أصدق الناس وأرقهم شعورآ من ينظر ما وراء الكلمات ويبصر ما وراء النظرات .. ويفهم أنكسار الروح في بحة الصوت وبكاء القلب في أبتسامة الوجه وشدة الضياع في قوة الظهور.. من يقرأ تفاصيل وجهك فرحاً حزناً من يكون معك في هذه الحياة الصعبة وليس عليك .. من يبسط لك قلبه قبل ذراعه من يهديك السلام والأمان .. من يقول لك لا تحزن غداً أجمل لأنك الأجمل .. جلست سهى بجوار فريدة في فراشها وقالت و هي ترتعد من البرد : _ الدنيا برد موت خديني جنبك. يا ديدة أتدفي جنبك زفرت فريدة بضيق وقالت و هي تدفعها بعيدا عنها : _ إبعدى شوية حد يهجم علي حد كده ا.. وباعدين إحنا في آخر الشتا و الجو بقا حلو . ردت عليها سهى مسرعة و هي تدلك ذراعيها : _ مش عارفة بردانة ليه كده . تطلعت إليها فريدة بلؤم و غمزت لها بعينها وقالت بمكر عابث : _ سهى ... عارفة أنا الداخلة دي.. هاتي اللي عندكو إنجزى . ضحكت سهى ضحكة عالية و ضمت ركبتها لصدرها وقالت بمداعبة : _ دايما فقسانی کده يا ساتر عليكي . ردت عليها فريدة بثقة : _ يا بنتى ده إنتى تربيتي .. إنجزى يالا و إحكي مصيبة إيه اللي عملاها .. إعترفي . تنهدت سهى مطولا و أشاحت بشعراتها خلف عنقها بنعومة و هي تتطلع باللاشىء و قد إرتسم علي وجهها الهيام .. تطلعت فريدة بها و مصمصت شفتيها و هي تحرك ذراعيها و تردد بصياح مازح : _ أوبا بقى .. عارفة أنا التنهيدة دى.. ما أنا خبرة من سنين .. هو مين وإسمه إيه وبيشتغل إيه ؟! وحبتيه إمتى وهو بيحبك ولا لا و.... . قاطعتها سهى قائلة و هي تتمسك بذراعيها كي توقفهما : _ إيه إفصلى شوية انتي هتشرشحي يا بيئة . عقدت فريدة ذراعيها أمام صدرها و التزمت قواعد الادب و قالت بهدوء : _ طب إحكيلي إنتي و انا هسكت، كلي آذان صاغية. إبتسمت سهى وقالت بهيام و قد لمعت عيناها : _ مش قادرة أـدق إني أنا ممكن واحد يشغلني کده.. ويخليني أفكر فيه.. وأبقى عاوزة أشوفه دايما.. رغم إنى شوفته مرتين بس. زمت فريدة شفتيها وقالت بتعجب و هي تلف إحدى شعرات سهي علي إصبعها : _ ده أكيد سوبر مان علشان يعلقك إنتي .. بيه. إبتسمت سهى وقالت و هي تتخيله يهيئته الساحرة أمامها : _ هو فعلا سوبر مان .. راجل بجد .. وتتمناه كل بنات البلد. طالعتها فريدة بإندهاش وقالت بسخرية : _ ليه يا أختي عمرو دياب. ضربتها سهى على كتفها وقالت بضيق و قد عبست بعيناها بضجر بعدما إستشعرت مزاحها و سخريتها : _ أنا غلطانة اللي إني بتكلم معاكى يا تافهه. قبلتها فريدة من وجنتها و قالت لها برجاء : _ خلاص و الله مش هتكلم إحكيلي بقا . دفعتها سهي بعيدا عنها و قالت بضيق مفتعل : _ إبعدعني هو أدهم سابك النهاردة ليه فين الصفافير ؟! تدثرت فريدة جيدا وقالت بتثاؤب : _ هيصحى بدری ..فهينام بدری.. بس تصدقي وحشنى قوى . إنتبهوا على رنين هاتف فريدة .. تطلعت لشاشته فقالت بفرحة : _ أدهم. ردت عليه قائلة بهيام : _ ألو.. أدهم إنت مانمتش. رد عليها بتنهيدة شوق جعلها تنتفض في جلستها : _ لسه يا عمرى.. ما أنا كمان مش هعرف أنام غير لما أسمع صوتك. لوت سهي تغرها و هي تتابعهم بنزق .. بينما إبتسمت فريدة بخجل وقالت بنبرة ناعمة رائقة : _ وأنا كمان كنت مستنياك .. بس قولت يمكن نام. رفعت سهب عينيها بملل و قد بدأت تشعر بالغثيان من حالتهما .. حتي رد عليها بنبرة هادئة .. تعشقها : _ وحشتيني يا ديدة. ردت عليه بنعومة و هي تلف طرف شعراتها علي سبابتها بهيام : _ وإنت كمان وحش.... إنتبهت فريدة لتحديق سهى الجالسة بجوارها بها وهي تتابع حديثهما بشغف و ببعض من الإمتعاض .. فقالت فريدة لأدهم مسرعة : _ ثانية واحدة يا أدهم... إلتفتت إلي سهى وقالت بتعجب : _ إيه ! تصنعت سهى البلاهة وغمزت لها بعينها وقالت : _ هو إيه ده اللى إيه ! ردت عليها فريدة بحنق وقد لوت ثغرها بحدة: _ يعني بكلم أدهم وكده. هزت سهي كتفيها بلا مبالاة و إيتندت بظهرها علي ظهر فراش فريدة و قالت لإغاظتها: _ ما تكلميه أنا منعتك، كملوا كملوا إعتبروني مش موجودة. عقدت فريدة حاجبيها و هي تقول بغضب: _ بقى كده.. طب قومي يالا على أوضتك يالا نامي. زمت سهى شفتيها وقالت بغضب مفتعل: _ كده يا ديدة زعلت منك. فقالت لها فريدة وهي تدفعها خارج فراشها فاقدة لصبرها : _ هصالحك بكرة إن شاء الله .. يالا على أوضتك بقا بلاش رخامة . أنزلت سهى ساقيها و وقفت وهى تضحك عليها بهيستيرية و قالت بمداعبة : _ بتبيعي أختك علشان راجل غريب، فين صلة الرحم يا ناس . ألقت عليها فريدة وسادتها و هي تقول بتعجب : _ صلة رحم إيه ؟ إنتي هتتثورجي هنا، ما تعتصمي في قلب الأوضة أحسن يا رخمة . إلتقفت سهي الوسادة الطائرة و أعادت إرسالها إليها بقوة مضاعفة و هي تقول : _ إبقي خليه ينفعك يا قطة . إرتطمت الوسادة بوجه فريدة التي تأوهت من قوتها ثم ما أن إتطمأنت أن سهي خرجت من غرفتها حتي عادت و حملت هاتفها وقالت بنعومة و هي تلملم شعراتها التي تناثرت حول رأسها : _ سورى يا أدهم.. إحنا كنا بنقول إيه بقا. تعالت ضحكات أدهم عليها بعدما ؟إستمع لل ما دار بينهما و تعجب من هدوئها و هيامها و كأن شيئا لم يحدث . في الصباح إلتقى أدهم بسهى على الدرج فإبتسم لها وقال بسخرية مازحة : _ أخبارك إيه يا منكوشة هانم ؟! أجابته سهى بإمتعاض و هي تهبط الدرج متابعة : _ الحمد الله كويسة يا مستر عضلات. ضحك أدهم ضحكة عالية وقال : _ ما ينفعش تماينی في حقك أبدا.. قوية طول عمرك. رفعت يديها إلى السماء وهتفت برجاء : _ يا رب دايما ويقويني على اللى جاى. إبتسم أدهم بمكر وقال بقليل من التردد و الخوف : _ خايفة من المهمة الجديدة دی مش كده ؟! توقفت مكانها و إلتفتت إليه و هزت كتفيها قائلة باستسلام: _ لا وإنت الصادق خايفة من الجدران البشرية اللي بتعامل معاها.. قال وأنا بقول عليك مستر عضلات.. ده إنت جنبهم تلميذ في الكي جي. حدجها بغضب و قال متذمرا : _ يخربيت لسانك .. كي جي ايه يا بت إنتي احنا جامدين قوى علي فكرة . فجائهم صوت حياة من خلفهم قائلة و هي تستند علي سور الدرج : _ لسه ما إتخلقش اللي يتقارن بأدهم المهدى يا سهی. إ بتسم أدهم بغرور وقال و هو يشير علي حياة بذراعه : _ ما قولتش أنا حاجة.. حقى جالی وقتی و مدد ربنا ما بيتقطعش . لمجت سهي هبوط فريدة فطالعته بمكر و قالت : _ مدد يا أبو العباس مدد .. بلاش يا أدهومي بلاااااش . حرك لها حاجبيه و قال بيرة هادئة : _ إتكبستي صح ؟! ربنا ما بيسيبش حق حد . فأتاهم صوت فريدة الغاضب حيث قالت بضيق : _ ولما إنت مش عارف تجيب حقك كنت قولى.. ده حتى جحا أولى بلحم طوره. ضحكت سهى ضحكتها العالية و قالت بلهاث : _ إضرررب، ما قولتلك بلاااش بالشفا . وخزها أدهم في ذراعها و قال بقلق : _ إرتاحتي يا شيطانة ربنا يهدك . نثرت سهي شعراتها بتشفي وقالت وهي منصرفة : _ يالا ربنا معاك يا طوره.. قصدى يا أدهم .. سلام يا جماعه good luck .| إلتفت أدهم لفريدة وقال لها بضيق : _ كده يا ديدة تشمتي فينا المنكوشة أختك. قالت فريدة بإبتسامة متسعة زائفة و هي تهبط باقي الدرجات بينهما و طالعته من علو : _ تستاهل يا قلب ديدة . إقترب منها بشوق و صعد درجتين حتي أصبح مقابل لها و هو يتعمق في عينيها التي غزتها أشعة الشمس من نافذة الدرج و قال بهيام : _ أول مرة أشوف عنيكي من غير مكياج، يخربيت كده تجنن.. الطبيعي يكسب . شعرت بقشعريرة غريبة تتدفق بأوردتها فتنحنحت و إعتدلت في وقفتها وردت بغرور : _ أنا حلوة في كل حالتي.. سواه طبیعي أو صناعي. تطلعت علي هيأته الرسمية بتلك الحلة السوداء و قميصه الأبيض الناصع و عطره الفرنسي الآخذ و قالت بتعجب : _ بس إيه الشياكة دى كلها على فين العزم إن شاء الله . رد أدهم مسرعا : _ علي الكلية عندك.. هستلم شغلی النهاردة.. وهبقى معيد عليكى آخر كام محاضرة في القانون الدولى. تنهد تنهيدة طويلة و زفرها فلفحت وجهها و هو يقول بهمس رقيق : _ و ممكن لو شوفتك وأنا بشرح أسيب المحاضرة والطلبة وأجى أقعد جنبك أشبع منك وبس. شهقت فريدة شهقة خفيضة و هي تعضعلي شفتها بخجل بينما ذاب هو مع حركتها متمنيا ذلك اليوم الذي ستصبح ملكه و حينها سيلتهم كل حركاتها و لن يرحمها .. قطعت حياة حالتهم تلك و هي تقول بغضب : _ طب يالا يا أدهم بسرعة لتتأخر على شغلك. إنتفضت فريدة في وقفتها بذعر و التفتت إليها وقالت: _ أنا مش فهماكي الصراحة.. واحد وخطيبته واقفين يتكلموا مع بعض.. واقفة معاهم ليه يا.. يا حياة. رفعت حياة حاجبها بغضب وقالت بحدة : _ أدهم إبن عمى وواقفة معاه عادي.. مالكيش دعوة إنتي. إقتربت منها فريدة وهي تحدجها باشمئزاز وقالت : _ لو أنا ماليش دعوة بأى حاجة تخص أدهم مين اللي هيبقاله إن شاء الله . حدجتها حياة بقوة وقالت : _ برضه إبن عمى وهكلمه زى ما أنا عاوزة يا فريدة. تطلعت إليها فريدة بنظرة تهديد وقالت : _ مسيرك يا ملوخية تيجى تحت المخرطة.. وساعتها هعمل معاكى الصح. إبتسمت حياة بسخرية وقالت بمكر : _ عارفة يا فرى .. إنتي ريش على مافيش أصلا و كلامك ده كله هو في بلونة مالوش لازمة . هبطت مى الدرج بسرعة وشبكت يدها في ذراع أدهم المتابع لهذا "الردح" بتعجب وقالت : _ يالا إحنا يا أدهومي.. وصلنى معاك للجامعه إتأخرت.. يالا سلام يا قطاقيط.. أنا اللي فزت بأدهم في الآخر. رد عليها أدهم بإبتسامة مرحة و هو يهبط معها الدرج : _ يالا يا بكابوظة.. إنتى اللي في القلب والله. أسرعت فريدة و إنحنت علي إطار الدرج و قالت بدلع كي تغيظها : _ بای یا حبیبی هتوحشنى. إلتفت إليها بإبتسامته الساحرة. .