Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل السادس

شرفة أرضية بمساحة شاسعة مطلة على البحر ما يميز منزل الجندي العريق وبقية من منازل معدودة متراصة على ضفة ذلك الساحل، تراصت عليه طاولات مستديرة بشراشف حريرية بيضاء مزينة بكؤوس من الكريستال الشفاف والأطباق الفاخرة وتتوسطها باقات ورود بيضاء والأضواء منتشرة على طول الجدران والسور المطل على البحر ...بدأ الضيوف بالتوافد عبر الممر الذي يتوسط الحديقة الكبيرة الرابط بين الباب الكبير والشرفة وما يميز أكثر منزل وعائلة الجندي انقسام المساحة واحترامهم لعزل النساء بعيد قليلا عن الرجال وهذا ما لا يهتم بفعله الكثير من العوائل أثناء الحفلات، وفي استقبال الضيوف انتصب كبار عائلة الجندي على مدخل الشرفة، الجد والجدة يجاورهما السيد يوسف وحرمه. وكان من ضمن الوافدين عائلة خطاب المرافقة للعميد الشهدي المنتظر لهم أمام القصر، صافح العميد الجد الجندي الكبير عرفهم إلى باقي العائلة. رحبوا بهم بسرور لم تخفه الجدة إذا استثنينا السيدة زهرة التي لم ترضى بالأمر بعد، لا تنكر بأنها تأكدت من عدم حب ابنها لابنة أختها وكادت أن تخسره لكن هذا لا يعني بأن تقبل بفتاة مغناطيس مشاكل. أمسكت الجدة بيد عائشة تسحبها إلى المائدة المخصصة لهم و الأخيرة تحدث نفسها ..*هداك الله ابنتي لكي لا تفوتي هذه الزيجة بعنادك، أظن بأن العائلة ترحب بك، ربما والدته تظهر بعض التحفظ لكن أليس كل الحموات هكذا؟ المهم باقي الأفراد و الأهم هو الزوج و العميد يضمنه* قاطع أفكارها صوت الجدة طيبة التي جلست بالكرسي جانبها: ¤ أنا سعيدة جدا بالتعرف إليكم وأسعد أكثر بكون حفيدي قرر الزواج...أتشوق لرؤية ورد لأعرف منها كيف جعلته يغير رأيه فجأة بعد رفضه حتى بذكر كلمة زواج. ابتسمت السيدة عائشة بفخر، تقول بحديث مهذب. ¤ أنا أسعد عزيزتي، شكرا لك... ابنتي ورد فتاة عاقلة ورزينة ويشق علي فراقها لكنها سنة الحياة.... لا أمدحها لأنها ابنتي لكنها حقا فتاة ناضجة حفظها الله لي من كل شر. ردت عليها الجدة بمرح تربت على كفها، جعل السيدة عائشة متفائلة بالنسب الذي قد يجمع بينهم. ¤ لا تقلقي!...حفيدي شاب جيد سيحافظ عليها ..ثم نحن في مدينة واحد يعني إن شاء الله لن يكون هناك فراق. مريم الجالسة قبالتهما غير مركزة بحديثهما والزبرجد بعينيها يتألق مع شعاع الأضواء، تبحثان عن أخرى شبيهة لها. أما بالجهة الأخرى مال محمود المراقب للأمور بحذر على العميد، يلفت نظره بخفوت. ¤عمي ..ألا تظن بأن الضابط وورد تأخرا؟ أنا قلق عليها . التفت العميد إليه مهتما بحديثه فأومأ مؤكدا واستل الهاتف من جيبه يدخل رقم ليث وعندما رد عليه الصوت الآلي، تجاهل قبضة آلمت بقلبه وطلب رقم ابنته. زفر حين سمع صوتها وما لبث أن نهض بتوتر، فنظر إليه الرجال على طاولته على رأسهم محمود المقطب لجبهته ريبة، لكنه تمالك نفسه بمهارة يستأذن للحمام، مطمئنا الأخير حتى لا يشك بأمره معللا تأخرهما بانفجار دولاب سيارة ليث قبل أن يتسلل خارجا يحدث ابنته بالهاتف. *قبل قليل* واحد ...إتنان...ثلاثة ...