أحيانا يأخذنا الشوق لمرحلة الفيض و المد و الجزر الا ان نصل لاقصي مراحله و هي الطوفان .. ما اقصي ان تتوقف حياتك عند هدف واحد و ربما الاشد .. ليجبرك شوقك بكل ثانية ان يسخر كل حواسك ناحية هذا الهدف و فقط .. لتمتلأبشعور من النقمة و الرحمة .. من السعادة و الجذع .. من الترقب القاتل و عدم ضمان ردة فعلك لطريقتك في ارواء شوقك هذا .. يبعده عنها آلاف الاميال .. و آلاف البشر لم يأخذه سحر باريس و لو لثانية رغم تلك المدة الطويلة التي قضاها فيها و لكن هناك سحر أكثر يسيطر عليه لم يقل مع الوقت و لا مع الفراق المؤقت ذاك و ان كان طويلا بعض الشىء .. كان أدهم في شقته يستعد للعودة لوطنه بعدما أعطاه والده الموافقة على الرجوع من منفاه و لو يدرون ان وطنه هو عيناها و فقط .... بدأ في تحضير حقيبته وأخذ ينظم أشيائه بتركيز و هدوء .. حتى وقعت يداه على صورتها فحملها و قربها منه و هو يبتسم إبتسامة هادنة ولكنها تحمل كل الشوق لصغيرته التي يعشق إبتسامتها البريئة.. ونظرتها المستعينة به دائما كأنه ملاكها الحارس.. إنقطعت عنه و عن مراسلته طوال الأربعة سنوات المنصرفة.. فأصبحت حياته بعدها كالسجن .. حاول أكثر من مرة العودة من أجلها و فقط و لم يعبأبالخطر الذي كان ينتظره هناك بعدما فاض به شوقه لها .. ولكن دائما كان يقابل طلبه بالرفض من والده الخائف عليه.. لكم تخيل شكلها ولكنهم أخبروه أنها أصبحت شابة جميلة جذابة.. تعتمد على نفسها في كل شئ بعدما كانت تعتمد كل الإعتماد عليه هو .. تذكر آخر لحظة لهما في المطار.. وكيف تمسكت به حتى ابتل قميصه بدموعها..وعلق به عطرها.. رفع هذا القميص لأنفه وأغمض عيونه وعاد لتلك اللحظة وهي بحضنه وعندما غاص بأنفه في شعراتها وإشتم عطرها بنهم .. أعاد القميص للحقيبة و هو يبتسم إبتسامته بسيطة في شكلها عميقة بمضمونها ثم حمل صورتها مجددا و هو يتوعدها بأن يطفء نيران تلك الأربع سنوات بأي شكل ... نظراته ناحية صورتها كانت كفيلة بأن يقول ذلك الذي وقف بجواره و يتأمل معه تلك الصورة بإعجاب قائلا : _ أيوة يا عم.. خلاص هتسيب الصورة وهتشوف الأصل و النار اللي طالعة من عنيك دى هتهدا شوية . تنهد أدهم مطولا وقال وهو شاردا بها و بعيونها التي يري انعكاسه بها حينما التقط لها تلك الصورة : _ وحشتنی قوی یا عمر .. انت اكتر حد عارف انا تعبت ازاي في بعدى عنها . رد عليه عمر غامزا بعينيه قائلا بمداعبة: _ ماشية معاك يا عم..زمانها بقت زى القمر دول اربع سنين عدوا و كانت لاحلاوة دى ما بالك دلوقتي . قبض أدهم كفه علي الصورة و رمقه بنظرات نارية و هو يقول بحدة : _ عمر إنت عارف إنى ما بحبش حد يجيب سيرتها على لسانه.. انت قاصد تستقزنی یعنی. رفع عمر كـفيه لتهدئته و قال مسرعا و هو يعود بظهره خطوتين للخلف : _ خلاص يا أدهم.. آسف يا عمنا..مايبقاش قلبك إسود بقا. هدأت ملامح أدهم قليلا وأومأ برأسه متقهما وقال وهو يباشر ترتيب حقيبته: _ طيب .. عموما حضرت شنطتك و لا لسه و هتخليني نتأخر زى عادتك .. المرة دى مطار و انا هسيبك و همشي و الله . ارتمى عمر بجسده على فراش أدهم وقال بهدوء و هو يضع ذراعه تحت رأسه و يطالعه بكسل : _ خلصتها من بدرى.. أنا مش عارف بقالك ساعة بتعمل إيه .. بترسمها يعني. أجابه أدهم ببرود و هو ما زال منكبا في تلك الحقيبة البغيضة كتلك الدقائق التي تفصله عنها : _ أنا بحب أرتب شنطتى بترتيب معين..مش سلق بيض زيك يا قذر . تعالت ضحكات عمر الذي قال بمزاح : _ انا مش قذر انت اللي مرتب و متربي زيادة عن اللزوم يا ابني .. ده انت فقعت مرارتي . ابتسم أدهم بخفوت و هو يقول : _ خلاص هرتاح مني اهه و هترجع لبيتك .. و هناك مامتك تستحمل هرجلتك و اوضتك المعفنة . جلس عمر نصف جلسه مستندا علي مرفقه و هو يقول : _ انا بني آدم طبيعي راجل زى كل الرجالة في مصر .. انت اللي مثالي و النوع ده منقرض ببلدنا يا ابني . حمل أدهم كتبه و بدأ في رصهم قائلا بتذمر : _ طب اسكت بقا خليني أخلص و ما أنساش حاجة . حرك عمر كتفيه باستسلام وقال بتثاؤب و هو يتمدد علي الفراش : _ براحتك .. أنا هريح ساعة جنبك هنا وصحيني علشان نلبس. طالعه أدهم وهو مبتسم بتعجب من هدوءه عكس الحرب الطحون الدائرة بقلبه هو : _ حاضر.. نام نوم الظالم عبادة. فتح عمر عيناه و قال بضيق: _ سمعتك علي فكرة . إرتدى أدهم بذلة سوداء وإرتدى تحتها قميص أبيض ووضع به الأزرار الذهبية التي اشتراها خصيصا لذلك اليوم .. صفف شعراته الناعمة و وضع عطره الفرنسي الجديد .. وتأمل نفسه في المرأة.. بدا لنفسه وسيما للغاية و لم لا وهو فارع الطول عريض الصدر.. أسمر خمرى.. عيونه الواسعة البنية.. وملامح وجهه الهادئة.. لم يترك جزءا به لم يتأكد من هندامه و هو يسأل نفسه كيف ستراه بهيئته تلك ؟ هل سيعجبها و يبهرها كما كان يفعل سابقا ؟! التفت على صوت صفير عمر الذي قال بإعجاب و هو يدور حوله : _ إيه الحلاوة دی..جامد آخر حاجة. إبتسم بخفوت و قال له بهدوء المعتاد : _ شكرا.. وإنت كمان معدى آخر حاجة. تطلع عمر لنفسه في المرآة وقال بغرور يليق يه : "آه ما أنا عارف.. بس تعرف البنات هنا هتوحشنى قوى. تنهد أدهم بقوة فاقدا صبره و قال بضيق : _ ربنا يهديك أو يهدك يا عمر وتتكعبل على بوزك في بنت ناس تتوبك من القرف ده و ربنا يسامحك علي اللي كنت بتعمله هنا . حك عمر ذقنه بتذمر وقال مسرعا : _ قصدك جواز بعد الشر عليا..