وأرسل إليها قبلة في الهواء.. وتركها ومضى.. لثواني قد نسيت فريدة حياة ونفسها ونسيت كل شئ.. حتى أخرجتها حياة من شرودها قائلة بنبرة غليظة نابعة من أماقها المشتعلة : _ قلة أدب. ردت عليها فريدة بخوف بعدما إنتفضت في وقفتها : _ منك الله يا بعيدة خضتيني.. وباعدين مين اللي قليل الأدب أدهم.. ده حتى أدهم ما يتقارنش مع راجل تانى أبدا . و ضحكت ضجكة إستفزازية و هي تتابع بدهاء : _ بس شوفتي إنتي البوسة الطايرة دى تجنن.. عقبالك يا حية، قصدى يا حياة . تركتها فريدة وصعدت الدرج وهي تغنى.. بينما حدجتها حياة بغضب وصكت أسنانها و قالت بشراسة : _ إفرحيلك يومين.. والله ما هسيبكوا إلا لما تبعدوا عن بعض وأخده منك مهما حصل . دلفت سهى لمكتبها وجدت ماجد بمفرده فقالت برسمية و هي تضع حقيبتها من يدها : _ صباح الخير يا سيادة الرائد. أجابها بإبتسامة مشرقة : _ يا صباح الورد والفل والياسمين..بس بلاش سيادة الرائد دي قوليلي يا ماجد على طول. ردت بجدية..وهي تجلس على مكتبها: _ تمام.. حضرتولى الفايلز اللى أنا عاوزاها. وضع أمامها ماجد كومة من الإسطوانات المدمجة .. عقدت حاجبيها و هي تطالعهم بتعجب ثم رفعت عيناها ناحيته و قالت بذهول : _ إيه كل ده.. ده كتير قوى . رفع ذراعيه في الهواء وقال باستسلام و هو يطالعها بشفقة : _ ده حكم القوى يا بنتی و الله انا ما ليا دخل ربنا معاكي . ثم مال بجذعه قليلا و أغمض عينيه و هو يتنفس عطرها الجذاب ثم فتحهما و قال بإعجاب : _ بس برفانك يجنن علي فكرة . ردت عليه سهى بإبتسامة هادئة و هي تسحب أول قرص مدمج كي تضعهه بحاسوبها : _ شكرا. _ إحنا قلبناها كافيتريا للحبيبة ولا إيه؟! قالها سامح بغضب و هو يتابع قرب ماجد من سهى و نظراته إليها .. بينما رفعت هي عيناها ناحيته تطالعه بشوق غريب و ضغظت بقدمها علي الأرضية كي تتحكم في إنفعالاتها أمام نظراته التي تلتهمها من قوتها .. و أخيرا إستطاعت تحرير عينيها من حصار عينيه الثاقبة و تطلعت بباسم الواقف خلفه و يشير لها بكفه مرحبا في صمت وقالت ببحة صولهما المثيرة متجاهلة كلماته عن قصد : _ صباح الخير يا باسم . تخلي باسم عن حذره و تقدم ناحيتها قائلا بتسبيلة ملتاعة : _ هو إسمى حلو كله وأنا مش عارف..يا صباح البرفانات الجامدة . ردت بإبتسامتها الساحرة: _ شكرا ده من ذوقك . جلس سامح على مكتبه وقال بضيق و هو يلقي نظارته الشمسية بغضب : _ نقعد نسبل بقا وبلاش نشتغل.. وإنتي يا هـنم إهمدى شوية ولمى نفسك. أشعلتها نظراته المقللة منها و وقفت بسرعة وقالت بغضب لو طاله لأنغمست أظافرها في عنقه : _ إتكلم معايا بأدب لو سمحت.. هو أنا علشان سكتلك هتتمادى و لا إيه ؟! وقف هو الآخر.. وصاح بها بغضب: _ إيه سکتیلی دی ما تيجى تضربيني قلمين بقا ده اللي ناقص. رفعت سبابتها محذرة وقالت بصوت رخيم و هي تحدق به بتحدى : _ لو طولت لسانك أكثر من كده هتضرب، إنت فاكرنى هخاف من عضلاتك النفخ دى. رفع هو الآخر سبابته محذرا من وقع كلماتها الجريئة و الوقحة مثلها وصاح قائلا من بين أسنانه : _ بت إنتي .. أنا عامل خاطر للوا فهمی بس قسما بالله لو وقعتى تحت إيدى لكون هارسك تحت جزمتي. إتسعت عيني باسم و إتجه بعينيه ناحية سهي التي خيبت ظنه ببرودها و هي تزم شفتيها و تقول بسخرية هادئة : _ جزمة إيه يا أبو جزمة.. وياسيدى مش هقول للوا.. ورينا بقا شطارتك يا .. يا سيادة الرائد. وقف ماجد بينهما وقال بضيق من عراكهما الدائم : _ بريك بقا.. إنتوا ما بتتعبوش. طالعته بنصف عين لثواني و نظرات التحدى لا تتوقف بينهما ثم قالت ببحتها المثير كي تثير إغضابه أكثر و لكن بطريقتها : _ سوری یا جماعة صدعناكوا بخناقنا.. مش عارفة سيادة الرائد حاططني في دماغه ليه تقولش مراة أبوه. . رد عليها سامح بازدراء و هو أقصي طموحه في هذه اللحظة ان يقبض علي عنقها حتي يخرج لسانها و يقطعه كي لا يستمع أحد لصوتها القمىء هذا غيره : _ لمي نفسك بقا يا بومة إنتي . إقتربت سهى من باسم و وقفت بجواره قالت بدلال أنثوى قاتل و هي تزم شفتيها بطفولة : _ بقا أنا بومة يا باسم . ذاب باسم مع موجات صوتها و حركاتها ..