انتفض حمزة منتصف الليل علي صوت اقتحام السجانين لباب زنزانتهما في حين قام أبوبكر بتثاقل من أثرالنوم ظن حمزة أنهم سيأخذونه هو ولكنه فوجئ بهم يسحبون أبابكر بوحشية كبيرة فابتسم له أبو بكر ليطمئنه وهم يخرجوه من باب الزنزانة في حين ارتسم الهلع بأدق صوره علي وجه حمزة......لم تمض ربع ساعة إلا وصرخات أبي بكر تملأ أذني حمزة وتملأ المبني بأكمله......لأول مرة يسمع حمزة ذلك.....يذهب ويجئ في الزنزانة كنمر صغير حبيس ولا يدري ماذا يفعل؟؟ يتحرق لإنقاذ الرجل الذي أحبه واستعد لأن يموت فدائه منذ اللحظة الأولي ولا يدري كيف يفعل؟؟.... قلبه يحترق لا خوفا بل ألما علي آلام أبي بكر الذي تبدو صرخاته وكأنهم يقتلعون عينيه حيا.....لقد عاش مع أبي بكر قرابة الشهر ويعلم مدي قوته وايمانه وقوة تحمله فما مقدار العذاب الذي يجعله يصرخ هكذا؟؟؟...... رباه ما الذي يفعلونه به؟؟؟.....صرخة أخري و ضم الصبي يديه الي فمه مرتجفا يهمس بآيات من القرآن الكريم ويدعو الله أن ينقذ أبا بكر من براثن هؤلاء العديمي الرحمة....دوت صرخة أخري قوية من أبي بكر فلم يستطع حمزة الاحتمال أكثر فارتمي علي الأرض في وضع السجود صائحا:: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.... ظل يكررها تكرار الغريق الذي يرجو النجاة ثم بدأ صوت الصراخ يهدأ حتي انقطع كلية وهنا هبَّ حمزة واقفا في ذعر.....رباه......لقد قتلوا الرجل ******** فور خروج حسام مع أبيه من عند القائد سمع الجميع هدير طائرات تصب الموت عليهم من السماء...نيران الصواريخ تحرق الأخضر واليابس وتحرق أرض العراق العريق..الناس تتهاوي كأوراق الأشجار..الأشلاء تتناثر في كل مكان و كأن القيامة قد قامت بغتة...كان حسام ووالده خلف تلة وفجأة صرخ حسام و أمسك بذراعه وقد انفجر الدم منه حمدي_صارخا::حسام....ولدي حسام_ متألما::لا تخف يا أبي....إنها شظية هدأت الأصوات وبدأت علامات الكارثة تتضح...منازل المدنيين مهدمة ومشتعلة....الصراخ والدماء في كل مكان....عويل النساء و الأطفال يتعالي حمدي::ابق هنا يابني حتي تأتي سيارات الإسعاف وأنا سأذهب لمساعدة من أستطيع حسام_متألما::لا يا أبي....ساعدني فقط في خلع قميصي و ربط ذراعي المصاب به حتي يهدأ النزيف حمدي_هاتفا:: كيف؟؟ ذراعك تنزف بشدة أنت اصلا تحتاج للمساعدة الطبية..إنها نفس الذراع التي أصيبت من قبل حسام::لا تخف يا أبي إنها مجرد شظية أرجوك ساعدني في ربطها الناس ينتظرون المساعدة حمدي متأثرا::من الممكن أن تتعرض حياتك للخطر بسبب النزيف يابني نحن لا نعلم متي تصل سيارات الإسعاف لابد أن الطرقات مقطوعة حسام_مبتسما في ألم:: أبي....نحن لم نأت الي هنا إلا لنعرض حياتنا للخطر لنحمي الضعفاء وننقذهم ظل حمدي ينظر إليه متألما تتنازعه عاطفتان عاطفة المقاتل وعاطفة الأب حتي دوي عويل امرأة تندب غاليا فقدته حسام_منتفضا::أرجوك يا أبي ساعدني لنربط ذراعي لا وقت لدينا الناس تموت بالخارج لم يشعر حمدي بنفسه إلا وهو يسرع بربط ذراع ولده بقوة وسرعة ونهض الاثنان بسرعة إلي الشارع فوجدا الهول يلف المكان أسرع كل منهما إلي جهة غير الاخري لمساعدة الجرحي والمحجوزين داخل البيوت الصغيرة المشتعلة..لمح حسام القائد أبي ثابت يحمل طفلا مصابا بين ذراعيه ويركض بسرعة فأسرع نحوه يحمل الطفل ليوصله بطريقة أسرع فرغم اصابة ذراعه إلا أنه شاب وحركته أسرع أبو ثابت_هاتفا وهو يعطي الطفل لحسام:: سيارات الإسعاف تقترب خذه بسرعة......... فهو ينزف بشدة ثم لاحظ القائد ابي ثابت أن ذراع حسام تنزف أبو ثابت_هاتفا:: أنت مصاب وتحتاج للعلاج فورا يا بني حسام_يهتف وهويركض مبتعدا حاملاالطفل::لا عليك ياسيدي ثم اختفي عن ناظري أبي ثابت...