Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الخامس

احتضن حمدي ابنه ثم ربت علي كتفه في قوة قائلا:: أعلم أنك رجل بحق يا حسام.......أنا أثق بك......ستكون تحت إمرة(( أبي ثابت)) هنا في بغداد و تستمع لأوامره و تساعد المقاومة العراقية كما اتفقنا انا وهو معك حسام:: بالطبع يا أبي.......لا تقلق حمدي_يطبع قبلة على رأس ابنه::أخلص نيتك لله و ارفع رأس أبيك حسام يقبل يد أبيه::إن شاء الله يا أبي احتضنت سعاد ابنها طويلا ولم تستطع كتمان دموعها وشهقاتها و لم يستطع حسام أن يتماسك أكثر من ذلك فخبأ وجهه في حجابها و سمح للقليل من دموعه بالنزول ثم تركته أمه ببطء فمسح دموعه وتماسك وهي تمسك بذراعيه وتتأمل وجهه وقد استعاد عافيته بعد إسبوع من الحادث الأخير سعاد_وهي تحاول ان تتماسك:: انت تشبه أباك كثيرا يا حبيبي قوي وشجاع مثله أعرف هذا جيدا ولكن بالله عليك احرص علي نفسك حسام_مبتسما في حنان:: فقط أحيطيني بدعواتك يا أمي أن يوفقني الله في مهامي وأن يرزقني الشهادة امتلأت عينا سعاد بالدموع واحتضنت ابنها وأجهشت بالبكاء رغما عنها ثم قبّل حسام يديها ومسح دموعها بيديه قائلا بحنان:: أرجوك يا أمي دعيني أري ابتسامة عينيك الجميلتين قبل مغادرتكم ابتسمت سعاد من بين دموعها و ربتت بحنان جارف علي وجه ابنها،إنها تقدمه بيديها إلى النار ليُجلى معدنه الذهبي،إنه قربانها إلى الله ثم إلى أمتها العربية،أهدتهم زهرة عمرها لتنبت بالحرية و الفداء فوق أراضيهم، فلله در أمهات العرب! ما أشجعهن،تزف ابنها للموت كأنها تزفه إلى عروس جميلة، راحت عيناها ترتشف من قسمات وجه ابنها العزيز التي لا تدري هل ستري ملامحه الغالية مرة أخري أم أن هذا هو وداعهما الأخير ********* ظل الحراس محتجزين حمزة اسبوعا كاملا بأمر من الضابط الذي كان يحقق معه يوميا وفي نهاية كل تحقيق يفقد أعصابه فيضربه ضربا وحشيا....... حتي يفقد الصبي المسكين وعيه ضج السجن بقصة هذا الصبي الشجاع حتي أحبه الجميع و عشقوا جسارته ازداد حقد الضباط عليه فقرروا ربطه بالقيود في عامود نصبوه في منتصف فناء السجن الخلفي ليكون عبرة لبقية المساجين وقد كان هذا الفناء عبارة عن ساحة من الرمال تلتف حولها زنزانات صغيرة لا تكفي الا لشخص واحد ولها بوابات حديدية مفرغة محكمة الغلق ...يظل السجين المسكين مقيدا بها من رجله إلي الأرض بلا أثاث ولا سقف.. لا يظله شئ من حرّ الصيف ولا يدفؤه شئ من قرّ الشتاء هؤلاء هم المغضوب عليهم من إدارة المعتقل إدارة طيف الجحيم....كان الصبي رثّ الهيئة شاحب الوجه ثابت النظرات كقائد عظيم يساق لحبل المشنقة بيد عصبة من السفلة...لا يبالي بما يحدث له....ساقوه بعنف ...ربطو يديه النحيلتين بالأغلال الحديدية تحت لهيب الشمس....يالهم من رعاة لحقوق الطفل! كان الصبي كلما حزبه الخوف و الحزن تلي آيات من ذكر ربه بصوت ملائكي مسموع لا خفيض ولا جهير ..غير مبال بالحراس...شعر النزلاء المعتقلون بالفخر به أول النهار ثم الاشفاق عليه وسط النهار ثم ماجت نفوسهم بالثورة و رفض الذل آخره فقدكان منظر الصبي لا يمزق قلوب من حوله قدر ما كان يُغلي في صدورهم دماء الكرامة المهدرة علي أتون الرجولة فكيف لطفل صغير أن يُعذَّب هكذا أمام عيونهم بلا أن ينقذه أحد؟؟... و لكن كيف ينقذونه وهم مكبلون بالأغلال هكذا؟؟ وكيف سيتواصلون مع بعضهم وقد اختلفت ألسنتهم باختلاف اوطانهم التي جاءوا منها؟؟ ولكن من زعم أن الثورة للكرامة تقيدها الأغلال او يوقفها اختلاف اللسان؟؟..وانطلقت الفكرة كالصاروخ من أحدهم وانتشرت كالنار في الهشيم...عندما جاء الحارس الليلي بطعام العشاء الزهيد قذف أحد الشباب المعتقلين بذاك الطعام علي الأرض أمام الحارس علامة علي الرفض وبداية الإضراب عن الطعام...تفاجأ الحارس ثم انهال علي الشاب ضربا فقذف كهل آخر من المساجين في زنزانة أخري بطعامه وقذف رجل اربعيني رابع وشاب ثلاثيني خامس وفتي عشريني سادس بالطعام واشتعلت الزنازين حول الفناء كلها بقذف الطعام و الضربات المتوالية الموجعة من الحراس غلاظ القلوب... نزل قائد السجن للحراسة الليلية بنفسه الي الفناء ووقف وقفته المتعجرفة قائلا بمنتهي العنجهية:: اسمعوا يا حثالة البشر أنا لا يهمني أن تأكلوا أو تموتوا جوعا لتفسحوا أماكن أخري في زنازينكم لمساجين آخرين من جنسكم...