مضت الأيام و الأسابيع و الأشهر بحلوها ومرها وكان حمزة سعيدا جدا بما يحرزه من تقدم في دراسته ...لقد عينت له إدارة المعتقل معلما يساعده في دراسته و يشاركه في تلك الدراسة مجند أمريكي شاب حديث التجنيد يدعي ((مارك)) يكبره بثلاث سنوات قد طلب أن يكمل دراسته ليحصل علي مؤهل أعلي مما هو عليه الآن ليحسن من مستواه العلمي والمهني فيما بعد.... كانا يتلقيّان دروسيهما من هذا المعلم في مبني ملحق بفناء المعتقل...من يدخل هذا المبني لا يشعر أبدا أنه ضمن حدود جوانتانامو المعتقل الرهيب....إن هذا المبني واحة وسط صحراء قاحلة هو مبني بسيط يتكون من ثلاثة طوابق كل طابق بمثابة شقة صغيرة تتكون من حجرة نوم وصالة بها تلفاز و مقاعد مريحة جدا ثم المطبخ وبه أحدث الأجهزة الكهربائية ثم الحمام ....من يطل من شرفة حجرة النوم الواسعة يري مباني وشرفات المعتقل بعيدة جدا وبالكاد يستطيع أن يري الأشخاص المطلين من هذه الشرفات....المبني واحد من عدة مباني مجاورة له مخصصة كاستراحات لجنود حراسة المعتقل تحيط بالمباني جميعا حديقة رائعة كانت الدروس يومية و تبدأ من الثانية ظهرا حتي السابعة مساءا...كان حمزة ينهل من العلم كظمآن يرتوي من بعد عطشه عقله متقد الذكاء، يستوعب المعلومات أعمق من مارك و أسرع تحصيلا لذلك كان يستحوذ غالبا علي ثناء المعلم ولكن مع هذا كان مارك ودودا جدا معه فتوطدت صداقتهما بسرعة،بعد انتهاء الدرس كان حمزة يعود مرة أخرى إلى زنزانته، يشعر يوميا بأنه يسقط من حلم سحري جميل إلى واقع أليم،ينتقل من جنة إلى جحيم، من فضاء رحب إلى سَم الخِياط عاد حمزة يوما إلي زنزانته بعد الدرس كعادته فوجد أبا بكر ووجهه متغير قليلا...ألقي السلام ثم استلقي علي سريره مطلقا تنهيدة إرهاق أبو بكر:: وعليكم السلام ورحمة الله يا بني....كيف أبليت اليوم في دروسك؟؟ حمزة_بسعادة:: بلاءا حسنا أبوبكر:: الحمد لله حمزة:: الحمد لله أبوبكر_متعجبا:: هل ستنام الآن؟؟ هل صليت العشاء؟؟ اعتدل حمزة جالسا وهو يفرك عيناه في إرهاق:: آه يا أبي...لم أصلي الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء أبوبكر_في حزن عميق وبصوت مشفق هادئ:: أنت علي هذا الحال منذ أسبوع يا حمزة....كل يوم تصلي جميع الصلوات معا عند العشاء...هل يمنعونك من الصلاة هناك؟؟ حمزة_في بعض غضب مكتوم:: لا...لكنني قضيت سنوات ثلاث بدون قطرة علم واحدة وهذا ما يجعلني أنهل من العلم المتاح لي ولا أستطيع إفلات لحظة منه والمعلم لا يتوقف عن الشرح عند قيامي للصلاة أبوبكر_بصوت حزين هادئ: هذا لا يجوز يا حمزة...إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا..لا بارك الله في عمل يلهي عن الصلاة يا بني كما تعلم حمزة_يسرع إلي الوضوء من وعاء الماء المخصص لذلك فرارا من استمرار أبي بكر في لومه:: حسنا يا أبي... إن شاء الله أفعل ثم وقف مكبرا فلاذ أبو بكر بالصمت المرير...