كان حسام ينقل المصابين علي مدار نصف ساعة وهو لا يعلم أين أباه ولا القائد أبي ثابت فلقد انهمك في الإنقاذ حتي نسيهما تماما...لكن قوته البشرية الشابة لم تستطع مجاراة قلبه الجسور فتهاوي فجأة إلي الأرض...لقد نزف كثيرا جدا وكان آخر ما سمعه من الدنيا صراخ الطبيب المجاور للممرضين بنقله للمحفة ومحاولة إنقاذه كانت ياسمين تجهز حقيبة ملابسها وملابس أخيها الصغير عمر استعدادا للسفر كما أخبرهما خالهما حمدي....اثناء ذلك سقطت صورة لها مع خالها وابنائه ...توقفت نظراتها علي هذا الوجه الملائكي...وجه حمزة...اختلجت مشاعرها البكر و ماج قلبها ذو الاثنا عشر عاما بما لا تعرف كنهه..تتساءل لماذا لا تشعر مع أخيها عمر ولا مع خالها ولا حتي مع ابن خالها حسام بما تشعر به مع حمزة؟؟؟ ... لا تعرف إلا أنها كانت سعيدة جدا بجواره...قلقة جدا حين يغيب عن العودة للمنزل...قلبها يعتصر ألما اليوم وهي تعلم أنه بين يدي أولئك الذين لا يرحمون كهلا ولا طفلا تكاد روحها تزهق وتفارق جسدها كلما صور لها خيالها الطفولي البرئ ما قد يفعلوه به ..ترى،ما هذا الشعور الجديد عليها؟ شعورا ينقلها بين عالم العذاب و السعادة في آن،، إنها تشتاق إلى حمزة،تشتاق إليه جدا وتخشى عليه السجن،تخشى عليه جدا،نزلت دموعها الحارقة تشعل وجنتيها وقلبها يهتف:: يارب كن معه و أعده سالما وهنا سمعت ياسمين صوت سعاد زوجة خالها تصيح صيحة مكتومة:: ولدي ركضت ياسمين نحو الردهة فوجدت خالها ومعه رجلا آخر يسندان حسام وهو يكاد يسقط من شدة الإعياء و ذراعه مضمدة حتي خالها يبدو عليه الإرهاق الشديد بعد قليل علموا من خالها ما حدث لقد وشي بموقعهم خائن موقعهم الذي ظنوه آمنا لوجوده متواريا بين منازل المدنيين هاهي طائرات الاحتلال تقصف الموقع وتقتل الكثير من الفدائيين وتقصف منازل المدنيين أيضا وتقتل وتجرح الكثيرين ثم أضاف في غضب ممزوج بالأسى :: لن تكون هذه الحرب عادلة إلا إذا تم القضاء علي الخونة أولا ثم القضاء علي المحتل الطريق أمام هذا البلد طويل ولكننا سنظل إن شاء الله سائرين ******* كان حمزة يرتجف ذعرا بمحبسه و قد ضم قدميه إلي صدره جالسا في ركن الحجرة مسندا رأسه إلي ركبتيه يهمس بآيات من القرآن الكريم ودموعه تغسل وجهه وجسده الضئيل ينتفض من حين لآخر حتي دخل الحراس يحملون أبا بكر شبه فاقد للوعي ثم ألقوه علي الفراش المتهالك المخصص له بلا اهتمام وخرجوا....انتفض حمزة ثم أسرع إلي أبي بكر يهزه في هيستيريا حمزة_صارخا:: عمي أبي بكر....عماه فتح أبوبكر عيناه بصعوبة ثم قال بصوت متهالك خفيض:: حمزة....اسمع يا بني حمزة_باكيا:: لا ترهق نفسك بالكلام أرجوك أبوبكر_بحروف تخرج بصعوبة:: لا وقت...اسمعني...لقد أنزلوا بي هذا العذاب الشديد حتي يرهبوك أنت حمزة_مندهشا من بين دموعه:: أنا؟؟ أبوبكر_بصوت متهالك:: نعم يا بني....لقد فهمت الآن لماذا تركوني معك في هذه الحجرة شهرا كاملا بلا تعذيب فعلوا ذلك حتي تقوي علاقتك بي و الآن حان الوقت ليحققوا معك ولكن كان يجب أن يفعلوا بي هذا لإرهابك وفجأة دخل الجنود الغلاظ وانقضوا علي الصبي وسحبوه خارج الحجرة بلا رحمة فأخذ أبوبكر يصرخ بما تيسر له من لغة عربية فصحي حتي لايفهمه الجنود:: اثبت يا بني...لا تخن...لا تفشي سرا...اثبت فأنت مثل اسمك منذ عرفتك....