كان حمزة مع والده في حجرة المكتب يمهد لرغبته في الخطبة قبل حضور عمر لمفاتحته رسميا في الموضوع، كانت ياسمين في حجرتها تحبس أنفاسها رغم يقينها بأن خالها لن يرفض خطبتها من ابنه،مضى حوالي ربع ساعة ثم سمع الجميع صوت حمزة المرتفع في غضب شديد، هرولت حبيبة تلقائيا نحو حجرة المكتب فاصطدمت بحمزة الذي كان يفتح الباب في نفس اللحظة و الشرر يتطاير من عينيه حبيبة_في فزع:: ما بالكما ؟ حمزة_في غضب أعمى:: اسمعي، تعالي واسمعي ماذا يقول والدك حبيبة_ في فزع:: ماذا ؟ حمزة_صارخا:: لا أعلم لماذا يصر على تأجيل الخطبة حبيبة_محاولة التهدئة:: حسنا حسنا لا بأس، لعله يريد أن يؤجلها حتى تمضي فترة مراقبتك و حرمانك من حقوقك المدنية، أليس كذلك يا أبي؟ نظر والدها إليها بحزن خفي ولم يجب في حين هتف حمزة:: لا ، كلما سألته إلى متى فلا يجيب، سألته لماذا فلم يجب،سليه،سليه بنفسك هرولت ياسمين إلى الدَرَج الداخلي ووقفت تسمع ما يحدث من بعيد وقلبها يكاد يهبط إلى قدميها ،ظل حمدي صامتا و كأنه يحمل جبلا لا يريد أن يلقيه على كتفي أحد آخر اقتربت حبيبة من والدها قائلة في صوت مهذب ملئ بالرجاء:: أبي ارجوك،أخبرنا فقط لماذا ؟ نحن سنتفهم صدقنا نظر إليها حمدي لكن لسانه لم يتحرك حبيبة: أرجوك يا أبي،إن هذا القرار مصيري،أخبرنا بما في قلبك شعر حمدي بالضغط الرهيب على أعصابه المنهكة فهتف بصوت متهدج::من أجل هذا ثم أخرج علبتين فارغتين تشبهان علبة المياه الغازية الصغيرة((الكانز))،للوهلة الأولى لم تفهم حبيبة في حين وقف حمزة مبهوتا صامتا حبيبة_غير مصدقة:: ما.........،ما هذا يا أبي؟ حمدي_في حزن شديد::هذا ما وجدتُه في سلة مهملات حجرة أخيك ِ،سليه ما هذا حبيبة_تدير رأسها نحو حمزة في ذهول:: حمزة ، هل هذه.............. أفاق حمزة من ذهوله و استبدل الصدمة بغضبة جاهلية فهتف ::نعم، أنا أشرب الخمر ، منذ كنت في المعتقل و أنا أشربها، نعم أنا لم أعد حمزة الذي تعرفون ،و ليست الخمر فقط هي ما سيجعلك تتقزز منِّي يا د.حمدي أوهنت الصدمة قدمي ياسمين فجلست مصدومة على الدرج واضعة رأسها بين كفيها هتفت حبيبة من بين دموعها:: حمزة واصل حمزة صراخه في وجه أبيه وكأنه لا يسمع صوت حبيبةقائلا: ولكن بأي حق تحطم حياتي الآن بعد أن حطمت حياتنا جميعا؟ أتعلم متى شربتُ خمرا لأول مرة؟ بعد أن علمتُ بموت أمي، أمي التي قتلها تباهيك و حب الظهور لديك كانت حبيبة تبكي بكاءا مريرا لكنها أمسكت بذراعه تهزه بشدة هاتفة:: ماذا تقول؟ أفِق و كُف عن الهراء ، أفق يا حمزة واصل حمزة هتافه كأنه لم يسمعها :: نعم، سأخبرك بما لم يستطع أحد إخبارك به، أنت سبب نكبة كل فرد في أسرتنا هذه ،قذفتنا إلى جحيم العراق ولم تبالي بصغر سننا واستغللت حماسنا الساذج حينها، أ ْلقيتُ إلى جحيم ليس مثله جحيم على الأرض بسببك و ذقتُ مالم يحتمله بشر بالمعتقل ، ماذا تعرف أنت عن القضبان الحديدية؟ عن الأسلاك الشائكة؟ عن الإهانة و القهر و دموع الرجال؟ أنا عشت كل لحظة من هذا العذاب، وأنت خارجا تمارس هواية حب الظهور،رأيتك يوم محاكمتي تقف جامد الملامح حتى بعد الحكم عليَّ وكأنك لا تبالي لمصير ذاك اللاشئ الذي أنجبته لتلقيه في التهلكة، حسام فقد ذراعه في العراق بسببك، و الأهم من كل هذا أمي، أمي التي لم تهتم بمرضها و فزعها مما حكموا به عليَّ فألقيت بها إلى أتون حرب أخرى لتلقي حتفها هناك، أنت أخذت مني كل شئ، سنوات طفولتي، و كرامتي، و منزلي وأمي، والآن تسعى لأن تحرمني من حبي الوحيد أيضا،إذا كنت تكرهنا إلى هذا الحد فلماذا أنجبتنا؟ عادت حبيبة تهزه من بين دموعها الغزيرة وهي لا تكاد تصدق اذنيها قائلة:: اخرس يا حمزة بماذا تتفوه؟ أأنت مخمور؟ حمزة_والدموع تتساقط من عينيه:: أنا مخمور منذ ماتت أمي،ولم أتمنى أن أفيق يوما،لكنني أفقتُ الآن ، الآن فقط ثم خرج مسرعا نحو باب المنزل لكنه وجد ياسمين تقف منتصف الدرج وعينيها تنهمران من خلف نقابها،نظر إليها نظرة حزينة ثم مسح عينيه بسرعة متوجها بنفس السرعة خارج الباب مغلقا إياه بمنتهى العنف،ساد صمت المكان كأنه صمت القبور،ظل حمدي على حاله منذ بدأ حمزة بصب غضبه عليه،صامتا يستند إلى مكتبه مطرقا، جمدت حبيبة مكانها برهة ثم أفاقت أخيرا فتوجهت نحو والدها في حنان قائلة من بين دموعها:: أرجوك يا أبي لا تحزن،أرجوك لا تغضب عليه، إنه يهذي ولا يعي ما قال فورة غضب شيطانية وستذهب إلى حال سبيلها أشار حمدي إليها بيده قائلا بصوت متهدج: اتركيني الآن يا حبيبة لو سمحتِ لم تستطع أن تتركه هكذا فألقت بنفسها في حضنه باكية قائلة:: أبي ، لا تبالي لما قال،أنت أفضل أب في الوجود،إنه طائش فلا يحزن قلبك، أرجوك،إنه فقط متألم ،عاش أياما صعبة جدا، لا تحزنك كلماته، سيفيق بعد قليل ربت حمدي على رأسها بلا أدنى كلمة حتى لا ترى طيف الدموع بعينيه ، تركته بهدوء وخرجت وأغلقت باب المكتب خلفها كما يحب أبوها، اتجهت نحو الدرج الذي تركته ياسمين منذ قليل،ياسمين التي أيقنت أن عالمها كله قد انهار،ربما إلى الأبد ****** مرّ اليومان التاليان سوداوان على الجميع، استجاب حمزة لإلحاح أخته للمبيت في منزلها قضاهما حمزة في الحجرة المخصصة له ،لا يكاد يتكلم مع أحد ، كان صباحا مشرقا حينما دق حمزة الصغير باب حجرة حمزة الذي أذن له بالدخول.... اقترب الصغير حتى جلس جوار حمزة، ابتسم ذاك الأخير له في حب ثم قبّل رأسه الطفل:: هل أنت غاضب من جدي حمدي يا خالي؟ حمزة_مبتسما في ألم:: من أخبرك هذا يا صغيري؟ الطفل::سمعت أمي تخبر أبي حمزة_يربت على شعر الطفل:: لا ، لا تقلق، مشكلة صغيرة وانتهت الطفل:: إذن ستعود لمنزل جدي؟ حمزة_مبتسما:: وهل تريدني أن أعود؟ الطفل:: لا ، طبعا لا حمزة_مبتسما:: إذن سأظل معك قفز الطفل في فرح مصفقا:: إذن ستأتي معنا غدا إلى جدتي صفية ثم نذهب إلى منتزه الأطفال جوار منزلها؟ حمزة_ضاحكا:: حسنا كما تشاء،و لكن من هي جدتك صفية؟ الطفل:: هي جدتي، أم والدتي هدى رحمها الله حمزة_مبتسما في غير فهم:: و من هي والدتك هدى رحمها الله؟؟ الطفل:: لحظة واحدة ركض نحو حجرة أخرى ثم عاد مسرعا و بيده ما يشبه الكتاب،إنه كتاب صور فوتوغرافية(( ألبوم)) الطفل_يفتح الألبوم و يشير إلى الصور:: هذه هي ماما هدى رحمها الله كانت صورا لشابة تحمل طفلا صغيرا، وصورا لنفس الشابة بجوار امرأة عجوز ، ثم، ما هذا؟؟ ، هل هذه حقيقة أم أنه يحلم،إنها صورة نفس الشابة بجوار زوج أخته وهما متشابكي الأيدي ويحملان طفلا صغيرا، نظر حمزة إلى الطفل وهو. في قمة العجب ثم قال:: من.......من هذه المرأة؟ سمع صوتا مألوفا من خلفه يقول:: نعم ، إنها هدى ، زوجتي الثانية رحمها الله و أم حمزة الحقيقية التفت حمزة ليجد أحمد يقف خلفه في هدوء ، كانت أعتى علامات الدهشة الممزوجة بالغضب ترتسم على وجه حمزة ، لم ينطلق لسانه بحرف في بدء الأمر، ظلت نظراته متشابكة مع نظرات زوج أخته وعقله يدور في دوامات بلا فهم،ثم استطاع الكلام أخيرا حمزة_في ذهول يخفي غضبه::هل تخبرني أنني لستُ خال هذا الطفل حقا؟ أحمد: نوعا ما ف.............. حمزة_مقاطعا في هدوء مصدوم غاضب:: هل تخبرني أنك تزوجت امرأة أخرى غير أختي و أنها الآن تربي ابن تلك الأخرى؟؟ بلا علم بما يجري وصلت حبيبة الحجرة قائلة بتلقائية: حمزة، إنه حسام جاء ليراك كتم حمزة غضبه ثم خرج إلى حيث أخيه حسام حسام _مبتسما في ألم يكتمه:: كيف حالك يا حمزة؟ حمزة هادئا في غضب يكتمه:: الحمد لله يا أخي تعانقا ثم جلسا قليلا ثم وضع حسام يده على ساعد أخيه قائلا في حب:: ألن تعود إلى بيتك يا أخي؟ حمزة_في ثبات:: لم يعد هذا بيتي يا حسام وقريبا جدا سأستأجر شقة ببعض ميراثي من أمي رحمها الله أخفى حسام ألمه الممزوج بالغضب قائلا في هدوء مُحب:: حمزة صدقني،فكرتك عن أبيك خاطئة تماما ولا أعلم من الذي زرعها برأسك و.......... حمزة_مقاطعا في هدوء يستر ثورته:: حسام أرجوك، إذا كنتَ قد جئتَ لتوبخني فالأمر.......... حسام_مقاطعا في لهفة: لم آتي لتوبيخك يا حمزة،بل جئتُ خوفا على ............ حمزة_مقاطعا في تهكم متألم:: خوفا على أخيك الأصغر ذاك الطفل المدلل فاسد الخُلُق أليس كذلك ؟ تفاجأ حسام لكنه قال في هدوء:: بل خوفا على أخي،سندي بعد الله، ذراع أبيك في كبر سنه بعدما ضاعت ذراعي يا حمزة ظلت نظراتهما متشابكة برهة قبل أن يطرق حمزة ليخفي جهاده في منع قلبه من التأثر ثم استعاد رباطة جأشه القاسية فرفع رأسه ينظر إلى حسام قائلا في ثبات:: آسف يا حسام، كلماتك لن تغير من الأمر شيئا ولكن إذا كنتَ حقا تخشى عليَّ فساعدني في الفوز بابنة عمتك،ياسمين ،ياسمين يا حسام هي ما أسعى جاهدا للحصول عليه و يصر أبوك على التفريق بيني وبينها حسام_في إشفاق:: أبوك لا يسعى للتفريق بينك وبينها يا حمزة، كل ما في الأمر أن أبي ربّى ياسمين وعمر كأبنائه تماما كما تعلم منذ ماتت عمتك و زوجها بالحادث رحمهما الله، وهو يرى حالك الآن قد تغيَّر عمّا عهده فيك و لعله لا يأمن................ هبَّ حمزة واقفا قائلا في غضب شديد: لا يأمن عليها معي، أليس كذلك؟ قلها، قلها ولا تخشَ شيئا حسام:: حمزة اسمعني لتفهم مرادي حمزة_هاتفا في غضب:: أي مراد تقصد يا أخي، بأي حق يعتقد أبوك أن قراراتي خاطئة وحياتي خاطئة رغم أن حياتي كلها فسدت بسبب قراراته هو الخاطئة حسام_في غضب:: بأي حق؟؟!!!! بحق أبوته لك يا حمزة، لماذا تحمّل والدك المسؤولية عن قدر قد كتبه الله عليك؟؟ والدك الذي تتهمه بأبشع التهم كان منذ حَبْسِك يتقلب في جحيم لا يقل عن جحيمك بالمعتقل،لم يكن أبي ولا أي فرد منا يتوقع أن يصل بهم الانحطاط إلى حد اعتقال طفل، لقد أصيب بنوبة قلبية فور محاكمتك الأولى، كلنا كنا نُصلَى بسعيرك وأنت تظننا نمرح في النعيم غير مبالين حمزة_هاتفا: ثم ماذا؟ ثم تسبب في قتل أمي بعدها بشهر واحد،لم يمهلها حتى تشفى من مرضها الجسدي وعذابها النفسي لأجلي حسام:: وماذا تعرف أنت عن هذا؟ أمك رحمها الله هي من طلبت وألحت على أبيك أن يذهبا مع قافلة المساعدات إلى لبنان،اتخذت ذلك قربى لله تعالى لعله يفرج كربك،كانت تتوسل إليه يوميا حتى رضي بأن يصطحبها معهم إلى جنوب لبنان لتقديم المساعدات الطبية والغذائية حمزة هاتفا:: قرار خاطئ، أنا أتحمل دائما نتيجة قراراتكم الخاطئة، تحملت فِقد أمي بسبب قرار خاطئ منه، وتحملت سنوات الحبس و الذل بسبب قراراتكما الخاطئة، هو أرسلني إلى جحيم العراق و أنت أرسلتني إلى ذاك الموقع الخطير بدلا منك فضاعت سنوات طفولتي وضاعت كرامتي و كل شئ هبَّ حسام واقفا محيطا وجه حمزة بكلتا يديه قائلا بصوت متهدج و دموع منهمرة وغضب مكتوم على نفسه :: معك حق، معك كل الحق، و أنا أدفع ثمن خطيئتي تلك مع كل نفس من أنفاسي، ذنبي الذي يمزقني ليلا ونهارا، ذنبي الذي أبقاني في العراق أقاتل وأقاتل حتى فقدتُ ذراعي لعلي أُكفّر عنه، ومع هذا لا أرى ذلك كافيا فقد كنت أسعى لفقد حياتي والاستشهاد لعلني أنال الغفران ذنبي الذي لا يُغتفر إلا من رب العالمين ،معك كل الحق في كراهيتي، في صفعي حتى،في عدم مسامحتي والقصاص مني أمام الله يوم القيامة، صدقني لقد كنت في كل لحظة من حياتي أتمنى لو كنتُ أنا ذهبت إلى الموقع و اعتُقلت أو استشهدت بدلا منك، هل تعلم مدى جحيم مسؤوليتك عن عذاب من تحب؟ مسؤوليتك عن عذاب أخيك الأصغر؟ تجلدني دمعات أمي رغم جهلها بجريمتي،تجلدني نظرات أبي،تجلدني سنواتك الضائعة داخل ذاك المكان القمئ،تجلدني ظنوني وأفكاري حول ما يفعلوه بك صباح مساء،ليتني قُطّعتُ إربا ولم يمسوا شعرة من رأسك بسوء. ثم انهار حسام على المقعد مطرقا برأسه بين تاركا العنان لدموع و زفرات لطالما أحرقت قلبه وأثقلت كاهله لسنوات وكأنه يتحرر منها جميعا الآن ندما و ألما كعاصٍ يستعذب دموع توبته في محراب الندم ،جلس حمزة جواره وأحاط كتفي أخيه بذراعيه محتضنا رأسه على صدره، قلبه تتبعثر أشلاؤه رقة لأخيه لكن عيناه تأبى الخضوع لسيل دموعه التواق للانهمار،التواق للتحرر من قيد جموده الدخيل على نفسه،قيد وضعه هو بنفسه كحائط صلد بينه وبين حتى من يحبونه نطق حمزة أخيرا في هدوء يخفي تأثره قائلا: أنا آسف يا حسام،لا تقسُ على نفسك أرجوك، ما كان قد كان،وأنا هنا الآن لا أحمل في صدري ذرة ضغينة لك،أنت أخي وصديقي،وستظل أخي وصديقي إلى آخر نفس في صدري ظلت دموع حسام تنهمر برهة على صدر أخيه ثم استطاع أخيرا رفع رأسه إليه قائلا في توسل:: كيف تستطيع أن تسامحني ولا تسمح نفسك بمسامحة أبي؟ وهنا دخلت حبيبة إلى الحجرة ذات الباب المفتوح مسبقا قائلة في نبرة هادئة لكنها غاضبة:: آسفة على التدخل في حواركما ، و آسفة لك يا حسام لكن أبي ليس مخطئا كي تتم مسامحته، أبوك قد ضحي بكل شئ في سبيل الله يا حمزة، لقد وهبنا لله منذ ولادتنا وكذلك فعلت أمي رحمها الله، كما أنه كان يستشيرنا في كل خطوة يخطوها ولم يكن يتخذ قرارا إلا بعد إجماع الموافقة عليه من الصغير قبل الكبير حتى قرار سفرنا إلى العراق وقف حمزة قائلا في غضب: كنا صغارا، كنا صغارا واستغل هو سذاجتنا حبيبة:: تأدب في كلامك عن والدك يا حمزة فلقد تجاوزت حدودك معه كثيرا حمزة:: أنت تدافعين عنه لأن قراراتك خاطئة مثله تماما، هل هناك امرأة عاقلة توافق على الاستمرار في الحياة مع زوجها رغم أنه خانها مع أخرى بل و تربي ابنه من الأخرى أيضا؟ حبيبة_مندهشة:: من أخبرك بهذا؟ حمزة:: ليس مهما من أخبرني،المهم هو قرارك الخاطئ وسذاجتك و رضاؤك بخيانة زوجك لك بكل خنوع حبيبة_في غضب:: زوجي لم يخني يا حمزة، زوجي تزوج على سنة الله ورسوله كما أحل الله له،ثم ماذا تعرف أنت عن هذا؟ ماذا تعرف عن زوج لم يجرح مشاعري ولم يرض بالزواج منها بغير استئذاني؟؟ ماذا تعرف عن امرأته الأخرى التي رفضت الزواج به حتى لا تجرحني ولم تتم هذا الأمر إلا بعد أن أخبرتها بنفسي بموافقتي،ماذا تعرف عن رضيعهما الذي سمياه بإسم أخي تطييبا لخاطري و حبا لك، ماذا تعرف عن مرض الزوجة الثانية الخطير المفاجئ ووصيتها لي باعتبار ابنها كابني؟ ماذا تعرف عن إحساسي بالأمومة التي عشت أحلم بها طوال حياتي ولم أُرزقها؟ فرحتي وهو يكبر أمام عيناي شيئا فشيئا وأنا أناديه باسم من أغلى الأسماء على قلبي، اسمك هتف حمزة غاضبا:: لا تقنعيني أنك لم تحزني لزواجه بأخرى،لا تقنعيني أنك لم تبكي و تتألمي فأنا أعرف مقدار حبك له حبيبة_هاتفة والدموع تتجمع بعينيها:: نعم تألمت، نعم بكيت لأيام طويلة وتمزقت بلا إبداء أي شيء أمام أحمد، بل كنت أساعده في إتمام زواجه من هدى رحمها الله ولم أجرؤ على فعل غير ذلك هل تدري لماذا؟ حمزة_هاتفا:: لأن أباك لم يساندك ضد زوج باعك كما يفعل الأب الصالح هتفت حبيبة بلا وعي من بين دموعها: لا، بل لأنني لم أجرؤ على حرمان من أحب من أن يصبح أبا بعد أن حُرمتُ من أن أصبح أما بسببك تراجع حمزة مبهوتا من أثر الصدمة هامسا:: بسببي أنا؟ استمرت حبيبة باكية: نعم، لقد فقدت أنا و أحمد جنيننا في مظاهرة للدفاع عنك، تضرر رحمي ولم أعد قادرة على الإنجاب مرة أخرى فأرجوك لا تلقي التهم جذافا فليست حياتك وحدها التي دُمِّرَت في هذه العائلة يا حمزة وقف حمزة برهة مصدوما لا ينطق ثم أسرع الخطى نحو حجرته فدخل أحمد يحتضن زوجته التي انهارت من البكاء محاولا تهدئتها و مكررا الاعتذار و الأسف ، بعد قليل خرج حمزة يحمل حقيبته التى تحوي ملابسه، ركض حسام نحوه حسام:: حمزة، حمزة إلى أين تذهب؟ حمزة:: إلى جهنم حتى ، لا شأن لأحد بي أمسك حسام ذراع أخيه راجيا:: اهدأ يا حمزة، اهدأ يا أخي بالله عليك ولا تجعل للشيطان عليك سبيلا حمزة _غاضبا:: اتركني يا حسام ، أرجوك اتركني أسرع أحمد وحبيبة نحو حمزة أحمد:: حمزة ماذا تفعل؟ إلى أين تذهب ؟ استعذ بالله من الشيطان و اهدأ حبيبة_تتعلق بذراعه: حمزة أنا آسفة، لا أعرف كيف قلت هذه الكلمات، إن كل شئ بقدر الله ولا ذنب لك فيما حدث أحاط حمزة وجهها بكفيه رغم غضبه ناظرا بعينيها قائلا في ثبات:: أعلم أنك ِ لا تعنين ما قلتيه ولكن اعلمي شيئا واحدا، ما قلتيه الآن يجعلني أضع الذنب على كاهل أبيك أكثر،فلولا أفعاله منذ البداية لما حدث كل هذا قبّل حمزة رأس أخته ثم نظر إلى أحمد قائلا:: حافظ على هذه المرأة فلن تجد في الدنيا من تسامحك على زواجك بأخرى وتظل محتفظة بحبها لك وتربي ابن ضرتها مثل حبيبة حسام _في لهفة:: إلى أين تذهب يا أخي؟ حمزة:: لا تقلقوا، سأتصل بكم فور أن أنتقل إلى شقتي المستأجرة حسام:: إذن تعالى عش في منزلي و تذهب زوجتي إلى منزل حماي فهو قريب جدا من منزلنا وهم يحبونك كثيرا حمزة: لا ، حسام أرجو منك شيئا واحدا ، أخبر أباك على لساني أنه إن لم يوافق على ارتباطي بياسمين فلن يرى وجهي مرة أخرى ولن يسمع عني خبرا أبدا وليفرض أ نني مازلت بالمعتقل أو أنني قد مت، لا أحد يتبعني أرجوكم ثم خرج وتركهم صامتين كأن على رؤوسهم الطير كاد قلبها يتوقف فرحا وهي ترتدي حجابها ذي اللونين السماوي والأبيض فوق فستان خطبتها ذي اللون السماوي،كانت تنظر إلى انعكاس صورتها في المرآة و حبيبة تضع فوق رأسها طوقا من الياسمين الرقيق مثلها، نزلت الدرج الداخلي تتهادى في حياء وفي يدها باقة ياسمين و خلفها حبيبة ينطق وجهها الخالي من الزينة المصطنعة بالحبور والفرح ، دخلتا إلى حجرة بعيدة عن مكان الضيوف،كان بالحجرة خالها و عمر و ذاك الشاب ذو القلب النابض بعنف وعنفوان، ذو العينين المتلهفتين للقاء،كان يعلم أن من حقه أن يراها رؤية شرعيةبلا نقاب قبل الخطبة، لكنه أجّل هذه الرؤية إلى يوم الخطبة ذاته لتكون في فستان يشبه الأميرات كما عاش عمره يتمناها و يتخيل صورتها، دخلت فكأنما سطعت شمس في مجرته، في فستانها السماوي بدت كقطعة من سماء صافية يزينها خجلها ، إنها هي كما كانت تبدو في طفولتها لكنها كثمرة نضجت ،إنها هي حبيبة عمره، جلست إلى جوار أخيها الذي كان يجلس بينها وبين حمزة الذي ظل واقفا وهو لا يدري أنه مازال واقفا ،اقتربت منه حبيبة مبتسمةهامسة:: اجلس يا عريس كان حمزة يمسك بقطع حلي العرس((الشبكة)) و يعطي قطعة قطعة إلى عمر فيُلبسها أخته ،كان يتمنى أن يكون هذا اليوم هو يوم زواجهما لا خطبتهما لكن والده لم يرضَ عن ذلك فقد أصر أن يكون الأمر مجرد خطبة ووافق حمزة على مضض فهو ما زال سجينا ليس فقط لحكم المحكمة بل لحكم أبيه أيضا، لكنه سيمتطي الصبر حتى ينال كل ما يريد حتى لو استخرجه من