ونظرات الحزن المفتعلة في عينيها وقال بهمس : _ بعد الشر عليكي.. قولى كناريا.. عصفورة .. يمامة . صاح بهم سامح قائلا و قد إتسعت عينيه و بدأ في طرقعة أنامله بجنون : _ كل واحد على مكتبه يالا خلوا اليوم ده يعدى علي خير بدل ما أخربها علي الكل . أجابه ماجد ببديهيو و هو يطالعه بحنق: _ وإحنا من إمتى لينا في جو المكاتب ده. رد عليه سامح بضيق: _ ما هو لغاية ما الآنسة تخلص دراستها للمهمة.. هنفضل إحنا ملقحين جنبها. إعتدلت سهى في وقفتها وقالت بسخرية رافعة لأحد حاجبيها : _ مش إنت برضه اللي بليتني بكل الإسطوانات دى .. إستنى بقى. بدأ في دفع هذاين الصنمين أمامه و هو يقول بصرامة متحاشيا الإشتباك معها مجددا : _ قدامى يا يا أخويا إنت و هو نتزل الجيم شوية بدل قاعدتنا اللي ملهاش لازمة دى. تطلع إليها بقرف وتركها وخرج.. إتبعه باسم بضيق .. بينما إقترب ماجد منها وقال مداعبا : _ لو إحتاجتيني رنى عليا وأنا أجيلك جرى.. آه صحیح هاتي رقمك. أخرج هاتفه من جيبه و هي أملته رقمها.. فهاتفها وقال : _ سيفيه بقا..يالا سلام مؤقت. دخل سامح وصاح به: _ مش يالا ولا إيه يا سيادة الرائد. رد ماجد مسرعا: _وراك يا موحة على طول. تركوها بمفردها.. لتبتسم بفرحة وقالت في نفسها و هي تستند علي مكتبهل بمرفقها : - أنا على الطريق الصح..والله لأخليك تجرى ورايا إصبر بس .. عامل نفسك تقيل بس على مين .. قابل يا سامح من سهي المهدى لو تقدر .. كانت فريدة في مكتب الدكتور حامد تكتب على الحاسوب المرافعة التي طلبها منها بحماس كعادتها.. ربما إلتحق بكلية الحقوق كي تنغمس بكل شىء له علاقة بأدهم و لكنها وجدت نفسها به و نمت شخصيتها بسرعة كبيرة .. بينما كان حامد جالسا بمكتبه يطالع بعض الأوراق لقضية إغتلاس كبيرة هزت الرأي العام ..سمع طرقات على باب مكتبه.. فرفع رأسه قائلا بصياح عالي : _ إتفضل. دلفت سكرتيرته و وقفت أمامه وقالت برسمية : _ أستاذ أدهم المهدی بره يا فندم و عاوز يقابل حضرتك ..جای حسب الميعاد . إبتسم حامد وقال بتلهف : _ خليه يتفضل بسرعة. خرجت السكرتيرة.. وثواني ودلف أدهم عليه بإبتسامة.. إقترب منه وصافحه قائلا بود : _ وحشتنی جدا یا دکتور . أجابه حامد بابتسامة متسعة وقال مرحبا: _ تلميذي النجيب .. وإنت أكثر يا أدهم.. إتفضل إقعد . وأشار له فجلس أمامه وتابع قائلا : _ رجعت مصر إمتى يا أدهم . فتح زرار سترته و جلس قائلا : _ بقالى أيام يا دكتور.. بس الشغل وحشنى جدا .. ويشرفنى طبعا إنى أبدأ حياتي المهنية في مصر عن طريق مكتب حضرتك . نظر له حامد بلوم وقال : _ ده مكتبك يا دكتور أدهم.. من وإنت طالب عندى وأنا كنت عارف إنك ليك مستقبل كبير في المحاماه.. ولو إنى مستغرب ليه ما فتحتش مكتبك الخاص انت دلوقتي جاهز ما شاء الله . رد عليه أدهم بلباقة: _ كله بوقته إن شاء الله.. بس في البداية حابب ابدأ من مكتب حضرتك.. وأنا تحت أمرك في أى قضية. فكر حامد قليلا و هو يطرق بأنامله علي الملف الموضوع أمامه و الذي شغله لساعات حيرةً ثم رفع عينيه ناحيته وقال بجدية : _ في قضية في إيدى بقالها كام شهر محتاجة واحد بدماغك.. قضية تهريب أغذية فاسدة.. ومحتاجين نثبتها على راجل أعمال كبير جدا.. جاهز. إبتسم أدهم وقال بحماس : _ جاهز جدا إن شاء الله..حضرلى حضرتك الورق كله وكام يوم بس أدرسها وهعرف حضرتك باللي وصلت ليه. اومأ حامد برأسه.. وتابع قائلا: _ تمام.. في قضية تانية إغتلاس لو حابب تفاضل بينهم . أسرع أدهم قائلا : _ لا خلينا في الأولي أنا إتحمستلها . حرك حامد كتفيه و قال : _ خلاص اللي تشوفه .. في بنت عندى هنتخرج السنة دى.. وبتشتغل على القضية دى من أربع شهور.. وملمة بكل تفاصيلها.. إقعد معاها وهي هتسهل عليك كل حاجة عاوز تعرفها. رفع حامد سماعة هاتفه وأجرى إتصالا.. وبعد ثواني دلفت فريدة لمكتب حامد.. و التي ما أن وقعت عيناها على أدهم حتى تعجبت قائلة : _ أدهم. رفع حامد حاجبيه بتعجب وقال : _ إنتوا تعرفوا بعض! إبتسم أدهم وقال معرفا و هو يطالعها بحب : _ دى فريدة المهدى بنت عمى