بالقول ¤ اختصارا لحديث طويل هل تقبلين الزواج بي؟ انتظر جوابها حتى يئس من نطقها، فأومأت بلا بحركات تكاد لا ترى ولم يتأثر فالأمر متوقع يسألها سؤالا أخر ¤هل ترفضينني شخصيا أم ترفضين مبدأ الزواج ككل؟ لم تستطع السكوت أكثر مخافة فقدان حلمها، كما أن ورد أخبرتها بأن الأستاذ إنسان واعي لن يجبرها على شيء ترفضه، فارتأت مناقشته علها تخرج بنتيجة ترضيها، فهمست ¤مبدأ الزواج ككل. زفر طه براحة، أخيرا نطقت و سيصل معها لنتيجة، يستفسر منها بهدوء ¤هل يمكنك إخباري بأسباب رفضك للزواج؟ ردت عليه بنفس الهمس الذي يطرب سمعه كنغمة هادئة ¤ أريد إتمام دراستي و بعد ذلك اتخاذ مهنة للعمل. ابتسم بظفر لم تره، فهي لاتزال منكسة لرأسها، يجيبها ¤ وأنا لست ضد ما تطلبينه. رفعت رأسها أخيرا بغية التأكد من قوله وبدلا من ذلك تاهت بين نظرات عينيه المشعتين بتعلق أربكها، يحيط بهما رموش سوداء كثيفة مثل شعره الذي تمردت منه خصلتين على جبينه الأبيض وكلون لحيته المشذبه، ابتسم من تفرسها، فاحمرت بحياء و عادت تنظر للأرض. ¤ ما رأيك لو أقمنا خطبة ما تبقى من هذه السنة ثم نعقد قراننا فقط لسنتك الأولى في الجامعة وأنا مستعد لأكتب كل شروطك بالعقد و بعدها نقيم حفل العرس، فأنا لا أقدر على البعد أكثر من ذلك. تسابقت أنفاس فاتن وقلبها على مضمار قاتل أقسم كل واحد فيهما الفوز ولم تدر أي رغبتيها تلبي، أتبقى وتنظر إلى ملامحه التي أسرتها أم تفر إلى غرفتها حيث أمانها لتستعيد تركيزها الذي فقدته وتشعر أنها ستضرب كل أمانيها بالحائط من أجل نظرات عينيه تلك، ¤ها ما رأيك ؟ ¤ ها؟ نظرت إليه ببلاهة، فضم حاجبيه باستغراب يعيد سؤاله ¤هل تقبلين بعرضي؟ تذكرت عرضه فاحمر وجهها بحياء ولم تستطع الرد عليه، فهمس بصوته الأجش ¤يمكنك الإشارة إن أردت لأنني سأعتبر سكوتك علامة الرضى . لم تقوى على البقاء أكثر، فأومأت بنعم و فرت من أمامه مبتسمة تاركة إياه مصدوما يتمتم ¤ لقد وافقت ...و افقت. قطع اندهاشه دخول العم سعيد منبسط الوجه يجلس أمامه، قائلا ¤ يبدو أنك استطعت إقناعها يا أستاذ طه . بادله الإبتسامة بينما يجيبه بهدوء يناقض ما بداخله من ثورة ¤ أرجو ذلك عمي سأحضر والدتي بعد إذنك طبعا نعقد خطوبة إلى أن تنهي هذه السنة، بعدها نعقد القران ونمهلها لتكمل سنتها الأولى في الجامعة وبعدها أقيم لها أكبر زفاف في المدينة. تطلع إليه العم بترحاب واحترام، يسأله بقلق ورجاء على ابنة يحبها مهما جفاها قليلا لمصلحتها ¤ تريدها بصدق يا أستاذ طه؟ اكتسحت مشاعر الحب ملامح وجهه ونضحت عيناه صدقا بينما يجيبه ¤بلى عماه، إنها أمانتك التي سأصونها بكل وفاء إلى آخر نفس بعون الله. سرور ألم بقلبه قبل وجهه و هو يرد عليه ¤أنا أقبل بكل ما تقرره وأنت منذ اليوم إبني الذي أثق به...فافعل ما تراه مناسبا. لاح الفخر على قسمات وجه طه سعيدا بثقة العم سعيد، يستعد لتحمل مسؤولية أسرة حبيبة قلبه التي سيجعلها أسرته من الآن فصاعدا. **** في قاعة اجتماعات كبيرة تسمى قاعة العمليات، يجتمع العميد مصطفى بالضابطين الممتازين والضابط ياسين يتباحثون القضية التي أصبحت خطيرة و مستعجلة، فلم تعد فقط متعلقة بالمخدرات بل بالخطف والقتل، متأكدين بأن الأمر له علاقة بورد بشكل أو بآخر ، تحدث هشام بحنق ¤ فعلنا كل شيء ليعترفوا عبث، إنهم كلاب أوفياء. تدخل ياسين مؤكدا بينما ينظر إليهم بجدية ¤حتى الضابط ليث تمادى قليلا بطريقته ومع ذلك لا نتيجة. التفتوا إلى ليث على إثر قول الضابط ليجدوه شاردا يفكر كيف أنه قد اتخذ كل طريقة تعلمها لاستجواب المجرمين دون نتيجة، حتى أنه ضغط على جروح أرجلهم والآخر قام بضربه إلى أن أوقفه هشام، فلو تمادى قليلا لسلب روحه بيديه، ما الذي يجعلهم مخلصين لرئيسهم لهذه الدرجة؟ ¤ليث! كان هذا العميد يحاول لفت إنتباهه، فرفع رأسه إليهم يواجه ثلاثة أزواج من العيون ترمقه بتساؤل، فأجلى حنجرته يقول ¤في الحقيقة أنا أفكر بحل للمسألة، فهؤلاء الأوغاد لن يتحدثو أنا متأكد، لذا يجب الاحتيال عليهم. ألقوا إليه السمع بجدية، فأكمل ¤ لدي خطة ....ندخل بينهم عنصرا يكون منا يندمج بينهم حتى يثقوا به ويحصل على معلومات تفيدنا، كل ما يهمني هو معرفة هوية رئيسهم. ضم العميد حاجباه، يزم شفتيه قبل أن يشير بيده، قائلا ¤ لن يثقوا به بسهولة والأمر سيطول وقد يسقط ضحايا قبل أن نعلم هويته. أجابه بتصميم و عزم سطع بعينيه ¤ لا سيدي، لدي شخص مناسب سأجنده بطريقة تجعلهم يقبلون به بينهم وقد يطلبوا منه العمل معهم لكن سيدي يجب أن نساومه بحريته بالمقابل. زاد فضول الثلاثة، فأضاف ¤ إنه زيد سيدي ..سيندمج معهم بالسجن و يسرد عليهم قصة الظلم الذي تعرض له من ورد وعائلتها وتخطيطه للانتقام منها و يعاشرهم ليستميل ودهم حتى يثقوا به. استفسر العميد تلقائيا ¤هل تظنه سيوافق؟ طغى عليه الحماس، يجيب بتصميم لإقناعه ¤ سأقنعه سيدي، سأعده بتحويله الى شاهد ملك وسأساعده أيضا ليبني مستقبله، فأنا أعرف ميوله و هكذا أفي بوعدي للآنسة ورد لكن سيدي يجب أن تضع حراسة عليها إلى أن نقبض على المجرم. ابتسم العميد بينما هشام وياسين ينظران إليه بتفكير، فقام ليث عن مقعده يستأذن وهكذا انتهى الاجتماع على قرار تطبيق خطة ليث والتنسيق لها فيما بينهم. *** تنفست فاطمة الصعداء ما إن خرجت شاهي، فالأعمال كثيرة، لم تكن تعلم أن منصب المسؤولة عن الدار مرهق لهذه الدرجة، ممتنة لشاهي فلقد كانت خير معين لها، أصبحت تداوم بشكل يومي وتتدخل بكل شاردة وواردة ولا يخفى عن فاطمة شرودها و تلفتها كأنها تبحث عن أحد ما. دقات على الباب جعلتها تتطلع نحوه، فراحت تطفو على السحاب، نشوة الأحاسيس هي ما تتملكها من مجرد وقوفه أمامها بطوله الفاره و أناقته الغير مسبوقة طبعا لها هي فقط والعوينات اللعينة! يشعرها وجوده بالسكينة، فيختفي المكان و الزمان، لا يعود للوجود وجود سوى هو حتى أنفاسها ساكنة، ساكنة لدرجة أن هسيسها لا يسمع. ¤السلام عليكم، كيف حالك آنسة فاطمة؟ انتفضت من أحاسيسها على صوته الهادئ ككل شيء فيه، ترد عليه بصوتها الثابت ذو النبرة المنخفضة ¤و عليكم السلام دكتور محمود ...ححمم أنا بخير ماذا عنك؟ أهداها إبتسامة دافئة سلبت ما تبقى من ثباتها، فتفر منه بأنظارها بينما يجيبها ¤ بخير الحمد لله، لا أعلم إن كانت ورد أخبرتك أنني قررت تخصيص يوم من أجل الدار، طلبتها في الهاتف قبل مجيئي لكنها لا تجيب وعندما هاتفت المنزل أخبرتني أمي بأنها لاتزال نائمة ومع ذلك قدمت لكي لا يضيع اليوم، فأنا نويت بإذن الله ولا أريد التقاعس. استنشقت نفسا عميقا لتستطيع استخراج الكلمات التي تبدو هاربة سابقة إياها إلى سحابتها، تهمس بتلعثم ¤اه مم.. نعم أخبرتني والغرفة جاهزة، تفضل معي. أشار لها بأن تتقدمه، يفكر بأنه ومذ وقعت عيناه عليها وسمع نغمة كلماتها التي تطرب سمعه وهو يبحث عن طريقة لتكون أمامه لا ينقطع عن محياها و لم يجد حلا سوى تواجده في الدار بأي طريقة و هكذا استغل مهنته لتوصل حبل الود بمن سلبت اهتمامه فجأة ودون استئذان. خطى على إثرها مسحورا بحضورها، بمشيتها الحيية تتهادى بفستانها الأزرق المحتشم بصمت وهدوء. وقف حين فعلت هي أمام باب ما فتحته وتقدمته إلى الداخل، تأمل محمود الغرفة يراها لا بأس بها، فهي واسعة بسريرين، واحد منهما محجوب بستارة بلاستكية و بالزاوية يقبع مكتب عليه أقلام و أوراق خاصة للتدوين. إلتفت إليها باسما، يعلق ¤ جيدة، راقت لي ككل شيء بهذه الدار. احمرت بداية قبل أن تستجمع نفسها تقابله بالجدية والحزم، تجيبه بنبرة منخفضة لكن ثابتة ¤ تفضل وجهز نفسك، سوف أنادي على الممرض كريم، كان من أبناء الدار ولم يتركها بعد تحسن أوضاعه، شأنه شأن الكثير منا، فهذه الدار ومن فيها عائلتنا و لن نستطيع تركها حتى إن لم نعد نحتاجها ...عن إذنك دكتور. وانصرفت متلافية خلفها تمثالا على هيئة الشرود، يحاول فك طلاسم جملتها الأخيرة بنبرة تشبعت بالألم والوجع. **** غادرت شاهي الدار حانقة، تتساءل *أين هو؟ لم لم يأتي؟ لأنني أغضبته يا ترى؟ لكن شقيقته فعلا سارقة! وماذا عن ما قالته ورد عن طبيب ومعالجة أنا لم أفهم شيئا، يا غبية كان يجب أن تناقشيه وتستفسري لا أن تهجمي عليه، إعترفي شاهي، أنت لا تستطيعين انتزاعه من عقلك، تتمنين فقط لمحه، لكنك تعلمين جيدا حجم العقبات التي تنتظرك إذا قررت فرضه على عائلتك وكأن مستواه المادي والعائلي وكونه من أبناء الدار لا يكفي! لتكون أخته سارقة! ماذا أفعل؟ و مع دخول ناصر في المعادلة، اللعنة! أين أنت؟* توجهت إلى سيارتها بتأفف حانق وانطلقت بها لينطلق وراءها ذاك الذي كلفه ابن عمها لمراقبتها، فهو يعلم يقينا بوجود شخص بحياتها ولن يكون ناصر مجران إن لم يعرفه ثم يمحيه من على وجه الأرض لتجرؤه على ممتلكاته. **** بناية راقية بواجهة من البلور تعكس لون السماء كلوحة خلابة زرقاء تحوم بها سحبا بيضاء وحديقة بمساحة مثلثة قبالة باب البناية تضم شجيرات صغيرة مشذبه بعناية، شديدة الخضرة، توحي بحسن العناية بها، يقف جوارها حارسي أمن. ¤ أسماء....هيا أختي تعالي معي .. سحب سمير شقيقته المستغرقة في تأمل البناية التي دخلاها تحت أنظار الحارسين الذين حيّا سمير بتحية مألوفة، استقلا المصعد إلى الطابق التاسع المكون من ثلاث شقق، على باب كل واحدة تتعلق لوحة خشبية أنيقة، عليها اسم مالكها و اختصاصه. كانت وجهتهم الباب المقابل للمصعد، فرفعت أسماء رأسها برهبة وكأنها منساقة إلى السجن وأول ما لمحته الإسم المكتوب بخط عربي منمق "الدكتور مفيد رشوان "، مفيد! ..مفيد! اسمه غريب فكرت في نفسها. ضغط سمير على جرس الباب يمسك بيد شقيقته يضغط عليها ليمدها بالأمان و الثقة. فتحت لهما امرأة في أواخر الأربعينيات، محجبة ترتدي تنورة طويلة بيضاء عليها سترتها، نظرت إليهما بوجه يعلوه ملامح التذمر، تقول ببعض النزق ¤ سمير ..دائما متأخر على موعدك، تعلم بأن العيادة ليست لحضرتك ولدينا مرضى آخرين. امتقع وجه أسماء وهمت بالرد لكن سمير منعها يبتسم للسيدة، يجيبها بمودة ¤ آه سيدة زينب، هذه المرة أنا معذور، شقيقتي مترددة في المجيء واحتاجت لوقت حتى تشجعت. قاطعته بإشارة من يدها، تعقب ¤ لا تبدأ بمهاتراتك معي، لست الطبيب هنا أدخل إليه لترغي و تزبد كيف تشاء ... لا أعلم كيف يتحمل! ثم انصرفت إلى مكتب الاستقبال كأنها لم تقل شيئا، فالتفتت أسماء إلى سمير، تهمس بغضب ¤ إذا كانت المساعدة هكذا، فما بالك بالطبيب؟ سحبها باتجاه حجرة الطبيب وهو يقول بمرح ¤ لا تبالي بزينب إنها أطيب مما تظهره لكنه أسلوبها في الحديث، ستتعرفين عليها لاحقا. لم يمهلها لترد، يدق على الباب ليسمعا صوتا رزينا يسمح لهما بالدخول، تطلعت إلى القاعة الواسعة بأثاثها الفاخر ، تنقسم إلى أقسام ثلاث، الأول بأريكتين يكسوهما جلد بلون بني فاتح بينهما طاولة من زجاج شفاف، عليها باقة أزهار بيضاء مرتبة بشكل مبهر داخل مزهرية بنفس لون اﻷرائك والثاني بجانب النافذة الشاغرة للحائط كله، بها أريكة طويلة أو ما يسمى ب *الشيزلونج* بلون كريمي أمامه كرسي جلدي بنفس اللون أما القسم الثالث به مكتب كبير من خشب العرعار، أمامه كرسيين من نفس الخشب و الثالث خلف الطاولة يجلس عليه الطبيب، ماذا؟ أصلع؟ الدكتور مفيد رجل أصلع؟ *** وصل العميد بيت ابنته برفقة أربع من خيرة الحرس الخاص بعد أن اختارهم بنفسه بعناية و بحرص، ألقى عليهم التعليمات بوجوب حراسة ورد أينما حلت وأدخلهم البيت يعرفهم على كرم ثم انصرف لمقابلة ورد. وجد السيدة عائشة في استقباله وعلى وجهها أمارات القلق، فسارع بالسؤال ¤ السلام عليكم سيدة عائشة ....ماذا بك؟ هل من خطب؟ ردت عليه بتوتر، تفرك يديها ¤لا أعلم ماذا أخبرك؟ لكن ورد ومريم لم تغادرا إلى الآن غرفتيهما، الأولى مذ أيقظتها لصلاة الفجر، صلت ثم أوصتني أن لا يوقظها أحد و لا حتى يدخل إلى غرفتها ولقد انتصف النهار و لم تنزل بعد، ليس من عادتها ...أما مريم فأنا أعذرها، ما حصل ليس هينا لكن ورد ما الذي جرى جعلها بهذا الوضع؟ إنها مرعوبة من شيء أنا متأكدة. زفر العميد بضيق، خائف على ابنته من المجهول و كذلك على صحتها، فهي إلى الآن لم تأكل شيئا. ¤هل تعتقد للأمر علاقة بالزواج؟ ...كنت أعلم أنها ستتأثر. تحدثت السيدة عائشة، فرد عليها بغموض ¤ من فضلك سيدة عائشة اجلبي طعاما إلى غرفة ورد، سأسبقك إليها ثم خذي بعضا منه أيضا لمريم و طلي عليها، فهي الآن تحتاج لحكمة تساعدها على فهم الأمور. قالت بلهفة بينما تنسحب نحو المطبخ ¤ حاضر... حالا. وسار العميد بدوره باتجاه السلالم، أما في حجرة ابنته.... **¤رنا ...رنا! لقد أتيت لنلعب، أمي قالت لا بأس في مجيئي. ¤أووه من لدينا هنا؟ الصغيرة ورد الجميلة، تعالي صغيرتي، رنا مختبئة، فنحن نلعب الغميضة ...أنظري ماذا لدي هنا، شكولا هل تحبينها؟ ¤ أجل أحبها.. بابا علي يأتيني بالكثير منها. ¤أنا أيضا سآتي لك بالكثير منها بشرط أن تأكليها معي ..هل أنت موافقة؟ ¤أجل... ¤إذا تعالي فوق حجري صغيرتي وافتحي فمك حلوتي، هااام! جيد جدا صغيرتي. ¤ماذا تفعل يا عمي؟ ¤ أبدا صغيرتي، هذا الفستان جميل جدا و أريد أن أشتري مثله لرنا لذلك أتحسسه إن كان جيدا. ¤أبي، ماذا تفعل؟ ¤رنا تعالي إنها صديقتك ورد تريد اللعب معنا. ¤لا! دعها تذهب لا أريدها هنا ...هيا اذهبي ورد! ¤رررننناااا !** ¤ورد ابنتي! استيقظي ورد! عزيزتي إنه كابوس! إستيقظت ورد والرعب يسكن قلبها قبل عينيها، تصرخ دون وعي بينما تضرب بأطرافها عبثا ¤ابتعد عني! لا تلمسني! ابتعد! ابتعد العميد عن السرير رافعا يديه باستسلام و الألم يعتصر قلبه، يتأكد له إصابة ابنته بخطب ما لا تفصح عنه، يهتف بلوعة ¤ اهدئي حبيبتي أنا والدك، لا تخافي، أنت بأمان . ما إن ركزت على صوته و بدأت بدعك عينيها تعرفت على والدها، خجلت من تصرفها تخشى مما صرخت به، فغطت وجهها بيديها تعود إلى الوراء حتى اصطدمت بحافة السرير تحاول جمع رجليها حيث نزغها الجرح لتشهق ممسكة بقدمها. رفعت رأسها فلاحت لها تعابير الأسى والوجع على وجه والدها الذي اقترب منها و جلس بجانبها، يقول بحزن وحنو ¤ هل يمكنني ضمك الآن؟ لم تكد تهز رأسها حتى سحبها والدها ترتمي بحضنه مغمضة عيناها، تشم عبيره عنوان الأمان والسكون بعد العذاب. **** أنهى ليث اجتماعه مع العميد ثم التنسيق للخطة مع هشام و ياسين، اتفقوا على معالمها ولم يبق سوى تطبيقها على أرض الواقع لكنه فضل ملاقاة جدته قبلا، هاتفها و واعدها ليلتقيا في شقته التي ما إن وصل إليها انتعش بحمام كان يحتاجه بشدة وارتدى ثيابه، فسمع رنين جرس الباب. فتح لجدته و قبّلها من وجنتها كما يحب أن يفعل مبتسما بسرور يشعر به كلما رآها، أدخلها إلى غرفة الجلوس، ملاحظا حملها لحافظة طعام. ¤ أعلم أنك تحب طعام سعاد لذلك جلبته لك معي، فأنا على يقين أن معدتك قد هرمت من الأكل الجاهز ، هيا اجلب الأطباق و تعال لتأكل، أراهن بأنك جائع. رد عليها بمرح بينما ينصرف نحو المطبخ ¤دوما ما تفهمينني جدتي، حالا تكون الأطباق على المائدة. فتحت الجدة الحافظة وبدأت بإفراغ الطعام في الأطباق التي قام ليث برصها واستأنفا الأكل بينما الجدة تضع لقيمات بفم حفيدها حتى هتف ضاحكا ¤جدتي كفى، أنا شبعت وأنتِ لم تأكلي شيئا. ردت عليه بمزاحها المعتاد ¤ أنت شاب قوي بارك الله بك، يجب أن تتغذى من أجل المجهود الذي تبذله بعملك، أما أنا فأعانني الله إن أكلت بعض الطعام شعرت بالتخمة. ثم غمزته، تضيف بمرح ¤ ثم أنا لا أريد أن أسمن، هل تريد لجدك أن يتركني بهذا العمر من أجل الفتيات الرشيقات؟ ضحك ليث بصخب، يلوح بكفه ¤ آه قد يفعلها، فهو وسيم جدا وسأكون محظوظا إن أصبحت شبيها به في مثل عمره. ثم ما لبث أن انقلبت تعابير وجهه لحنان يشوبه حزن، يضيف ¤ سأكون محظوظا إن شابهته في الشكل والظفر بحب زوجة مثل حبك لجدي. ثم زفر بأسى، يكمل ¤ جدي حظي بعلاقة زوجية مليئة بالحب والثقة والوفاء وكذلك أبي ....