Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الخامس

¤ السلام عليكم، سيدة عائشة. ألقى التحية بأدب وود يكنه لهذه الأسرة بكل أفرادها بينما يتوسط بهو الاستقبال بهيبته الجذابة، فتجيبه عائشة باحترام ونعيمة التي فتخت له الباب تنتظر ما ستخبره بها رئيستها. ¤ وعليكم السلام سيد مصطفى ..كيف حالك؟ ...تفضل... نعيمة، فنجان قهوة سوداء للعميد من فضلك ...سأذهب لأخبر ورد بحضورك! رد عليها باستعجال قبل أن تنصرف. ¤ أريد محادثك أولا. أشارت إلى الصالون، فسبقها تلحق به يباردها بالموضوع دون إطالة ولم يجلس بعد. ¤الضابط ليث الجندي، طلب مني ورد للزواج وأنا موافق. ابتسمت بسرور تألق بملامحها تستبشر، مجيبة بترحاب. ¤ حقا يا سيد مصطفى! إنه لخبر مفرح. ثم ما لبثت أن تغير تكدر وجهها بوجوم تستطرد بينما تفرك كفيها ببعضهما. ¤ لكن أخشى أن ترفض، كما رفضت من جاء قبله. تجهم وجه العميد بتفهم يقول. ¤هذا ما أخشاه ايضا لذلك فضلت الحديث معك بالموضوع أولا لتساعديني على إقناعها، لأنني متيقن بأنه يناسبها . فكرت قليلا قبل أن تقول ببعض التردد. ¤ ورد تحبك كثيرا لدرجة أنها تخشى فقدانك لذلك أنصحك باللعب على هذا الوتر لتؤثر عليها. قاطع حديثهما دخول نعيمة بالقهوة، فاستدارت السيدة عائشة لاستدعاء ورد بينما يسترخى العميد على أريكة الصالون، يرتشف القهوة بتمهل وهو يفكر بطريقة فعالة توقع ابنته بشباك ابن الجندي....انتبه إلى ورد التي ولجت إلى الغرفة تتأمل إستغراقه بالتفكير، فزاد من وجوم ملامح وجهه. أمسكت يده و قبلتها ولم تتركها وهي تجاوره بجانبه، تسأله بقلق. ¤ ماذا بك يا أبي؟ نظر ليده بين كفيها بحزن شاب نبرة صوته المنخفضة. ¤ هل تعلمين بأنك أحب الناس إلى قلبي بعد سيد الخلق طبعا؟ إبتسمت بتأثر تجيبه. ¤عليه الصلاة والسلام... أنا يقينه من ذلك وأنت أبي أحبك أكثر من نفسي. ضمها إليه بخاطبها بحنو. ¤ أنت يا ورد لست فقط ابنتي، أنت قطعة من قلبي و قطعة من كل فرد أحببته بحياتي ...أمك ورد وأمي و أبي و عمي وخالتي، أنت قطعة من كل واحد منا..... من عائلتك التي لو كان أفرادها أحياء لكنت أكبر مدللة بهذا الكون ...وعلى قدر حبي لك على قدر خوفي على مستقبلك . احتبست الدموع بعينيها السوداوين تأثرا ولم يفتها الترقب للهدف من حديثه، ¤ كل أب في هذا العالم يتمنى إيجاد رجل يحترمه، يقدره ويثق به كفاية ليأتمنه على فلذة كبده و أنا يا ورد قد وجدت هذا الرجل . أدركت أخيراً مسعى الحوار، فهمّت باﻹجابة لكنه شد على كتفها يكمل. ¤ هذا الرجل أحبه كابن لي...له مواقف كثيرة معي أثبت بها رجولته وقدرته على تحمل المسؤولية ..وما أسعدني أكثر أنه معجب بك و طلب يدك مني. بهتت ورد وفغرت فمها تتوه عنها الحروف والكلمات تكتفي بالنظر إلى وجهه أبيها. ¤ أنت تعرفينه حبيبتي إنه الضابط ليث الجندي. ظلت جامدة بفمها المفتوح ووالدها يرمقها بنظرات حانية، عقلها يردد بصدمة *يا إلهي ما هذه الورطة؟ بماذا سأجيبك يا أبي مع كل هذا الأمل بعينيك؟ ...إن وافقت سأظلمك و أظلم ليث وأظلم نفسي وإن رفضت أسبب لك الحزن، ألا يكفي ما عشته من حزن بحياتك والفقد ..أرجوك لا تنظر إلى هكذا أبي؟* ¤ أرجوك ابنتي لا ترفضي، أعطه فرصة لتتعرفي عليه جيدا، إنه إنسان محترم قابليه، تتحدثي معه. لازالت ورد تحدث نفسها بما لا تستطيع النطق به ...*يا أبي المشكلة ليست بليث، المشكلة بي أنا ..مهلا ماذا قال؟ أقابله؟ هذه هي! ...سأحدثه وأخبره برفضي، هذا ما سأفعله نعم* ....لم تدري بأنها تومئ بنعم حتى أجفلت من ضمة أبيها، يهتف بسرور. ¤ شكرا حبيبتي سأبلغه بموافقتك المبدئية. انتفضت ورد تمسك بيد والدها تخاطبه بتوتر. ¤ لا أبي لا تخبره بشيء، ألم يقم بدعوتنا إلى الحفل؟ سأحدثه هناك. أجابها بشك يحدق بها مرتابا. ¤هل أنت متأكدة؟ زفرت بخفوت، تؤكد بحزم. ¤ نعم أنا متأكدة، أبي لا تقلق. ضمها بحنان يقبل رأسها ثم ودعها على أمل لقاءها بالحفل. أوصلته إلى الباب الخارجي حيث قابلا محمود الذي جاء بزيارة تفقدية، سلم عليه مصطفى و رحل بينما هما داخلان عبر الحديقة أوقفها محمود بتردد، يقول. ¤ ورد أريد محادثك في موضوع. نظرت إليه باستفسار، فأكمل. ¤ فكرت بما طلبته من قبل .. العيادة الخيرية ...و بما أنه ليس لدي وقت كافي لعيادة خاصة، فلقد قررت تخصيص يوم بالأسبوع من أجل الدار ..سأقوم بفحص الأطفال أو أي شخص أخر تحضرونه هناك. تهللت أسارير ورد وملأت البسمة المبتهجة وجهها، تعقب بفرح. ¤ طبعا أخي أخبرني باليوم و سأعلم فاطمة لتنظيم الأمور واستقبالك...جزاك الله خيرا أخي. ابتسم ببلاهة عند ذكر إسمها وأومأ مجيبا. ¤ كل يوم أحد، فهو يوم إجازة وأستغله للمذاكرة، فلا مشكلة إن تركت المذاكرة إلى الليل . ¤اتفقنا إذن، سأخبر فاطمة لتجهز كل شيء. دخلا إلى البيت وتركت محمود مع أمها وذهبت إلى غرفة مريم، فهي تحتاج لتحدثت مع شخص ما حتى وإن لم تفضي بكل ما في صدرها ولكن فقط لتشعر أنها طبيعية. دقت الباب فأجابتها تسمح لها بالدخول، وجدتها وسط سريرها محاطة بأوراق تطالعها تبينت بأنها محاضر للدروس، جلست بجانبها على السرير، فرفعت مريم رأسها تسألها. ¤ هل رحل السيد مصطفى؟ يبدو أن ورد شبيهة أبيها إذ أنها أفصحت مباشرة. ¤ الضابط ليث الجندي طلبني للزواج من العميد وهو موافق... جدا على ما يبدو وأنا رافضة جدا جدا. فغرت مريم فمها بطريقة مضحكة تتعلق بيدها ورقة، فضحكت ورد حتى ظنت مريم بأنها تمازحها فرمتها بالورقة، تعاتبها. ¤ تمزحين معي وتضحكين علي. حاولت ورد كتم ضحكاتها تصحح لها بينما تلوح بكفها. ¤ لا لا أنا لا أمزح لكن شكلك متفاجئة أضحكني. ضاقت عيني مريم بحيرة تستفسر. ¤ و لماذا أنت رافضة جدا؟...ما يعيب الضابط؟ ...صحيح أنني رأيته مرة واحدة لكن يظهر لي بأنه رجل محترم. أعادت لها ورد الورقة، تجيبها بمرح. ¤تزوجيه أنت إذن. تبرمت بملل تقول بينما تجمع الأوراق لترتبها. ¤إنه يريدك أنت يا حبيبة أمك وطلبك من العميد شخصيا. غمزتها ورد بمشاكسة تخفي بها ما يعتريها، تدعي ...دوما ما تدعي ما ليست عليه أو ربما ما تتمنى لو حقا تكون عليه. ¤ طبعا ...فمن كان مبحلقا بك هائما هو صاحب العينين الشبيهتين بعينيك. ارتبكت مريم ونهضت من على السرير لتضع الأوراق على المكتب الصغير في الزاوية وأغمضت عينيها توليها ظهرها بينما تصغي لاسترسالها. ¤ألم تلاحظي الشبه بينكما إن استثنينا الشعر والحاجبين الأحمرين؟ كيف لا وهي تشعر بارتباط أكبر يجمعهما، يجعلها تحلم به كل ليلة، إنها تبحث عنه في كل الوجوه تتمنى أن تلمح صفحة وجهه، أن تراها مرة واحدة فقط وهي تكاد تقسم بوجوده حولها أينما كانت فتتلفت بحثا عنه حتى تيأس ..و.... ¤مريم هييييه أين ذهبت؟ ..لا لا حالتك يائسة، على العموم سترينه غدا في الحفل. استدارت إليها بحدة تهتف. ¤ حفل؟ فردت عليها بمكر. ¤ نعم... عائلة الجندي ستقيم حفلا خيريا بمنزلهم الفخم ولقد قاموا بدعوة عائلتي بأكملها. هزت مريم كتفاها النحيفين بخفة تقول بوجوم. ¤ أنت قلتها، دعوا العائلة ولم يدعوني أنا ....ماذا ستقولين لهم؟ تعرفت عليها في الحجز بقضية تخص الأخلاق العامة؟ فارقت ورد السرير تقابلها لتقبض على كتفيها وكم بديتا بمنامتيهما المتشابهتين شكلا وليس نوعا وطولهما المتوسط، من نفس العمر والحقيقة أن ورد أكبر منها بسنوات عدة. ¤ سأغض الطرف عن عدم اعتبارك لنفسك من عائلتي ،ليث قام بدعوتك بالاسم و سأسلمك الدعوة لتصدقي وللمرة الأخيرة سأقول لك إنسي الماضي فلا قضية بسجلك إنه نظيف ....وكما قلت قابلتك بالحجز أي أنا أيضا كنت بالحجز وقضيتي مع أنهم أفرجوا عني لكنها لازالت جارية والمخدرات أخرجت من قبو منزلي. ضمتها مريم بحرارة، ترجوها بتوسل باكي. ¤ أنا آسفة أرجوك سامحيني ....أنا فقط .. أبعدتها ورد مسافة ذراعيها تخبرها بما تخشاه ولا تعترف به. ¤ أنت معجبة به وتخافين من عدم مبادلته مشاعرك وحتى إن فعل تخافين من الفوارق الإجتماعية. أومأت باستسلام حزين ...فأكملت ورد بنظرة دعم وتشجيع. ¤ إذن جاهدي لثبتي لنفسك أنك لست أدنى منه وإن أعجب بك سيأتي إليك مرغما ليطلب ودك، لا تذلي نفسك وتحقري منها أبدا مريم. حدقت بها مريم مبتسمة بأمل، تستفسر منها. ¤ وأنت ورد لما ترفضين الضابط؟ ..هل تكنين مشاعر لشخص آخر؟ صدرت عن حلقها ضحكة ساخرة خالية من المرح، تومئ بلا ..فأردفت صديقتها بحيرة. ¤ إذا لا ترفضيه، امنحيه فرصة... أنت لا تعلمين أين يكمن الحب وقد تندمين لأنك لم تعطيه فرصة عزيزتي. ربتت ورد على ظهر مريم وتجاهلت الرد بغموض تصطنع المرح. ¤ لقد أوصت أمي سهى لتقتني لنا فساتين، فكما تعلمين أختي العزيزة تهوى التبضع لكن كل خوفي من أن تحضر لي فستانا بثمن يطعم عائلة كبيرة أسبوعا كاملا ...حينها سأجدها علة مناسبة ولن أذهب إلا لنوم. زفرت مريم تهز رأسها بقلة حيلة بينما تقول. ¤ لا فائدة ترجى منك ...يا فتاة ...هؤلاء عائلة خطيبك وبمنزل فخم وأنت ماذا تنوين ارتداءه مثلا جلباب؟ رفعت رأسها ترد عليها بحزم مزعوم قبل أن تتسع عينيها ذهولا. ¤وما خطب الجلباب؟ مريح و.....انتظري! ماذا قلتِ؟ خطيبي لا من الأفضل أن أخرج من هنا قبل أن أصبح زوجة من دون علمي. خرجت من الغرفة تدعي الهروب تحت أنظار مريم الساخرة بمرح تسر فرحة بقلبها لاحتمال رؤيته بالحفل أما صديقتها فما إن وصلت غرفتها وأقفلت الباب استندت عليه ووجهها يقفد كل تعبير حي، لسان حالها يتساءل بقلة حيلة.. *ماذا ستفعلين يا ورد؟* *** قامت من نومها بدلال تندس بردائها الحريري وتوجهت إلى حمامها لتنتعش، تأنقت كعادتها التي بدأت بتغيير القليل منها لأجل عينين رماديتين... ابتسمت لنفسها بالمرآة والتقطت حقيبتها تغادر لتلحق بوالديها على مائدة الإفطار.. جفلت من وجود ابن عمها ناصر بهذا الوقت، سلمت عليه قولا وجلست بمكانها صامتة كحالها دائما عند حضوره، فهي و بالرغم من وسامته التي ترتمي الفتيات عند قدميه بسببها لا تتقبله ولا تكبره وأحيانا كثيرة يخيفها بتسلطه. سمعت والدتها تسألها ببسمة أنيقة ككل شيء بها شبيهة ابنتها شكلا وهنداما. ¤ ما هو برنامجك اليوم حبيبتي؟ فأنا أرغب بمرافقتك إلى النادي. ردت باقتضاب. ¤ لا ماما أنا مشغولة اليوم، لدي ما أقضيه بالدار. رفعت كفها الناعم تتأفف بضجر. ¤لا أعلم لماذا ترهقين نفسك بهذه الأمور حبيبتي؟ ...أعطيهم المال وأريحي نفسك.. أجادت إخفاء حنقها وهي تجيب. ¤تسمى مسؤولية ماما ...يجب أن أتأكد من سير الأمور جيدا بنفسي أو تسرق الأموال ولا تصل إلى مكانها الصحيح. لم تهتم بينما تقترح عليها. ¤ قومي بتوظيف أحد. هزت شاهي رأسها بيأس و قامت تودعهم ...ما إن غابت قال والدها ببسمة مستخفة ومرحة. ¤مدللتي أصبحت مسؤولة، أعتقد بأن تلك الدار تأثيرها سحري. ضحك والداها باستهزاء بعكس القابع بكرسيه صامتا، يستشعر خطر فقدان ما يعتبره ملكيته الخاصة لصالح مجهول. ركنت سيارتها الحمراء أمام الدار وتوجهت إلى صالة تقديم الطعام حيث يجتمع ساكني الدار لتناول الطعام. لمحت فاطمة معها المؤطرين، فقصدت طاولتهم تناقش معهم برنامج اليوم ووعدتهم بالمساعدة لنصف يوم فقط، لتستعد للحفل الخيري الذي تنوي أن تجمع فيه ما استطاعت من المال. شغلت نفسها بمختلف أعمال تعلمتها من فاطمة وبعض المسؤولات من بينهم تحميم الرضع الذين ما إن رأتهم شاهي شعرت بأنها بعالم آخر لا يمت للواقع بصلة، أغرمت بهم وبقبضة أيديهم الصغيرة لإصبعها، مرت أكثر من ساعتين وهي برواقهم لا تريد المغادرة، لا تدري ماهية ذلك السكون بقلبها وأعصابها، دمعت عينيها وهي تشعر بنفسها مثلهم ...نعم! فهي يتيمة بمعنى أكثر مجازا، على الأقل هم ليس لديهم أب أو أم أما هي فلديها و من الطبقة الراقية أيضا مع كثير من المال لكن أين هو الحنان و الإهتمام؟ فمن قام بتحميمها منذ الصغر إلا الخادمات؟ و من قام بإطعامها والقيام بكل شيء يخصها حتى الحضن سوى المربية؟ هي التي كانت تحضنها حين تكون حزينة تبكي أو حتى سعيدة من نجاح حققته، لا ترى والديها إلا على مائدة الإفطار وكلما أرادت التحدث معهم أو قضاء بعض الوقت أمدوها بالمال و تعللوا بمختلف الأعذار لانشغالهم، نعم... هي مثل هؤلاء الرضع، سمعت بضع كلمات تتسرب من بين شفتيها بخفوت بينما تمسح دمعات فرت من زرقتيها. ¤ أنا سأهتم بكم ..أعدكم ...سأصغي إليكم وأمضي وقتا معكم لنلعب ونضحك و نفعل كل ما تريدونه وتحبونه أعدكم. سمعت وقع أقدام على الأرض، فرفعت رأسها، نظرت إليها فاطمة مبتسمة، تقول. ¤ يبدو أن كل من يأتي إلى قسم الرضع يغرم به ولا يرغب بالمغادرة. رمقتها شاهي باستفسار بعد أن مسحت ما تبقى من دموعها بسرعة، فأردفت بحنين للماضي. ¤ ورد هي الأخرى عندما دخلت هنا أو بالأحرى اكتشفته، فهي كانت بالخامس عشر عندما تطوعت بالجمعية وأنا كنت بالعاشرة وكانت تلعب معي بالحديقة دوما، فأنا من أبناء الدار منذ ولادتي وذات يوم أخبرتني بأنها اكتشفت مكانا تسكنه مخلوقات صغيرة وجميلة وهي قررت أن تساعد برعايتهم، فطلبت منها أن تأخذني لأرى تلك المخلوقات الصغيرة... صاحبتني الى هنا رأيتهم وأحببتهم، فأصبحت أتسلل إليهم بشكل يومي وفي كل مرة تجدني المسؤولة تعاقبني وأعود مرة أخرى حتى يئست المسكينة ..فقررت تعليمي كيفية الإهتمام بهم و إلى يومنا هذا لا يكتمل يومي من دون رؤيتهم ....وورد أيضا كانت دائمة الحضور لكن يبدوا أن مشاكلها الأخيرة صعبة لتمنعها عن الدار. ابتسمت شاهي بسخرية، تعقب. ¤ تلك الفتاة لا تفتأ تبحت عن المشاكل، تحب الظهور دائما بمظهر الملاك ....ولا تخافي عليها فهي لم تبتعد، الدار والجمعية لا زالتا تسيران على خطى برامجها وقريبا تجدينها فوق رأسك مجددا. أجفلت فاطمة من عدائية شاهي عند ذكر ورد، فخطت نحوها تواجهها بقلق. ¤ أنت لا تعلمين شيئا عن ورد ....أنا فقط من يعلم بأنها تتعذب ...كل واحد منا لديه أثقال تعتصر قلبه تدفع به ليشيد أسوارا من حديد تحول بينه وبين الناس. ركزت عليها شاهي باهتمام بينما تكمل بجدية. ¤ أنت مثلا آنسة شاهي، ماذا تفعلين هنا؟ بكل تأنقك وعطرك الغالي، ثمنه لحاله يكفي ملابس شتوية لطفلين ولن نذكر عن السيارة و...و ..إذا كنت فعلا سيدة المجتمع المتكبرة التي لا تهتم إلا بالحفلات والتأنق، ماذا بحق الله تفعلينه هنا؟ تحممين الرضع بالخفاء وتجعلين حياة أمل أروع بعد أن فقدت عائلتها وأصبحت و حيدة، فكري جيدا واعلمي أنك لست الوحيدة التي تعاني. ... فمظهر الملاك الذي تحاول ورد أن تدعيه ما هو إلا مهرب من شيء ما، صحيح أنني لا أعلمه لكني متأكدة من مدى بشاعته، أرى ذلك في عينيها في كل محاولة منها لإنقاذ شخص ...ذلك الإصرار ...ذلك التحدي وكأن كلما زاد التحدي زاد شغفها لتبذل كل جهدها ....