أسد جسور ثم اختفي الجنود بالصبي الذي وعي كل ما سمع من ابي بكر كأنما طُبع في قلبه الصغير الشجاع أما أبوبكر فقد تهاوي علي فراشه المتهالك سائلا الله بدموع مدرارة:: ربي لا تكله لهم ربي كن له عليهم ولا تمكنهم منه أما حمزة فراح يردد آيات من القرآن الكريم يحرك بها شفتاه بلا صوت والجنود يسحبونه نحو المجهول ولكن كلمات أبي بكر قد ثبتت قلبه كالجبال الراسيات حتي أدخلوه إلي حجرة بها مكتب يجلس خلفه ضابط في الأربعين من عمره تقريبا وامامه كرسي الضابط_مشيرا إلي حمزة:: اجلس لو سمحت جلس حمزة في هدوء وثبات الضابط::كيف حالك يا بني؟؟ تعجب حمزة من هذه الصيغة في الحوار ولكنه تعمد أن يقول:: الشكر لله الضابط:: أنت صبي جميل جدا...اشعر أنك ابني لأنك في عمر ابني الأصغر حمزة_بسخرية:: ابنك؟؟ الضابط_وهو يشعل غليونه ببطء::بالطبع يا حمزة...أنت بعمر ابني مارك ... آه كم أشتاق إليه....لابد أنك أيضا تشتاق إلي أسرتك اهتز قلب الصبي إثر تذكيره بأسرته، يبدو أن هذا الضابط الماكر يطرق متعمدا على وتر المشاعر،لكنه نظر إلي الضابط في ثبات ولم يجب الضابط:: لابد أنك اشتقت إلي منزلك و إلي أصوات إخوتك و إلي حنان أمك هرب حمزة بعينيه حتي لا يلاحظ الضابط كيف أنه يذوب حنينا لحضن أمه وعطف أبيه و إخوته ، حاول الصبي بكل صلابته أن يتصدى لتلك الدموع التي تنوي خذلانه واحتلال مقلتيه وقف الضابط ودار حول حمزة ببطء ثم وضع يده علي كتفه قائلا في صوت حاول جعله رقيقا:: مكانك ليس هنا يابني....مكانك هناك...في بريطانياحيث تعيش...حيث أسرتك...منزلك....أصدقائك...أليس كذلك؟؟ استجمع حمزة شجاعته و نظر في عيني الضابط ثم قال::أنا هنا لأنكم تريدونني هنا تعجب الضابط من نظرات الصبي الشجاعة لكنه قال بثبات:: نحن لا نريدك هنا...نحن نريدك ان تعود لمنزلك....ولكننا لن نستطيع إعادتك إلا عندما تساعدنا حمزة_بثبات::وكيف أساعدكم ياتري؟؟ الضابط_مبتسما: أسماء....لا نريد منك سوي أسماء و أماكن....فقط لاغير حمزة_بثبات وبلهجة تساؤل:: أسماء من؟؟ الضابط_مبتسما بارتياح وقد علم أنه نال مراده::أسماء كل من كنت تراهم من الإرهابيين المعادين لنا في بغداد حمزة_مبتسما: ولماذا تسميهم بالإرهابيين؟؟ الضابط_بتعجب:: لأنهم يقتلون جنودنا ليلا ونهارا في بغداد،في البصرة، في الفلوجة وفي كل مكان حمزة_بهدوء:: لو لم تأتوا إلي بلادهم لما قتلوكم الضابط_وقد بدأ يغضب:: و أنت؟؟ وأسرتك...و من هم مثلكم لماذا تقفون معهم؟؟ حمزة_بهدوء:: أنا منهم الضابط:: أنت بريطاني حمزة بهدوء:: أنا في الأصل مصري أمي فلسطينية أنا عربي و مسلم قبل كل هذا أنا منهم ضرب الضابط المكتب بقبضته في غضب هاتفا:: نحن جئنا إليهم لانتشالهم من مستنقع الإرهاب و الجهل إلي مراتب المدنية والتحضر حمزة_بهدوء::و ما فعلتموه بأبي بكر هل هو تحضر؟؟ وما تفعلونه بالسجناء هنا هل هو مدنية؟؟ الضابط_مواجها حمزة وهاتفا في غضب::اسمع أيها الصبي....إن لم تتعاون معنا فتأكد تماما أنك لن تري أسرتك مرة أخري حمزة_في ثبات:: آسف....لن أشي بأحد هوت صفعة حادة من يد الضابط علي وجه حمزة فكاد يسقط من علي الكرسي ثم اعتدل بسرعة ناظرا بعين الضابط قائلا بتحدي رغم الألم:: لن أشي بأحد هوت صفعة أقوي علي وجه الصبي أسقطته أرضا والضابط يصرخ::تكلم وقف حمزة مواجها الضابط لكن دموع الألم تساقطت رغما عنه كما سالت دماؤه من ركن فمه ولكنه قال بثبات:: لن أشي بأحد....أبدا جن جنون الضابط فراح يضربه ضربات متتالية علي وجهه و رأسه وهو يصرخ به ساباً إياه بأفظع الشتائم الممكنة حتي سقط الصبي مغشيا عليه فتوقف الضابط الأهوج ليلتقط أنفاسه اللاهثة ثم أمر حارسان بقذف حمزة في حجرة خالية وحده علي الأرض الباردة وكأنما هو خرقة بالية وليس إنسانا....وكيف لا و هم من قسموا الناس طوائفا وجعلوا الحريات شيعا ،،،،،