فم الليث بركان مشاعره المكنون لابنة عمته لم يكن ليهدأ لحظة، لم ينم بعد انتهاء حفل الخطبة،كان يتقلب في فراشه بشقته المستأجرة، كان شوقه إليها جارفا ، أمسك بهاتفه ليحادثها لكنه تراجع فالوقت صار متأخرا، دخل إلى موقعه الإليكتروني وكتب لها رسالة كلمات قرأها قديما وعشقها لقصيدة لا يتذكر كاتبها يقول:: أبلِغ حبيبا ثنايا القلب مسكنه أني و إن كنتُ لا ألقاهُ، ألقاهُ و إن طرفي لموصول برؤيته و إن تباعد عن سكنايَ سكناه ياليته يعلم أن لستُ أَذكرُه و كيف أذكره إذ لستُ أنساه في الصباح الباكر قام إلى حاسوبه متلهفا لرؤية ردها، شعر بارتجافة قلبه وأصابعه تمر على أزرار الحاسوب بسرعة،أنار اسمها الشاشة فصدمه ما قرأ،ردها من كلمتين اثنتين،شكرا لك (شكرا لك)؟؟، هل هذا كل شئ؟؟ هل هذا ردها على سيل مشاعره ؟؟ إن ردها هذا لا يتناسب مع مايراه في عينيها دائما من طوفان مشاعر،فلماذا لا تتجاوب نبضاتها مع صدى صوت ولهه؟ تكررت إحباطاته كثيرا مع كل سيل من أحاسيسه يحده سد من كلماتها المقتضبة،لم يكن يعلم أن سيل مشاعره يلفها دوما في دوامات حب وسعادة تكاد تغرق قلبها،حب يصل أحيانا إلى حد البكاء ،لكنها تخشى إن استسلم لسانها لطوفان مشاعر قلبها أن يجرفهما تيار ذاك الحب بعيدا ،إنها تقوي قلبها الهش لتكبح جماحه حتى يصبح حلالها وتصبح حلاله فتترك العنان لقلبها ليحرك دفتها في حبه كما شاء،ثم جاء ذاك اليوم الحزين،يوم علم حمزة من نضال عبر مراسلاتهما أن صديق كفاحهما غسان قد فقد عقله تحت وطأة التعذيب في جوانتانامو وأنهم سلموه إلى أهله هاذيا ذاهلا عن الدنيا وما فيها،و ما إن رأى حمزة ذاك التسجيل المصور لغسان حتى ارتعد قلبه حد الموت، هل هذا حقا هو غسان أم أنه شبحه؟ عصفت الذكريات برأس حمزة ،آخر ذكرى جمعت بينه وبين غسان، كان الأخير ينظف حجرة حمزة في مبناه المنفصل عن زنزانات المعتقلين، تكرر تكليف إدارة المعتقل له بتنظيف حجرة حمزة، و تكررت مشاهدات غسان لزجاجات الخمر الفارغة في حجرة حمزة لكنه كان يكرر تغافله عنها وكأنه لم يرها وكان يحاول دعوة حمزة إلى الرجوع لطريق الله بالمداراة والكلام غير المباشر فهو يعلم تماما أن حمزة واقع تحت ضغط أكبر من كل من في المعتقل وأن شياطين الإنس قد اختارته لتغمره بشرورها،أما في اللقاء الأخير فقد انفجر البركان،كانت تينا تدعي أنها تشاجرت مع مارك شجارا كبيرا ،راحت تحتسي الخمر بشراهة وتذرف دموع التماسيح شاكية إلى حمزة خيانة مارك لها،طلبت من حمزة أن يراقصها على أنغام هادئة ففعل،طلبت منه أن تبيت في حجرته فوافق مرغما ،دخلت إلى سريره فأغلق الباب خلفها وذهب لينام على الأريكة الخارجية، خرجت تترنح كأفعى،طلبت منه كأسا آخر فوافق، اقتربت منه،طلبت منه أكثر من هذا فرفض رفضا تاما لا يدري سببه الحقيقي،غضبت وتركت له الحجرة صافعة الباب خلفها بقوة،نام حمزة على الأريكة حيث كان،في الصباح الباكر جاء غسان لينظف الحجرة ثم خرج غاضبا كبركان غسان_هاتفا في غضب:: ما هذا يا حمزة؟؟