وحين تنجح بإنقاذ حياة شخص ما، بدل أن يتلألأ الفرح بعينيها يظل الجوع فيهما لا يخبو وكأنهما وحشين شرسين لا يشبعان. بهتت شاهي من الحقيقة التي لم تقدر أن تواجه بها نفسها يوما متفاجئة من مدى فهم فاطمة لواقعها وواقع غيرها، قامت بتثاقل حتى استقامت وسوت ثيابها بأيد مرتعشة، نظرت إلى فاطمة بتردد ثم انصرفت بصمت. اتجهت إلى الحديقة لتخرج من الدار، بل لتختفي بسيارتها ولتستجمع أشلاءها التي بعثرتها فاطمة. أوقفها صوت أرادت أن ترى صاحبه بشدة لولا توترها وترددها، تشعر بأنها جسدها يرتعش، فاختبأت بزاوية حتى تتمكن من رؤيته دون مواجهته ...سمعته يتحدث مع شخص آخر ركزت قليلا، فعلمت بأن صاحبة الصوت بدون أدنى شك ...... ورد . استيقظت اليوم بهالات سوداء تحت عينيها، لم يغمض لها جفن تفكر بطريقة للتخلص من هذه الزيجة دون خسائر متجسدة بوالدها وأيضا والدتها التي ما إن تعرف ستنضم لصف العميد، فهي تحاول إقناعها بالزواج منذ مدة وخصوصا حين ترى في مستواهم الاجتماعي بالحفل والحسب والنسب.... أووووف! زفرت ورد تنحي أفكارها جانبا ونهضت لتوصل مريم إلى المدرسة كي تقابل الأستاذ طه. توجهت لمائدة الإفطار...قبّلت رأس أمها المبتسمة بفرح استغربته ورد ومريم على حد سواء. تناولت إفطارها بسرعة استهجنتها والدتها التي أوصتهما بالعودة باكرا لتجهزا نفسيهما وستكون سهى بانتظارهما مع الفساتين. استقلتا السيارة تقصدان رأسا المدرسة. طلبت ورد من كنزة محادثة الأستاذ طه بموضوع شخصي، فاستدعته الأخيرة وتركت لهم المكتب. جلست ورد في الجانب الآخر من القاعة على الأريكة البيضاء وجلس بالكرسي المقابل لها، نظرت قليلا إلى هذا الشاب في أواخر العشرين طويل جدا مائل للنحافة، شعر أسود أغمق من لون عينيه المظللة برموش كثيفة كحاجبيه الأسودين المرسومين بإبداع رباني بوجه أبيض يتوسطه أنف حاد ولحية خفيفة مشذبه بعناية تحوم حول فمه، تعرفه معرفة سطحية منذ سنوات من خلال دراستها إلى أن جاء يوما و قدم أوراقه ليدرس بمدرستها، إستغربت كثيرا حينها كيف أن طه فاروق الذي ورث أموال أبيه يريد العمل كمدرس، لم تقاوم سؤاله يومها لترضي فضولها، فابتسم وأخبرها بأنه نفذ رغبة والده رحمه الله بمباشرة عمله والحفاظ عليه لكن ذلك لا يمنعه عن ممارسة العمل الذي يحبه في أوقات فراغه لذلك طلب وظيفة بلا أجر وبعد أن احتكت به بالعمل تأكدت من معدنه الأصلي... وكعادتها طرحت الموضوع مباشرة ووضوح. ¤ أستاذ طه هل تحب فاتن؟ فوجئ بالسؤال كما من طريقة إلقائه وتوتر قليلا، فأردفت بهدوء. ¤ لا أدرك إن كان بعلمك بأنني أعتبر نفسي أختا لفاتن وكنت قد تكلفت بجميع مصاريف دراستها إلى أن تنهي جامعتها ...والبارحة علمت من العم سعيد بأنها طلبت للزواج كنت في البداية رافضة، لكن عندما أخبرني أن المتقدم أنت أعدت التفكير بالأمر فقررت التحدث معك ...فكما ترى فاتن رافضة بالمطلق. رمقها بحدة واحمرت عيناه وكأنها تبلغه بأنه سيحرم من الحياة، يرد بحدة لم يقصدها. ¤ فاتن رفضتني؟ ضاقت مقلتاها تركيزا بينما تفسر له. ¤ فاتن صغيرة لا تعرفك وهي ترفض رجلا فرضه والدها عليها بطريقة خاطئة، فاعتبرته قاتلا لأحلامها وسجانها الذي سيمنع عنها الحياة. ارتفعا حاجباه متفاجئا يهتف باستنكار. ¤ أنا ؟ أحرمها من أحلامها و أسجنها؟ لماذا؟ لم أفعل سوى طلب يدها من والدها. سعدت برده تفصح بأسف تهز كتفيها. ¤ عندما يخبرها والدها بأن رجلا من خيرة الرجال بالنسبة إليه قد تكرم وتفضل بطلبه للزواج منها وأنه سيزوجها له حتى إن لم يسمح لها بإتمام دراستها التي هي أكبر أحلامها وقال لها بالحرف أمامي ...فلتحمدي ربك أن رجلا كالأستاذ طه اختارك و طلبك للزواج ....كيف تعتقد ستشعر فتاة بعمر وحساسية فاتن؟ ضم شفتاه بشدة وتغضنت ملامح وجهه، يكتم تعبيرا لا يريد إبداءه أمام ورد، يكتم غيظه من فعلة العم سعيد التي ستحرمه من حلمه الجميل الذي يراوده مذ أن رآها تضاحك طفلة صغيرة في ساحة المدرسة، يومها ثبت مكانه مأخوذا باللوحة الربانية البديعة أمامه، فتاة بوجه قلب صغير وفستانها الرقيق مثلها يهفهف حولها مع شعرها الطويل البني تحت أشعة الشمس تضحك ببراءة أخذت بها قلبه، في لحظة انتبه لتأبطها ذراع العم سعيد فشعر بغيرة حارقة للمسها من قبل رجل آخر مهما كان. أخذته رجلاه إلى العم وسأله من غير وعي إن كان يعرفها فأخبره بكل فخر أنها ابنته الكبرى، مدللته التي ستلتحق بالجامعة بمطلع العام المقبل. عاد إلى بيته يومها وفكرة واحدة تستحوذ على عقله بأنها لابد سيخطفونها منه بالجامعة، إحساس غريب طغى على جهازه العصبي وأعجز عقله عن التفكير بمنطقية وما إن بزغ فجر اليوم التالي قام وجهز نفسه وكان أول من وصل آنذاك إلى المدرسة ينتظر العم سعيد الذي تفاجأ بوقوفه أمام البوابة باكرا، سلم عليه فباغته بطلب ابنته للزواج، ذهل العم سعيد لكن سرعان ما تهللت أساريره ووافق دون إخفاء سروره و هذا ما أراح قلبه و الآن عاد الشك يتسلل إليه هل سيفقدها ...هل.. ¤أستاذ طه أنا أحدثك؟ قطعت أفكاره ينتبه إليها، فقال بصدق. ¤ أنا أحبها آنسة ورد و سأفعل أي شيء لأحظى بقلبها. ابتسمت ورد بسرور تجيب بمكر مرح. ¤ إذن أنصت إلي جيدا وفكر بكل كلمة سأقولها لك. أنهت ورد حديثها مع الأستاذ وودعته مع كنزة وغادرت المدرسة تقصد الدار فقد اشتاقت لها كثيرا واشتاقت للرضع. ركنت خلف سيارة شاهي الحمراء تبتسم بمرح فقد ورطت الأخيرة ولا فكاك لها، ولجت تعبر الحديقة حيث سمعت صوت لطالما جهر بهزؤ لمن يسمعه بغير تدقيق فلا يلتمس المرارة به. ¤ أهلا بالقديسة ...أين اختفيت كل هذه المدة؟ ليس من عادتك ...أخبريني كيف كان الحجز؟ هل أعجبك؟ ...لطالما أردت زيارته وقد حقق لك القدر مطلبك. إلتفتت إليه ورد، تجيبه بنبرة عادية متجاهلة سخريته كالعادة. ¤كيف حالك سمير؟ أنا بخير لا تقلق ونعم أخيرا زرت الحجز ولا لم يعجبني إطلاقا، لذلك كتبت بجدار من جدرانه بخط كبير وبقلم لا يمسح أدخلته معي خلسة "بسم الله الرحمن الرحيم من أرادت مساعدة صادقة، فلتتصل بالرقم.."وكتبت رقم الجمعية ....ما رأيك؟ صفق بسخرية، يعقب. ¤ جيد جدا يا قديسة الآن تستحقين اللقب عن جدارة ولكن ماذا بعد؟ إلى متى؟ ...حتى يقتلونك هذه المرة أليس كذلك؟ ردت عليه بحنق بينما تلوح بكفها. ¤ بربك سمير ليس أنت أيضا، الموت واحد و الرب واحد ....أخبرني كيف حال أسماء؟ رد بحزم دون أن يخرج كفيه من جيبي سرواله الجينز الأزرق. ¤ وكأنك تهتمين؟ ضمت شفتاها بتعبير محرج ثم قالت بعبوس مدافع. ¤ لن تغضب مني سمير، لقد حاولت معها عبث ...أخبرتك تحتاج لطبيب ولم تسمع مني ولم أجد حلا سوى طردها ....ولو أنك لم تعد المسروقات لم أكن لأتدخل وأجعل الجمعية تكتفي بطردها. مسح وجهه محررا كفه اليمنى بينما يجيبها بوجوم جاف. ¤ لا أستطيع إجبارها، أخشى ان تعتقد بأنني تخليت عنها وهذا سيدمرها للأبد. لانت ملامح ورد، تقول. ¤ يا سمير هناك عيادات طبية راقية، إذهب معها وكن بجانبها وصدقني ستتحسن بإذن الله، فالطب النفسي تقدم كثيرا. لوح بيده بملل مشيرا لها بأن تنصرف وما إن دخلت حتى هجمت عليه عاصفة ذهبية تصيح بالقول العصبي. ¤أنت شقيق تلك السارقة ولم تخبرني!، تنصب نفسك قاضيا على تصرفاتي ..أنت... فارت دمائه وفقد أعصابه، فهتف متأهبا بقوة أعادتها خطوة للخلف فزعا. ¤ وأنت بما يهمك إن كنت شقيق سارقة أو لا؟ بما يهمك؟ حدقت به بحيرة تتوه عنها الردود، فاستدارت تفر من أمامه متلافية إياه يردد بهمس مرير. ¤ أرجوك شاهي لا تكوني قضية خاسرة، ليس أنت، لن أتحمل! قابلت ورد فاطمة تضمان بعضهما بحرارة تفضيان لبعضهما عن شوقهما وعن ما مر بهما وأخيرا سألت ورد عن شاهي، تفاجأت من قول فاطمة عن التزامها بمسؤوليتها وكذا حبها للأطفال وحسن اهتمامها بهم، فأخبرتها هي الأخرى برغبة أخيها محمود بتخصيص يوم الأحد لفحص المرضى المحتاجين، رعشة أحست بها فاطمة بقلبها وهي تسمع بإسمه لكنها لم تستطع أن تفرح لقدومه المتوقع بأن يكون مستمرا، كيف ستقدر على تحمل قربه وهي .....تنبهت لتأمل ورد بها فنحت أفكارها وادعت الحماس للموضوع تبتسم بتشجيع. ¤ اتفقنا على تخصيص قاعة بالدار وتجهيزها باللازم لتكون جاهزة لعمل محمود بها. أومأت موافقة واستأذنتها لزيارة قسم الرضع حيث مكثت طويلا إلى حين موعد خروج مريم ثم انصرفت. دخل بيته كما غادر الدار متجهم غاضب يلوم كل شيء، موت والده و زواج والدته وموت والدته، لعن زوج والدته الذي طردهما من بيت والدهما ولعن صغره وقلة حيلته وحياتهما البائسة قبل دخولهما الدار وبعد التحاقهما بها، فقد أثرت بهما وحفرت خطوطها البشعة بعقليهما حتى تركت عقدا يصعب التعافي منها. رفع يده إلى رأسه يمسك بخصلاته البنية القاتمة الناعمة المختلطة بالخصلات الفضية يكاد يقتلعها من منابتها، مستقبلا النافذة بقلب بيته، يفكر بأنه فعل كل ما يعتقد أنه سيريحه، انتقم من زوج والدته واسترجع البيت فلم يكفه ذلك، ليعمل ليل نهار حتى حسن وضعه المادي ولم يعد بحاجة لأحد ومع ذلك لازالت النار تستعر بصدره خصوصا وهو يرى عمر شقيقته يضيع بسبب عقد لا تعلم كيف تواجهها؟ أرادت أن تنتقم و لم تجد سوى الدار، ترفض الاقتناع بأن حال الدار قد تغير إلى أحسن و كأن اعترافها بذلك سيعفي المتهمين من تهمة تدمير حياتها، ظلمهم ولن تجد هدفا لتنتقم به لعقدها. أغمض عينيه يزفر بشدة وهو يسمع مشاجرتها مع الخادمة ..يا الله! متى سينتهي هذا الكابوس؟ ¤ ألن تذهب للحفل؟ قاطعت أسماء أفكاره بسؤالها تحمل بيدها دعوة للحفل، التفت إليها ونظر إلى الدعوة فأومأ بلا لتبتسم بسخرية تعقب. ¤ لماذا؟ هل تخاف أن تكشف الشقراء أمرك و تعرف بأنك غني وترتمي تحت قدميك ... رمقها بحدة فزادت سخريتها بينما تكمل. ¤ماذا تعتقد؟ خروجي من الدار لا يعني أبدا بأنني لا أعلم بما يحدث به. رد عليها بنفس سخريتها. ¤ أعلم أسماء، أعلم بأنك لازلت هناك قابعة حتى عندما أتيت معي هنا ...يا إلهي شقيقتي ...