لا أعلم لما القدر يعاندني؟ لمست السيدة طيبة جانب وجه حفيدها بحنان، تخاطبه بلطف ¤ تكلم يا قلب جدتك، قل ما عندك ودعني أحمل عنك همومك. رفع ليث يده ليغطي يد جدته وحركها ليضمها بين يديه ثم تاهت نظراته وكأنه يحلق عبر مكنونات أفكاره ¤ حين فشلت بزواجي الأول لمت رهف على كل شيء حدث لكن بعد ذلك ظللت أحلل وأبحث عن أخطاء أكون أنا سببها إلى أن حملت نفسي أيضا وزر ما حدث، فقررت إغلاق قلبي و حياتي في وجه النساء، لأنني مهما فعلت سأظل ألوم نفسي وبالمقابل سأظل أشك بهن ولن تستقيم حياتي أبدا، تعودت وصرت أشعر باستقرار لولا إلحاحكم علي، فالتقيتها هي ..ورد. تركته السيدة طيبة يعبر عن نفسه، تراقب قسمات وجهه تلين ونظرات الحب التي لا تخطئها عين، خصوصا عين حكيمة كخاصة الجدة تلتقط تلك البسمة البلهاء تزين ثغره وكل ذلك انبثق من العدم عند ذكره لإسم ورد، فركزت سمعها مع بقية كلامه ¤ دخلت حياتي على حين غفلة أو بالأحرى أنا دخلتها بفكرة غبية ألقاها صديقي على مسامعي فراقت لي، حاولت محادثها فأحجمتني وكانت تلك بداية تعلقي بها، كنت سأبحت عن طريقة لملاقاتها لكن القدر كان أسرع مني وألقاها بطريقي وكل موقف جمعني بها تكون لها الغلبة فيه بتصرفاتها التي كنت أستخف بها لأكتشف لاحقا أنها مبادئ راسخة لديها. ثم نظر إلى جدته، يردف بعجب ¤ تقدم العون دون مصلحة تذكر، لا يهمها حتى إن كان الشخص يكذب عليها، لا يهمها مال ولا منصب و لا مظاهر، وفية لأقصى درجة لعائلتها وأصدقائها وحتى من قد تعتبرينهم أعدائها، جدية وصارمة لكن واعية وحكيمة ...لا أعلم بالضبط أي هذه الصفات أو جميعها جعلت قلبي يدق بحضورها كما لم يفعل من قبل حتى لزوجتي السابقة، فاكتشفت أنني أشعر نحوها بأحاسيس استغربتها بحالي، كغيرتي عليها من مزاحها مع أي أحد أو حبها لأناس أنا لست ضمنهم ومرات يصل بي الأمر إلى رغبة ملحة بالاستحواذ على قلبها ومشاعرها وحتى أفكارها لي وحدي فقط، أنانية أحس بها نحوها دون غيرها ولم أعِ على نفسي إلا و أنا أطلبها من والدها. زم شفتاه يقطب جبينه، فشدت السيدة طيبة على يديه تخاطبه بحنو ¤ هذا اسمه الحب يا بني وقليل هم المحظوظين بإيجاده، أكمل حبيبي، ما الذي يؤرقك؟ هل هو عدم مبادلتها شعورك؟ هل رفضت الزواج بك؟ أومأ إيجابا تغضنت لها ملامحه وأظلمت مقلتاه، فاختفت زرقتهما الصافية. *** أخي لم يكتفي باعتباري مجنونة، بل ويجلبني عند طبيب مجانين أصلع وبالكامل، كان ذلك ما يدور برأس أسماء بينما تشد على يد أخيها لتطلب منه أن يغادرا لكن الطبيب كان الأسبق بالقول المرحب ¤ تفضلا من فضلكما. أجلسها سمير على أحد الكرسيين وجاورها على الآخر أمامها ثم أشار لها إلى الطبيب، يقول ¤ أسماء ....أقدم لك طبيبي الذي أصبح صديقي وبمثابة أخي الأكبر، أثق به كثيرا و أطلب منك أن تثقي ولن تندمي. ابتسم الطبيب مفيد بامتنان يرد عليه ¤على رسلك سمير، الثقة لا تطلب و إنما تكتسب ...والآن بعد أن عرفتنا سأطلب منك البقاء خارجا إلى أن أحدث الآنسة قليلا. حرك رأسه بتفهم ثم قام، فقامت مثله ترميه بنظرة استجداء أن لا يتركها لكنه بادلها بأخرى حازمة لتعود و تجلس على مضض و ينصرف، ينتظرها خارجا رفعت وجهها تتأمل كل شيء في الغرفة بعدما لمحت الباب مواربا ولم يغلق مما أراح بالها قليلا، قليلا فقط! وقررت أن تلهي نفسها بتعمد عن النظر إليه. صمت لبرهة محافظا على ابتسامته الهادئة، يلاحظ ما يصدر عنها باحثا عن مدخل لسبر أغوارها، لن يكون هينا هو يعرف ذلك يقينا من خلال ما وصفها به شقيقها ومن خلال جهده مع شقيقها حتى تقدم على طريق التعافي بحمد الله لكن هذا عمله و التحدي يغريه دائما ليثبت مهارته بمهنته. طال الصمت فمطت شفتاها ولسان حالها يتساءل بحيرة *ماذا به لا يتحدث؟ هل أتى بي ليتأملني؟ آه إنه فقط يحتال على أخي المسكين لينهب ماله، إلى الجحيم، هذا ما أريده، الصمت إلى أن أخرج لكن حينها سأخبر سمير ليوقف سيل النقود الذي يغدقه به. ¤ بماذا تفكرين آنسة أسماء ؟ نظرت إليه بحدة تعقد ما بين حاجبيها دون رد، فأضاف محافظا على ابتسامته ¤ أريد أن أسمعها منك. تحولت العقدة إلى تساؤل، فاستطرد بهدوء ¤كرهك لي ...أريد أن أسمعك تعبرين عن كرهك لي و بغض قدومك إلى عيادتي...واحرصي على أن تكون الكلمات معبرة جدا. حطت بمرفقها على المكتب تسند براحة كفها دقنها وأبصرته باستفزاز رافعة حاجبها الأيسر، مستمرة بصمتها. ركز على عينيها هو الآخر باستفزاز جعل حدقتيها تهتزان باضطراب، فأنزلتهما إلى الأرض و استقامت في جلستها، فعادت إلى وجهه الإبتسامة لكن بمكر يقول ¤ إذا آنسة أسماء، هل تعلمين كم يدفع شقيقك بالساعة؟ لم ترد، فاستدرك ¤ يمكننا قضاء الساعة بالتطلع لبعضنا أو السقف أو حتى إلى الشارع من النافذة، فالمنظر هناك أجمل من صلعتي التي شغلت بالك منذ دخولك. عادت لرفع رأسها إليه بينما يسترسل بهدوء لا يدل عن سخرية : ¤يمكنك إضاعة الساعة وشقيقك لن ييأس و سيظل يحضرك وماله يضيع هباء أو يمكنك البدء بالتكلم و نرى الى أين سيفضي بنا الأمر. تمتمت بخفوت يكاد يسمعه لكن سره، على الأقل سيتواصل معها : ماذا أقول ؟ رد عليها بثقة ¤ كل ما يجول بخاطرك.. ممم مثلا رأيك نحو حضورك لدى طبيب نفسي. حاولت جمع الكلمات لتخرجها عبر فمها المتصلب، فخرجت أشبه بهمس ¤ححم... أنا لست مجنونة. أجابها بسخرية تعمدها متأملا ردة الفعل المناسبة ¤ هذا ..