وقفزا الإتنان. تدحرجت ورد بشدة على الأرض مما سبب لها بعض الكدمات بجسدها وجرح نازف بساقها، تحاملت على ألمها ونهضت تركض باتجاه الأشجار ولم تلتفت وراءها كما أوصاها ليث وبعد مدة من الجري، فكرت بمكان للاختباء، فلم تجد سوى الأشجار حولها، أثنت فستانها إلى فخدها وجمعته في عقدة ثم مررت يدها على مسدس ليث حيث أنها دسته بين الحزام ولحم ساقها وحين اطمأنت بوجوده بحثت على شجرة عالية ومستوية الأغصان ولحسن حظها كان القمر بدرا و إلا كانت لتتخبط بالظلام، حددت واحدة كبيرة وهمت بالتسلق لكنها جمدت وأرهفت السمع، فسكون المكان منحها مجالا واضحا لسماع أي ضجيج يصدر بالمنطقة، قبضت على صدرها تجحظ بعينيها، هامسة بهلع. ¤ يا إلهي! لقد أمسكوا به! تدحرج ليث بقوة قافزا من السيارة بالاتجاه الآخر ولم يتأثر كثيرا وقد تعرض لتدريبات أشد من تلك القفزة، تلكأ قليلا حتى يلمحوه وكما خطط أسرعوا خلفه، لم يستطع ليث استخدام مسدسه كي لا يرتعبوا ويبتعدوا، وفكر بأن عليه تسليم نفسه لهم، أولا ليحاول استدراجهم ليفصحوا عن هوية محرضهم، ثانيا يرفض المجازفة من أجل تلك التي دخل الخوف قلبه ولأول مرة بسببها، فتصنع السقوط ليقبض عليه أحد الرجال الثلاثة الضخام وعند وصول الثاني، هتف بانزعاج. ¤أين الفتاة؟ أين هي؟ تكلم! هوى قلب ليث بين قدميه، هم يريدونها هي يا الله احفظها! همس متضرعا بينما ينظر إليهم باحتقار، يجب. ¤ وهل تعتقد حقا بأنني سأدلكم على مكانها؟ عاجله بلكمة على وجهه والآخر بركلة على بطنه والثالث ظل ممسكا به، ليتلقى الضربات دون مقاومة . أمسكت ورد برأسها تعتصره لعلها تجد حلا وهي تسمع ضربهم له ليكشف لهم عن مكانها، أنزلت يديها تحرك رجلها المصابة بألم، فزمت شفتيها بتصميم وقررت ضرب كل أوامر ليث بالحائط وأسرعت باتجاه الصراخ وعلى بعد بسيط منهم تحسن إخفاء نفسها خلف إحدى الشجر الكثيف بتلك المنطقة بلغ الرعب بخلجاتها المرتعشة مداه و هي تلمحهم من موقعها وتسمع حوارهم، فرفعت يدها بالمسدس باتجاههم مرتعدة، جبنت للحظة تفكر الخطأ سيكلفها مواجهة أسوأ كوابيسها اللعينة، لكنها لم تستطع إبداء مخاوفها على حياة الذي ضحى بنفسه لأجلها، تقوي قلبها بقرب الدوريات فتشجعت واستنشقت أنفاسا عديدة منتظمة تهدئ بها روعها تفكر بأنها حتى إن أخطأت التصويب، ستحدث ضجيجا يسوق الشرطة إلى موقعهم بسرعة، مالت بنصف جسدها العلوي على جانب الشجرة وأبقت بقيته خلف جذعها العريض وحاولت تثبيت يدها بالأخرى تركز بالفوهة نحو اتجاه الأجساد الظاهرة لها على المنظار الليلي للمسدس، حددت أيهم ستبدأ به واستحضرت تدريباتها مع والدها و طفولتها و... رنا و........طرااااخ! *** ¤ألن تخبرنا بمكانها؟ هناك المزيد منا قادمون و سيمشطون الغابة بحثا عنها، فلا تضيع و قتنا ودلنا على مكانها لنرحمك و نريحك من الدنيا بأكملها. لم يستسلم ليث بينما يتلقى الضربة تلوى الأخرى، يحسب الدقائق انتظارا للدوريات و تفكيره كله منحصر بها، يقسم بأن يغلق عليها بمكان آمن لو خرجا من هذا المأزق على قيد الحياة، فجأة صدح حولهم صوت إطلاق رصاصة و... ¤آآآه! صرخ واحد من الثلاثة بألم، فأسرع إليه الآخر يفحص ساقه مصدومين من بينهم ليث الذي شتم بسره، لم تنفذ ما طلب منها! شد المجرم على جسده يجمد حركته وكل واحد منهم يتلفت بحثا عن مصدر الطلقة. فكر ليث بسرعة إن أعادت ورد التصويب على رجل آخر سينقض على ماسكه وتنتهي الليلة على خير، لم تتأخر الطلقة الثانية تصيب ساق الرجل الثاني وفي ثانية إلتفت ليث إلى الأخير وبكل حقد أجهز عليه ومنحه عدة لكمات على وجهه ثم عاجله بضربة قاضية على رأسه أفقدته وعيه. تجمدت ورد مكانها خلف الشجرة تضمها بقوة، تميل فقط برأسها تراقب ليث يصارع المجرم و يرديه أرضا، أجفلت على اهتزاز بصدرها فتذكرت أنها دست هتفها داخل صدريتها استلته وفتحت الخط تهتف بتقطع هلع. ¤ أبي ...