إلى متى ستضيعين أيامك؟ أنظري حولك، هناك عالم كبير شاسع، تستطيعين فعل أي شيء وأنا سأساعدك.. مشروع هواية أي شيء، المهم أن تتخلصي من عقدك وتعيشي حياتك عزيزتي، فالأيام تمضي بسرعة و لا تنتظر أحدا . نطقت بنفس السخرية تشوبها المرارة. ¤ عقدي! ...عقدي أنا! و ماذا عنك يا شقيقي العزيز؟ ماذا تفعل بالدار بعد أن أصبحت من الميسورين؟ لطالما تحججت بوجودي بها وها أنت أخرجتني، فماذا تفعل ببقائك هناك؟ ستقول بأنك تعطف على الأطفال؟ سأقول بكل ثقة، ليس وأنت تترك عملك كل يوم سمير كل يوم! ..أتعلم؟ لقد دهشت عندما علمت بأنك تحوم حول الشقراء كيف وأنت لم تكن تهتم بجنس الفتيات من قبل؟ حتى بعد أن اغتنيت صرت تشك بكل شخص يتقرب منك عساه يطمع بمالك ....والآن أنا متأكدة بأن الشقراء لا تعرف حتى عن سيارتها من إحدى وكالاتك ...وكيف تعرف وملبسك بسيط وسيارتك مستعملة ...وتقول عقدي؟ زفر باستسلام يتخصر ثم تقدم إلى أن أصبح أمامها يزرع عيناه بعينيها، يعترف بجدية. ¤ أنت محقة، كلانا معطوبان لكن ما لا تعرفينه أنني فعلا بدأت أتعالج وقد حان دورك...حدثت الطبيب عنك وطلب مني إحضارك معي لتبدئي جلساتك معه. تجمدت تطالبه بذهول. ¤ هل تصدق أنني مجنونة؟ أمسك يدها يجيبها بحرقة. ¤ وهل أنا مجنون؟ ...إنه طبيب نفسي معروف وماهر يستقبل خيرة وعلية القوم، أرجوك أسماء، أتوسل إليك شقيقتي أمسكي بيدي لنخرج من تلك الحفرة التي ألقانا بها زوج.....ذلك الرجل لكي نعيش ونتنفس و نستمتع بما رزقنا الله به . أخذ منها الدعوة وتركها جامدة مكانها وبعد برهة ارتعدت قدماها فاستندت بأقرب كرسي، تفكر بأن شقيقها لابد وجد حب حياته، تغمغم بفزع. ¤ سيتركني ..هل سيتركني ليعيش حياة خالية من العقد؟ ارتمى كل واحد منهما على كرسي مكتبه تعبا، دخل عليهما أحد الحراس بكؤوس الشاي والمياه مع الشطائر ثم انصرف فشرعا بالتقاط بعض الشطائر يأكلان بنهم. ¤ ذلك الحقير، أتعبنا ولم نحصل منه على شيء. تحدق هشام بعصبية، فرد عليه ليث بينما يلوك طعامه. ¤أنا متأكد بأن هناك أمر مستجد، حركته ليست روتينية. هم هشام بالرد فعلا رنين هاتف ليث، مسح يديه بمحرمة ورقية واستل الهاتف الوامض باسم جده ففتح الخط يتلقى نبرته المقرعة. ¤ أين أنت يا ولد؟ لقد تأخرت. أجابه بأسف مرح بعد أن بلع اللقمة بفمه. ¤ آسف جدي، أعلم بأنني لم أساعدكم في الترتيبات فأنا فاشل في ذلك على أي حال....واليوم طرأ علي طارئ مستعجل بالعمل، لذا لن آت إلا مع بداية الحفل وسأقل ورد معي، فلقد استأذنت من عائلتها. زفر الجد باستسلام، يجيبه. ¤ عملك لا ينتهي يا ولد، لا أعرف كيف ستصبر عليك الفتاة؟ أجابه بمرح ضاحك ¤لا تقلق جدي، فهي مثلي عملها كثير. ¤كف عن المزاح واذهب لتستعد ولا تتأخر ! أغلق ليث الهاتف تحت أنظار هشام المرحة، فرمقه بتحذير مزعوم. ¤لا تستلمني هشام أنا لست بنفس مزاجك. تلاعب هشام بحاجبيه، يعقب بهزؤ. ¤ ممم وستقلها أيضا ...جيد إذن إسبقني أنت واستعد وأنا سأتأخر قليلا حتى أتأكد من هدوء الوضع وألحق بك، فأسرتي سيوصلهم عمي. رمقه بنظرة امتنان وغادر ليجهز نفسه، الشوق إليها قد أضناه، مر أسبوعا كاملا و لم يرها سوى بأحلامه وقد أبهج العميد قلبه حين بلغه بعدم رفضها طلبه للزواج منها، مع أنها لم توافق أيضا لكن لا بأس هو سيقنعها حين يلتقي بها. *** ¤هيا أمي، سنتأخر هكذا . ¤يا بنتي أخبرتك بأنني لست ذاهبة ...فاستعدي أنت عمك على وصول. كانت ذلك رد والدة هشام السيدة هناء، تتمدد على فراشها الوثير بغرفتها، ارتمت لمار جوارها تضم يدها، ترجوها. ¤ أمي يجب أن تذهبي، عائلة الجندي أصدقاء لنا ..عيب أمي وزيدي على ذلك أن هشام أكد علي لأقنعك، لا أعلم ولكني أشك بأنه يريد تعريفنا إلى أحد ما. استرعت إنتباه أمها التي سألتها بلهفة. ¤فتاة؟ هل سيعرفنا الى فتاة؟ أجابتها والمكر يتألق ببريق غموضه بيني نظراتها. ¤ أظن ذلك أمي ....فهل ستفوتين إحتمال رؤية كنتك المستقبلية؟ فكرت السيدة هناء قليلا قبل أن تبتسم وهي تنهض بنشاط تأمرها. ¤ هيا اذهبي لتستعدي واتركيني أستعد أنا الأخرى. قبلت وجنتها تضحك بفرح وفرت إلى غرفتها تاركة إياها تستعد لمفاجئة لم تكن لتتوقعها حتى في أحلامها التي لاحظت أنها هدأت قليلا كوابيسها مؤخرا. *** وقفت مريم تتأمل انعكاسها بالمرآة بعين مترددة من مظهرها ومن كل شيء حولها، فهي لم تتعود بعد على حياتها الجديدة الخالية من البساطة التي عاشت بها من قبل. لم تتعود هذا الفستان الغالي الذي يظهرها كسيدة مجتمع راقي بثوبه الحريري النفيس وتطريزه المتقن يبدأ من الطرحة الى أسفل الكاحل بقليل، لونه كالزبرجد كلون عينيها تماما لكن يجب أن تتعود على ذلك إن كانت تحبه فعلا .....حب؟ هل ما تشعر به حب؟ ...