Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الثامن عشر والأخير

كانت خطواته تحمله على غير هدى، سفينة غضبه رُبّانها أعمى ألقى به أمام بابها ، إنه بئر يظنه الأحمق مَرسَى،سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا، دق جرس الباب ففتحت دون سؤال،فكل الطارقين عندها سواء، كان يقف بقلب مهزوم مكلوم على صديقه، محموم بإحساس مسؤوليته عما حدث لغسّان، مندفعا في غضبه على حبيبته التي توصد دونه الأبواب، نظر إليها برهة وهي مندهشة من هيئته الدالة على حطام نفس تتعذّب، ألقى بنفسه بين ذراعيها مفرغا شحنة دموعه بلا مقدمات، لم تسأل عن السبب، راحت تربت على رأسه كطفل صغير ثم اصطحبته للداخل، تعجّب من المقارنة بين فِعل ياسمين معه وبين فعل كاثرين، من منهما التي تحبه حقا؟ ابنة عمته وخطيبته التى تعامله كغريب؟ أم كاثرين تلك الغريبة التي فتحت له ذراعيها كحبيب عاد بعد غياب؟ حكى لكاثرين كل ما حدث في اللقاء الأخير بينه وبين غسان ثم ما حدث لغسان المسكين، هوّنت عليه،رفعت المسؤولية عنه، أخبرته أن الذنب هو ذنب غسان لتدخله في شؤون حمزة الخاصة، ثم ذنب من قام بتعذيبه، كلماتها سكّنت آلام روحه كقاتل يخبره الناس أن سكينه لم تكن السبب في قتل الضحية،بل السبب الحقيقي هو إصابة الضحية بالسعال قبيل قتلها ظلت ياسمين كغريق يحاول التشبث للنجاة،لا تعلم كيف ترضيه، فتحت حاسوبها ولكنها لم تعرف كيف تبدأ رسالة إليه فهذه هي تجربتها الأولى،تحركت أصابعها بارتعاشة ياسمين: (السلام عليكم ورحمة الله، كيف حالك يا حمزة؟) تحركت أنامله فوق الأزرار بغضب:( و ما يهمك من حالي؟) كتبت ياسمين متوسلة:( يا حمزة افهمني أرجوك، نحن مازلنا في فترة خطبة، أنا لست زوجتك،لا يجوز لنا أن نختلي معا في غير وجود محرم) كادت أصابعه تهشم الأزرار وهو يكتب: ( هل تخافين مني؟ هل تظنين أنني سأفعل بك سوءا؟) كتبت ياسمين بصدق: (لا لا ، يا حمزة أنت ابن خالي الذي تربيت معه في منزل واحد صغارا نلهو لا نلقي للدنيا بالا، إن أراد العالم كله بي سوءا فلن يحميني بعد الله سواك، لكننا لسنا أحرارا،نحن عبيد لله،نفعل ما أمرنا و ننتهي عما نهانا، و أنا لا أحب أن نبدأ طريقنا بمعصية من مَنَّ علينا بنعمة اللقاء بعد اليأس،من أنبض قلبك بي وأنبض قلبي بك) كتب حمزة :(تخافين الله أم تخافين خالك؟) ياسمين:(لماذا تتحامل على أبيك دوما؟) كتب حمزة في غضب:(ياسمين) استشعرت غضبه فكتبت:(حسنا دعك من هذا، ما الموضوع الذي أردت محادثتي فيه؟) كان غاضبا و مجروحا فتعمّد أن يجرحها فكتب:( لا عليكِ من همومي،فلقد وجدت من يعرف كيف يخفف عني تلك الهموم) كتبت ياسمين بسرعة(ماذا تقصد؟) كتب وقد تمادى في شره: ( إنها امرأة لا تنتظر إذنا لفتح بابها لي،امرأة تستطيع فتح بابها لي بلا حسابات مسبقة،إنها كاثرين ،كاثرين التي امتصت حزني بعناق واحد، على الأقل قد سمحت لي بإرسال دموعي على كتفها من دون انتظار إذن من أحد ) مادت الأرض بها،هل ينطق صدقا أم يتعمد ذبحها بسكين بارد فقط؟ لم تدر ماذا تكتب؟ ماذا تفعل؟ هل الليل أظلم باكرا أم أن الشمس سقطت من عليائها؟ قرأت الجملة فانغرست سكين بقلبها،ثم قرأتها فانشق قلبها نصفين،ثم قرأتها فسال نزيف قلبها دمعا مالحا كموج بحر يغرق عينيها،إنها الآن لا تبكي بل تنزف دما من بين جفنيها،انهارت وتوقفت عن الكتابة،أحس هو أن سهمه أصاب قلب صاحبته فعاد يكتب(ياسمين، ياسمين) ولما لم تجب اتصل بها على هاتفها الخاص فلم تجب،يوم ويومان وثلاثة أيام وهي لا تجيب،لم يجد بُدّا من تكرار زيارته في نفس موعد خروج أبيه و ابن عمته،اقترب و دق الباب،وقفت قربه ولم تجب حمزة:ياسمين أعلم أنك قرب الباب،سمعت خطواتك ياسمين_بصوت منهار: ماذا تريد مني؟ أجب ماذا تريد؟ إذا كنت تنسى همك بعناق من كاثرين فلماذا أتيت الآن؟ و ماذا يفعل خاتم خطبتك في إصبعي؟ صوتها الباكي هز قلبه بقوة فألصق جبهته بالباب قائلا في رقة: ياسمين أرجوك خرج صوتها بتوسل حزين: لماذا تتعمد جرحي يا حمزة؟ إذا كنت لا تحبني فلماذا تقدمت لخطبتي؟ لماذا لم تتركني وشأني فقط؟ رق قلبه جدا لصوتها الصادق وحزنها العميق فقال بلهجة صادقة: ياسمين، أنا أحبك تعمدت جرحك لأني أشعر أنني أنهل من سراب، منذ كنت في السابعة عشر وأنا أحبك، منذ قرأت رسالتك الأولى في سجني و أنا أحبك، كنت أحلم بك بين قضبان السجن وبين يدي السجّان وفي حجرات الألم،كنتِ شمسي و أملي الذي نجّاني من الاستسلام أو الجنون أو حتى الانتحار،ثم ماذا؟ ثم تجيبين على فيض مشاعري ب(شكرا لك) و توصدين الباب دوني ،تهربين بنظراتك من نظراتي دوما،أما كفاكِ ما قاسيته في حبسي حتى تعذبينني بتلك الطرق أيضا؟) ياسمين_باكية: أخبرتك أنه............ حمزة_مقاطعا: لا شأن لي بكل ما ستقولين،كل ما أعرفه أنني أحبك، فإن كان قلبك ينبض بي كما تقولين فسأنتظر محادثاتك تجيبين بها نداء قلبي،لا مزيد من (شكرا لك)،و(بارك الله بك))، و(( أخفي مشاعري لما بعد عقد القران)) لن ألومك بعد اليوم على إيصاد باب منزلك دوني يا ياسمين،أما إذا أوصدتِ باب حبك دوني فلأرحل في هدوء) ذهب و تركها تتقاذفها أمواج الحزن و الحيرة، وبدأ دَرَك التنازلات، ياسمين التي كانت تختزن مشاعرها لذاك اليوم الساحر حين يصبح حمزة زوجها ، من كانت تعلم تماما أن من تعجّل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه ، أدمنت حمزة،أدمنت كلماته، كانت أسيرة تنهل مما يقدمه لها آسرها من عبارات تجاوزت حدود الشرع، بل و تجيب بمثلها،أما هو فقد كان ماهرا في سحر عقلها،فاتنا مفتونا،كلماته السحرية تسكر عقلها الغض وتأسر قلبها الغض و توالت الليالي والكلمات،ثم كانت ليلة سحرية بكل ما تحمل الكلمة من معنى...