لقد ..لقد ح ...حاولوا خطفنا ...إنهم يريدون خ.. خطفي أبي أنا خائفة. رد عليها العميد بخفوت ممزوج برعب على ابنته. ¤ورد حبيبتي اهدئي و أفهميني ...أين أنتما؟ أجابته بنفس النبرة الضائعة لا تزال تمسك بجذع الشجرة. ¤ ليث يصارع ذلك المجرم و أنا ....أنا خلف شجرة ما أختبئ كما طلب مني لكني أصبت إثنين منهم بمسدس ليث. رعب و إحساس قديم بشع عاد يتفشى بخلاياه العصبية، فطلب منها بنبرة مكتومة. ¤ركزي ورد وأخبريني بالمكان الآن. لمحت مجموعة من الرجال ينتشرون بالمساحة وأدركت بأنهم الشرطة وبعضهم يقبضون على المجرمين بينما ليث يلقي عليهم أوامره. ¤ نحن في الغابة أبي بالمنطقة الخضراء، لقد وصلت الشرطة. زفر العميد بارتياح، يهتف بحزم. ¤أنا قادم بنيتي. ما إن أفقد ليث المجرم وعيه ، لمح رجال الدورية يسرعون إليه أمرهم بإسعاف الإثنين الآخرين وهددهم بشر عقاب إذا هرب أحد منهم ثم التفت يلمح هشام ببذلة السهرة يحدج المجرمين بحدة ثم إلى الكدمة بوجهه، ليعقب بسخرية لم تخلو من الجمود. ¤ مغامراتك لا تنتهي يا صاح. لم يعره ليث اهتماما يخطو نحو الشجر الكثيف بحثا عما جهله هشام قبل أن يتذكره، فلحق بصديقه، يسأله بحيرة. ¤ أين ورد؟ هز ليث كتفاه يشير إلى الأشجار. ¤ بمكان ما هنا. ثم ناداها بصياح. ¤ ورد أين أنتِ؟ أعلم بأنك قريبة.. لقد انتهى كل شيء. ظهرت كظل بالكاد يتبينان وجهها وقد تمازج لون فستانها الأسود المسدل على جسدها بظلمة المكان تعقب بانزعاج يملأه الكثير من الرعب. ¤ لا شيء انتهى، لا شيء. أجفل الإثنان بظهورها المفاجئ تعرج، فاقترب منها ليث يقول بقلق. ¤انت مصابة؟ بسطت يدها بالمسدس ليلتقطه بينما تقول بضيق. ¤ عندما قفزت ارتطمت ساقي بحافة حجر حادة وانشق فستاني من الجانب الأيمن. طلب منها ليث أن تتقدمه إلى عربة الإسعاف المرفقة للدورية وأطاعت طلبه بصمت وهشام يكتفي بالمراقبة. هم المسعف برؤية جرحها فتراجعت مما دفع بالرجل الى رفع حاجبيه بتعجب ونظر إلى الضابطين يخفيان استغرابهما من تصرفها العجيب. ¤ ورد إنه مسعف وجرحك نازف دعيه يقوم بعمله. بادرها ليث بهدوء، فحركت رأسها الى كلا الجانبين مرات عدة و قد بدا عليها فقدان أعصابها والرعب ينضح من مقلتيها، فتلف نفسها بذراعيها وكأنها تحميها من المجهول. عض على شفته السفلى يركز على ملامح وجهها المرعوبة، فطلب منهم تركهما على انفراد قرب سيارة الإسعاف، هيئته هو الآخر مزرية وقميصه الأبيض تلطخ بالتراب والدماء. ¤ هل تسمحين لي بفحص جرحك؟ رمته بنظرة خاوية وللحظات حتى ظن ليث أنها مغيبة ثم فاجأته بقول لم يعتقد يوما أنه سيسمعه من فتاة . ¤أتعلم ما أريده؟ لا أريد لرجل أن يلمسني، أي رجل حتى أنت ولا لأي سبب مهما كان لا أريد. احتدت نظراتها بتحدي شديد بينما تكمل حديثها. ¤ هل تستطيع تأمين ذلك لي؟ هل تستطيع حمايتي من الرجال حتى من نفسك؟ ثم ضحكت بسخرية تضيف. ¤ طبعا لا و إلا لماذا طلبتني للزواج؟ ظل الضابط منتصبا لا يصدق ما يسمعه ولا يعلم بماذا يجيبها، يستشعر كم الرعب الهائل المحتشد بكيانها ليطفو بهذه الطريقة المريرة على صفحة عينيها، نظر إلى كفها التي رفعتها ترتعش كما نبرتها الواهنة أصابت قلبه النابض بإحساس حارق ليحميها بحياته. ¤أتعلم ماذا كان ليحدث اليوم لو نجحوا بمخططهم ؟ كنت سأواجه أسوأ كوابيسي. ثم بدت لليث كأنها تهذي بكلمات غير مترابطة واللؤلؤ الأسود بعينيها يبرق بدموع وشيكة لم تذرفها. ¤ يا إلهي ارحمني ...ماذا ..لماذا؟ ..من يكون؟ و ما سيفعل بي؟ وصل والدها لتوه يلمح حال ابنته المثير للشفقة والرأفة فهم ليحضنها لكنها رجعت خطوة للخلف وكأنها لا تعرفه. بهت ليث والعميد من تصرفها لكن الأخير فسر ذلك بصدمة أصابتها، أما ليث فقد بدأ الشك يقوده لفهم آخر. تحدث العميد برقة محاولا امتصاص صدمتها ورعبها. ¤حبيبتي لا تخافي، سنعرف من حرضهم وسأسجنه معهم بنفسي، سيتمنى الموت مما سأفعله به ...تعالي لحضني ابنتي و لا تخافي. نظرت إلى ليث و كأنها تنتظر منه شيئا هي نفسها لا تعلمه ثم وكأنه شعر بها تدخل بقوله. ¤سيدي من الأفضل أن نذهب للمستشفى، فجرحها ينزف ويجب علينا الإسراع لا أريد أن يقلق أهلي. أشار العميد لها مستسلما لتتقدمه، فخطت أمامه تعرج نحو سيارته، لتحتل المقعد الخلفي ثم تغلق الباب بصمت تحت نظراتهم المستغربة. طلب العميد من ليث الانضمام إليهما وقبل أن يدخل هذا الأخير السيارة، سأله هشام عن وجهتهم، فأخبره و طلب منه موافاتهم إلى المستشفى ببذلة أخرى، فسأله العميد هو الآخر أن يمر ببيت ورد و يجلب ثيابا أوصى بها الخادمة ثم انطلقوا الى المستشفى. *** وقفت شاهي جوار السور المطل على البحر بعد أن أنهت الجولة الأولى لجمع المال، لم تستطع تحمل الحوار الفارغ المتداول بين من كن الى يوم قريب رفيقاتها، حوار فارغ مثلهن! بما ينفعها من أحب من ومن طلق من وحتى غيبتهن عن سبب عدم دعوة عائلة المنشاوي، إلا من سهى وحمزة والذي عزينه لخبر آخر لم تهتم به كغيره وهو خطبة ليث لورد. لا تعلم ما هذا الفراغ الذي تشعر به؟ لماذا لم تعد الحفلات تهمها حتى أنها ارتدت فستان كانت قد ارتدته من قبل، لم تتأنق بتكلف كما تعودت من قبل وذلك عرّضها لاستجواب من والدتها كأنها اقترفت ذنبا لا يغتفر ، كيف تشرح لها بأنها لم تكن لتأتي لولا الدار و التبرعات؟ والأهم من ذلك لم يعد يهمها مكان لا يحتوي على عبق عطره وهيبته التي يفرضها رغم بساطته الفريدة من نوعها ومن تبدله تارة متسلط هائج كالبحر و تارة أخرى رقيق وحنون، حين يلاعب الأطفال يأسر قلبها وتتمنى لو كانت طفلة بينهم يناغشها ويلاعبها. أجفلت شاهي على شعور بملمس على كتفها فالتفتت يطالعها وجه إبن عمها، غمرها إحباط، كأن هذا ما ينقصها مواجهة هذا المتعجرف، سمعته يخبرها بينما يجاورها ينظر إلى البحر. ¤ لقد بدأت فعلا أقلق عليك، فهذا التغيير لم يعجبني أبدا. وأشار بسبابته طلوعا ونزولا على جسدها، فزفرت بحنق ترد من بين أسنانها. ¤ وبماذا يهمك أنت؟ لتقلق أو تهنأ . لم تتغير نبرة عجرفته بينما يجيبها بثقة. ¤ طبعا كل ما هو ملكي يهمني . رفعت شاهي حاجبيها وفتحت فمها من وقاحته تشتعل عينيها بنار تخالف زرقتيهما فأخرجت الكلمات من فمها بغل شرس . ¤أقسم يا ناصر إن لم تبتعد عني ..