كل ما تعلم أن قلبها يطير من مكانه من مجرد ذكر اسمه و...... دقات على الباب تلاه دخول ورد، التي صفرت بإعجاب ما إن رأتها، تقول. ¤وااااااو ما شاء الله يا فتاة، يبدو أننا سنحتفل بخطبتك عما قريب هذا إن لم يخطفك الضابط الليلة. ضحكت ورد بمرح ومريم تزم فمها بينما تقييمها بنظرة شاملة، تقول بسخرية. ¤ كيف اقتنعتِ و ارتديت الفستان بعد المحاضرة الطويلة العريضة التي أطربتنا بها عن التبذير وحقوق الإنسان حتى أننا يئسنا أنا وسهى من إقناعك فانسحبنا. قلبث عينيها المكحلتين ولوحت بيديها بضجر، تهتف. ¤أمي تعلم جيدا نقطة ضعفي، فأنا أكره دموعها وأنفذ كل ما تريده مع اول دمعة مزيفة ....آه تلك المرأة الطيبة لا تستعمل مكر النساء إلا معي. ثم هزت كتفاها تضيف. ¤ أحبها، ماذا أفعل؟ ترققت بسمة ونظرات مريم بحنان، ترد. ¤إنها طيبة جدا تذكرني بأمي رحمة الله عليها. اقتربت منها ورد تقبض على كتفيها بلطف. ¤ رحمة الله عليها ...هيا فأخي ينتظركم على البوابة ... ثم زمت شفتاها بامتعاض، تستدرك. ¤ ذلك المحتال اتفق مع العميد ليوصلني، سيرى ماذا سأفعله به إنها فرصة لنتحدث فعلا. شهقت مريم تضع يدها على قلبها بينما رفعت حاجباها، تستفسر بهلع. ¤ لماذا تتخططين يا ورد؟ ....فكري جيدا قبل أي تصرف أهوج قد تندمين عليه. صاحت ورد بذهول مزعوم. ¤أهوج.. أنا تصرفي أهوج؟ وسحبتها من مرفقها تدفعها بخفة عبر الباب وهي تكمل. ¤ أتصدقين أن تصرفي أهوج بالفعل لأنني أخبرك بكل شيء يخصني.. قالت أهوج! حاولت مريم الكلام لكن ورد لم تسمح لها وأنزلتها حيث تنتظرهن السيدة عائشة للمغادرة تاركين ورد في انتظار ليث. صف سيارته أمام منزلها و وقف أمام الباب الكبير بكل أناقته المعتادة في بذلة سوداء و قميص أبيض عليه ببيونة سوداء و وجه متألق حليق وشعر مصفف بعناية . فتح له كرم مرحبا به وأشار له إلى الجميلة التي تنتظره على الباب الداخلي. نظر إليها كانت لاهية بهاتفها وتمعن بما ترتديه، فستان أسود مشدود من الصدر إلى الخصر ثم ينسدل كشلال أسود، يكاد يلامس الأرض بكمين واسعين و عنق مسدود و الشعر دائما ما تجمعه الى الخلف، *لو فقط تطلقه من عقاله لأرى طوله! ..لا من الأفضل أن يظل مجموعا حتى لا يراه أحد! ...إذا كانت تلك الخصلات التي تتركها حرة أمام وجهها تثير جنوني و سأظل أشد على يدي كي لا تنفلت مني إليها وحتى الفستان... لن تبدأ بالتحكم بها الآن يا ليث ولم توافق عليك بعد!* ¤مساء الخير.. رفعت وجهها إليه، *يا الله هل هذا كحل؟ سبحان الخالق ..ما هذا الجمال؟ لقد طغى البلور الأسود على البياض في لوحة مبدع..* ححممم! تنحنحت ورد من بحلقته وقطبت جبينها تقول. ¤ مساء الخير ....هل نذهب؟ رد عليها متصنعا الجدية. ¤ بالتأكيد ...تفضلي! تقدمته و حين وصلا إلى السيارة سبقها ليفتح لها الباب، يقول بهمس مهذب. ¤ على فكرة أنت جميلة جدا. سقط فكها ببلاهة ولم تعلم بماذا ترد، فدخلت السيارة تهرب منه لترتسم البسمة على وجهه يغلق الباب قبل أن يحتل مقعد السائق. صمت رهيب احتل السيارة بينهما، فورد نصبت وجهها نحو الطريق لا تحيد عنه أما هو فيسترق بضع نظرات إليها، يسأل نفسه إن كانت ستوافق أم ترفض. لأول مرة بحياتها توضع في مثل هذا الموقف، فهي دائما صارمة تعبر عن رأيها بصراحة ودون خوف لكن لماذا ضاعت منها الكلمات؟ لماذا أربكها بجملة واحدة؟ حتى أنها عادية 'أنت جميلة' هي تعلم أنها جميلة ...هل تعلم حقا؟ لكنه قال جدا ماذا يعني هذا؟ يا الله م.... ¤ كيف حالك؟ قرر ليث قطع الصمت، فأجلت حنجرتها و رطبت شفتيها، تجيب. ¤ حمم.. بخير... أنا بخير.. ترقب سؤالها عن حاله وحين لم تزد بحرف عن جوابها، تحدث بحنق. ¤ أنا أيضا بخير... شكرا على السؤال. أجفلت ....فنظرت إلى المرآة تعقب بتبرم. ¤ أعلم أنك بخير.... ألست أمامي بكامل أناقتك؟ استرجع ابتسامته، يسأل ببعض الفكاهة. ¤ هل أعتبرها مجاملة؟ لم تجبه، فنظر إليها يلاحظ كيف تثبت ناظريها على المرآة الجانبية، فعلّق بانزعاج. ¤ لن أعتبرها فقط لا... ¤ليث؟ تفاجأ من مناداتها له وباسمه مجردا، فرد بريبة. ¤نعم؟ قالت وهي لاتزال تحدق بالمرآة الجانبية. ¤ أظن أن هناك من يرصدنا ...سيارة رباعية الدفع بل سيارتين. ما إن إستوعب كلامها حتى نظر إلى المرآة الأمامية، فتأكد من قولها لكن لم يرد إخافتها فتكلم بهدوء. ¤لا أعتقد ... هتفت بثقة. ¤إذن أسلك طريقا آخر لتتأكد. تطلع إلى وجهها زاما شفتيه بحنق، فأردفت ببرود. ¤ لست بغرة أعلم جيدا حين أكون مراقبة...فدعك من تهدئتي وفكر كيف سنخرج من هذا المأزق! راقب ليث السيارة التي زادت من سرعتها، تحاول اللحاق بهما، فأطلقت ورد ضحكة ساخرة من يسمعها يعتقد بأنها تسمع نكتة مما أجفل ليث، فالتفت إليها مندهشا ونظرت إليه تستدرك بينما تجاهد لحصر ضحكاتها. ¤ أخبرت أبي بأنني أقسمت على أن لا أحضر حفلا من بعد ذاك الأخير لكنه لم يعر كلامي أية أهمية وها أنا مطاردة وكل هذا بسبب طلبك الغبي للزواج مني. إشتدت حدة صوتها بآخر حديثها، فرد عليها بنفس النبرة الساخرة. ¤ آه الآن نتحدث عن طلبي للزواج منك. داس على البنزين يزيد من قوة السرعة بينما يركز على المرآة هاتفا بحنق. ¤ ولماذا طلبي غبي آنسة ورد؟....