لقد بدأوا حربهم ضد الفتى الغض عديم التجارب ******* تحسنت حبيبة جدا خلال هذه الأشهر الثلاثة فيما كانت سعاد تتحسن ببطء فقرر أحمد أن يصنع لزوجته احتفالا صغيرا بمناسبة قرب الشفاء .... دق باب الحجرة ثم دلف إلي حجرة حبيبة التي كانت الممرضة ((هدي)) تسحب الحقنة من وريدها في تلك اللحظة...كان أحمد يحمل هدية مزينة بورق جميل لامع بين يديه حبيبة_بفرحة:: ما هذه يا أحمد ؟ أحمد_يجلس جوارها قائلا بسعادة:: هذه هدية لأميرتي الحبيبة حبيبة بمناسبة قرب الشفاء إن شاء الله لم تتمالك حبيبة نفسها فاحتضنته قائلة:: حبيبي و فجأة سقطت الحقنة من يد الممرضة فارتبكت قائلة:: المعذرة...سقطت دون إرادة مني لم يجب أحمد فقالت حبيبة:: لا عليك يا هدي نحن نتعبك معنا_ثم أضافت في مرح_والله يا أحمد إن هدي هي من تستحق هذه الهدية شكرا لها علي سهرها معي طوال هذه المدة ارتبك أحمد قليلا وقال دون أن ينظر إلي هدي:: معك حق حبيبتي....مهما شكرناك لا نوفيك حقك يا آنسة هدي ارتبكت هدي جدا قائلة:: هذا عملي يا د.أحمد ولا يشكر الإنسان علي أداء عمله....حفظ الله مدام حبيبة لك أحمد:: آمين ارتبكت هدي من جديد قائلة:: عذرا هل أخرج لأغسل وجهي بماء بارد ؟؟ فأنا أشعر بقليل من الحرارة حبيبة:: طبعا حبيبتي هدي تفضلي بعد أن خرجت كان أحمد شارد الذهن قليلا فاجتذبته قبلة حبيبة علي وجنته في دلال من شروده...استفاق فاحتضنها فطوّقت عنقه بذراعيها حبيبة:: أحمد...ألا تبيت معي الليلة؟؟ لقد اشتقت إليك كثيرا كانت كلماتها تؤلمه بشدة لكنه ابتسم قائلا:: حبيبتي أنت تعلمين أنني استحي من المبيت هنا عند والدك يوميا حبيبة:: لماذا؟؟ لقد كنت تبيت معنا هنا يوميا في الشهر الأول من مرضي فلماذا تستحي الآن؟؟ أحمد_مرتبكا:: لأنك كنت مريضة جدا في الشهر الأول وما كان لي الابتعاد عنك..أما بعد هذا فقد بدأت حالتك بالتحسن سريعا فما الداعي؟؟ حبيبة_بدلال:: حتي و إن قلت لك لأجل خاطري؟ أحمد:: لا يا حبيبة أرجوك ألا تضغطي علي لأن.................... قاطعته بطبع قبلة طويلة علي شفتيه...أغمض عيناه و تهاوت دفاعاته...ابتعدت قليلا برقة ونعومة ثم نظرت بعينيه هامسة بدلال:: أرجوك...بت معي الليلة تنهّد أحمد مبتسما هامسا:: حسنا...كما تأمر الملكة حبيبة__ثم استدرك وكأنه أفاق من حلم_ ولكن أين ستبيت هدي؟؟ حبيبة:: في حجرة ياسمين كما كانت تبيت في بداية مرضي...جزاها الله عني خيرا هذه الفتاة أحمد_شاردا:: آمين ثم قام فدخل الحمام الصغير الملحق بالحجرة وفي تلك الأثناء عادت هدي فطرقت باب الحجرة فأذنت لها حبيبة بالدخول حبيبة_بابتسامة طفولية مشرقة:: هدي نحن متأسفان جدا هل تبيتين الليلة مع ياسمين؟؟ فهمت هدي المقصود فارتبكت قائلة:: طبعا...حسنا...هل أجمع بعض اغراضي لأضعها في خزانة ياسمين؟؟ حبيبة_بابتسامة رائعة:: طبعا...تفضلي رحبت ياسمين بهدي في حجرتها ثم تركتها لتضع ملابسها في الخزانة بحرية وأغلقت الباب...فتحت هدي الخزانة فرأت صورتها في المرآة...