يالا بينا هنتأخر على الطيارة يا عم المستعجل . حملوا الحقائب.. وركبوا سيارة أجرة وإتجهوا للمطار.. أتموا معاملات المطار الروتينية.. و صعدوا الطائرة.. أمضى عمر وقته في الحديث مع مضيفة أعجبت به كأي انثي تراه لشدة جمالة .. بينما كان أدهم يتقلب على نار الشوق لعائلته.. لأمه و والده و لفريدة صغيرته الجميلة. ..................................................... في الصباح.. إنصرف الجميع لأعمالهم..وبقيت السيدات بالمنزل..لتحضير لوازم الإستقبال. في الظهيرة إجتمع الأخوة الثلاثة في المنزل.. وصاحبهم ياسين ومازن.. وإتجهوا للمطار لاستقبال أدهم.. الذي ما أن هبطت الطائرة أرض الوطن ..حتى قال براحة و اطمئنان : _ أشهد أن لا إله إلا الله. هبط أدهم وعمر من الطائرة.. أتموا الروتين الممل لمعاملات المطار وفي صالة الوصول إنتظرت عائلتيهم بلهفة وشوق للقاء طال إنتظاره. وقف جاسر مستلهما قوته كي لا ينهار فور رؤية صغيره .. حتي انهارت كل مقاومته و شعر بأن ساقيه لم تعد تحملانه و اختفت الرؤية أمام عينيه و هو يري ادهم امامه ببهائه و رجولته التي تذكره بشخص كان عليه يوما ما قبل ان يتقدم بعمره .. تحول توتر أدهم لإبتسامة مشرقة حينما وقعت عيناه على والده.. ترك حقيبته من يده وركض إليه ليرتمى بحضنه كطفل صغير مشتاق لدفىء حضن والده.. إمتلات عيني جاسر بالعبرات أكثر بعدما تكحلت برؤية ولده البكرى.. و فتح له ذراعيه ليرتمى أدهم بحضنه.. أغمضا عيناهما ليهنئ قلبيهما بالراحة أخيرا. ربت جاسر علي ظهر أدهم بالقوة و قال بحنو : _ آاااااه..وحشتنی یا ولدى وحشتني قوى .. دلوقتي بس إرتحتو روحي ردت لجسمي . تطلع مازن و ياسين ببعضهما بإبتسامة متأثرة من هذا اللقاء بينما تعمق أدهم بعيني والده وقال بشوق: _ وحشتنى قوی یا بابا.. ربنا ما يحرمنى من دفا حضنك ده أبدا. إرتمى بحضن والده مرة أخرى وهو يقبله حتى قال لهما ياسين بمداعبة مخفيا تأثره : _ جرى إيه يا جدعان متقلبوهاش غم من بدرى لو سمحتم .. الغم اللي يجد مستنيك في البيت يا أدهومة. إجتذبه أدهم إليه وإحتضنه بقوة وقال : _ وحشتنى يا أبو لسان طويل و وحشني شقاوتك و نقارك انت و الحاج . رد ياسين وهو متعلق به بشوق نافضا تلك العبرة التي تمردت من عينه : _ حبيب قلبي..ربنا ما يحرمني منك يا أحلى أخ في الدنيا. قبل أدهم وجنته و قال : _ إنت اللى حبيب قلبيو الله يا سينو . تركه وإحتضن عثمان الذي قال له بحب : _ منور مصر يا ادهم و الله . ابتعد عنه ادهم قليلا و قال بإبتسامة متسعة : _ منورة بيكم يا عمي و الله .. اخبار صحتك ايه ؟! أجابه عثمان ب‘يماءة من رأسه : _ بخير يا حبيبي . تطلع ادهم قليلا بجلال الذي يحدجه بإعجاب من رأسه حتي قدميه ففرد أدهم جسده و قال بزهو : _ ايه رأيك يا جلجل أنفع عريس صح ؟! قهقه جلال و هو يفتح له ذراعيه و قال : _ احلي عريس في الدنيا يا قلب عمك . ضمه ادهم اليه و هو يقول بمداعبة : _ اثبت بقا عالجملة دى علشان هنحتاجها قريب . ضربه جلال علي رأسه و قال من بين ضحكاته : _ راجع سخن يعني روح بيتك اول و ارتاح يا عم الحبيب . ثم اتسعت عيني أدهم و قال بإعجاب : _ ايه الانتاج الفاخر ده يا عمي .. ميزو حبيبي..عامل إيه يا معلم ؟! صافحه مازن مصافحتهم القديمة وقال بلوم : _ انتاج ايه اللي فاخر سوسن واقفة قدامك يا عم انت . أشار ادهم عليه و قال بمزاح : _ هو رجالة عيلتنا مالهم طريوا كده يا حاج جاسر .. الواد بقا أجنبي . هز مازن رأسه بيأس و قال بإبتسامة متسلية : _ بس رجولة و أعجبك .. المهم واحشنى يا أدهم و الله ..أخيرا ضهرنا رجع.. الدنيا ما كانش ليها طعم من غيرك.عاد أدهم لحقيبته و هو يقول : _ ان اللي حياتي مكانش ليها طعم من غيركم .. لحظة هسلم علي عمر و ارجعلكم . ودع أدهم عمر علي امل لقاء قريب و تركه و خرج مع اسرته .. صعد بسيارة مازن و هو يطالعها بإعجاب من تقدم مستواهم المادى لهذا الحد ليخرجه مازن من تأمله قائلا : _ نورت مصر يا أدهم. تطلع أدهم للطريق بتعجب و هو يري التقدم العمراني و تغير الطرق و قال بإعجاب : _ منورة بيكم.. والله مصر وحشتنى قوى و اتغيرت قوى . ليقول ياسين بسخرية : _ مصر ايه اللي بتتكلم فيها بس قولي الاول أخبار مزز أوروبا إيه ؟! يا معلم..شرفتنا ولا عريتنا. اتسعت عيني ادهم و طالع مازن بتعجب و هو يقول : _ هو الواد ده قلع برقع الحيا إمتى. ضحك مازن بقهقه عالية وقال مؤكدا : _ من ساعة إنت ما سافرت..ما هو إن غاب القط إلعب يا فار. رد أدهم من بين أسنانه: "واديني رجعت أمه وهربيه من أول وجديد." إبتسم ياسين بسخرية وقال بقوة فاردا جسده : _ یعنى كان فيه وخلص يا ادهومي ... وعلى رأى المثل بعد ما شاب ودوه الكتاب.. كبرنا على موضوع التربية ده خلاص. التفت اليه ادهم بجسده و حدجه بتحدى وقال : _ تكبر على أي حد الا انا ياسين و لا تحب تجرب علقة من علق زمان بإمكانيات دلوقتي . رفع ياسين كفيه امام وجهه و قال مسرعا : _ لا و علي ايه .. بس إيه العضلات دى.. أصلى يا معلم.. دى فورمة الساحل ؟! فقال أدهم متعجبا: _ "فورمة إيه اللي بتتعمل للساحل دي ؟! رد عليه مازن وهو يتطلع للطريق أمامه: _ مش عارف فورمة الساحل.. ده إنت فايتك كتير يا أدهم.. سيبها عليا و انا هظبطك . تنهد ياسين وقال بمداعبة : _ هو في زى الساحل ومزز الساحل و سحالي الساحل .. أهه إحنا هنروح معاك بعضلاتك دى..