وخطيبتي. ضحك حامد ضحكة عالية وقال : _ أيوة كده نفس الدماغ والطموح والموهبة.. ما هو النجاح في عمل ده موهبة.. لا وكمان مخطوبين.. عموما مبروك يا ولاد . رد أدهم قائلا بإمتنان : _ الله يبارك في حضرتك. يا دكتور كلانك وسام علي صدورنا و الله . وجه حامد حديثه لفريدة قائلا: _ فريدة. ممكن تجهزي كل الملفات الخاصة بشركة الأغذية.. لأن أدهم هيمسكها.. وبما إنكم قرايب ده هيسهل عليكم الشغل. أسرعت قائلة بتأكيد : _ تحت أمرك يا دكتور . ثم تطلع بأدهم و قال : _ ومش هيحتاج منك أيام كتير يا أدهم مش كده ؟! رد عليه أدهم بثقة: _ تحت امر حضرتك.. بعد إذنك . خرجا من عنده في صمت حتي وقفت فريدة أمام المصعد فسألها أدهم بتعجب : _ إنتي رايحة فين إرجعي كملي شغلك يالا . إلتفتت إليه و هي تبتسم برقة و قالت : _ هعزمك علي حاجة في الكافيه ده إنت ضيفي . بادلها إبتسامتها حتي توقف المصعد أمامه ففتحه و أشار لها بذراعه أن تدلفه .. دلف ورائها و أغلق الباب و ضغط زر الدور الأرضي و إلتفت إليها مقتربا منها .. عادت خطوتين للخلف حتي إصطدم ظهرها بالمصعد و قالت له بتعجب : _ انت بتبصلي كده ليه ؟! في إيه ؟ حاوطها بذراعيه و قال بنبرة حازمة : _ متقوليش لحد تاني أنا تحت أمرك .. مهما كان .. إنتي فاهمة . إبتلعت ريقها بتوتر من قربها منه و إبتسمت بمكر و قالت : _ تحت أمرك يا أدهم . لاحظ أنه تمادى بقربه و بنظراته فقرر لملمة مشاعرة الهوجاء و كظمها لحينها و قال بهدوء مفتعل : _ شطورة يا قلب أدهم و نن عينه و الله . أشارت له بعينيها علي باب المصعد خلفه و قالت : _ الأصانصير وقف يالا بينا . أنزل ذراعيه التي كانت تحاوطها و قرب كفه من كفها و لامسه قليلا و هو يمرر سبابته بنعومه علي كفها الصغير و إحتضنه بين راحته و إجتذبها ورائه في حصرية تملكية تعشقها منه . دلف مازن لصالة الإسكواش باحثا عن ملاكه الشارد بتلهف .. حتى وجدها تتمرن مع مدربها .. إكتفى بالتطلع إليها بشغف وإشباع عينيه بصورتها البديعة بملامحها الهادئة.. وبياضها المشع.. وعيونها الحزينة الدافئة.. وأه من عينيها..وشعراتها السوداء الناعمة التي تتحرك معها بجنون ينافي جمالها الهادىء .. لاحظته كريستينا جالسا في هدوء يتابعها دون ملل فتطلعت إليه بنظرة لا تحمل أي تعبير يذكر.. لكنه كان مستمتع بنظراتها البريئة الحزينة.. لأول مرة يشعر بهذه الدقات المتقطعة لقلبه كأنه يدق على سطر ويترك سطر.. ولكن ما ألذ هذا الشعور الغريب الذي صاحب رؤيتها و وجودها و تلك الهالة التى تحيطها .. عادت هي لتمرينها و هي تلعب بشرود مما جعلها تخطىء أكثر من مرة و لما لا و هي تشعر بعينيه تخترقها و تحاصرها و تربكها متسائلة بداخلها عن هذا التخبط الغير مبرر و مع ذلك تمردت شفتيها و إبتسمت بخفوت و قد كسبت رهانها بأنها ستراه مجددا .. عاد سامح ورفاقه بعد أربع ساعات غياب عن مكتبهم.. فوجدوا سهى مازالت تطالع السديهات بشغف.. دون ملل أو كلل.. حدجها سامح بتعجب من جلستها المغوية واضعة ساق فوق ساق.. ببنطال بدلتها الضيق المثير رغم طول السترة نسبيا معلنا عن أنوثتها الطاغية .. ولكنه تعجب أكثر كيف لها هذه المقدرة الصلدة.. فهى تتحدى ساعات العمل الطويلة دون أن يبدو عليها الإرهاق أو الاستسلام .. إقترب منها باسم وقال متعجبا : إنتى لسه هنا بتعملى إيه يا بنت إنتي ؟! خلعت نظارتها وشبكتها بشعر انها الغوغائية.. حيث تركت آثارا حمراء على أنفها.. وقالت بتعب: _ ليه هي الساعة بقت كام ؟! أجابها ماجد بقلق: _ الساعة خمسة.. هتروحي لوحدك إزاى دلوقتى؟! وقفت وقالت بإرهاق وهي تلملم أشيائها بسرعة : _ السواق اللي بيجبني أكيد هيروحنى مش هيسيبني و يمشي يعني في الصحرا دى . للحظة تعلقت عينى سامح بعينيها.. والذي كان يتطلع إليها بنظرة تعاطف على حالها المرهق.. والمثير بنفس الوقت.. كم يحزنه رؤية هاتين العينين العسليتان وهما تحيطهما هالة حمراء من التطلع لشاشه الحاسوب لمدة طويلة. تنهد مطولا وقال في نفسه: یا رب ساعدني.. وثبتني قدام عنيها دي.. هي البت دى عملت فيا إيه.. ليه بضعف كده قدام عنيها اللي تجنن دی؟! و كأنها قرأت ما يجول بخاطره فوارت إبتسامتها ولملمت أشيائها.. وعدلت من ملابسها وقالت بإبتسامتها المثيرة: _ يالا سلام يا رجالة... أشوفكوا بكرة. تركتهم وخرجت مسرعة.. وقفت في نفس المكان وتطلعت بساعة معصمها و هي تشعر بضيق .. و قالت بغضب : _ معقول سابني ومشي ؟! هعمل إيه أنا دلوقتي ؟ سألت عنه فقيل لها أنه سيعود عما قريب مرة أخرى و عليها بالانتظار.. زمت شفتيها بضيق و وقفت تتطلع حولها بملل.. بعد دقائق وقفت أمامها سيارة جيب عالية حديثة.. لاحظت باسم الجالس بجوار السائق.. فإبتسم إليها بود وقال : _ سهى لو خايفة تتأخرى إركبي نوصلك لبيتك. ردت بسرعة: _ لا شكرا. صاح بها باسم قائلا : _ إركبى يا بنتى ما تخافيش هتقفی هنا لوحدك لغاية إمتى الدنيا بدأت تليل. ردت بابتسامة هادئة ممتنة : _ السواق زمانه جای وهيوصلنی متقلقش . خرج سامح عن صمته وقال بعصبية: _ إركبي بقا وإخلصى ولا لازم نزعق يعني . تطلعت حولها بلا مبالاة وقالت بصوت ساخر : _ خوفت أنا كده وهركب على طول . زفر سامح بضيق وقال : _ أستغفر الله العظيم.. إركبى بدل ما أنزل أشيلك هيلا بيلا وأرميكي في الشنطة ورا و أطلع علي جتتك القديم و الجديد . تطلعت حولها بخوف من أن تكابر و يتركوها و تظل في تلك الصحراء الجرداء بمفردها و بعد أن تسلل الخوف لقلبها تنازلت هذه المرة عن كبريانها.. و صعدت السيارة .. وقف ماجد بسيارته بجوارهم وقال متعجبا : _ إنتوا لسه واقفين ليه؟! لاحظ سهى الجالسة بالخلف فقال بإبتسامة مشاكسة : _ الدنيا حظوظ .. القمر إتنازل وساب السما وركب معاكم . لم يعره سامح إهتمام وإنطلق بسيارته.. ساد الصمت طويلا حتى رن هاتف سهى فردت مسرعة: _ أيوة يا مازن.. لا أنا في الطريق يا حبيبي.. معلش كان عندى شغل كتير.. ما تقلقش عليا بقا.... يالا سلام. تابع سامح حوارها بغضب.. وعادوا للصمت مرة أخرى.. بعد دقائق أخرى رن هاتفها فردت مسرعة مجددا : _ أيوة يا أدهم.. خلاص أنا في الطريق.. لا كويسة الحمد لله.. يا راجل.. عموما مش هتأخر.. تسلملي.. يالا سلام. زاد غضب سامح منها أو بالأحرى غيرته وقال و هو يتطلع إليها في مرآته الامامية : _ إيه يا بنتى إنتي مش عاتقة..مرة أدهم ومرة مازن.. إهدى بقا. وخزه باسم في ذراعه و قال بلوم : _ عيب يا سامح ما يصحش كده انت مالك يا أخي تطلع به بحدة و قال : _ ما إنت شايف بعينك تقفل مع ده تكلم ده و حاجة آخر مياصة و الواحد مالوش خلق عقدت ذراعيها و تطلعت بالطريق و قالت بصوت واهن : _ سيبه يا باسم يقول اللي هو عاوزه .. أنا تعبانة جدا ومش هرد عليه . ساد الصمت مرة أخيرة.. ورن هاتفها مرة أخرى فردت بنبرة فاترة : _ أيوة يا أدهم... لا قربت من البيت خلاص .. لأ مش مع السواق.. مع الرائد سامح والرائد باسم.... أيوة زملائي لأنه إتأخرت عالسواق و مشي .... تمام سلام. زفر سامح بضيق وقال : _ أتزفت يمين. أجابته بتعب وقالت بإستسلام : _ أيوة.. آخر زفت على إيدك اليمين. حدجها بغضب مرة آخرى في مرآة السيارة.. فإبتسمت بغرور لذيذ.. وهي تطالع نظراته الملتاعه عليها.. ثم لاحظت إبتسامة عينيه المخفية فخفق قلبها بسرعة وزادت إبتسامتها فحتي لو كانت إبتسامة ساخرة إلا و أنها لامست شيئا بها .. إقترب سامح بسيارته من منزلها كما وصفت له فهدئ من سرعة السيارة حتى وقفت.. ترجلت سهى من السيارة وبإنتظارها أدهم ومازن.. ترجل سامح أيضا فقالت سهى بإبتسامة واسعة و هي تقترب منهما : _ أخباركوا إيه يا شباب. رد مازن وهو يتطلع إلى هيئة سامح المرعبة: _ أخبارنا بنستناکی. أشارت سهى لسامح وقالت معرفة : _ حابة أعرفكم بالرائد سامح.. بنشتغل على قضية سوا.. ولما الوقت إتأخر.. وصلنى. صافحه مازن بود وقال بود : _ أهلا وسهلا بحضرتك نورتنا .. أنا مازن أخو سهى . إبتسم سامح بخجل وقال بإحراج : _ أهلا وسهلا. تعجبت سهى من إبتسامته الساحرة.. و التي لأول مرة ترى هذا الجدار البشرى يبتسم كباقي البشر الطبيعيون .. لتزداد وسامته فيزداد إعجابها به.. صافحه أدهم وقال بجدية : _ أنا دكتور أدهم المهدي.. محامي وإبن عم سهى وأخوها الكبير. زاد خجل سامح وقال : " _ فرصة سعيدة يا دكتور .. معلش مضطر امشي بعد إذنكم . _ لا إزاى إتفضلوا نشرب حاجة سوا.. إحنا صعايدة ونفهم في الأصول كفاية تعبتوا نفسكم و وصلتوها لهنا . قالها أدهم بود..