كان يمسك في يده بملابس نسائية حمزة_مبهوتا:: ما هذا؟ من أين أتيت بها؟ غسان_غاضبا:: من تحت فراشك يا حمزة،يا من يعتبرك العم أبو بكر ابنه حمزة: الأمر ليس كما تظن يا غسان غسان_غاضبا: هل وصل بك الأمر لهذا أيضا؟ هل هان عليك دينك إلى هذا الحد؟ هل هانت عليك نفسك؟ حمزة: اسمعني يا غسان غسان: ماذا أسمع؟ وكأنك شخص آخر، خمر و ترك للعبادات، و الآن نساء أيضا؟؟ هل نسيت كل ما رباك عليه والدك د.حمدي ذاك الطبيب المجاهد؟ تصاعدت دماء غضبة شيطانية إلى رأس حمزة عند ذكر اسم والده فهتف:: اسمع يا غسان، أنا حر ،أفعل ما يحلو لي،هل فهمت؟ غسان: حر ؟ هل نسيت أن الله يراك ويسمعك ويحصي عليك حتى أنفاسك؟ هل نسيت ما علّمك أبو بكر؟ و والدك؟ حمزة_صارخا: لماذا لا تتركوني وشأني جميعا تشابك الاثنان بالأيدي فدخل جندي على إثر صوتيهما المرتفع نافخا في صفارته وبعد جهد جهيد استطاع جنديان التفريق بينهما حتى جاء الضابط المسؤول،كان حمزة وغسان يقفان في وضع انتباه والضابط يتحرك جيئة وذهابا أمامهما الضابط: لقد انتهكتما قانونا من قوانين السجن بهذا العراك،فمن بدأه؟ سقط قلب حمزة في قدميه فمنذ كان في السابعة عشر من عمره لم يتعرض لتعذيب أو إهانة في جوانتانامو نطق غسان بثبات: أنا من بدأت سيدي طار عقل حمزة دهشة لكنه لم يجرؤ على الالتفات نحو غسان الضابط:: يجب معاقبتكما كليكما لكنك اعترفت بأنك بدأت العراك فهل تتحمل العقاب وحدك؟ غسان: نعم سيدي الضابط: هل تعفي زميلك من العقاب؟ غسان: نعم سيدي الضابط:ستتحمل عقابا مضاعفا غسان: حسنا سيدي اقتاد الضابط غسان نحو المجهول، في اليوم التالي توسل حمزة إلى نائب الآمر ليزور غسان وبالفعل دخل إليه،ولكن من هذا؟ لقد وجده في حال يرثى لها يبدو عليه الإنهاك و قد حلقوا لحيته الكثة التي كان يعتز بها،ارتجف قلب حمزة حزنا على صديقه لكنه لم يبدي ذلك،اقترب منه قائلا : لماذا فعلت هذا؟ نظر إليه غسان ولم يجب حمزة: عمري أربعة وعشرون عاما،لم أعد ذلك الطفل الصغير لتفتديني بنفسك،لماذا لم تتركني أتقاسم العقاب معك؟ نظر إليه غسان طويلا ثم قال بإنهاك: حينما كنت صغيرا كنت تفتدينا جميعا بنفسك، كنت تبث فينا من روحك المجاهدةالثابتة فتثبت قلوبنا بثباتك،أما الآن فقد نسيت وابتعدت وتهاونت،ألقيت سلاح روحك ورفعت راية الاستسلام،صدقني أنت الآن أصغر من ذي قبل،و ما دمت صغيرا فسأظل أفتديك ليس لأجلك،بل لأجل والدك و خالك المناضل و أبي بكر كادت الدموع تملأ عينيه لكنه كتمها بصعوبة ثم جلس إلى جوار غسان قائلا بثبات: سأطلب من نائب الآمر الآن عدم إرسالك لتنظيف حجرتي بعد اليوم،و ستبتعد عن طريقي تماما يا غسان، هذا لمصلحتك،فأنا لم أعد حمزة الذي تعرف، ألحّت عليه هذه الذكرى حتى أدمت قلبه، لقد حدث هذا قبل خروجه من السجن بأربعة أشهر فقط، بعدها لم يسمع عن غسان أي شئ،ترى،هل استمر عقابه على أيدي الأبالسة حتى فقد عقله؟ ترى، هل يكون هو سببا في ما حلَّ على رأس صديقه؟ لا ، إن قلبه لا يستطيع أن يتحمّل هذا ،يريد البكاء،الصياح،هدم المنازل و حرق الأشج