نشقط بنات لوز. ضربه أدهم على رأسه وقال بسخط : _ إتلم يا واد إنت.. إيه مش مالي عينك . رد ياسين عليه مازحا وهو يغمز له : _ ده إنت مالى عينى وعقلي وقلبي كمان. تنهد مازن فاقدا صبره من ياسين وقال بجدية : _ سيبك منه يا أدهم.. إحكيلي إيه سبب قرار رجوعك أخيرا. تبدلت ملامح أدهم وفكر قليلا.. فهو يعلم جهلهم بموضوع تقديم الكفن وإنهاء الثار.. فإبتسم إبتسامة هادئة وقال : _ وحشتونى.. وخلاص وصلت للى عاوزه وبقيت محامي دولى ومعايا دكتوراه في القانون الجنائي..قولولى صحيح أخبار العيلة إيه ؟! رد ياسين وهو يعبث بهاتفه : _ كلهم في إنتظارك يا سيدى وأمك هتتجنن عليك. تنهد أدهم فاقدا صبره وقال بشوق : _ وأنا كمان هتجنن وأخدها في حضنى. فمال عليه ياسين و سأله بمكر : _ قولي بقا و بصراحة عملت كام علاقة هناك أظن البنات كلها كنت بوبو . مرر أدهم انامله بشعراته و قال بجدية شاعرا بنظرات مازن تخترقه و منتظرا لرده ليقول ادهم ببديهية : _ انا قربت من ربنا اكتر و مش هكذب و اقول انه ما كانش فيه بنات في حياتي بس كلهم يا اما زمالة يا اما صداقة و عمرى ما لمست بنت لمسة حرام . عقد ياسين حاجبيه و سأله بتعجب : _ يعني و لا مرة ضعفت لاي بنت ؟! صمت أدهم لثواني و قال : _ كنت لما بحس انه ممكن اضعف او غريزتي تتحكم فيا .. اجرى عالجيم و اهد نفسي علشان افصل ده غير انه انا عمرى ما هكون غير لواحدة بس . لمح بطرف عينه إبتسامة مازن الجانبية التي إطمأن بها علي أخته التي ابتعدت عن اي لقاء او اتصال بأدهم ظنا منها انه تخلي عنها مقابل جميلات اوروبا .. زم مازن شفتيه وقال بإستسلام : _ خلاص وصلنا.. إستعدوا بقا بدستة علب مناديل. .................................................... تطلعت ليلي لساعة معصمها و قالت بملل : _ احنا هنقضي اليوم كله هنا بالكافيه .. قومي روحي يا فريدة ربنا يهديكي . تركت فريدة ماصة العصير من فمها و اجابتها ببرود : _ انا قاعدة مافيش ورايا حاجة انتي لو عاوزة تمشي ما تمشي انا مساكة فيكي يعني . هزت ليلي راسها و هي تبتسم بمكر و قالت : _ حورى علي اي حد غيري يا ديدة انا فقساكي و عارفة انك هتموتي و تروحي علشان تشوفي ادهم بس بتمثلي انه و لا فارق معاكي . حركت الماصة بحركات دائرية داخل كوب العصير و قالت بهدوء منافي تماما لما يدور بداخلها : _ خلصتي كلامك .. قومي امشي بقا . لملمت ليلي اشيائها و نثرت شعراتها الصفراء خلف ظهرها و قالت بإستسلام : _ همشي فعلا لأن امي عاوزاني اشتري ليها طلبتات البيت و مش لازم اتاخر عليها .. يالا سلام . لوحت لها فريدة بيدها و قد تهدلت ملامحها و تنهدت بضعف .. ثم اشارت للنادل بأن يأتي و دفعت ثمن مشروباتها و لملمت اشيائها و خرجت و هي تسير بوجوم .. ليلي معها حق فبداخلها يريد الركض ناحية البيت و رؤيته لربما تنطفىء نيران شوقها و كبرياؤها يمنعها فهو تركها و ابتعد لاربع سنوات دون ان يفكر و لو لمرة بالعودة لرؤيتها و كأنها لا تعني له شيئا ... صعدت سيارتها و قادتها بإستسلام ناحية بيتها و سكنها .. أدهم .. دلفوا جميعا بسياراتهم لداخل حديقة المنزل و كان الجميع بإنتظارهم .. نزل أدهم مسرعا بعدما رأى والدته ليتحول من هذا الرجل الصارم .. إلى طفل صغير يشتاق لرائحة والدته .. وقف أمامها قليلا متأمل ملامحها و تلك الخطوط الرفيعة التي حاوطت عيناها و فمها و تحسسهما برقة و هو يحتضن وجهها بكفيه متطلعا داخل عيونها ثم قبل جبهتها ببطء .. وبهدوء إحتضنها.. لتتحول دموعها لنحيب وهي متشبسة به كي لا تفقده مرة أخرى.. ظلوا هكذا حتى خرج أدهم عن صمته وقال بصوته العميق : _ وحشتيني يا ست الكل. ردت عليه أميرة بصوت متحشرج من بكائها الشديد : _ وإنت وحشتنى يا حبيبي.. أخيرا يا أدهم بقيت معايا وجوة حضنى. مال بجسده و التقط كفها و قبله قائلا بحنو : _ فوق ما تتخیلی وحشتینی ازای يا امي . مسحت أميرة على ظهره بنعومة مرددة بنبرة سعيدة افتقدتها ببعده عنها : _ عارفة يا حبيبي و الله لأنك وحشتنى أكتر. .. حمد الله على سلامتك يا حبيبي. _ الله يسلمك يا أمي. إقتربت منه سعاد وزهرة للترحاب به .. ولكن عيناه كانت تطوف علي وجوههم جميعا عله يروى شوقه لها .. وجد الجميع في إنتظاره..ولكن أين هي ؟ شعرت زهرة بما يدور برأسه فوقفت أمامه وقالت بإبتسامة خبيثة : _ حمدالله على سلامتك يا أدهم الدنيا نورت . رد عليها بإبتسامته الهادئة: _ الله يسلمك يا مرات عمى.. أخبارك إيه ؟! هزت رأسها و هي تقول : _ تسلم يا إبنى.. بخير والله. إقترب ادهم من سعاد وقال لها مداعباكما اعتاد سابقا : _ وحشتينى قوی یا سوسو. ضربته سعاد على ذراعه وقالت بضيق مفتعل : _ سوسو في عينك..