فرد سامح مسرعا : _ معلش مرة تانية إن شاء الله.. بعد إذنكم. ركب سيارته وفي نظرة خاطفة لسهى إعتذر لها.. لاحظ أدهم هذه النظرة السريعة البريئة فابتسم هدوء وقال مقتربا منها: _ عرفت أنا يعنى إيه أنا جنبهم في الكى جى . ثم رفع حاجبا و أخفض الآخر و قال بتعجب : _ بتتعاملي معاهم إزاى دول ؟! ردت عليه سهى بثقة: _ تصدق بالله.. أختك عاملة راسها براس الهضبة ده.. ومش بسكتله عن أي حاجة مش عجباني. فقال لها مازن متعجبا: _ يا قلبك يا شيخة ده أنا كنت هضربله تعظيم سلام زى العساكر و هو ماشي من هيبته . ثم طالعها بنظرة شك وسألها بقلق : _ دول معقول ظباط داخلية.. دول شبه ظباط الجيش.. ظباط الصاعقة كده. إبتلعت سهى ريقها بصعوبة من خوفها أن يكتشف مازن سرها.. فقالت وهي تدلف للمنزل مسرعة : _ أخبار القاعدة إيه..وحشتنى لمتنا و الله . تطلع مازن بشك لأدهم الذي قال له بتعقل : _ يا عم دول باين ظباط قوات خاصة عادى يعني . هز مازن كتفيه بتسليم و دلفوا ورائها .. بينما قالت سهي بحماس عندما لاحظت إجتماع جميع الشباب : _ متجمعين عند النبي يا شباب إن شاء الله . فقالت لها فريدة بغضب و هي تفترش مفرشا كبيرا علي الطاولات المتراصة بجوار بعضها : _ إتأخرتي ليه يا سهي كده قلقتينا عليكي . أجابتها سهي وهي تلقى بجسدها على أقرب مقعد : _ معلش يا ديدة إنشغلت في شغلي وما حستش بالوقت و الله . سمعوا آذان العشاء يصدح حولهم .. وقف الشباب فقال أدهم متحمسا: _ جهزوا بقا كل حاجة على ما نصلي ونرجع يا بنات . ردت عليه حياة مسرعة : _ ما تقلقش وراك رجالة يا أدهم. زفرت فريدة بضيق وقالت بعدما خرجوا و هي تطالعها بإشمئزاز : _ أستغفر الله العظيم عالتلزيق .. بقولكوا إيه.. تاكلوا بيتزا ؟! ردت مى بسرعة و هي ترص الأكواب : _ هو ده الكلام.. وعاوزين بيبسى وشيبسى وشوكولاته ولب وفول.... . قاطعتها سهى قائلة و هي تحمل حقيبتها و تقف : _ حيلك حيلك.. إيه كل ده. وقفت فريدة بجوارها وقالت و هي تلف ذراعها حول كتفيها : _ مالكيش دعوة بيها يا سو .. ماشي يا بكابوظة.. أنا هجيبلك كل اللى عوزاه. هاتفت فريدة والدها .. فألقي لها من النافذة مبلغ مالي فإلتقفته و أخذت تحصيه و هي تقول : _ أنا هروح أجيب العشا.. حد عاوز حاجة تانية. ردت حياة واضعة ساق فوق ساق بغرور : _ هاتيلي بيتزا مارجريتا. رفعت فريدة عينيها بملل و قالت : _ بالسم إن شاء الله يا حبيبتي .. هاه حد عاوز حاجة تاني ؟ أجابتها سهى قائلة : _ وأنا بالخضار يا ديدة. بينما قالت مي: _ أنا بقى سى فود وإتشكن. أومات فريدة برأسها وقالت: _ تمام مش هتأخر عليكم سلام. سارت ناحية باب البيت فإستوقفتها سهى قائلة: _ مش هتروحي بالعربية يا فريدة ؟! أومات فريدة برأسها نافية وقالت : _ لأ.. عاوزة أتمشى شوية.. عموما هخليهم يبعتوا البيتزا بالدليفرى وهفوت أنا على السوبرماركت. سارت سهى ناحية البيت وقالت بتعب: _ هطلع أنا أخد شاور وأصلي وأنزل. ردت مى بتفهم: _ براحتك يا سو.. هنستناکی.. إحنا هنجهز الأطباق. خرجت فريدة من المنزل.. سارت قليلا.. ثم عبرت الطريق للجهة المقابلة.. فكادت أن تصدمها سيارة.. صرخت و وقفت مكانها و هي تشعر بالذعر منكمشة في نفسها .. أخذت تلتقط أنفاسها بصعوبة بينما نزل سائق السيارة مسرعا للإطمئنان عليها.. وقف بجوارها وقال بقلق: _ إنتى كويسة يا آنسة ؟! أجابته فريدة وهي تلتقط أنفاسها بلهاث : _ أيوة الحمد الله أنا كويسة . ثم رفعت عينيها ناحيته و قالت بغضب بعدما تمالكت نفسها : _ مش تفتح يا بني آدم إنت.. لولا ستر ربنا كنت هتموتنى. تطلع إليها بإعجاب.. وهو يطالع ملامحها الرقيقة ..وجمالها الفريد من نوعه ثم قال بتنهيدة : _ بعد الشر عليكي إن شا الله أنا. أجابته ببراءة و هي تعدل من هندامها : _ إبقى خد بالك بعد كده.. كفاية الرعب اللى إترعبته ده. ذاب داخل عيونها البنية.. وملامحها البريئة وكأنها طفلة كبيرة.. وإبتسم قائلا: _ هو إنتى كده إزاى. رفعت فريدة حاجبيها بتعجب وقالت: _ نعم يا أخويا.. إنت هتهزر معايا ولا إيه. ضحك ضحكة رنانة وقال : _ لا والله ما بهزر و بتكلم جد. لاحظت سحر عيناه الزرقاويتين.. وشعراته الطويلة الناعمة.. وملامحه الجذابة.. ثم هزت رأسها.. وإبتسمت بسخرية وتركته وإنصرفت.. جذبها من يدها وقال بخوف: _ لأ.. إستنى رايحة فين.. لو مشيتى هلاقیکی تانی ازای ؟! جذبت يدها بسرعة.. وقالت بغضب: _ سيب إيدى يا حيوان إنت.. إيه اتجننت .. وإبعد عن طريقي لهبيتك في المستشفى والله. رد عليها بصوت هادئ.. وهو يلتهمها بعينيه: _ مستعد على إيديكى أنام في الحتة اللي إنتى عوزاها. بدت علامات النفور والضجر ترتسم على ملامحها وقالت بصرامة: _ إنت قليل الأدب..