كلماته التي تقطر حبا.وعشقا و أشياء أخرى،..صوته الذي يزداد دفئا حين يهاتفها فيبث في تلك الكلمات من روحه مذيبا روحها الشفافة المتداعية بحبه...تشعر بقلبها يهتز كلهب شمعة تتوهج غير شاعرة كم هي تحرق نفسها..الدفء يحيط بروحها مع أنفاسه العاشقة الهامسة فتشعر و كأنه يحتضنها تحت ضوء القمر...أغمضت عينيها لتغرق في عالم صوته العميق أكثر فتلاشي الكون من حولها...تلاشت هي..تلاشي الزمان والمكان...غاضت البحار و نسفت الجبال وجفت الأنهار وانمحت الأوطان...لم يعد بالكون من وطن سوي ((حمزة ))يحكم عالمها صوته سحري الاستبداد...حلو الديكتاتورية يأمر قلبها الأخضر فيطيع في استسلام...أخيرا فك أسرها وأنهي المكالمة لكن هيهات أن يطلق صوته سراح قلبها بهذه السهولة...انتهت المكالمة لكن مشاعرها مازالت في أسر صدي صوته و شهد كلماته ..احتضنت وسادتها وأغمضت عينيها لعلها تراه في حلمها...ولكنه لم يأت في حلمها بل وجدته يطرق باب المنزل في السابعة صباحا...كان الجميع قد غادروا وهي ارتدت ملابسها لتلحق بجامعتها حين دق جرس الباب...نظرت في العين السحرية و بهتت لما رأت...إنه هو...حمزة اهتز قلبها فرحا وشوقا وعشقا وكل ما يمكن أن يحمل قلبها الغض فنادت من خلف الباب بصوت فضحه العشق:: خالي وعمر ليسا هنا يا حمزة اقترب حمزة من الباب قليلا مبتسما::حسنا آسف...جئت أسلم فقط و سأعود حالا استدار ليعود أدراجه لكنه فوجئ بأنها تفتح الباب...لم يصدق عينيه للوهلة الأولى وهي أيضا لا تدري لماذا فعلت هذا لكنها منذ الأمس وهي تحت تأثير سحركلماته ورنين صوته مسلوبة الإرادة ابتسم حمزة في تردد قائلا:: كيف حالك؟ ردت بصوت خفيض:: الحمد لله ساد الصمت للحظة ثم قال حمزة في ارتباك:: اعتقدت أن أبي هنا...حتي أنت يبدو أنك ذاهبة للجامعة أومأت برأسها أن نعم دون كلام...و أي كلام في حضرة ملك الكلمات؟؟...الصمت من جديد ثم استطاعت النطق أخيرا بصوت ضعيف:: لماذا جئت في هذه الساعة الباكرة؟؟ حمزة:: جئت لأخذ كتابين مهمين نسيتهما وأخشي عليهما الضياع وكأنما هناك من يسيطر علي لسانها ويتحدث بدلا عنها قالت دون وعي:: تفضل و خذهما تفاجأ حمزة فقال مستوضحا:: أدخل؟؟ شعرت بالإحراج فقالت و كأنما تبرر لنفسها:: نعم فأنا سأرتدي قفازي وحذائي فقط وأخرج فورا دخل و لم يغلق الباب ذاهبا فورا إلي حجرته التي تقع جوار باب المنزل بمسافة قليلة...أخذ الكتابين من فوق المكتب في لحظة وخرج في طريقه نحوالباب في حين وقفت ياسمين خلف الباب مباشرة ترتدي قفازيها في وجوم وشرود ابتسم لها حمزة في تردد وهوخارج قائلا:: شكرا أومأت برأسها دون كلام كالمسحورة وقلبها يدق بعنف حتي ظنت أن حمزة قد سمعه...رباه يكاد يغشي عليها في وجوده....