سأشعل نارا بحياتك لن تستطيع إطفائها ولو جمعت بحور العالم . ابتسم باستفزاز ولمع الإعجاب بعينيه، يعقب: ¤ أنت لي يا شاهي و قد طلبتك من والدك، وناصر مجران عندما يريد شيئا يحصل عليه. تغيرت ملامحها إلى الهدوء بشكل غريب و بادلته البسمة بواحدة باردة، وهي تخبره بنفس ثقته. ¤ بابا لن يجبرني على شيء وحتى إن فعل! لا تنسى بأننا أبناء عمومة وتجري بعروقنا نفس الدماء و إذا كنت أنت ناصر مجران فأنا شاهيناز مجران، ضع هذا بحسبانك جيدا . وتركته واقفا يردد لنفسه ...*سنرى يا شاهي سنرى!...سأمتلكك بكل شراستك وكبريائك وأستمتع بتحطيمه حتى تكوني كالدمية ألعب بها كيف أشاء* وعلى مائدة الخطاب تململت مريم وبدأت تفقد أمل رؤيته ولا يعزيها سوى تأخر ليث و ورد، تعلل لنفسها بأن نفس ما يؤخر ليث يؤخره أيضا، نبهها تحرك الجدة للوقوف، قائلة بأدب جم: ¤أنا أسفة سيدة عائشة، سأستأذنكم للترحيب بعائلة الصياد ...هشام أيضا ليس معهم لا أعلم ماذا يؤخر هؤلاء الشباب..عن إذنكم! رفرف قلب مريم وهي تلتفت لتلمح عائلته لكنها لم تحظ برؤية جيدة لاكتظاظ المكان. *** في المستشفى تحديدا قسم المستعجلات طلبت ورد ممرضة لتضمد جروحها في حين بقي العميد وليث الممسك بكيس ثلج حصل عليه من نفس الممرضة، يهدئ به ألم الكدمات على وجهه بغرفة الاستقبالات. ¤ أصبح الوضع خطيرا ... أولئك المجرمون يجب أن نحصل على اعتراف منهم ...لن يكون سهلا ولكن يجب أن نعلم من هو؟ تحدث ليث بحزم جدي أمام وجه العميد المسود، عيناه تنضحان بوجع قديم لا يندثر. ¤ سيعترفون ولو كلفني الأمر أرواحهم ...لن أفقدها كما فقدت والدتها من قبل ...سأضع لها حراسة و أحبسها في البيت إذا اضطررت لذلك .... أتمنى أن تقبل الزواج بك على الأقل زواجها من عنصر مهم في الأمن قد يبعدها عن محاولات الخطف. زم ليث شفتيه في محاولة لإخفاء توتره، فهو لا يعلم هل يخبره برفض ورد للزواج أم ينتظر إلى حين التوضيح منها وقد اختار الأخير، خصوصا أن ما شعر به في الساعتين الأخيرتين أثبت له مدى قوة ما يشعر به نحوها وكأن أنفاسه تسحب منه ببطء أليم .. ¤ لا أعلم إن كانت ستقدر على الذهاب إلى الحفل بعد ما حدث. نظر إليه ليث بتردد، فرد عليه العميد بوجوم بينما يدس كفيه بجيبي سرواله. ¤ ابنتي لن تخرج من تلك الغرفة حتى تلملم نفسها وتضع خوفها وألمها بمكان عميق بداخلها وتوصد عليه الباب جيدا ثم ترسم إبتسامة لا تصل إلى سواد عينيها البارد بينما تقول "أنا بخير". التفت إليه حاملا الألم بين نظراته المترققة حزنا على وحيدته. ¤ كم أتمنى أن تنهار بالبكاء كالفتيات، تصرخ بكل ما في جوفها، ينهش بجنباتها دون رحمة ثم بعدها تتعافى وتحيا حياتها كباقي الفتيات. تفاجأ ليث من بوح العميد وحافظ على صمته وهو يصغي لبقية حديثه المرير. ¤ هل تعتقد بأنني لم ألاحظ غرابة مواقفها؟ في البداية سعدت بها وظننتها نتيجة التربية المحافظة ببيت صديقي وكان شيئا مريحا أن تكون متحفظة محترمة وأحببت ذلك حتى أنني كنت فخورا بها لكن مع الوقت لاحظت بأنها عقدة أكبر منها تربية وتحفظ، شاهدت مواقف استغربتها وعندها شككت في سلوكها ...