قولي يا سعاد بس. ضحك أدهم علي مزحتها وقال مازحا : _ وحشتيني يا قمر.. بس إيه الحلاوة دى إنتى بتصغرى ولا بتكبرى. صكت زهرة أسنانها من غبظها و حولت مقلتيها ناحية زوجها عثمان الذي وجدته يداعب مي و غير مهتم لما يقولوه فشعرت ببعض الراحة بينما قال له جلال بجدية مازحة : _ جرى إيه يا واد إنت إحترم نفسك لأقوملك.. هتعاكس مراتي قدامي . رفع ادهم كفيه باستسلام ليتفاجأ بدموع سعاد التي انهمرت و هي تقول له بحنو : _ وحشتنى يا إبني والله و مبسوطة انك رجعت نورت مكانك تاني . كفف لها دمعاتها و قال بحب : _ إنتى وحشتيني أكتر يا مرات عمى و البيت منور بيكم . إنتبه لحياة التي تقف وراء سعاد في إنتظار دورها فقال وهو يتطلع إليها بإعجاب من جمالها الزائد : _ ما شاء الله..حياة.. إحلويتي قوى. انتشت زهرة في وقفتها و طالعت سعاد بنصر بينما قالت له حياة بهيام و هي تحدجه بقوة متأملة وسامته و هيأته الجذابة : _ ميرسي يا أدهم..حمد الله على سلامتك. أومأ لها برأسه و قال ببساطة : _ الله يسلمك. إبتسمت له سهى و التي لم تتحدث فقط تستند علي احد الطاولات بظهرها و تعقد ذراعيها امام صدرها و تتابع المشهد من بعيد .. حتى هز أدهم رأسه وقال بيأس و غضب مفتعل : _ إيه اللى كهرب شعرك ده بس ! رفعت سهي حاجبها بغضب من تنمره عليها وقالت : _ آااه.. إنت رجعت بقا .. لا بقولك من أولها كده فكك منى اتفقنا . قطب جبينه بضيق مفتعل وقال بابتسامة ساخرة : _ مين ده..وراکي وراکی..بس دلوقتي هعديها بمزاجي. إبتسمت سهى رغما عنها وقالت : _ أنا مش مصدقة إنى هقول كده بس وحشتنى يا أدهم. رد عليها وهو يطالعها بغرور : _ وأنا مش مصدق إنى هرد عالكذب ده بإنك وحشتينى برضه . قفزت مي أمامه وقالت بصياحها العالي : _ أدهومي حبيبي وحشتني. فقال ياسين بسخط : _ يا منجي من المهالك يا رب. رد أدهم بابتسامة واسعة و رائقة كبرائتها : _ بكابوظة.. وحشانى قوى. زمت شفتيها بطفولة متصنعه البكاء وقالت بلوم : _ كده يا ادهومي.. زعلت منك. قرص وجنتيها المكتنزتين و قال : _ ده انا بدلعك يا قلب اخوكي انتي . اتسعت ابتسامتها التي تغلق مع عيناها و قالت بفرحة : _ و انا بهزر معاك يا حبيبي .. اساسا محدش يقدر يقولى الكلمة دى غيرك إنت وفريدة. بمجرد سماعه لإسمها تحرك قلبه بقوة وزادت سرعة أنفاسه وقال مسرعا : _ صحيح هي فين مش شايفها . أجابته حياة بمكر بعدما لاحظت حالته و ارتباكه : _ عندها محاضرات أهم من إنها تسيها و تستناك. فقالت له سهى مسرعة بعدما لا حظت عبوسه وهي تطالع حياة بغضب: _ فريدة في الطريق يا أدهم.. خلصت محاضراتها وجاية. عقد حاجبيه وقال بغضب ممزوج بالتعجب : _ جاية لوحدها ! دخل الجميع في نوبة من الضحك و سحبوا مقاعدهم و جلسوا عليها ليرد جاسر قائلا : _ إنت فاكر يا إبنى إنها لسه فريدة الصغيرة اللي إنت كنت بتوصلها المدرسة والدروس وتروح تجيبها.. لا خلاص هي عندها دلوقتي عربيتها وبتسوقها لواحدها. تشنجت تعابيره مرددا بعصبية : _ بتسوق عربية لواحدها كمان ! مصمصت حياة شفتيها و قالت بحنق: _ هي وسهى عايشين على راحتهم خالص ولا كأنهم صعايدة زينا. وقف مازن وقال بغضب : _ قصدك إيه يا حياة مش فاهمك ؟! ردت عليه بخبث: _ ما أقصدش حاجة وحشة .. قصدى إنهم هما بس اللي مسموح لهم يسوقوا لوحدهم ويلبسوا على مزاجهم .. ده حتى سهى مش محجبة زينا . وقفت سهى بدورها وقالت محذرة بنبرة حادة : _ حياة خليكي في نفسك وبس..إحنا محترمين ومؤدبين وناجحين في حياتنا.. وبابا وأعمامي واثقين فينا جدا..فبلاش كلامك ده. صاح بهم جاسر وقال بغضب : _ بس انتي و هي .. مش عايز اسمع صوت تاني .. هو مافيش إحترام لقعدتنا و لا ايه . إلتفت الجميع على صوت فرملة سيارة .. فابتسمت سهى وقالت : _ أهي فريدة جت. تطلع أدهم للسيارة بحركة سريعة .. ود لو أذابها بعيونه حتى يراها بسرعة غلم يعد يمتلك صبرا ... إبتلعت فريدة ريقها بصعوبه.. وشعرت برجفة شديدة أصابت جسدها.. وإنتبهت لحركة صدرها السريعة نتيجة تنفسها بصعوبة.. تمسكت بمقود السيارة ستلهم منه القوة... ها هو أمامها تشعر بنظراته تكاد تخترق السيارة من عمقها و قوتها... لقد أصبح وسيما جدا و مهندم بشكل آخذ .. حاولت السيطرة على إنفعالاتها و سحبت نفسا طويلا و فتحت باب السيارة و انحنت بجزعها و حملت كتبها و حقيبتها و أنزلت قدمها من السيارة و سحبت مفتاح السيارة... تطلع أدهم لحذائها الطويل و الذي يكاد يلامس ركبتها بلونه البني ذي الكعب العالى.. رفع أدهم حاجبه بتعجب فهل كبرت لدرجة انها ترتدى كعبا عاليا كالفتيات .. أغمضت فريدة عيونها.. وتنفست نفس طويل وزفرته مرة واحدة وترجلت من السيارة... ارتفع حاجبي أدهم من الدهشة و شهق شهقة خفيفة و لم يشعر بنفسه و هو يهم واقفا .. صكت حياة أسنانها من الغيظ و أشاحت بوجهها بعيدا عنه متوعدة لتلك التي تتقدم ناحيتهم بخيلاء و أنوثة... إقتربت منهم بخطوات واثقة وعيونها متعلقة بأدهم من خلف زجاج نظارتها تطالعه بنظرات تحمل التحدى و الغضب و الحنق... و الكثير من الشوق .. كأنه كبلها به لم تستطع الحيد ببصرها بعيدا عن مرمى عينيه .. حمدت ربها أنها ما زالت ترتدى نظارتها الشمسية لتخفى ورائها توترها ... ولكنه تمنى لو جذب هذه النظارة وحطمها آلاف القطع فهي تحجب عيناها عنه.. وقفت فريدة أمامهم وقالت بهدوء هو أبعد ما يكون عن شعورها حاليا : _ السلام عليكم. رد الجميع عليها : _ وعليكم السلام. خلعت نظارتها وقالت وهي تطالع أدهم بقوة : _ حمدالله على سلامتك يا أدهم. ذاب داخل عيونها التي أصبحت ساحرة .. ولكنه رد عليها بصرامة: _ الله يسلمك.. أخبارك إيه. حاولت الثبات أمام نظراته التي تلتهمها وقالت و هي تحرك ذراعيها : _ زى ما إنت شايف كويسة جدا..