أنا سأحدده بنفسي. اشتعلت النيران بصدرها، فعدم نفي صفة الجنون عنها ترجمتها ملامح وجهها الساخطة، فاستقامت ومالت على مكتبه تحط بكلتا يديها عليه بعنف ثم انفجرت بوجهه ¤أنا لست مجنونة هل تسمع؟ وقدومي هنا كان فقط من أجل أخي، خشية أن يمل مني و يرحل عني ...ولولا ذلك ما أتيت إلى عيادتك الراقية التي تستقبل صفوة المجتمع، لا يعلمون أين يذهبون بأموالهم فينثرونها هنا ليتسامروا معك، لكن ليس أنا! لن أتحمل مساعدتك المتذمرة من كل شيء حتى منك و بالطبع لن أتحملك ورأسك الفارغ هذا من تعقله و شعره ....سأخرج من هنا و لن أعود أبدا.. أبدا! صمتت تلهت بشدة، مستغربة سكونه و ابتسامته اللعينة لا تفارق محياه، مد لها يده بكأس ماء أمسكته بلهفة تروي به ظمأها الناتج عن غضبها ثم قال بكل هدوء الكون ¤جيد جدا ...هذه بداية موفقة لم أكن واثقا بأننا سنصل إليها في الحصة الأولى. استقام واقفا فأطل عليها بطوله المساوي لطولها فشملت ملبسه بنظرة سريعة، قميص أزرق فاتح تحت كنزة زرقاء قاتمة من الصوف الرقيق بفتحة عنق مثلثة وسروال قطني من نفس لون الكنزة. انتبهت إليه يقول ¤ على فكرة، لو ظننتُ للحظة أنك مجنونة لأوصيت بحجزك في إحدى المصحات أو مستشفيات الأمراض العقلية، أظن بأن الجلسة اليوم انتهت، سألقاك بعد غد في مثل هذا الوقت إن شاء الله و أنصحك بالتفكير جيدا بأمر التعبير عما يضني قلبك و يرهق أحاسيسك و لا تنسي، أنا لست حاكما أو جلادا أنا فقط حاضر لأسمعك وأقودك إلى فهم مشاعرك و إعادة بناء جهازك العصبي. ضغط على زر ما وهي لاتزال جامدة مكانها تستغرب طريقته في الاستدراج والأغرب أنها تشعر بنوع من الارتياح في أعماق أعماقها، أجفلت على صوت شقيقها يسلم على الطبيب مودعا إياه على أمل رجوعها في الموعد الجديد وودعته بإيماءة خفيفة ثم التفتت تخرج إلى صالة الاستقبال حيث خاطبتها زينب بتذمرها المعتاد ¤إذهبي واشربي شيئا باردا يهدئ من أثر صراخك وفي المرة القادمة أخفضي صوتك قليلا، فطبلة أذني مثقوبة و لا أحب الأطباء فارحميني! ثم انصرفت وهي تتمتم بفتيات آخر الزمن! ضحك سمير بمرح بينما يسحبها من كتفيها مغادرين وهي لا تعلم إلى اللحظة ما الذي حدث! ***** فتح العميد باب غرفة ورد للسيدة عائشة التي أحضرت طعاما لابنتها، تسلمه منها شاكرا وطلب منها تركهما على انفراد. وضع الصينية على السرير، ينتظر ورد الغائبة بالحمام لتنعش نفسها و تغير ضمادة جرح ساقها، لمحها سائرة إلى السرير بخطى متوترة، فأفسح لها المجال لتجلس وبدأ بإطعامها. تقبلت منه اللقيمات بصمت فرضه رهبة الموقف وظل ينظر إليها بحنان بالغ يحاول إشعارها بالأمان علّها تفضي إليه بهمها، يلوم نفسه على تركها وتفرغه لانتقام ليته حصل عليه! هذا لا يعني أن صديقه و زوجته لم يصونا الأمانة، فهو متأكد من وفائهما لكن هذا لا يبرر غيابه عنها، فهل سيزيد لأثقال أوزاره وزر ابنته؟ هل أضاعها يا ترى؟ غصة استحكمت بحلقه كالشوك يفكر بالمكروه الذي أصاب ابنته ولم يكن بجانبها ليحميها ، فما أهمية عمله إن لم يفد به أقرب الأقربين؟ والدتها من قبل و الآن! .....كانت عيناه تلمعان بدموع أبت النزول حياء من هذا الصخر الذي لطالما خشيه أشد الرجال إجراما وحين لاحظتها ورد انقبض صدرها تعلم أنها السبب، فحركت الصينية لتمسك يديه تقبّلهما ثم نظرت إلى مقلتيه الشبيهتين بخاصتها، تهمس بألم ¤ أنا بخير أبي، أؤكد لك. شد على يديها يخاطبها بتوسل سطعت به لمعة عينيه الحزينتين ¤ هل أنت حقا بخير يا بنتي؟ لأن قلبي لا يصدقك وقلب الأب لا يخيب أبدا شعوره فيما يخص فلذة كبده ...لذلك حبيبتي أنا أظن بك بعيدة كل البعد عن "ال بخير" التي تظلين تخبرين بها من حولك. *ماذا أخبرك أبي و ماذا أخفي؟ إنه لأمر جلل، إن أفصحت عنه زدت عليك بحمل انتقام آخر أعلم أنك ستسعى إليه وأنا لا أريد فقدانك أبي، لا لا أريد! ...ماذا أفعل يا ربي؟ ألهمني الحكمة* ...لملمت أفكارها توقف بحث عقلها الشرس عن حل مؤقت قد يجعل والدها ينحي قلقه عليها ولو لبعض الوقت حتى تجد حلا قاطعا وفجأة ملأت صورة ليث خيالها، كيف تفهم كل كلام ألقته عليه دون تفكير فيفاجئها بتصرفاته المحترمة لرغباتها! عادت لسؤال نفسها عما كان رأيه فيما طلبته منه؟ هل فكر بأنها مجنونة ومعقدة؟ هل صرف النظر عن رغبته بالارتباط بها؟ طبعا! ...ليس هناك رجل طبيعي يربط نفسه بفتاة لن يلمسها، بل سيفر بنفسه من حماقتها؟ فما الذي يجبر رجلا بمكانته ووسامته على تحمل معقدة مثلها؟ تراهن بأن فتيات المدينة يتمنين نظرة من عينيه ويسعين إليه كحارسة السجن تلك، ناهيك عن الأخريات من وسطه لكنها سمعت عن كونه مطلق، لماذا يا ترى؟ ما لذي يدفع بامرأة عاقلة وطبيعية إلى ترك رجل مثله؟ عند هذه الفكرة شعرت بحرقة لا تعلم سببها تلتهم أحشائها، لم تعلم بأن إحساسها عبرت عنه ملامحها حتى تنبهت لسؤال والدها القلق ¤ هل أغضبك قولي بنيتي؟ أنا حقا أطمع بأن تمنحيني ثقتك وتفضين إلي بهمك. ردت عليه بتوتر لم تفلح في إخفائه ¤ أنا فقط خائفة من المجرم المجهول، أبي! نحن لا نعرف من يكون حتى و ما يريده مني؟ هذا الأمر لوحده كاف ليؤرقني. أومأ مؤكدا بينما يطمئنها برقة ¤ لا تخافي، ليث خرج بخطة نعقد عليها آمالا كبيرة بعون الله ...