ألا أليق بمقام سموك؟ أمسكت ورد بجانبي المقعد تثبت نفسها مع سرعة السيارة، تقول من بين فكيها المطبقين. ¤ منذ متى تعرفني ها؟ هي بضع مرات ألتقينا بها وبمواقف كلها ألعن من بعضها كهذا اللقاء بالضبط ...ماذا تعرف عني لتطلبني لزواج؟ وتستغل مكانتك عند أبي لتورطني. مال جسدها بعنف حين تجنب ليث سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس والسيارة الأخرى قد بدأت بمحاصرتهما، فأدرك الإتنان أنها ليست بعملية ترصد فقط بل محاولة قتل أو اختطاف ...صاح ليث بحزم جدي. ¤خذي هاتفي واطلبي هشام إنه في أول لائحة الاتصال وضعيه على المكبر. فعلت ما طلب منها بصمت و بسرعة، فالموقف أصبح أشد خطورة ..صدح صوت هشام الساخر عبر يزيد من إحراجه. ¤يا عريس هل تركت عروسك لتكلمني؟ رمته بنظرة ذات معنى تمطط شفتيها ببرود، فقاطعه ليث بجدية. ¤هشام اسمعني جيدا نحن بمأزق. انتبه على نبرة الجدية بصوت صديقه فاستشعر الخطر، يهتف بقلق. ¤ماذا هناك؟ أين أنت؟ أجابه بسرعة وهو يتفادى سيارة شحن كبرى وورد تغمض عينيها تقاوم موجة الغثيان بسبب السرعة. ¤نحن بالطريق الرئيسية حيث سيارتان تطارداننا، رباعية الدفع سوداوين.... فكرت في خطة سأطبقها... سأسلك طريق الغابات فهو واسع ومنبسط الجانبين سأستدرجهم إلى المنطقة الخضراء ...أخبر الدورية القريبة لملاحقتنا ...سأحاول مماطلتهم. رد عليه بجدية وحزم وقد تأهب ليلحق بهم هو الآخر. ¤حالا...هناك دوريات قريبة ستصل إليك في وقت وجيز ... خذ حذرك صديقي في حفظ الله ...سأكون هناك أيضا مسافة الطريق إن شاء الله. عاد الصمت إلى السيارة إلا من حركات ليث للسيطرة على القيادة وما إن شرعا بالتوغل بطريق الغابات الواسع والذي يكون خاليا بالليل حتى أزالت ورد حزام السلامة و بدأت بالتحرك، شعر بها فالتفت إليها بوسع عينيه ذهولا يراها ترفع فستانها إلى حدود الركبة تستل مسدسا صغيرا من محشره الملتف أعلى الركبة بقليل، فهتف باستنكار. ¤ من أين لك بهذا المسدس؟ وصاح بصوت أعلى حين رآها تستدير، وجهها إلى الكرسي الذي تمسك بجانبه وباليد الأخرى تحاول فتح النافذة. ¤هل جننت؟ ماذا تفعلين؟ أنت تفقدينني تركيزي. هتفت بعصبية بينما تحاول التصويب على عجلات السيارة المترصدة. ¤ كونك على علم بما لا يعلمه غيرك لا يعني بأنك تعرف عني شيئا. أطلقت رصاصتين، فأصابت الدولاب الذي انفجر وخرجت السيارة عن الطريق فاصطدمت بالأشجار ،ليصيح ليث بظفر رغم ما به من حنق بسبب الوضع بأكمله. ¤أحسنت يا فتاة؟ لم يلق لمزاجه صدى عند ورد التي عادت إلى وضعها تصمت بوجوم، فسألها بريبة. ¤ ماذا بك؟ لقد أصبتها؟ يجب أن تكوني مسرورة. نظرت إليه بجمود، تستفسر منه. ¤ ألا تلاحظ شيئا ما؟ ¤ماذا؟ جعدت دقنها تقول بعبوس منزعج. ¤ لم يردوا علينا بالرصاص وهذا له معنى واحد ...يريدوننا أحياء. عقب ليث بحذر. ¤وهذا سبب آخر للسرور لن يحاولوا قتلنا. حينها طغى الرعب على ملاح ورد تقول باضطراب. ¤بالنسبة لك .... أنا فتاة وهناك ما هو أسوء من الموت. فهم إلى ما ترمي إليه، فوعدها بثقة بينما يعتصر المقود بين يديه. ¤ لا تخافي! لن أدع أحدا منهم يلمسك، ليقتلوني أولا!....والآن إسمعيني جيدا، فلقد اقتربنا من المنطقة الخضراء ويجب علينا مماطلتهم إلى أن تلحقنا الدوريات ...عندما نصل إليها سأخفف السرعة و نقفز من السيارة ...ما إن تلمسي الأرض تركضين بكل قوتك إلى الأشجار أمامك، لا تنظري إلى الخلف ولا تبحثي عني، اجري و اختبئي جيدا بين الأشجار ...أنا سأتمهل ليلمحوني ويلحقون بي إلى الاتجاه الآخر. التفت إليها ليجدها تنظر إليه بانتباه، يكمل بحزم. ¤ أنت فعلا تفاجئينني يا بنت الشهدي! .. مدي يدك أسفل المقعد ستجدين مسدسا بمنظار ليلي وإن أصبتِ سأقتلك بيدي. ضحكت بتوتر تفعل ما طلبه منها وفعلا سحبت المسدس تتفقده ثم حين نظرت إلى فستانها هتفت بضيق. ¤تبا ...تبا! ¤ماذا؟ سأل بحيرة، فأفصحت بضيق. ¤ قلتَ نقفز من السيارة، ألا تعلم كم كلفني هذا الفستان؟ ....لقد أخبرتهم بأنه تبذير و لا يجوز لكن أمي أصرت ...سامحك الله يا أمي ...كل هذا كي أعجبه... عنه ما فعل! . هتف باستنكار. ¤ هيييه! ...وما دخلي أنا؟ ثم حياتك على المحك إلى الجحيم بكل الفساتين. اكتفت بالنظر إليه من زاوية عينها تزم شفتيها، فصمت قليلا ثم قال بينما يهز كتفيه ويبدأ بالتمهل بالسيارة. ¤ لقد أعجبني على فكرة و كثيرا... ولا أريد أن تظهري بهكذا فساتين على الملأ. همت بالرد، فصاح بحزم جدي: ¤الآن هيا! استعدي كما أخبرتك، عند الرقم ثلاثة تقفزين بدون تردد وتفعلين ما طلبته منك. تأهب الإثنان و خفف السرعة أكثر، فشرع في العد... واحد، إثنان.... ثلاثة... الآن! فتحا البابين وقفزا.

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514