لاحظ حمزة اضطرابها فقال مقطبا جبينه في جدية::ياسمين هل أنت مريضة؟؟ نظرت إليه من خلف نقابها بعينين دامعتين ثم لم تتمالك نفسها أن بكت بصوت مكتوم...صعق حمزة لبكائها فترك كتبه علي المائدة قائلا:: ياسمين ما بك؟؟ لم تستطع الرد وازداد بكاؤها...كاد يفقد عقله إشفاقا عليها فأغلق الباب ثم أشار لها أن تجلس علي كرسي المائدة قائلا في حزن:: اجلسي ياسمين سأحضر لك ماءا....أسرع إلي المطبخ ثم عاد حاملا كوب ماء في حين جلست هي علي الكرسي فقدمه إليها وجلس علي الكرسي المقابل مطرقا لا ينظر إليها في حين أخذت هي بعض رشفات من الماء من تحت النقاب لتهدأ انفعالاتها ظل حمزة مطرقا صامتا حتي هدأت قليلا ثم نظر إليها قائلا:: لماذا؟؟ استطاعت الكلام أخيرا فقالت بصوت ضعيف::لماذا أنت؟؟ حمزة::ماذا تقصدين؟؟ قالت في صوت متهدج من أثر البكاء::لماذا أتيت الآن؟؟ صمت حمزة قليلا ثم قال في صدق:: لم أطق صبرا أقسم لم تذق عيني النوم طوال الليل وكاد عقلي يطير شوقا إليك أشرقت الشمس فوجدت قدماي تحملني إليك وددت فقط أن أراك يا ياسمين فتذرعت بالكتب كانت مطرقة برأسها مغمضة عينيها..تدك كلماته حصون قلبها..تنسل من بين شفتيه إلي روحها فتمتلكها رغما عنها...أما هو فالإعصار يعصف بقلبه العاشق وتجيش مشاعره دون أن يستطع ردها فتنساب علي لسانه أجمل كلمة بالوجود:: ياسمين أنا أحبك رباه...صوته يكاد يقتلها لعمقه بكلمته تلك...لعل روحها ستزهق الآن علي يدي كلماته وصوته..نعم قالها لها مرارا بالهاتف..لكن أثرها وجها لوجه أوقع في النفس و للنفس...لكنها لم تبادله كلمته حاول السيطرة علي مشاعره فوقف هامسا:: يبدو أنني فعلا ازعجتك بحضوري...آسف استدار للرحيل فوقفت مسلوبة الإرادة قائلة:: أحبك حد الجنون استدار ببطء إليها وهو لا يكاد يصدق أذنيه..لأول مرة يسمعها منها...لم يكن يدرك أن وقعها عليه سيكون بهذه القوة... اهتز قلبه كطفل سعيدصبيحة يوم العيد...اقترب منها رغما عنه... أطرقت برأسها دون أن تعترض...لمس نقابها بأنامله...رجعت للخلف مرتجفة حمزة_هامسا في حب و رجاء::ياسمين أرجوك...أنا لا أريد إلا أن أري عينيك اشتقت لقسمات وجهك...اشتاقت عيني لملامحك نظرة واحدة...هل تبخلين عليّ بها؟؟ كأنما هي مكبلة تركته يزيح نقابها برفق...نظر إلي وجهها...رباه كم هي جميلة ورقيقة وبريئة...هل كانت بهذا الحسن طوال الوقت؟؟...أحس أنها سحرت لبه ،إنها اليوم أكثر سحرا حتى من يوم خطبتهما...أخذت عينيه ترتوي من ملامحها وهي مطرقة يكاد يغشي عليها...رباه لقد لامست بشرته بشرتها حين فك النقاب فكاد قلبها يتوقف حمزة_هامسا كالمسحور::انظري بعيني لم تستطع أن ترفع عينيها إليه...قلبها يهذي بالنبضات كالمجنون...سيخرج الآن مخترقا أضلعها ليسكن بصدر حمزة قرّب أنامله من وجهها...