أظن أنها قد تأتي بنتائج جيدة إن شاء الله. غلب عليها الفضول تركز على والدها بملامح جدية، تنتظر منه التفسير، فنطق باقتضاب بينما تفتح فمها بلادة ¤ زيد! تألمت الجدة لحزن حفيدها، لأول مرة ترى نظرة الحب الصادقة الناضجة بعينيه، حتى حين قرر الزواج برهف كان شعوره حماسا وعنفوان شباب سرعان ما انطفأ وتحول لكره وقرف. تريد مساعدته و بشدة لينال سعادته و إن كانت تلك السعادة تتمثل في شخص فتاة يبدو قد نالت منها بشاعة الحياة ولكي تتمكن من تقديم العون له يجب أن تلم بجميع جوانب الموضوع، فسألته بحذر ¤هل رفضتك لشخصك أم أنها ترفض الزواج بشكل عام؟ ثبت مقلتاه عليها قليلا قبل أن يرد ببعض الضيق ¤ جدتي أنا في حيرة من أمري وأشعر بأنني ضائع لذلك سأحكي لك عن كل شيء لعلك ترشديني إلى حل يرضي قلبي و كرامتي على حد سواء. شرع ليث في سرد كل ما علمه عن ورد ومواقفها المشروطة وكذا تكهناته بشأن مصابها وجدّته تنصت إليه بتركيز حتى ختم كلامه بزفرة عميقة خرجت من صدره حارقة. انتظر ردها وكأن حياته بأكملها تقف على ما ستقوله بينما هي تفكر بأن تلك الفتاة تحيرها، لم تخطئ بالحكم على الناس يوما، دائما ما كان حدسها يصيب وهي متيقنة من صدق و حسن أخلاق ورد لكن ما سمعته الآن يجعلها تشك بل تتأكد أنها جُرحت بعمق ومن رجل، و بما أنها ترتعب منهم فهذا الجرح من الطفولة؟ آه يا ورد! ماذا يمكن أن يكون حدث لك بعمر البراءة. قررت طرح السؤال المهم، تريد أن تعلم إن كان يحب تلك الفتاة بصدق ومستعد لأن يبذل كل شيء من أجل أن تكون له ¤بني، بغض النظر عما قد يكون ألمّ بها، أريد أن أعرف منك لأي درجة أنت متمسك بها؟ أعني هل أنت مستعد لتقبلها بعيوبها أو حتى مرضها إن كانت مريضة، لست متأكدا من شفائها؟ نظر إليها دون تعبير، فاستطردت ¤فكر جيدا بني، إن تيقنت من الإجابة أيا كانت أنهيت حيرتك بنفسك. ثم أكملت وهي تشير بيديها الصغيرتين ¤ إن كنت لا تريد مزيدا من العقد في حياتك واكتفيت، فابتعد عنها وانسها فهي الأخرى في غنى عن عقد جديدة تضيفها إلى حياتها المزدهرة بشوك يحاوطها أما إن كان فراقها يفوق ألم مشاكلك الشخصية وقربها يهون كل عقبات ستلقاها لا محالة! وإن كان كل ما تريده هو قربها و محاولة إسعادها مهما تطلب منك الأمر من تضحية، حينها فقط يمكنني مساندتك بقرارك للمضي قدما بعلاقتكما، وبالمناسبة هي أيضا سألتك نفس السؤال. رفع رأسه بحدة يضم حاجباه بتفكير، فتبسمت تفسر ¤حين طلبت منك حمايتها حتى من نفسك ...إنها تستجدي منك المساعدة دون أن تعِ ذلك، لأنها يا حبيبي هي أيضا بلغت آخر الطريق وبوجهها باب مسدود كما أن حيرتها تفوق حيرتك. لمعت عيناه بإدراك فتاه عمق بحر أفكاره الهائجة وحينها أدركت الجدة بأنها أوصلته لنقطة لا يمكن أن تساعده بها ويجب عليه اتخاذ القرار بنفسه ليجعله هدفا يتحمل مسؤوليته و نتائجه. أجفل ليث من أفكاره على ضمة جدته الحانية، فشد عليها يضمها هو الآخر يشكر لها دوام دعمها ترشده لطريق الصواب دون أن تحكم عليه حتى إن أخطأ، تفهمه خطأه بلين و تفهم. افترق والسيدة طيبة على وعد بأن يعلمها بسير الأمور ، فغادر عائدا إلى المركز للبدء بتنفيذ الخطة. **** على نفس جلستها منذ أن استيقظت من النوم وعلى سريريها لا تملك ذرة قوة تدفعها للنهوض من مكانها، لا تعلم من أين جاءها هذا الوهن؟ هل تخشى من مواجهة الأمر ؟ حدثت نفسها،* لماذا أنا لست سعيدة باكتشاف وجود عائلة لي؟ ألا يعني هذا أنه أصبح لي عزوة ولم أعد وحيدة؟ إذا لماذا أنا خائفة؟ هل حقا أنا خائفة من وجود عائلة لي يجب علي التعامل معهم؟ أم خائفة من قربه هو؟ ...ألم يشغل بالي طيلة الأيام الماضية الفوارق والعقبات؟ اختفى كل ذلك الآن و أصبح عائلتي ويريدونني أيضا، إذا ماهي المشكلة؟ ...دقات خفيفة على الباب أيقظتها من سهوها حسبتها ورد لذا انتظرت انفتاح الباب لتدخل كما تفعل لكنه لم يحدث و أعاد الطارق دقاته، فهتفت ¤أدخل! انفتح الباب و دخلت السيدة عائشة بصينية أكل و على ثغرها إبتسامة دافئة، كم هي حنونة السيدة عائشة! مراعية ومحبة، محبة فعلا ونعم الأم فكرت مريم بينما تستجمع أطرافها لتخرج من السرير. وضعت الصينية على سطح المكتب وعادت إليها لتضمها بينما تسمعها تقول بامتنان ¤ لم أتعبت نفسك يا خالتي، أرسلي إلي نعيمة لتبلغني وأنزل إليك. سحبتها إلى المكتب في الزاوية وأقعدتها على الكرسي أمامها، ترد بمحبة ¤ أتيتك بالأكل هنا لأنني أريد التحدث معك على انفراد، هيا! سمي بالله وكلي. شرعت مريم في الأكل بخجل، فهي تعلم بما تريد محادثتها لكنها طرحت السؤال على أية حال ¤شكرا لك خالتي ...بماذا تريدين محادثتي؟ ردت عليها بود ¤ أعلم أن ما حدث أمس ليس بهين لذا أردت أن نتكلم قليلا، هكذا تنفسين عن مشاعرك وقد أفيدك يا بنتي. ابتسمت بأسى بينما تجيبها بوجوم ¤ فعلا يا خالتي أنا في حيرة من أمري، لا أعلم ماذا أفعل؟ ربتت على يدها الموضوعة على فخذها، تخاطبها بنبرة حانية لا تخلو من الحزم ¤ أصغي إلي ابنتي! ...