كابتعادها عن كل ما يمت للرجال بصلة.... تهرب من محيطهم تتأهب كل ما كان رجلا قريبا منها وكأنه سينقض عليها... أما إذا حاول تجابهه بعدائية زائدة... ترفض كل من تقدم إليها بدون تفكير ...استشرت طبيبا نفسيا وأخبرني باحتمالية تعرضها لموقف بشع لكنه طبعا ليس متأكدا ...و حذرني من مواجهتها فيجب عليها أن تعترف من نفسها بعقدتها وأن تذهب لطبيب بإرادتها . زفر بشدة يضيف بنبرة كئيبة. ¤كيف بالله عليك سأساعدها دون أن أسبب لها انتكاسا قد يقضي عليها ..و أنا حتى لا أعرف ما بها؟ ظل ليث يسمعه بتركيز، يقلب الأفكار برأسه ويرتب كل ما رآه منها منذ أن تعرف إليها وما يسمعه الآن يحاول التوصل لقرار، فهو أبدا لن يستطيع الابتعاد عنها، فهي كمغناطيس تجذبه لمحيطها ولا تطلق سراحه بل لا يريد أن يطلَق سراحه. دخل عليهما هشام يحمل كيسا كبيرا وحافظة بذلة، فقام ليث يتسلم البذلة منه في نفس الوقت الذي عادت به الممرضة تكلمهم برسميتها المعتادة. ¤ جرح الآنسة ورد احتاج لثلاث غرز أما الباقي سطحي وعموما ليس هناك شيء خطير، أخبرتني بأنها تنتظر الملابس. ناولها هشام الكيس، فاستأذنت تعود إلى ورد وتوجه ليث إلى الحمام بدوره ليغير ثيابه بينما ظل هشام مع العميد يتحدثان عن القضية في انتظارهما. كان ليث أول من عاد ما إن وصل حتى انفتح باب غرفة المستعجلات وطلت عليهم ورد بفستانها الأزرق ذو القصة الأشبه بأميرات العهد العثماني، محتشم طويل حتى أكمامه، وجهها خال من الزينة إلا من بقايا كحل في عينيها ولا تزال لعينيه مبهرة له كما لم يرى فتاة من قبل، ابتسامتها الباردة لم تستطع أن تخفي شحوب وجهها، تقول بتوتر جاهدت لإخفائه. ¤أنا جاهزة ...هلا ذهبنا؟ رمق العميد ليث بنظرة تحمل معاني كثيرة ثم أشار لهم ليرحلوا، فتح لها والدها الباب الأمامي، فركبت بصمت أما ليث ففضل الركوب مع صديقه ليحظى بوقت مستقطع بعيدا عنها لأن وجودها يشوش عليه تركيزه وهو بحاجة لاتخاذ قرار سيكون كمعركة لا يعلم إن كان سيخرج منها منتصرا أو خاسرا. وصلوا قصر الجندي وعلى بابه أوقفت ورد والدها، إلتفت إليها يلمح الأسف يرتسم على وجهها المترقق بلين وحزن بينما تخاطبه بخفوت. ¤ آسفة أبي لم أكن بوعي ...ما حدث... قاطعها والدها بلمسة حنان على رأسها ولم تستطع الاقتراب منه نظرا لمكان وجودهما، فقال بحنو. ¤ أعرف بنيتي، المهم ألا تخشي شيئا ...هيا لننسى ما حدث الآن وسنتحدث لاحقا. أشار لهم ليث ينتظرهما وهشام للدخول وكان أول من لمحهم السيد يوسف فخطا باتجاههم مستغربا اختفاء العميد وظهوره مع ابنه وصديقه واستغرب أكثر حين لاحظ الكدمات على وجه ليث، يهتف بقلق. ¤بني ماذا حدث لك؟ ولماذا تأخرت؟ ربت ليث على يد والده، يهدئه. ¤هدّئ أبي كنت بمهمة مستعجلة ثم هذه ليست أول مرة، هذه الآنسة ورد. أمال رأسه وضم ثغره من تبسيط ابنه للأمور لكن ما إن إلتفت إلى ورد إبتسم بدفء للفتاة التي بسببها تخطى ليث ألمه وقرر استئناف حياته وحياها بحبور قبل أن يسلم على هشام ولم يفته سؤال العميد عن سر اختفائه. ¤ أين اختفيت يا سيد مصطفى أم أنك لم تأمن على ابنة صديقك مع ليث ورُحت تجلبها بنفسك؟ ابتسم العميد بعكس ما يجول بخاطره، يجيبه بدماثة. ¤ أنا أثق بليث فهو بمثابة إبني ....