وإنت ؟! أجابته وهي تملأ عيناها بملامح وجهه التي إفتقدما كثيرا ..لاحظ تأملها له فإبتسم بسخرية وقال محركا ذراعيه مثلها : _ زى ما إنتي شايفة كويس جدا. المترجم لاحظت تقليده لها فزفرت فريدة بضيق من طريقته.. ووكزت على نواجذها.. وأشاحت ببصرها عنه وقالت و هي تسحب مقعدا لتجلس عليه : _ إوعوا تكونوا أكلتوا من غيرى. ردت عليها مي بسرعة : _ لأ يا ديدة لسه.. كنا بنستناكي . وقفت مى وإتجهت ناحية ياسين.. و إجتذبته من می ذراعه بالقوة وقالت : _ إتفضل قوم قدامي على الشواية..يالا الناس جاعت . وقف ياسين بتعثر وقال بضيق : _ طب بشويش طب هو انا قدك . تطلع ياسين لمازن بنظرة إستعانة.. فوقف مازن ضاحكا علي حالته وإتبعهم.. وقفوا على المشواة.. بينما وضع باقى الطعام على الطاولة الكبيرة.. والجميع يتبادل أطراف الحديث مع أدهم وهو يرد باقتضاب نتيجة غضبه من تلك التي إنشغلت بهاتفها عنه.. لكنه لم يكن يعلم أنها تتابعه دون أن يشعر.. و لكن سعاد و أميرة تتهامسان بضحكات خفية علي حال أبنائهم... تناول الجميع الطعام.. وجلسوا سويا حتى المساء إلا أن صعدوا إلى شقتهم.. دلف أدهم لمنزله يتطلع له بحنين لكل ركن به.. ثم دلف لغرفته .. فوجدها كما تركها لم يتغير بها شىء حتي صوره مع فريدة و الجميع كما هي .. حمل حقيبته ووضعها على الفراش وبدأ في إفراغها ..وضع الكتب مكانهم.. ووضع ملابسه بخزانته ..ثم دلف للحمام إغتسل وصلى فرضه.. إرتدى بنطال جينزي كحلى وتيشرت إسود به كلمات بيضاء وارتدى سترة جلدية سوداء كالذي يرتديه سائقوا المركبات الهوائية.. وصفف شعره.. ووضع عطره الفرنسي باهظ الثمن .. وخرج من غرفته.. تطلع به والده بتعجب وقال: _ إيه ده انت لسه صاحي يا أدهم ..ده أنا قولت إنك زمانك نايم.. رايح فين كده. أجابه أدهم مسرعا: هنزل أقعد في الجنينة شوية وحشتنى القعدة فيها. إبتسم جاسر بخبث وقال و هو يعود بعينيه للتلفاز : _ وهي النزلة للجنينة محتاجة الشياكة دى كلها. تنهد أدهم بإبتسامة ماكرة وقال : _ آه منك إنت يا حاج مش سهل برضه .. يالا شوية كده وهطلع. أخرج جاسر هاتفه من جيب جلبابه فإقتربت من أميرة و قالت بتعجب: _ هو أدهم راح فين؟! و انت بتكلم مين دلوقتي؟!! أجابها جاسر وهو محتفظ بإبتسامته: _ إقعدى جنبي و انتي هتفهمي كل حاجة. عبث بهاتفه قليلا ثم وضعه علي أذنه حتي اتاه الرد فاجابه قائلا: _ و عليكم السلام. فسأله جلال بقلق : _ أيوة يا حاج اتفضل . _ بقولك يا جلال.. لو فريدة نزلت للجنينة لأى سبب دلوقتي.. يبقى إحنا لازم نخطبهم بسرعة. تعجب جلال من كلماته المبهمة.. فسأله مستفهما : _ مش فاهم حاجة يا حاج وضحلي . حتى وصل لمسامع الجميع صوت صافرة أدهم و التي كان دائما ما يستدعى بها فريدة منذ كانوا أطفال. إبتسم جلال.. وأومأ برأسه متفهما وقال: _ فهمت قصدك إيه.. ده أنا أتشرف يا حاج بيك وبأدهم. أجابه جاسر بسعاده و راحة و هو يطالع ابتسامة أميرة : _ هي بنتي و هو ابني و الحلو كله هعملهلم.. خلاص على بركة الله هشوفك بكرة ونتكلم في كل التفاصيل ..تصبح على خير. إبتسمت سهى بعدما وصلت لمسامعها صافرة أدهم وقالت و هي تطالع حاسوبها : _ عودا حميدا يا أدهم.. ريما رجعت لعادتها القديمة... أكيد فريدة هتجرى عليه دلوقتي. إنتظر أدهم خمس دقائق.. ولم تظهر فريدة.. ظل واقفا يتطلع لنافذتها.. ثم صفر مرة أخرى.. لتعبس عينى حياة بغضب و القت فرشاة شعرها بطول ذراعها و قد انطلقت من عيناها شرارات حانقة .. إتجهت لنافذتها.. تطلعت للحديقة فرأت أدهم واقفا يطالع نافذة فريدة بترقب .. إشتعل الغضب بداخلها أكثر وصفعت نافذتها . بدأ القلق يتملك من أدهم.. فهل حقا لا ترغب في مقابلته.. بعدما سمعت سهى صافرته الثانية.. علمت أن فريدة لم تنزل إليه.. تركت غرفتها وتوجهت لغرفة فريدة.. وجدتها مددة على فراشها وتضع سماعات الهاتف في أذنها.. إقتربت منها سهى ونزعت السماعات عنوة.. حدجتها فريدة بغضب وقالت: _ليه البواخة دى يا سهي . فأصدر أدهم صافرة ثالثة ولكن هذه المرة بقوة إليها من الأسفل.. إتسعت عينى فريدة وإرتدت حجابا علي رأسها .. ووقفت في نافذتها.. وجدته يتطلع اليها مباشرة أشار إليها بإصبعه ان تنزل اليه .. فأومأت برأسها موافقة و ركضت لخزانتهابحماس و ابتسامة مشرقة ... إرتدت حلة رياضية وردية وإرتدت قبعة صوفية علي رأسها ..وكوفية حول رقبتها..و تطلعت بمرآتها لتطمئن علي هندامها .. حدجتها سهى بتعجب وقالت بمكر عابث : _ يا دوب شاور لك نازلة تجرى.. أمال فين ده مش في دماغی.. عادی یعنی..