رباه إن النيران تشتعل بقلبه و قلبها وتكاد تصهر كليهما بلا شفقة ولسان حالها يهتف بلا صوت:: يا حمزة أبقِ عليّ...ارجوك لا تقتلني الآن...لا تقتلني بهذه الطريقة...رفع وجهها برفق لتواجه عيناها العسيليتين عيناه للحظة تبعثرت بعدها نظراتها هربا من عينيه....تهاوت سدود دفاعهما ولم يعودا قادرين علي القتال...سقطت الراية...اقترب أكثر..احتضنها ببطء و قوة و حنان...لم تقو علي الاعتراض...بل لم تُفق...ذابت بين ذراعيه كقطعة ثلج في ماء ساخن...رباه هل تميد بهما الأرض أم يتخيلان ذلك؟؟ ..لم يقو حمزة علي التحمل أكثر...أرسلها ببطء و رقة من بين ذراعيه و أحاط وجهها بكفيه.. أغمض عينيه...اقترب بوجهه من وجهها...((وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهاَ))...انتفض جسدها فجأة قبل أن يلمسها وابتعدت مولية ظهرها له وكأنما بعثت من الموت... عيناها محملقتان بقوة وقد أفاقت أخيرا من سكرتها...أما هو فقد أيقظته انتفاضتها فشعر كأنما صفعه أحد ما علي وجهه و شئ ما يوخز رجولته فما كاد يحدث منه ليس من الرجولة في شئ...الموقف يلجم اللسان و يريق ماء الوجه خجلا...استطاع حمزة الكلام أخيرا قائلا:: ياسمين أنا آسف...لم أقصد سوءا صدقيني...فقط انجرفت قليلا خلف مشاعري استطاعت ياسمين أخيرا أن تتحدث ولكن بصوت مصدوم ومازالت مولية ظهرها له قائلة:: اخرج يا حمزة حمزة_راجيا:: ياسمين أرجوك اسمعيني أنا..... ياسمين_بقوة:: اخرج لو سمحت فتح الباب ثم اغلقه بقوة من خلفه مسرعا في خطوات غاضبة ليست علي ياسمين بل علي نفسه...أما هي فقد أمسكت بنقابها الملقي علي المائدة ...أمسكته بين يديها وجلست إلي الأرض تبكي بكاءا هيستيريا وتحتضنه إلي نحرها وسيل دموعها يغرقه ويغرق عالمها بأسره. أغلقت هاتفها، لا تجيب على طرقاته على الباب، لا يعلم كيف يصل إليها،يكاد يفقد عقله،يكاد يسير نحو بيت أبيه ويهتف باسمها حتى يراها فقط، لم يجد بدّا من الذهاب لزيارتها في بيت أبيه ، دق قلبه بعنف،ماذا لو رفضت مقابلته؟ لو انكشف ما حدث فلن يزوجه بها أبيه بلا شك وستتأكد نبوءته السيئة حوله،إنه لم يعد يبالي بأحد ، كل ما يهمه هو رؤية ياسمين فقط، لكن توقعاته باءت بالفشل لحسن الحظ حين جاءت ياسمين، كانت عيناها ذابلتين حزنا ، نظر إليها برهة وهو يتمنى أن يتوسلها علنا لمسامحته، جلست قليلا ثم تذرّعت بالتعب فقامت إلى حجرتها، ماذا يفعل إذن لمحادثتها؟.... كان عمر لطيفا حين اصطحبها إلى ذلك المطعم المطل على حديقة تطل بدورها على بحيرة رائعة، أخبرها أنه يراها حزينة منذ عدة أيام وأنه اصطحبها ليفرج عنها،جلسا وطلبا فطورهما،كانت تتحدث مبتسمة و قد خفَّ ثقل همها قليلا و في أثناء حديثهما رأت شبحا مألوفا قادما من بعيد بخطى واسعة، تيبست قدماها حتى وقف حمزة قرب مائدتهما ، هبت واقفة ناظرة إليهما في غضب....