وقفت تنظر لنفسها قليلا ثم لم تتمالك مشاعرها أكثر فغطت وجهها بكفيها في بكاء شديد هامسة:: يارب ألهمني الصبر....اللهم اجعل لي من ذاك الكرب فرجا و مخرجا أما أحمد فقد كانت أفكاره تتهادي كزخّات ماء الاستحمام البارد علي رأسه...سقوط الحقنة من يد هدي عندما احتضنته حبيبة...ارتباك هدي وخروجها مسرعة بحجة غسل وجهها بعد أن دعت لحبيبة فأمّن هو علي دعائها..اضطراب هدى كلما رأته سواء في المنزل أو المشفى...ما معني كل هذا؟؟ ما معناه؟؟..هل هو واهم؟؟ آه يا رب..إحساسه بأنه محق يكويه و إحساسه بأنه واهم يكويه...أرجع أحمد رأسه للوراء سامحا لزخّات أكثر من المياه بغسيل وجهه بنعومة لعلها تتغلغل إلي قلبه فتعيد إليه هدوءه الذي فقده فجأة منذ أشهر ******* عاد حمزة كعادته من درسه فارتمي علي فراشه في زنزانته مرهقا جدا أبوبكر:: حمزة هل.......... حمزة_في صوت نائم:: أرجوك يا أبي اتركني لأنام فأنا لا أقوى الآن علي النهوض للصلاةو في الصباح استيقظ باكرا علي صوت نفير السجن كالعادة ...اصطفوا أمام الزنزانات فقال حمزة خلسة بابتسامة كعادته:: صباح الخير يا أبي كان أبو بكر عابسا لكنه همس:: صباح الخير يا حمزة اشتمّ حمزة رائحة الغضب والحزن من كلمات أبي بكر المقتضبة وملامح وجهه العابسة لكن لم يتسع الوقت لمناقشته فقد وزعت المهام اليومية علي المساجين....عاد المساجين إلي زنزاناتهم قبل الظهر بقليل وكان أبوبكر مازال عابسا لا يتحدث وحمزة لا يجرؤ علي مفاتحته في شئ ثم ذهب إلي درسه وعاد ليلا فوجد أبا بكر نائما ثم حدث في اليوم التالي نفس الشئ فاختلس حمزة لحظة وجّه فيها كلامه لأبي بكر قائلا:: أبي ما بك؟؟ أومأ أبو بكر برأسه نافيا دون كلمة عندما عاد حمزة من مهمته كمسجون كالعادة قبل الظهر كان مصرّا علي مفاتحة أبي بكر قبل ذهابه للدراسة حمزة:: أبي أريد التحدث إليك لوسمحت أبوبكر:: حمزة لو سمحت أنا مرهق الآن حمزة:: لا يا أبي....هذا ليس إرهاقا و هذه ليست طريقتك الطبيعية في التعامل معي،هذه قطيعة خفية، و القطيعة بيننا لا يمكن أن تستمر اعتدل أبوبكر جالسا دون النظر إلي حمزة قائلا بهدوء:: قل...أسمعك جلس حمزة أمامه علي الفراش قائلا بحزن يحاول إخفاءه:: أنت لا تطيق النظر إلي وجهي حتي.... ألهذا الحد غاضب مني؟؟ نظر إليه أبو بكر قائلا في هدوء غاضب :: ها أنا أنظر إليك ولكن لا أراك...لا أري حمزة الذي جاء بطلا منذ ثلاث سنوات....لا أري حمزة الذي يثبت المسجونون خجلا من ثباته...لا أرى حمزة الذي يبث الأمل في قلوب هؤلاء المعذبين بأن الثبات رغم كل هذا العذاب أمر ممكن ،لا أري حمزة الذي لا يلين ولا يفرّط في مبادئه ولا يستهين نزلت كلمات أبي بكر الغاضبة علي قلب حمزة نزول الملح علي الجراح...لأول مرة يراه غاضبا هكذا...أما حمزة فيعلم تماما فداحة خطأه وهو غاضب علي نفسه عالم بتقصيره لكن تتقاذفه رياح الندم حينا و التبرير حينا والخوف من الغد حينا فتترنح خطاه ترنح السكران حمزة_في هدوء متألم:: و ماذا أيضا؟؟ أبوبكر_وقد بدأ الغضب يكسو صوته :: لا أدري...حقا لا أدري...ثلاثة اشهر فقط معهم و تحوّلت تحولا غريبا...قرآن لم تعد تقرأ...سنن لم تعد تصلي....حتي الصلوات المفروضة تجمعها بلا اكتراث...هل أنت حمزة الذي أعرفه منذ ثلاث سنوات؟؟ من أنت؟؟ ...بالله أخبرني من أنت؟؟ أطرق حمزة قليلا ثم قال بنبرة بدأت في التصاعد تدريجيا من الغضب::معك حق يا أبي..بالطبع لم أعد انا حمزة الذي تعرفه.هل تدري لماذا؟؟ لأنهم قتلوني و أحيوا شابا آخر لأنني عشت جحيما في سبعة أيام لم أعشه منذ وطأت قدماي أرض هذا الجحيم منذ ثلاث سنوات لأنهم استباحوا كرامتي و عِرضي وروحي بلا رادعبلا ثمن لأن كل ما حدث لي يعد جرائم يعاقب عليها القانون لو كنا خارج أسوار هذا السجن...... لكنني هنا فريستهم طوع بنانهم كدمية تتقاذفها ايديهم.......لا أحد يستطيع ردهم عن إيذائي، عن قتلي ببطء عبر قتل كرامتي، عن التهام سنوات عمري كما يشاؤون، لا رادع لهم عني ولا عن أي منكم أبوبكر_في غضب متألم:: و أنت قد نسيت كل هذا....الثمن هو روحك...أنت تبيعها لهم الآن بهذا الشكل...تقدمها لهم علي طبق من ذهب حمزة_غاضبا:: ما نسيت...و لن أنسي أبدا ما فعلوه بي...لكنني أتناسي أبوبكر_غاضبا:: لماذا؟؟ حمزة_هاتفا والدموع تتجمع بعينيه:: كي أعيش طبيعيا...إذا لم أتناسي سأموت...إما سأقتلهم أو سأقتل نفسي...فهل هذا يرضيك؟؟ هل هكذا أصبح بطلا؟ ؟هل موتي أو انتحاري هو المغزي والهدف؟؟ أغمض أبوبكر عينيه ليسيطر علي مشاعره المائجة بالألم لأجله والغضب من عدم فهمه للعبة أو عدم اكتراثه ثم قال غاضبا:: الجميع هنا تعرّض لما تعرضت له ولكن لا أحد استسلم...بل يزدادون ثباتا علي عقيدتهم...فهل تسقط أنت في أول اختبار؟؟؟...أنا أخشى عليك منهم ومن نفسك يا حمزة...قلبك مازال أخضرا ...بلا خبرات إنهم لايريدون إلا هذا القلب ،ألا تعي ذلك؟؟ كان السجان الموكل بالذهاب مع حمزة يوميا إلي المبني للتعلم قد حضر وكان حمزة في قمة غضبه إلي حد الهذيان فنطق بكلمات لا يعي كيف خرجت منه حمزة_وقد أعماه الغضب:: بل أنت الذي لا تعي حقيقة الأمر أبوبكر_متعجبا من طريقة حمزة:: أي أمر؟؟ حمزة_ومازال غاضبا:: حقيقة الأمر أنك لست أبي الحقيقي،لذلك لن تشعر بي و بما يمزق داخلي،ستظل تردد شعاراتك الجوفاء دون أن تحاول فهمي،لقد قُذِفت في جحيم السبعة أيام بسبب مناداتي لك بأبي، و يبدو أن هذا كان غباءا مني...فأرجوك كفى ،لا تتمادي في دور الأب ولا تملي عليّ نصائحك، أنا لست مصعب، ولدك مصعب بالخارج ينعم بالحرية وليس هنا نظر أبوبكر إليه مبهوتا لا يقوي علي الرد فيما مضي حمزة مع السجّان إلي المبني المخصص لدرسه وفي منتصف الطريق لم تقو رجليه علي حمله فقد كانت مشاعره مضطربة كبركان بين الندم و الغضب لما تفوّه به فسقط علي الأرض تعجب سجّانه وأمره النهوض فلم يقو علي هذا أطلق السجّان صفارة فحضر جندييان حملا حمزة نحو عيادة الطبيب وبعد قليل حضر إليه ((مارك))وصّف الطبيب حالته باضطراب نفسي حاد تركهما الطبيب وحدهما قليلا مارك يربت علي كتف حمزة:: ماذا حدث يا صديقي؟؟ صمت حمزة قليلا ثم حكي له ما حدث مع أبي بكر وكيف أن الندم يمزقه لما تفوّه به.... نحو الرجل الذي عامله كأفضل أب منذ وطأت قدماه أرض هذا المعتقل جريحا يوشك علي الموت أخيرا استطاع حمزة النهوض فتوجه مع مارك والسجّان إلي مبني الدرس ثم خرج مارك قليلا ثم عاد ومعه جنرال هو مساعد نائب الآمر الذي أمر حمزة بالتوجه معه إلي مكتب نائب الآمر فورا... دلف حمزة متعجبا ينبض قلبه بحلقه...ماذا يريدون به مرة أخري؟؟..لا يدري لماذا تصيبه ملامح نائب الآمر دوما بالاضطراب رغم مودته الظاهرية ملامحه تشبه الذئب...دلف إلي المكتب وهو يخفي ارتعاشة قلبه نائب الآمر:: كيف حالك يا حمزة؟ حمزة::بخير نائب الآمر:: سمعت عن مشكلتك مع زميلك بالزنزانة حمزة_يخفي اضطرابه:: ليست هناك أي مشكلة مع العم أبي بكر و إنما هو اختلاف في وجهات النظر نائب الآمر:: حسنا حسنا...عموما لقد قررت إدارة المعتقل نقل إقامتك كلية إلي المبني المخصص للدرس بهت حمزة لما سمع فقال ذاهلا:: أنا؟؟ لماذا؟؟ نائب الآمر:: أليس هذا أفضل؟؟ حمزة::لكنني لم أشتكِ نائب الآمر:: كاد يغشي عليك بسبب ذلك الرجل شريكك في الزنزانة و اشتكيت لمارك حمزة_غاضبا:: ليس لمارك شأن بهذا،كيف يجرؤ و يتدخل فيما ليس يعنيه؟ إنه غبي أحمق هتف نائب الآمر غاضبا:: أيها السجين رقم 11٨...هل نسيت أنك في معتقل وتتحدث عن أحد مجنديه؟؟ قف باعتدال وقف حمزة وقفة رسمية يعرفها كل نزلاء جوانتانامو بما يشبه وقفة الجنود و ضرب الأرض بقدمه نائب الآمر_هاتفا بصوت قوي:: هل أنت هنا في رحلة؟ أجب بلهجة رسمية حمزة بصوت قوي كصوت الجنود:: لا سيدي نائب الآمر_بصوت قوي:: لماذا أنت هنا؟ حمزة_بصوته القوي مقطبا جبينه:: لأنني....لأنني نائب الآمر_هاتفا:: لأنك ماذا؟؟ حمزة_هاتفا بقوة بلهجة رسمية:: لأنني مذنب سيدي نائب الآمر::هل يجوز للسجين المذنب الاعتراض أو سب أحد المجندين؟؟ حمزة:: لا سيدي نائب الآمر:: هل يجوز للسجين المذنب الاختيار؟؟ حمزة:: لا سيدي نائب الآمر:: إذن فاذهب و عد بأغراضك فورا حمزة::حسنا سيدي خرج حمزة وهو يكاد يتميز من الغيظ الذي لا يستطيع أن يظهر منه قيد أنملة وذهب مع السجّان إلي زنزانته فدخل وحده دون السجّان...وجد أبوبكر يسجد فغلبته الرقة وجلس بجانبه علي الأرض وهو يجاهد لكي لا تنزل دموعه...رباه...الأمر صعب أكثر مما كان يتصور...إنه لا يتخيل حياته بدون أبي بكر...أنهي الرجل صلاته لكنه لم ينظر لحمزة و ظلّ مطرقا برأسه يسبّح سرّا أطرق حمزة برأسه قليلا ثم قال بصوت خفيض متألم:: سينقلونني قطّب أبوبكر جبينه ناظرا لحمزة بلا استيعاب حمزة_يزدرد لعابه في ألم قائلا:: أمر النائب بنقلي إلي مبني الدرس بشكل نهائي ظل أبوبكر ناظرا إلي حمزة صامتا مصدوما و قلبه يخفق بشدة كطير ذبيح ثم استطاع لسانه التحرك أخيرا فقال في صدمة:: ماذا؟؟...ماذا تقول؟؟ لم يستطع حمزة الاحتمال أكثر فألقى بنفسه بين ذراعي أبي بكر قائلا بصوت متهدج وقد فكّ أسر دموعه أخيرا:: سامحني يا أبي...أرجوك سامحني....نادم علي كل حرف قلته لك...نادم حد الموت...لكن انَّي يجدي ندمي الآن؟؟خطأي القاتل أنني كنت غاضبا لذلك أخبرت مارك بما حدث من مشادة بيني وبينك فأخبر الإدارة التي أمرت بنقلي فورا أبتاه، أرجوك لا تتركهم يبعدوني عنك...لا تتركهم يأخذوني منك يكفيني فراق أبي وأمي وإخوتي أغمض أبوبكر عيناه في ألم يفتت قلبه تفتيتا ثم أبعد حمزة قليلا ليواجهه وجها لوجه ثم قال بقوة وثبات رغم انهمار دموعه:: اثبت يا حمزة اثبت يا بني...لا تكن ضعيفا أمامهم أنت رجل....رجل لا تظهر لهم جزعك يا بني حمزة_باكيا:: لكنني لا أستطيع الابتعاد عنك...كيف سأعيش معهم بدونك؟؟ لا تتركني لهم أبوبكر_يحتوي وجه حمزة بين كفيه ناظرا بعينيه مباشرة قائلا في قوة:: الله معك...إن كانوا سيبعدونك عني فلا أحد يستطيع إبعادك عن ربك...هو حسبك....هو سندك...ما أبوبكر؟؟...أبوبكر بشر ضعيف...يمرض ويذهب ويموت...أما الله فهو الحي الذي لا يموت...استعن به و توكل عليه يكن لك أبدا ما أحياك،تعلق بحبله المتين ولا تفلته أبدا حمزة_في بكاء شديد:: سامحني علي ما أغضبتك...اغفر لكلماتي الطائشة و لساني الأرعن أبوبكر_يضمه لحضنه بقوة من جديد:: سامحتك سامحتك يابني...سامحني أنت علي أسلوبي الجاف في نصيحتك حمزة_في انهيار:: أرجوك أبتي لا تطلب مني السماح....لا تزيد عذابي،أعلم أن كلماتك خرجت قاسية لحبك لي و خوفك عليّ.....أعلم هذا جيدا...لكن شيطاني جعلني أكابر و أغضب...جعلني أعمي هتف السجّان بصوته الأجش::هيا أيها المسجون 118 ..اسرع..لن نقضي اليوم كله هنا وقف أبوبكر و أوقف حمزة شادّا علي ذراعيه في قوة قائلا:: هيا يا بني....وتذكر ما أخبرتك ...لا تدعهم يطمسون هويتك...كن لله كما يحب يكن لك فوق ما تحب_ثم احتوي وجهه بين يديه مرة أخري في حنان قائلا:: دينك يا بني...عقيدتك...لا تتركهم يفسدون مبادءك...وليكن القرآن دليلك في ليل الفتن كما كان أنيسك في ليل العذاب حمزة_من بين دموعه::أدعُ الله لي....لا تنساني من دعائك يا أبي تأثر أبوبكر كثيرا فسالت دموعه مدرارا ولم يعد يقوي علي الكلام فهمس بصوت متهدج:: دعوت الله لك في أول يوم رأيتك فيه منذ ثلاثة أعوام ولم أكن أعرفك..فكيف باليوم وقد أصبحت قطعة من روحي... كيف أنساك يا حمزة...وهل ينسي المرء ابنه؟؟ احتضن كلا منهما الآخر بقوة في وداع كسته الدموع فيضا من أسمي المشاعر ثم زمجر السجّان خارج الباب مرة أخري.... فحمل حمزة أشياءه القليلة وذهب مسرعا حتي لا يذرف مزيدا من الدموع جلس أبوبكر علي طرف فراشه كمن يسقط من علٍ كانت عيناه..... تجودان ما زالتا فدفن وجهه بين كفيه هامسا إلي ربه:: اللهم عفوك و غفرانك...ليتني ما قسوت عليك يابني لهذا الحد .ستدفع الآن يا أبا بكر ثمنا باهظا أتمني ألا يدفع الفتي المسكين مثله...إلهي...نجّه من مكائدهم و أنقذه من حبائلهم ،،،،،