مش بفكر فيه. طالعتها فريدة بنظرات حانقة و لم ترد عليها وحملت كتاب من على المكتب وخرجت مسرعة.. أوقفها والدها مستفسرا بمكر : _ على فين يا فريدة ؟!" ازدردت ريقها بصعوبة.. وقالت بارتباك : _ ها... لا یعنی نازلة الجنينة أذاكر شوية. ضحك جلال ضحكة عالية.. و هو يغمز لسهي التي جلست بجواره و قال مازحا : _ طب إبقى سلميلي عليه ما تنسيش اصله وحشني الشوية دول . رفعت حاجبها متعحبة وقالت بخجل : _ هو مين ده يا بابا ؟! إبتسم بهدوء وعاد بعينيه للتلفاز وقال بخبث : _ الكتاب اللى منزلك في البرد ده تذاكرى فيه تحت. ضربت سهي ساقها بيدها و هي تقهقه بصوت عالي و قالت : _ قصف جبهة . تركتهما فريدة وخرجت مسرعة دون أي تعليق يذكر .. هبطت الدرج مسرعة.. وخرجت من المنزل تبحث عنه بعيونها و لم تجده في البداية .. حتى تذكرت مكانهما القديم.. إتجهت لمكان خلف البيت به شجرتين قريبتين من بعضهما كأنهما تحتضنان بعض بأغصانهما المتشابكة .. وجدته جالس على فرع الشجرة كما في الماضي القريب.. وكأنه مر زمن طويل على آخر لقاء لهما هنا.. وهو يخبرها أنه سوف يتركها ويرحل. وقفت فريدة أمامه متصنمة .. تطلعت إليه بإعجاب فقد كان جذابا جدا.. وهو أيضا تطلع إليها بإعجاب رغم هيئتها الطفولية.. لكنه لم يعد يرى صغيرته الجامحة .. إنه يرى الآن معشوقته الساحرة.. لم يدرى كم مر من الوقت وهو يتأمل حسنها.. إبتسم وأشار لها أن تجلس بجواره.. إقتربت منه ببطء وجلست بجواره في هدوء محافظة علي مسافة بينهما .. تطلع إليها بشوق والإضاءة حولهما تتلاعب بوجهها الرائع.. و الذي جعل قلبه يهفو إليها.. لم يستطع المقاومة أكثر ولاحق بعينيه تلك الملامح الناعمة وقال بلهفة تلك الايام التي مضت و هو يتخيل ذلك اللقاء : _ وحشتيني . شهقت فريدة شهقة خفيفة و إبتسمت بخجل و قد صبغت وجنتيها باللون الأحمر .. وفركت أناملها ببعضهما من خجلها.. شعر بإرتباها فإبتسم بإنتشاء وقال مسرعا : _ هتفضلى ساكتة كده كتير. ردت بصوت لا يكاد يسمع و هي تهز ساقيها بتوتر : _ أقول إيه مش عارفة ؟! عض علي شفته الفلي و اقترب منها قليلا و قال بمداعبة : _ قولیلی وحشتنى ولا ما وحشتكيش. زاد خجلها أكثر و قالت بتوتر بادى في صوتها و توترها المبالغ به : _ عادی یعنی.. أكيد وحشتنى. باغتها قائلا بقوة : _ طب بصیلی. رفعت عينيها صوبه و تطلعت داخل عيونه لثواني سابحة في عتمتهم البنية الدافئة.. حاله لا يقل عنها فهما يحملان نفس العيون الواسعة البنية .. إقترب منها أكثر وأغمض عينيه ليشتنشق عطرها .. لاحظت إقترابه فابتعدت كانها تعدل من وضعية جلوسها فابتسم على حالتها و هو يهز رأسه و قال بصوته الذي اقل وصف لما تشعر به حين تسمعه انه يربكها و بشدة : _ مش متعود على سكوتك ده.. ده إنتى كنتى بتلفى ورايا في كل حتة وتقعدى تتكلمي وتحكيلي اللي حصلك واللي حصل وأنا مش موجود .. إيه القط أكل لسانك. ردت بثقة زائفة : _ لأ.. لسانى زى ما هو و طول اكتر كمان . حدجها بمكر بعدما استشف ثقتها الواهية .. فهو يفهمها أكثر من نفسها و ربما اكثر من امها .. وقال هامسا : _ صوتك وحشنى يا فريدة.. إتكلمي عاوز أسمعك. كلما سمعت صوته زادت دقات قلبها.. وزاد توترها .. فقالت في نفسها: _ وباعدين بقا.. أنا بترعش كده ليه زى الهبلة .. بس إيه بقا موز آخر حاجة. لاحظ شرودها فطرقع بأنامله امام وجهها و قال بتعجب : _ های.. روحتى فين بس . إبتلعت ريقها و عادت من شرودها قائلة بارتباك : _ هاه.. انا معاك.. الأحسن تتكلم إنت.. وأنا هسمعك. فقال في نفسه وهو يتابعها بداخل عقله الذي سلبته وقلبه الذي ينبض بعنف : _ مش قادر بقا هموت وأخدها في حضنى .. وأشم ريحتها.. سامحنى يا رب .. أنا لازم أكلم أبويا علشان نتخطب.. لأ خطوبة إيه كتب كتاب على طول ان شاء الله . لاحظت فريدة شروده فقالت بإندهاش : _ های..روحت فين ؟! إنتبه من شروده على صوتها الرقيق فتنهد مطولا وهو يلتهمها بعيونه وقال بنبرة حانية قد خصصها لها وحدها : _ معاكي.. ومعاكي وبس.. إنتي عارفة يا فريدة.. كنت بتضايق قوى لما كنت بطلب أكلمك وإنتى ترفضي أو تتحججی باى حجة علشان ما تكلمنيش.. انتي عملتی كده ليه. علت ملامحها بداية حزن.. فقال لها وهو يتطلع إليها بألم وقد أمسك ذقنها برقة.. وأدار وجهها إليه : _ إيه ده..زعلانة مني قوى كده ؟! لم تتمالك عبراتها المكتومة .. وبكت.. وبكت بشدة .. أطبق على يديه وهو يمنع نفسه من إحتضانها .. كفف لها دمعاتها وقال بألم و هو يتعمق بنظراته داخل عينيها متسللا لدخل روحها : _ خلاص.. إهدى.. وأنا أسف لأنى كنت السبب في دموعك دى. أزاحت يده عن وجهها و كففت هي عبراتها بينما رفع انامله الا فمه و لثم آثر دمعاتها علي يده ثم قال بنبرة عالية نسبيا : _ إنتي عارفة إنى عندى إستعداد أدمر الكون ده كله لو حد زعلك أو بهدل بس الهوا اللي حواليكي.. أقوم أنا اللى أزعلك.. طب أعاقب نفسي إزاى دلوقتى. إبتسمت بدموعها وقالت برقة : _ أنا اللي المفروض أعاقبك على فكرة. إعتدل في جلسته وقال مازحا : _ وأنا مستعد يا ستى.. يالا إعملي فيا اللى يريحك. تطلعت إليه بحنان وقالت : _ ما تهونش عليا. ضحك ضحكة عالية وقال وهو يقترب منها حتي كاد يلامسها : _ أيوة بقا..وحشتيني موت. عاد إليها خجلها مرة أخرى.. وقالت وهي تعـدل من وضعية قبعتها الصوفية بإرتباك : _ طب بطل بقا لهقوم وأسيبك والله. تنهد باسی.. بعدما أطرق رأسه قائلا بصدق : _ سامحيني يا فريدة.. والله كان غصب عنى اني ابعد عنك و لو ثانية واحدة . مطت فريدة شفتيها في تبرم وقالت : _ إضحك عليا بكلمتين زى زمان..بس ليك حق ما برضه البنات هناك ما تتسابش.. فلازم يبقى غصب عنك. تجهم وجهه وهو يسمعها.. ولكنه لم ينكر أنه سعيد بغيرتها عليه..