وإبعد عن وشى أحسنلك. همت منصرفة.. فجذبها من يدها مرة أخرى وقال بإصرار : _ مش هسيبك.. إستنى بقولك أنا عاوزك تسمعيني بس . لم تشعر بنفسها إلا وهي تلتف وتلكمه في وجهه.. فتألم وترك يدها.. فقالت مسرعة و هي تنثر كفها الذي آلمها : _ حذرتك وإنت ما سمعتش كلامي.. أديني علمت عليك علشان أهلك يعرفوا إنهم مربوش يا خفيف . تركته وإبتعدت وهو متألم من لكمتها والتي كانت تحت عينه مباشرة.. حينما أفاق من ألمه وبحث عنها لم يجدها.. إبتاعت فريدة كل لوازم السهرة وعادت لمنزلها.. دلفت إلى مكان جلستهم بالحديقة.. حتى صدمت و قفت مكانها مشدوهة بتعجب .. وقف أدهم وحمل عنها أشيائها وقال : _ إتأخرتي ليه يا ديدة.. دى البيتزا سبقتك. لاحظ نظرانا المتعجبة من وجود عمر صديقه بينهم فقال بإبتسامة هادئة : _ تعالى يا فريدة أعرفك بعمر صاحبي اللي كان مسافر معايا.. وحكيتلك عنه كتير. وقف عمر أمامها بإبتسامة خبيثة وقال وهو يتحسس وجنته: _ أهلا آنسة فريدة. تطلعت ليده الممدودة قليلا.. ثم صافحته قائلة بمكر : _ مين اللي عمل في وشك كده. قال وهو مازال محتفظ بكفها بين كفه : _ الصراحة حتت بنت تجنن ما شوفتش بجمالها في حياتي. إختقت إبتسامتها.. وسحبت يدها بسرعة وجلست مكانها وهي عابسة من كلماته الوقحة.. إستمرت جلستهم و فريدة تتجاهله وكأنه ليس معهم ولكنه حاصرها بنظراته الجريئة .. لاحظت حياة هذه النظرات و لاحظت تجاهلها له فإبتسمت بمكر و قد علمت أنها تحصلت على أول مسمار في نعش زواج فريدة وأدهم.. وسط ضحكات الجميع قال أدهم مرحبا : _ وحشتنی یا عمر والله و وحشني تقل دمك . ربت عمر على قدم أدهم وقال وهو يطالع فريدة : _ إنت أكتر يا أدهم.. بس دلوقتي عرفت أنا سبب رفضك لكل البنات اللي كانت بتترمى تحت رجليك في فرنسا . فقال ياسين مازحا : _ أيوة بقا يا أدهم يا خاربها. تطلع أدهم لفريدة الغاضبة وقال منقذا للموقف و هو يعتدل في جلسته : _ بيقول رفضى .. هاه رفضى ركزى كده في الكلام وما تخليش دماغك تروح لبعيد. لاحظ عمر إنفعالها احمرار وجنتيها من الغضب فتابع بخبث: _ طب فاكر البت البرازيلية اللي كانت بتجرى وراك في كل الكافيهات.. البت السمرا الصاروخ دى. حدجه أدهم بغضب و قال من بين أسنانه محذرا : _ الله يحرقك يا بعيد.. إخرس هتخرب بيتي اللي لسه مفتحتوش . فضحك عمر وقال مسرعا بدهاء : _ لا بس إنت حلقتلها حلقة بنت لذين.. وبعد كده مسكت فيك لي لي.. بنت فرانساوية بس إيه.. بلوند وقنبلة.. وإنت... . وضع أدهم يده على فمه بقوة وقال بحدة جادة : _ عليا النعمة لو ما سكت لهكون مورملك خدك التاني يا بومة إنت . ضحك عمر بمكر وهو يطالع وجه فريدة المحتقن أكثر .. وقال : _ خلاص یا سیدی ده أنا حتى بصيطك. ضحكت مي وقالت مازحة : _ واللى عاوز يتصيط.. ما يرجعش يعيط.. فاهمني يا أدهم. وأشارت برأسها على فريدة التي صبغ وجهها باللون الأحمر من غضبها.. فقالت سهى بإبتسامة وهي تطالع فريدة بتوجس : _ يا عيني يا أدهم.. ده إنت داخل على منعطف تاریخی. تطلع أدهم لعمـر بغضب وقال ببساطة : _ إنت إيه اللي جابك يا عم إنت. إبتسمت فريدة بهدوء وقد فهمت مغزى عمر من كلماته.. فقالت بثقة موجهه حديثها لعمر : _ تعرف يا عمر. كلامك ده خلاني أحب أدهم أكتر.. لأنى كنت بعيدة عنه.. وزي ما بيقولوا البعيد عن العين بعيد عن القلب.. ورغم كده حافظ عليا جوة قلبه.. وكبر حبى جواه وحافظ على طهارته ونضافته. صفر ياسين بينما صفق البقية.. لكن عمر إكتفى بإبتسامة ساخرة.. فقال مازن لأدهم الهائم بها بغمزة عين: _ مكتوبالك يا عم أدهم..الكلام الحلو علشانك ..والدبش علشنا. أخفضت فريدة رأسها بخجل من نظراته التي تشملها و كأنها حملتها و ألقتها داخل صدره في ذلك المكان الدافىء و الذي ينبض لها منذ رآها أول مرة و حملها بين يديه و إشتم رائحتها الطفولية و الذي مازال يشتمها كل ما إقترب منها لتكتمل حصريته لها و تملكه القاطع لكل شىء يخصها .. بينما إستند ياسين برأسه علي ظهر مقعده الخشبي رافعا رأسه للسماء راسما تلك العنيدة التي ترفض ترك عقله و لو لثانية .. وكأنها لعنة أصابته لا ينكر أنه حاول التفكير بمنطقها و لم يجد حلا سوى أنه يحبها بصدق و لن يستطيع رؤيتها مع غيره و لن يشعر بأى فتاة غيرها .. أخرج محفظته من جيبه الخلفي و فتحها و أخرج طرف صورتها فإبتسم مسرعا و هو يهز رأسه بيأس علي حالته .. يكفيه مقدمة شعراتها التي ظهرت أمامه حتي تراقص قلبه بفرحة غريبة لا يشعر بها سوى مع أي شىء يخصها .. تنهد تنهيدة طويلة و قال بداخله : _ ليلي .