كل ما في الأمر جاءتني مكالمة عمل لم أستطع التملص منها . رافق الرجال إلى مجلس الجد الذي استقبلهم على المدخل ليقابل ورد تتبسم له باحترام فيحدثها بمكر مرح. ¤ لن تستطيعي إقناعي بالتبرع بالمزيد، فالشقراء سبقتك واستولت على ما بمحفظتي. لانت ملامح ورد وابتسامة هادئة تزين ثغرها، تجيبه. ¤ لا مشكلة سيد أحمد كل الطرق تؤدي إلى جمعية*الحنين* ضحك الجميع وليث أيضا الذي لم يرى منها هذا الجانب المرح من قبل، قاطعتهم زهرة التي تتطلع إلى ورد بتفحص مستعلي. ¤ يبدو أن الفتاة فريدة حتى أضحكتك عمي. رد عليها الجد مسرورا بها. ¤نعم ...هذه الفتاة مرحة وتستولي على القلوب بسرعة. مطت شفتيها بصمت فتدخل ليث يقدمها لها، سلمت عليها ببرودة لم تستغربها ورد فهي معتادة على نوعية متعالية من سيدات المجتمع الراقي، أشار الجد نحو قسم النساء يقول. ¤ هيا ليث، خذ الفتاة الى جدتك، فهي قد تعبت من الانتظار ولم يتبقى إلا القليل من الأقارب وعائلة صديقك أغلب الضيوف رحلوا. ذهبا باتجاه المائدة أما هشام فبحث عن عائلته يهدئ من وجيب قلبه الذي يجذبه إلى مائدة الخطاب لكن يجب أن يسلم على أمه أولا ..لاح له وجهها، فاتجه إليها يقبل وجنتها، فتبادره. ¤ تطلب منا حضور حفلة وتتأخر أنت عليها؟ أجابها بمرح يمنع نفسه عن النظر نحو من تشغل قلبه. ¤النجم دائما ما يتأخر. قبلة سريعة جاءته من أخته المبتسمة بشقاوة بينما تتساءل. ¤ أهلا أخي، لماذا تأخرت؟ .....هيا أرنا إياها. تفاجأ بها يهتف بدهشة. ¤ من هي؟ ¤التي من أجلها أصريت علينا لنأتي حتى رشوتني لأقنع أمي وبالمناسبة هي لم تأتي إلا لرؤيتها فاستغل الفرصة . ضحك بمرح و هو يقرص شقيقته من وجنتها، يشاكسها. ¤ لا يفوتك شيء أليس كذلك؟ أشارت بلا، فأكمل ووالدتهما تسمعهما بتركيز واهتمام. ¤سأعرفكم عليها لكن و كأنها صدفة لا أريد إحراجها، فهي ليس لديها أدنى فكرة . تلفتت لمار حولها تستفسر. ¤ أين هي؟ و كيف ستفعل ذلك؟ رد عليها بمكر . ¤ هي صديقة لعائلة خطاب وهي على طاولتهم، سأذهب لأسلم عليهم وأفكر بطريقة لأجلبها هنا. قارن قوله بالفعل و اتجه نحوهم لكن لمار لم يكن لديها صبرا لترى من تمكنت من قلب أخيها، فسحبت يد أمها التي أجفلت من تسرع ابنتها، لم تمهلها وكأس العصير رهين يدها، فاستسلمت و تركتها تسحبها حتى بلغت بها المائدة التي أصبحت مكتظة بعائلة خطاب والجدة و ليث وشقيقة ليث التي انضمت إليهم لتتعرف على عروس شقيقها ورؤية حبها المستحيل المتمثل في هاتان العينان الخضراوان، تحلم بهما منذ بداية مراهقتها. وجهت مشاعرها الفتية لأول رجل ناضج تحتك به في حياتها، صديق شقيقها الذي لم يعاملها إلا كلمار أخته لكن ذلك لم يردع شعورها وها هي الآن تختلس نحوه النظرات ولم تكن لحالها، فهناك أخرى تجلس مقابلتها تبحث عنه بعينيها اللتين شردتا عن صديقتها بينما تسلم على الحضور وتجلس بين الجدة ووالدتها وطبعا لم تلاحظ شحوبها ومبادلتها الحديث مع الجدة بتعب محاولة إسباغ المرح على الحوار، كل ما انتبهت إليه حواسها قدومه باتجاههم وضربات قلبها تعلو مع كل خطوة يتقدم بها نحوهم بسمته تزين وجهه من الأذن إلى الأخرى ، ألقى التحية على الجميع وعينيه لا تفارقان محياها الخجول، فلاحظت فتاة ما تمسك به من مرفقه بألفة و تسحب امرأة أكبر سنا تبدو مألوفة محجبة ترتدي عباءة فاخرة، شعرت بالألم من لمسة لتلك الفتاة بألفة تتساءل من تكون ولماذا يبتسم لها هكذا ولما يؤلمها صدرها؟ طراااااشش!! أجفلها صوت تحطم الكأس الذي كان بيد السيدة الكبيرة المتجمدة مكانها تحدق بهلع،..... مهلا إنها تنظر إليها! تلفتت مريم إلى الجميع المركزين على السيدة التي لم تحد بعينيها عنها وكأنها مصدومة من رؤيتها وابنها يمسك بها متسائلا بقلق. ¤ أمي هل أنت بخير؟ أتشعرين بشيء؟ جامدة ومصدومة تشير بيد مرتعشة نحو مريم، تنطق بارتعاش. ¤من ...من هي؟ استغرب الجميع من موقفها، أولهم إبنها يرد عليها بريبة. ¤إنها مريم صديقة ورد الخطاب. نزلت دموعها رغما عنها تهمس له. ¤إنها فتاة الحلم. بهت هشام وشقيقته، ينظران إليها بينما الباقي يراقب بعدم فهم، فأكملت وهي لاتزال تشير إليها. ¤ م.... من ....تكون؟ دقات قلب هشام تقرع كالطبول بصدره والإدراك يزحف نحو عقله، فاشتعل عقله يشتغل كالآلة، ينسق له الأفكار بسرعة، الألفة التي شعر بها منذ رؤيته لها وشبهها به و ..... سبقته والدته إلى السؤال الذي ومض بخاطره. ¤ما اسم والدتك يا بنتي؟ أرجوك أخبريني. عجزت مريم عن التصرف أو النطق بحرف وهي تسمع هدر تلك المرأة، فتجمدت تراقب مثل الجميع حتى أتاها السؤال الذي لم تفهمه كأنها بليدة أمام الجميع ينتظرون إجابتها. نظرت إلى المرأة ببلاهة فأعادت عليها السؤال وأدركت بأنها تسأل عن اسم والدتها، فارتأت الرد لا ضير، لذا نطقت بخفوت لكن نظرا لصمت الجميع وصل الإسم الى أذانهم بوضوح. ¤ليلى آل علام. شهقة حارقة تلاها سقوط السيدة هناء فأدركها هشام يلتقطها وليث ينتفض مع الجميع القائمين من أماكنهم. أجلسها إبنها على الكرسي ومد لها ليث بكأس ماء أمسكت به مرتعشة وابنها يساعدها لترتشف منه، أما لمار فدموعها تغسل وجهها تغطي فمها بيدها تكتم شهقاتها، تبحلق بمريم غير مصدقة للصدفة تجمعهم بابنة خالتها التي يبحثون عنها وتكون من أعجب بها شقيقها. دفعت السيدة هناء الكأس بيد هشام تسأل بلهفة تحت أنظار الجميع المصدومة والمبحلقة ببلاهة تنم عن جهلهم لما يحدث. ¤ أين ليلى يا بنتي؟ أرجوك أخبريني. ردت عليها مريم وقد استحكمت الغصة بحلقها من ذكر والدتها، حزن فراقها لازال جارحا بقلبها، فدمعت عينيها وهي تجيبها. ¤أمي توفيت قرابة الشهر تقريبا. نسيت السيدة هناء مكان تواجدها تنتحب بحضن ابنها، مما جلب فضول بقية الحضور الذي تجمع حولهم في لحظة، غمرت الحيرة هشام، أيحزن لعثورهم على خالته ميتة أم يفرح لكون مريم إبنة خالته؟ شد على ضم أمه يهدئها، فنطقت بما جعل النساء يشهقن ذهولا. ¤ آآآه يا ليلى يا شقيقتي الحبيبة، بحثت عنك لسنوات وحين وجدتك أجدك ميتة آآآه. نظر الجميع إلى مريم التي وقفت ودموعها جامدة على وجنتيها، فاقتربت منها ورد تضم كتفيها تستغرب من ليلتهم العجيبة تلك.. ¤ ماذا تقولين يا سيدتي؟ أمي لم يكن لها أهل. بسطت ذراعها تدعوها برجاء فاض ليختلط بالحسرة والندم، الكثير من الندم. ¤ لا يا حبيبة خالتك، والدتك تملك أهلا لكن الشيطان دخل بيننا فخشيت والدي رحمه الله وهربت منا...ليلى شقيقتي الوحيدة، بيضاء بعينين خضراوين وشامة سوداء صغيرة فوق شفتها على اليمين. شل الإدراك أطراف مريم ولم تستطع الإتيان بحركة إلا من همسة متقطعة لصديقتها التي لازالت متشبثة بها. ¤ أخرجيني من هنا ...أرجوك .

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514