رفع رأسه نحوها وقال مسرعا : _ بنات إيه وبتاع إيه.. إنتي ما فارقتنيش ثانية واحدة.. أنا بحبك إنتي و قلبي و كل حاجة فيا ملكك انتي . إتسعت عيناها.. ووقفت من خجلها وقالت بتلعثم : _ أنا لازم أطلع.. اصل .. أشوفك بكرة. همت بالانصراف ..فاجتذبها من ذراعها.. وأدارها ناحيته.. وتطلع داخل عيونها.. وقد قرر ألا يرحم مقلتيه من تحديقه بها وقال بهمس : _ تتجوزيني يا فريدة ؟! سمع شهقة لم تخرج من فمها.. إنطلق هذا السؤال فجأة ليجعلها ترفع رأسها كالسهم تنظر إليه متعجبة مما سمعت... و كأنها تنظر منه تأكيدا علي مقاله لظنها انها تتوهم ابتسم أدهم بخفوت و هو يطالع افترار فمها بإستثارة .. لاحظت إبتسامته و نظراته لها فزاد خجلها و أشاحت بوجهها بعيدا عنه .. سألها مرة أخرى بجدية : _ تتجوزينی یا دودة. كان يعلم ان كلماته في الصميم و ستصيب قلبها مباشرة حيث و جدها ترمش بعينيها كثيرا و قالت بهمس خافت متحاشية التطلع بعينيه : _ وحشتنى دودة منك.. بس ممكن تسيبنى أطلع.. بابا هيزعقلي. وقف أمامها رافعا حاجبه بحركة كانت لا تقاومها و تنهار ضاحكة .. فإبتسمت وهي مطرقة رأسها وقد أصابتها لهفته و مزاحه .. أضاف هو غامزا إياها بمكر : _ اللى حاسه إنه عمى عارف إنك معايا.. و مش هيزعقلك .. هاه ماردتيش عليا و انا معنديش صبر . حاولت الثبات أمام نبراته الحانية.. وقالت بحرج : _ عاوزني أقولك إيه يا أدهم. لأول مرة يعلم أن سماع إسمه سيكون موسيقيا لهذا الحد .. أطارت ما تبقى من تعقله ليهمس هو بشغف : _ يسلملي اللي بيقول أدهم يا ناس . إبتسمت فريدة برقة أذابت معها قلبه بجمالها... فقال ونبرة صوته لم تتغير : _ أنا عاوزك تقوليلى موافقة أتجوزك.. وبحبك ..وإنت وحشتنى..ويالا نكتب كتابنا بسرعة علشان هموت وأخدك في حضنى. اجتذبت يدها بسرعة من قبضته .. وتركته وإبتعدت مسرعة.. بعدما كانت في قمة خجلها.. إبتسم على حالها وعيونه تتبعها بحب .. تنهد طويلا ثم قال و هو يطالع السماء بشرود : _ يا رب يا حاج جاسر تبقى صاحى مش هقدر أصبر للصبح من غير ما اتكلم معاك . دلفت فريدة شقتها .. وأغلقت ورائها الباب كانها تحتمی به.. علت وجهها إبتسامة مشرقة و هي تتلمس وجنتيها الدافئتين ... خرجت سهي من المطبخ حاملة زجاجة المياة فوجدتها علي حالتها تلك فإقتربت منها وقالت بسخرية: _ مالك يا بنتي مسخسخة كده ليه.. إجمدى شوية بلاش محن علي آخر الليل . رفعت سهي زجاجة المياة علي فمها لتشرب .. بينما تطلعت إليها فريدة ببلاهه وقالت بتهيدة ملتاعة : _ قالي بحبك إنتي. وتتجوزيني. بصقت سهى المياة من فمها بصدمة و اخذت تسعل بقوة و عقدت حاجبيها متعجبة وقالت بلهاث : _ إيه ده بالسرعة دى ؟!!! وضعت فريدة يدها على قلبها من آثر إنتقاضته وقالت بهيام : _ قلبي بيدق قوی یا سهى.. يمكن دى أول مرة هقولها بس بحبه قوى. عادت سهى لدهشتها قبل أن تواريها و هي ترفع طرف شفتها بإمتعاض و قالت وهي تجفف فمها : _ خدوا وقتكوا وإتعرفوا على بعض أكتر.. مستعجلين ليه دول اربع سنين كنتم فيها بعيد عن بعض و اكيد اتغيرتوا . تركتها فريدة وتوجهت لغرفتها وهي هائمة لا تشعر بشئ.. فقط صدى صوته برأسها.. وكلماته التي تشعرها بالأمان كوجوده بجوارها .. تطلعت إليها سهى بملل وعادت لغرفتها و هي تقول بمجون : _ الواحد معدته قلبت عليه .. حب ايه و هبل ايه اللي يعمل فيها كده .. غبية . تعالى رنين هاتفها فأجابته مسرعة و قالت : _ مساء الخير يا فندم . _ مساء النور يا سهي .. بكرة اول ما تدخلي المبني تجيلي مباشرة عاوزك في موضوع كبير جدا . لمعت عيناها بفرحة و قالت بإنتشاء : _ تحت أمرك يا فندم .. في مهمة جديدة صح ؟! _ صحيح .. مهمة هتكون نقلة ليكي و تجربة عمرك ما هتنسيها . أشاحت شعراتها الغوغائية عن وجهها و قالت بحماس : _ ان شاء الله هكون عند حسن حضرتك يا فندم . _ انا واثق من ده .. يالا تصبحي علي خير . اعتدلت في وقفتها و قالت بجدية : _ و حضرتك من اهل الخير يا فندم .. اتفضل اتفضل . أغلقت الهاتف و هي تقبض كفها و تصرخ بنصر : _ yes . صعد أدهم لشقته و هو يصفر بسعادة .. دلف للشقة و قد لمعت عيناه بعدما و جد والده مازال مستيقظا .. جلس بجواره على الأريكة.. ساد الصمت لثواني حتى تنحنح أدهم بنقاذ صبر وهو يحك ذقنه في توتر بالغ و قال بإندفاع : _ بابا كنت عاوز أكلمك في موضوع كده. إبتسم جاسر وهو ما زال يطالع التلفاز وقال بمكر رجل مسن خط عليه الزمن على مدار عقود : _ موافق وكلمت عمك وهو كمان وافق.. وقريب إن شاء الله نخطبكم لبعض. إبتسم أدهم بإرتباك وقال متعجبا : _ حضرتك عرفت إزاى إنى عاوز أكلمك في الموضوع ده. نظر إليه جاسر كأنه يستلهم الصبر وقال ببديهية : _ إنت مكشوف قوى الصراحة يا أدهم .. وباعدين إنتم مخطوبين لبعض من وإنتم عيال صغيرة. إعتدل أدهم في جلسته وقال بجدية : _ بس أنا مش عاوز خطوبة.. عاوز كتب كتاب على طول. وخزه والده في ذراعه وقال ساخرا : _ مستعجل على إيه يا ولدى .. بالراحة إتخطبوا أول ولما فريدة تتخرج وتشتعل إبقى إكتبوا الكتاب وإتجوزا وإعملوا اللي إنتم عاوزينه. هز أدهم راسه نافيا وقـال بغضب : _ لا شغل إيه.. تكمل تعليمها ماشي لكن شغل مستحيل طبعا . حدجه جاسر بقوة وقد ارتسمت سخرية قاسية على زوايا فمه وقال : _ يبقى الخطوبة دى مش هتكمل. ليرد أدهم بقسوة من كلمات والده القاطعة : _ ليه كده یا بابا. تنفس جاسر براحة و قال بتعقل موضحا له وجهة نظره : _ يا أدهم فريدة من أوائل دفعتها كل سنة وبتدرب في مكتب محاماه من أكبر المكاتب عند دكتورها في الجامعه وإسمه حامد الشناوي. قاطعه أدهم وهو يهز رأسه مؤيداً وقال مسرعا : _ عارف دكتور حامد طبعا و مجرد انه اختارها أكيد هي متفوقة فعلا وعـارف إنه بينقى اللى يشغلهم معاه ويدرهم عنده..