الله يعلم أنني أحببتك منذ أول يوم رأيتك به، دخلت قلبي وأصبح مقامك لا يقل عن مقام ورد وسهى وفرحت جدا بوجودك معنا، لذلك طفلتي سأنصحك نصيحة صادقة مبنية على قول الشرع والدين، الرحم مقدس عند الله و لا يجب قطعه، لقد حدث ما حدث حين كانت والدتك رحمها الله حية مع أنني لا أعلم سبب القطيعة لكن ما أعلمه يقينا أنها حرام وذنبها عظيم، فالرحم تعلقت بعرش الرحمن ووعدها سبحانه بوصل من وصلها وقطع من قطعها، فوجب عليك عزيزتي رأب الصدع الذي شق بين خالتك ووالدتك ولا تحسبي بأن الأوان قد فات بموت والدتك، لا! أبدا، يبقى حقا لهم عليك عزيزتي وبوصلك لرحمك تهدين المرحومة أجر حسن تربيتها لك صغيرتي. انشرح صدر مريم لحديث السيدة عائشة ونزلت دمعات على وجنتيها، فارتأت الافصاح عن خوفها ¤ عقلي لا ينفك يلقي علي بتساؤله، لماذا هربت منهم أمي ومن المذنب؟ وكلما تذكرت انهيار خالتي بسبب مسامحة لم يمهلها القدر لتطلبها من أمي زاد يقيني بأنها السبب. زادت نبرة الحزم بصوت السيدة عائشة بينما تجيبها ¤هذا ما قصدته برأب الصدع يا مريم، إن كانت والدتك رحمها الله المذنبة تحصلين لها على الغفران من أهلها وإن كان العكس تسمحين لخالتك الملهوفة عليك كما بدا عليها بالأمس وانهيارها أكبر دليل على عذابها، بأن تلتمس غفران شقيقتها من خلالك، لاحظي بأن خالتك وضعها أصعب إن كانت مذنبة لأن من أذنبت بحقها توفاها الله، فليس أمامها إلا أمانتها التي تركتها لتحافظ عليها تود بها شقيقتها المتوفية، أما لو كان العكس فأنت حية وكنت لتبذلي قصارى جهدك لتحصلي على رضا خالتك الكامل على والدتك تغمدها الله برحمته، لذلك صغيرتي ليّني قلبك فالله يحب العبد الطيب النفس الذي يلتمس الأعذار للآخرين ألم تسمعي آيته الكريمة "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". فكري جيدا حبيبتي و لا تنسي أن تصلي لله ركعتين في جوف الليل وتسأليه الحكمة، فمن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.. انصرفت السيدة عائشة ومريم تنظر إلى مكان خروجها، تستشعر جدية الوضع و أنها يجب أن تصل لقرار حاسم تبدأ بتنفيذه **** ¤ ماذا؟ زيد؟ وما شأنه هو بأولئك المجرمين؟ اشرح لي أبي. كان هذا رد فعل ورد حين علمت من والدها بأن ليث سيستعين بزيد في خطة لاستدراج المجرمين، فشرح لها كيف سيتم تجنيده وطبعا بما سيساومه ثم أتبع آخر جملته بابتسامة مكر، يقول ¤ أخبرني أنه هكذا سيفي بوعده لك بخصوص زيد. تجاهلت مقصده وقامت باتجاه دولابها تلتقط ملابس للخروج تحت أنظار والدها المستغربة، فسارع يستفسر ¤ ماذا تفعلين؟ عادت شخصية ورد المعتادة حين يناديها الواجب، فلا تفكر سوى بتلبيته ولو كان على حسابها، تفسر له بينما تنظر إليه بجدية ¤ سنذهب إلى المركز، فزيد لن يوافق على مطلب ليث، أنت لا تعلم بما مر به في طفولته أصابه بفوبيا الثقة وخصوصا الرجال، لم أحصل على ثقته إلا بعد أعوام من حسن معاشرتي له و إن لم يسمع مني مساومة الضابط لن يثق به أبدا لذلك وجب علي الحضور. عقد العميد جبينه بينما يستفسر بريبة ¤ ورد! ما الذي أفقده الثقة بالرجال؟ ماذا حدث تحديدا؟ قبضت على أكرة باب الحمام وقد تحولت النظرة بعينيها إلى صقيع مظلم وظلت للحظات تفتح فمها وتغلقه قبل أن تقرر النطق بقولها المخيف مباشرة وهي تفر إلى الحمام ¤الاغتصاب أبي، زيد أغتصب في طفولته . تجمد مكانه يتطلع إلى باب الحمام الذي أغلقته ورائها ودوي قلبه قد وصل مداه بينما فكره يتخذ مسلكا آخر يغرقه بالظنون، فيتمتم بهلع ¤ يا إلهي رحمتك! أجفل على خروج ورد من الحمام، تدس هاتفها بحقيبة يدها قبل أن تنحني لترتدي حذائها، متجاهلة أنظار والدها المريبة والمتوترة على حد سواء حتى انتهت التفتت إليه بقولها المقتضب ¤ هيا أبي! نهض على مضض يستشعر كآبة تتسلل إلى أعماقه من ظنون لا يعلم إلى التحقق منها من سبيل. صادفا السيدة عائشة المستغربة من تغير حال ورد و شعلة الحماس بمقلتيها ولم يفتها شعلة الإحباط في شبيهتيها لدى العميد لكنها لم تسأل واكتفت بتوديعهما وما إن خرجا إلى الحديقة حتى تأهب الحرس مما أجفل ورد تمسك بمرفق والدها خوفا، فشد عليها داعما يشرح لها ¤ إنهم الحرس سيتبعونك أينما ذهبت. حاولت الاعتراض ¤ لكن أبي! فقاطعها بحزم ¤ لا اعتراض ورد، سأكون مطمئنا عليك أكثر، تحمليهم إلى أن نقبض على المجرم. صمتت تتقبل الأمر مرغمة واستقلا سيارة والدها تلحق بهما سيارة الحراس متوجهين إلى المركز. ولج زيد مكتب الضابط الممتاز ليث، حالته مزرية، لحيته طالت وهالات سوداء تحت عينيه الحمراوين حتى اختفى منهما لونهما العسلي. استقام واقفا وأجلسه على الكرسي يعاجله بالسؤال ¤هل أنت بخير ؟ هل تعرض لك أحد بالسجن؟ رماه بنظرة مرتابة من معاملته المهتمة فجأة، يرد عليه بتوتر واضح ¤ إنه سجن سيدي، كيف سيعاملونني؟ قطب جبينه و زم شفتاه بضيق، يشرع بالتمهيد له ¤ أخبرتني ورد بأنك تتمنى الالتحاق بكلية الشرطة، حتى أنك حصلت على مجموع يخولك لدخول إليها. ضحك زيد بسخرية زينت لوحة البؤس على وجهه بينما يعقب ¤نعم اجتهدت وحصلت على معدل جيد لكن لم يكن لي ظهر فأنا يتيم نشأت بدار أيتام. عقد ليث العزم على استغلال ذلك الأمر، يغريه بتحقيق هدفه ليوصله إلى هدفه هو، فمال إليه مما أجفل زيد فيشير له بيده ألا يخاف، يخبره ¤ ما قولك لو خرجت من هنا بسجل نظيف وتمنح فرصة لتحقق أمنيتك السنة القادمة إن شاء لله؟ امتقع وجه زيد يحمر غضبا بينما يهتف فاقدا لتعقله ¤ هل أتيت بي هنا لتهزأ و تسخر مني؟ ...