لكن لا أحد يستطيع مخالفة أوامري هل تسمعون؟؟؟ ازدادت ثورة المساجين فراحوا يضربون حديد الأبواب المفرغ بأطباقهم والضرب ينهال عليهم من الحراس القائد_يضحك ساخرا:: هل هذا من تفعلون كل هذا من أجله؟؟ ثم توجه إلي حمزة المنهك الجالس علي الأرض مقيدا إلي العامود وعيناه تبتسمان بإنهاك للمساجين وكأنه يشكرهم بعينيه...اقترب منه القائد ثم جذبه بقوة من شعره الغزير صائحا:: هل هذا هو من تفعلون كل هذا لأجله؟؟ صاح المساجين بعبارات متداخلة غير مفهومة علامة علي الغضب استفزهم القائد أكثر فصفع حمزة بقوة علي وجهه حتي سال دمه صائحا:: هل هذا هو؟؟ ازداد صياح المساجين كأسود حبيسة ثم جن جنون القائد فراح يجذب رأس حمزة ويصفعه صائحا:: أروني إذن ماذا ستفعلون لإنقاذه يا حثالة سارت موجة من تسونامي الغضب في الزنازين فراح المسجونون يضربون الحراس بجنون وبكل ما توفر لهم من قوة وانهال الحراس بالضرب والسب وظل الأمر كذلك ربع ساعة حتي أطلق القائد طلقة من مسدسه في الهواء وقف القائد في منتصف الفناء ثم صاح::ستدفعون ثمن هذه الفوضي غاليا أيها ال............ في اليوم التالي بدأ العقاب بالحبس الانفرادي في زنازين العزل...و ما أدراك ما هي...حجرات ضيقة جدا يعزلون فيها المسجون عن كل حواسه فيلبسونه عصابات سميكة علي عينيه و سماعات سميكة علي أذنيه ويجلس علي ركبتيه مقيدة يداه من الخلف للفترة التي يريدون...و إذا أردت ان تعرف ما ضرر ذلك فهو بسيط.هلاوس سمعية وبصرية،أما اذا طالت المدة فتؤدي أحيانا للجنون*(حقيقة) كان حمزة الذي مازال مقيدا بالعامود في الفناء ينظر إلي الحراس و هم يسحبون الرجال والشباب الذين ينظرون اليه مبتسمين في رضا وهو لا يعلم إلي أين يذهبون...لكنهم يعلمون...يعلمون بمصيرهم داخل زنازين العزل ولكنهم مع ذلك راضون تماما عما فعلوه بالأمس ولكن الإضراب عن الطعام انتشر في المعتقل كله..... مما أدي لرضوخ إدارة المعتقل و إعادة حمزة الي زنزانته في المبني مع أبي بكر...لقد انتصرت الإرادة ولو إلي حين نهض أبوبكر مسرعا إلي حمزة واحتضنه بقوة وعيناه تذرفان ابتسم حمزة ابتسامته الوادعة الساحرة قائلا بإنهاك:: لا تبك يا عمي...أنا بخير والحمد لله كما تري...قليل من الانهاك فقط_ثم أضاف مازحا_ أم أنك اشتقت إليّ؟؟ ابتسم أبوبكر من بين دموعه قائلا:: نعم اشتقت إليك يا ولدي كم أنت عظيم يا صغيري لقد فجرت فينا روحا لم تدب فينا منذ زمن بعيد بارك الله بك ابتسم حمزة في احراج قائلا:: هذا من فضل الله عليّ وعليهم ولا فضل لي أبدا بل لعل الفضل بعد الله يرجع لأولئك الحراس غلاظ القلوب بما فعلوه بي من عذاب أبوبكر_في نظرة غضب:: لا بارك الله بهم_ثم أضاف بنظرة تفيض حنانا هيا الآن إلي فراشك فأنت في أشد الحاجة للراحة مضي أسبوع و أبوبكر يعتني بحمزة بكل ما توافر له حتي إنه كان يعطيه من طعامه ليستعيد قوته رغم رفض الصبي ، تعلق قلب الصبي جدا بذاك الرجل الذي يفيض حنانا وتقوى،لم يعد يشعر أن أبابكر غريب عنه، فهما مسكينان و غريبان في هذا الجحيم و كل غريب للغريب نسيب، لقد صار الصبي لا يناديه ب((عمي)) بل ب((أبي)) ******** كانت ((حبيبة)) تبكي بحرقة و هي تقول:: كيف يفعلون هذا؟؟ يعتقلون طفلا صغيرا في هذا المكان البغيض؟؟ و أيضا يمنعون عنه المحامين؟؟ سعاد_دامعة العينين:: أين حقوق الانسان وحقوق الطفل التي يتشدقون بها؟؟؟ حمدي_بثبات:: أنا لن أسكت على منع المحامين عن حمزة....إن شاء الله سأصعّد الأمر إلي منظمات حقوق الطفل أحمد_في غضب مكتوم:: نعم يا عمي معك حق لا يمكن السكوت علي حق حمزة بل يجب فضح زيف مبادئهم التي بنوا عليها حربهم القذرة...أنا معك في كل ما تطلب...اعتبرني كحسام تماما شد حمدي علي كتف أحمد قائلا بحب:: بالطبع يا أحمد...أنت لست زوج ابنتي بل أنت ابني مثلك مثل حسام وحمزة تماما ابتسمت سعاد له رغم دموع عينيها فلقد رأت في ملامحه الشابة في تلك اللحظة ملامح ولديها الغائبين

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514