بس أنا مش هستحمل إنها تختلط برجالة .. و إفرض حد زعلها في يوم وأنا مش جنبها تعمل إيه. ضحك والده ضحكة عالية وقال ساخرا : _ يا أدهم يا ولدى فريدة دى أنا أخاف عليك منها حتى وإنت بعضلاتك دى. قطب أدهم حاجبيه وهز رأسه بعدم فهم وقال: _ لأ صعبة عليا دى مش فاهم حاجة. رد جاسر وهو ينظر إليه بتمعن متخوفا من ردة فعله : _ عمك جلال سمح لسهى وفريدة إنهم يلعبوا كونغ فو و كراتيه وبقوا جامدين قوى وممكن يتلموا عليك ويفشفشوك. كز أدهم على أسنانه وقال بحنق : _ يا صلاة النبي كونغ فو وكراتيه.. ولسه في إيه تانى یا حاج انا معرفوش . أضاف جاسر بحماس : _ أيوة بيروحوا يتدربوا على حاجة كده إسمها..إسمها. ضرب رأسه بقوة كي يتذكر ثم قال مسرعا : _ أيوة إسمها زومبا. رفع أدهم حاجبيه قائلا بتعجب : _ بيرقصوا زومبا !!! اجابه جاسر بنبرة محتدة : _ رقص .. دول قالوا انها رياضة . مرر ادهم كفه علي وجهه مستلهما الصبر و قال : - بغض النظر هي رياضة و لا لأ .. بس كده البت حياة عندها حق .. ده إنتوا سايبين لهم السايب في السايب. إغتاظ جاسر من رده وقال بإصرار شديد : _ لأ سيبك من حياة دى خالص ربنا يهديلها نفسها .. أمها عمت عنيها بكرهها وحقدها.. لكن سهى وفريدة و مي حاجة تانية خالص و مازن محاوطهم بعنيه . ساد الصمت مجدداً لدقائق.. وأدهم شارد فيما قاله والده.. فهو فعلا يحتاج فترة لكي يكتشف ماذا تغير بصغيرته البريئة.. في البداية شغلها.. ثم الكونغ فو والكراتيه.. ثم الزومبا ! أخرجه والده من شروده قائلا بتساؤل حذر : _ سرحت في إيه اتكلم معايا . قالها جاسر باقتضاب.. ليرد أدهم مسرعا : _ مصدوم من اللي سمعته.. مش قادر أصدق إن فريدة البنوتة الصغيرة.. كبرت وعاوزة تشتغل ويبقى لها شخصيتها المستقلة عنى. مسح جاسر على ظهره بحنية وقال بتعقل : _ بالعكس بقا دى هي إختارت تدرس الحقوق علشان تبقى جزء من حياتك إنت.. وزي ما بتحبك حبت المحاماة.. وبكرة تبقى ند قوى ليك .. وتقف قدامك في المحكمة راسها براسك .. وتكسب القواضي منك كمان. إبتسم أدهم في هدوء.. فربت والده على كتفه وقال بحنو : _ قوم دلوقتى نام وبكرة نقعد نتكلم تانى.. يالا تصبح على خير. ثم قبله في جبينه.. ليأتيهم صوت ياسين مداعبا : _ إنت مش حارمنى من حاجة يا حاج أحضان وبوس إرحم نفسك شوية صحتك. وقف جاسر مسرعا وقال بغضب : _ المرة دى مش هسيبك يا قليل الأدب. أوقفه أدهم قائلاً بصرامة : _ سيبهولى أنا يا حاج.. أنا اللى هربيه عديم التربية ده . أوما جاسر برأسه موافقا وقال بإستسلام : _ ماشي هسيبهولك.. وأدخل لأمك لنامت وهي قاعدة من تعبها.. يالا تصبحوا على خير. دلف جاسر لغرفته.. بينما تطلع أدهم بياسين بجدية وقال : _ وقعت يا حلو ولا حدش سمى عليك. تراجع ياسين بظهره.. وقال بخوف : _ بقولك إيه إنت إيدك طارشة وأنا عارفها.. إستهدى بالله كده وإهدا. لم يتمالك أدهم نفسه وإنفجر ضاحكا وقال : _ يخرب عقلك بتفكرني بعمر بالظبط كان تافه زيك كده .. عموما بقولك صحيح معاك رقم فريدة. سبل ياسين عيناه وقال متنهدا بمزاح : _ هي لحقت وحشتك.. ما إنتوا كنتوا مع بعض من دقايق. قطب أدهم جبينه متسائلاً: _ وعرفت منين يا شارلك هولمز. أجابه ياسين ببديهية : _ من صفارتك يا دنجوان.. ده البيت كله عرف . إجتذبه أدهم بالقوة من سترته وقال بحدة : _ ما تحترم نفسك يا واد انت ولا أتغابى عليك. قبل ياسين كفه وقال بتراجع : _ آسف يا عمونا.. عموما رقمها...... . تركه أدهم.. ثم عدل من ملابسه وقال وهو يخرج هاتفه من بنطاله : _ خلاص سماح .. قولى بقا الرقم تاتى وبالراحة خالص . تمددت فريدة على فراشها تتأمل سقف الغرفة أو بالأحرى يبدو لمن يراها هكذا ولكنها شاردة تسترجع بذاكرتها كل لحظة لهما سويا.. كل ضحكة كل إيمائة.. كل حضن... فهي تشتاق لطفولتهم البريئة التي لم يكن بها قواعد أو حدود مثلما الآن. ظلت مبتسمة متحمسة و تستعيد في ذكرياتهما .. حديثه الجميل.. عطره الاجمل .. بدت إبتسامتها أكثر وضوحا وهى تتذكر إعترافه بحبه لها.. ظلت هذه الكلمة يتردد صداها في أذنيها.. وكأنها لحن مميز يمتعها... أفاقت من شرودها على رنين هاتفها الممل.. طالعت شاشته لتجده رقما غريبا.. فلم ترد.. أعاد المتصل إتصاله مرة أخرى.. ولم تجيب ثانية حتى وصلتها رسالة نصية من نفس الرقم.. فتحتها وقرأتها . "ردي عليا يا دودة." ارتعشت مقلتيها وهي تقرأ الرسالة.. وكتمت بصعوبة ضحكة عابثة تمردت عليها وخرجت من جوفها .. ليرن هاتفها مجددا فردت على الفور وقالت : _ ألو. رد أدهم عليها بعدما سقط قلبه في الهاوية من نبرات صوتها الساحرة : _ والله وحشتيني الشوية اللي فاتوا دول . إستمر حديثهم طويلا ما بين شوق وحب وإكتشاف لعالم كل منهما .. إستسلم بعدها أدهم أخيرا من تعبه .. فهو لم ينم منذ يومين.. إنتهى حديثهم بنومهم مرهقين.