ألهذه الدرجة يهون عليكم البشر وتعاملوهم كالحشرات تتسلون بهم أيضا؟ بهت ليث من هجومه، ظن أنه سيسعد ويتحمس لكن ما يراه عكس ذلك تماما، سيكون إقناعه مهمة صعبة للغاية، فليس هناك ضمانة عدا كلمته، فكيف سيقنعه بالاكتفاء بها؟ . هم بالتحدث فقاطعته دقات على الباب، صاح بالإذن بالدخول ونهض عن كرسيه عندما لمح الداخلين وكذلك فعل زيد هو الآخر وقد تغيرت ملامح وجهه إلى بعض اللين والمودة حينما رأى ورد. سلم العميد على الضابط و زيد المستغربين على حد سواء أما هي فقد أبصرته بتوتر جلي في مقلتيها، يشير لها بتحية ردتها بمثلها ثم التفتت إلى زيد الذي هالها حاله المزرى لذا أمالت رأسها بأسى، تسأله عن حاله ¤ يا إلهي! هل أنت بخير يا زيد ؟ أعلم بأن ظروف السجن قاسية. أجابها والامتنان لاهتمامها بالرغم من فعلته التي عرضتها للمشاكل يغمر أحشاءه قبل وجه ¤ نعم ... قاسية جدا. إلتفتت إلى ليث بسؤالها المقتضب ¤ هل أخبرته بالخطة؟ استوضح من العميد بإشارة، فأجابه الأخير بإيماءة تعني أن الأمر بعلمها، فعاد إليها برده ¤ أعلمته بالمساومة لكنه لم يصدقني بل اتهمني بالسخرية منه. منحت والدها نظرة ذات معنى التقطها ليث ثم اقتربت من زيد تعده بثقة ¤ زيد، الضابط ليث لا يسخر منك، أريدك أن تصغي إليه فهو أهل ثقة. لم تدري ماذا فعلت به وهي تلقي بتلك الجملة بكل سلاسة مما زاد من يقينه بما قرر فعله، أما زيد فكأنما شع وجهه بنور البشر وظهر شبح إبتسامة على ثغره يخاف أن يصدق ثم يستيقظ على واقعه المر بيد أن ورد يثق بها ثقة عمياء، فهي الوحيدة التي آمنت به وساعدته لسنوات ومهما أخطأ تهذبه برفق و دائما ما كانت تناديه بأخي يرى صدق مناداتها بعينيها. ¤ ستحقق أحلامك بشأن المهنة التي تحبها، فليث والعميد لديهما علاقات مهمة، أما القضية فستعتبر شاهد مساعد للشرطة، و إذا ساعدتهم بما يريدونه منك ستخرج حتى قبل نهاية القضية. ضم قسمات وجهه توجسا من المقابل المطلوب منه لتحقيق حلمه الذي من أجله سيفعل كل شيء بالطبع لذا طرح السؤال بحذر ¤ بماذا أساعدكم بالضبط؟ هنا تدخل ليث، يفسر ¤ منذ مدة ونحن نبحث عن المورد الجديد الرئيسي للمخدرات، لم نستطع حتى الوصول لهويته، فهو ماكر جدا يخفي نفسه بمهارة و دائما يحرك مخدوميه بعيدا و هم أوفياء له بشكل صادم ...تتبعنا شحنة جديدة دخلت البلاد تجاهلناها لنصل الى رأس الأفعى ولكن بطريقة غامضة فقدنا أثرها ثلاثة أيام لتظهر في قبو الآنسة ورد. جحظ زيد بعينيه صدمة وخزي من تصديقه لذلك الوغد الذي ادعى صداقته حتى وثق به على غير عادته، فلقد أراد الإثبات لنفسه بأنه إنسان طبيعي ويستطيع إقامة علاقات اجتماعية ولم يكن يعلم بأنه يلقي بنفسه في الجحيم و يسبب لورد شبهة شوهت سمعتها. أكمل ليث بجدية ¤ بعد التحريات وبعض الاعترافات، تأكدنا أنها مكيدة للآنسة ورد وعليه فإن المجرم تربطه بها علاقة قريبة أو بعيدة لذا اعتبرناها بداية الخيط الذي سيوصلنا إليه وتضاعف يقيننا حين حاولوا خطفها. هتف زيد باستنكار شديد ¤خطفها؟ وصل الأمر لخطفها! ثم نظر إليهم، يستطرد بقلق بالغ أكد لليث والعميد مدى تقديره لورد وخوفه الصادق عليها ¤ و ماذا حدث؟ أعني ماذا ستفعلون؟ هل ستنتظرونهم حتى يؤذونها؟ شعر العميد بارتياح كبير لمرآى خوف زيد على ابنته، فهذا يعني قبوله لمساعدتها أمر مرجح أما ليث فالنار تنذر باشتعالها بصدره الذي بدأ يضيق، فنطق بحدة لم يقصدها ¤ فلتنا منهم هذه المرة وقبضنا على الأوغاد لكن كالعادة، كلاب أوفياء و هنا يأتي دورك. ضيق عينيه طلبا للتفسير، فتكلم العميد بدوره ¤هل أنت مستعد لمساعدة ورد يا زيد؟ أجابه دون تفكير ¤أفديها بحياتي ..سأفعل أي شيء! تبسمت ورد بتأثر، فأضرمت النار و عاثت فسادا بأعصاب ليث ليهدأ قليلا حين استطرد الآخر بصدق ¤إنها أختي التي لا أعرف لي عائلة غيرها والبعض من قاطني الدار، أنقذتني مرات عدة ولن أتحمل إن أصابها مكروه. تأثرت ورد بشدة، تجيبه ¤ أخي أنا لم أفعل سوى واجبي ولا انتظر مقابلا، صحيح بأنني أريدك أن تساعدهم لتحقق أحلامك لكن لن أسمح بتعرضك لمكروه لذا ... إلتفتت إلى ليث و العميد، تكمل ¤ هل الأمر فيه مخاطرة؟ لأنني لن أقبل بذلك. رد عليها ليث بنزق ¤لا خطر عليه، كل ما سيفعله يمثل عليهم كرهك وعائلتك وتوعدك أمامهم بالانتقام حتى يثقوا به ويتحدثوا بحرية أمامه، لا نريد سوى اسم رئيسهم وفقط. ركز نظره على زيد، يعيد جملته الأخيرة ¤اسمه فقط وتكون خارج السجن بإذن الله. ابتسمت ورد ليبتسم زيد بدوره يجيبه بتصميم ¤ اتفقنا، أعدك أن آتيك بإسمه ومعلومات عنه أيضا هكذا تتأكد أنني أصلح كشرطي. ضحك العميد الذي جاور ابنته، يقول ¤ بما أن ورد قامت بدورها لتوفق بينكما وصرتما متفقين، اسمحا لي بأن أعيدها لبيتها وندعكما لتكملا اجتماعكما. اقترب ليث منه، يطلب برجاء ¤ لو سمحت سيدي أريد التحدث مع الآنسة على انفراد، لن يطول الأمر. نظر إلى ابنته بقلق وهي تفكر بأن عليها أن ترحم والدها و تصرف قلقه عليها فأشارت له بقبول. طلب ليث ياسين بالهاتف الداخلي، فتركه مع زيد ليطلعه على المعلومات حول المقبوضين عليهم ليشرع في الاندماج بينهم ما إن يعود إلى السجن ثم أخذ سترته وغادر المركز بصحبة ورد والعميد الذي فارقهما على وعد إيصالها إلى البيت بعد انتهاء لقائهما.