وقف عمر ممسكا كفها في رقة قائلا بهدوء: ياسمين لو سمحتِ، لقد أخبرني حمزة أنكما متخاصمين فاقترحت عليه هذه الخطة لتتحادثا ياسمين_بصوت منخفض غاضب:هل أخبرك سبب خصامنا؟ تدخل حمزة في الحوار مسرعا: ياسمين أرجوك هلّا نتحدث قليلا؟ عمر: أنا لم أسأله عن السبب يا ياسمين ولا أريد أن أعرف ، لكن ما أعرفه أن أي خصام يمكن حله بالحوار، أرجوك اجلسي و تحدثي معه،و أنا سأجلس على هذه المائدة التي أمامك مباشرة جلس عمر على المائدة المجاورة ثم وضع سماعات الهاتف بأذنيه وأخذ يراجع وِرده من القرآن الكريم، ظلت ياسمين تنظر إلى حمزة في غضب برهة،تلعثم حمزة قليلا وهو يقول في خجل:: هلّا تجلسين قليلا لو سمحت ِ؟ جلست بعنف ينبئ عن غضبها التام حمزة_في تردد: هل......هل تحبين مشروبا معينا أم................ ياسمين_مقاطعة في لهجة غاضبة: لماذا أتيت وأجبرتني على المجئ بهذه الطريقة؟ حمزة_بلهجة سريعة وعينين صادقتين حزينتين: جئت لأعتذر نظرت جانبا في صمت أخرس وعيناها تنطق بالغضب أطرق حمزة قليلا ثم رفع رأسه قائلا في حب صادق: أخبريني ماذا يرضيكِ وسأفعله صمتت ياسمين قليلا ثم قالت: أياً كان؟ حمزة: أياً الح تنهدت ياسمين ثم قالت: حمزة، حينما كنت أحلم بأن يقترن اسمي باسمك كنت أنوي ألا أعصي الله فيك أبدا، أنا لن أنكر أنني ارتديت النقاب ليس تقليدا لأمهات المؤمنين ولا حتى من باب الحشمة ،بل ارتديته حتى أبعد الخطّاب عني قدر المستطاع ،ارتديته من أجلك ،لكنني لم أكن أعرف أنني سأكتشف أنه غالٍ على قلبي إلى هذا الحد حمزة: لم أفهم يا ياسمين ياسمين: ما أعنيه أنني حتى قبل ارتدائي النقاب كنت حريصة قدر المستطاع على علاقتي مع الله،على ذلك رباني والديَ رحمهما الله وخالي بارك الله في عمره، كنت أتمنى أن يقربني حبك من ربي أكثر ،لكنني للأسف في انحدار مستمر ،تخليت عن كثير من مبادئي إرضاءا لك،تغربت عن نفسي وطالت غربتي،لم يكن هذا هو ما أتمناه معك يا حمزة حمزة_مصدوما: ياسمين، أرجوك لا تخبريني أنك تريدين فسخ خطبتنا تنهدت ياسمين قائلة: لا ، ولكن واجب علينا تصحيح مسارنا في الحياة يا حمزة ، أمامنا حلان لا ثالث لهما، إما أن نلتزم بآداب الخطبة كما يرضي ربنا، حمزة_مقاطعا في سخرية: آداب الخطبة؟ تقصدين ألا نتحدث في المنزل إلا في وجود محرم بمكان ليس بعيد جدا عنا، و إذا تحدثنا فلا يكون كلامنا عن حبنا و أشواقنا بل هو كلام عادي عن أمور الحياة و ربما التخطيط للمستقبل ، إلى جانب ما نفعله بالفعل من عدم خروجنا من المنزل معا إلا في وجود محرم أليس كذلك؟ رمقته ياسمين بنظرة نارية ردا على سخريته ثم قالت: هذا ما يرضي الله ويرضيني حتى يتم عقد زواجنا زفر حمزة ثم قال: و الحل الآخر؟ **ياسمين: أن نطلب من خالي عقد قراننا حاليا إلى أن يتم زواجنا الفعلي،حتى يكون كلامنا و مزاحنا والتعبير عن مشاعرنا حلالا تاما حمزة_في غضب مكتوم: لماذا كل هذه التعقيدات؟ لماذا كل هذه القيود؟ لماذا لا نعيش أحرارا ؟ كتمت ياسمين غضبها قائلة في هدوء: هل تريد العيش حرا عن أوامر ربك؟ حمزة: لا أحد يكره الحرية المطلقة ياسمين_في هدوء: إذن أُخرج خارج مُلكه، لا تأكل من زرعه، لا تشرب من مائه،و اهرب من الموت حين يأتيك حمزة_غاضبا: لماذا تصرين على تعقيد الأمور؟ ياسمين: ولماذا ترفض فكرة الزواج مادمت تحبني كما تقول؟ ألم تكن تريد عقد قراننا في بادئ الأمر؟ حمزة_غاضبا: لأنني لا أحب أن يملي أحد علي شروطه،لقد عشت عمري مطيعا للأوامر فماذا ربحت؟و طريقة تفكيرك هذه ستزيد التباعد بيننا إن لم نتوافق منذ الآن ياسمين_غاضبة: إذن نلتزم بآداب الخطبة حمزة: إذن أخبريني أنك لا تحبينني ولا تريدين محادثتي بحرية كاملة ياسمين: ولا يكون التعبير عن الحب إلا بما يغضب الله؟ حمزة: لا تتحدثي عن الدين في كل حرف ننطقه يا ياسمين ياسمين:: الدين هو كل حياتنا يا حمزة، {قل إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}،محياي بمعنى كل حياتي حمزة: ياسمين، اختاري حلا ثالثا هبت ياسمين واقفة قائلة بحسرة: لقد تغيرت كثيرا يا حمزة،تغيرت تماما، أنا آسفة جدا حقا وقف حمزة قائلا بغضب: نعم،لقد تغيرت، ولن أعود لما كنت عليه أبدا،إما أن تقبليني كما أنا الآن أو...................... ياسمين:: و أنا لن أبيع ديني و قناعاتي التي تربيت عليها بعد الآن يا ابن خالي حمزة مصدوما: هل تتنازلين عني بتلك السهولة؟ تجمعت الدموع بعينيها فقالت بصوت متهدج: أنت من وضعتنا في هذا الاختيار يا حمزة، أنا آسفة جدا تحركت ياسمين بعصبية نحو عمر فوضعت يدها على كتفه فانتبه واقفا و رأي الدموع بعينيها عمر_في حزن و اندهاش: ياسمين ماذا حدث؟ ياسمين_بصوت متهدج: سأخبرك فيما بعد يسير على غير هدى،براكين العالم تتفجر في صدره، غاضب على نفسه،غاضب على ياسمين،غاضب على أبيه لا يدري لماذا ،تتنازعه رغبتان، رغبة في تلبية أمنيات حبيبته، و رغبة في التمرد والعصيان، كأن التمرد صار جزءا منه لا يستطيع الانفصال عنه ،كأنه اختزن كل تمرداته التي لم يستطع أن يطلقها في وجه سجّانيه ليطلقها اليوم حتى في وجه من يحبهم ويحبونه،يالشقاء روحك ياحمزة! انقلبت الدنيا بعد قرار ياسمين الانفصال عن حمزة، حبيبة تحاول الإصلاح،حسام يحاول التقريب، عمر يحاول معرفة الأسباب، و الوالد صامت لا صمت رفض،ولا صمت رضا، أخبرتهم أنها تحتفظ بالأسباب لنفسها،و حمزة صامت يبتلع غضبه و يكنُّه بداخله،فُسخت الخطبة،و غرق هو في الخمر من جديد ، أحسَّ أن الإنسانة الوحيدة التي أحبََّها قد صفعته صفعة صمّاء،الإنسانة التي حفظ نفسه لأجلها رغم فعله لكثير من الذنوب،فما جدوى حفظ النفس إذن؟؟ دخل إلى الشقة منهكا بعد هذه الليلة الطويلة، لم يكن جسده المرهق و حسب،بل روحه بالأحرى هي المنهكة، الخمر تلعب برأسه والرقص طوال الليل معهن لم يكن بغرض المتعة ولا حتى بغرض التمرد الذي اعتاده في الآونة الأخيرة ،بل كان بغرض الهروب من نفسه،لا يعلم لماذا فتح كتاب صوره الفوتوغرافية القديمة، وأخيرا وجدها، آخر صورة له قبل دخوله الجحيم، ها هو ذا،طفل صغير يقف بشموخ بين الأسود ، شموخ لم يعد يعرفه الآن، صرخت روحه:: هل أنت حمزة نفسه؟ هل أنت هو أنت؟ ارتمى فوق سريره محملقا في سقف حجرته ثم راح بعينين دامعتين يتذكر أول ليلة له في قلب الجحيم،أول ليلة له في جوانتانامو انتفض واقفا ثم اتجه نحو حاسوبه وكتب رسالته الأخيرة إليها:: ( لا أكتب إليك ِ لتشفقي على قتيلك الذي ذبحتيه بدم بارد وقلب ثابت، أعرف أنني صعب المراس، أعلم أنني أصبحت كابوسك بعد أن كنت حلمك،لكن لتعلمي أنني حطام بشر لم تستطيعي جمعه، فقفزتي من القارب ولم تحاولي التماسك و تعديل الدفة،و ماذا تفعلين مع دفة لا تبغي الاعتدال أصلا ولا تنتويه؟ أنا مجرد طفل رُبي في السجن،و مراهق علمه السجن،و شاب كبّره السجّان، أنا شخص عنيد لا تلين نفسي حتى لرغبة من أحب مع الأسف،موقفك يزيد جماح عنادي الذي لا أستطيع أنا نفسي كبحه،أتمنى ألا أرى دموع حزن في عينيك، ولتعلمي أنك و إن أجبرتيني على ترك مهام الخاطب والحبيب،فإني لن أتنازل عن مهمة ابن الخال وقت شدتك التي أتمنى الموت قبل أن أراه ابن خالك/ حمزة حمدي) كانت الحروف تتراقص أمام عينيها والدموع تغطيها و أنفاسها تعلو وتهبط وشهقاتها تزداد مع كل كلمة، مع نهاية آخر كلمة ألقت بنفسها على الأرض في وضع السجود هاتفة: [يارب، أنت تعلم ما في قلبي له،و تعلم أنني تركته وهو أحب الناس إلي ّ، لأجلك فدلني على الطريق،اللهم إن كان ينوي العودة إلى طريقك فاجمعنا على خير،و إن كان قد عشق التمرد و العصيان فاهده سواء السبيل] رفعت جبهتها عن الأرض مغمضة عينيها في ألم حتى لمعت فكرة في رأسها فجأة،قامت إلى حاسوبها وكتبت إليه رسالة أخيرة( هل تنوي يوما الرجوع كعهدك السابق كما يحب الله ويرضى؟) رد بعد قليل(لا أعدك بهذا،فلقد سئمت القيود) كتبت والأسى يغلف عالمها( (أستودعك الله الذي لا تضيع عنده الودائع يا حمزة)) ثم أغمضت عينيها و دموعها مدرارا، طالبة من الله العون ******** مرّت حياة حمزة بعد هذا من قاع إلى قاع، الفجر حليفه حين يعود من سهراته، الكأس صديقه الذي لا يفارقه، ابتسامته الزائفة لا تفارق ثغره كما السجائر،حتي قررت ياسمين و عمر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراستيهما العليا فقرر حمزة عندئذ تخطي الحد الأحمر ، ذهب إلى منزل كاثرين الذي لم يقربه منذ خصامه مع ياسمين، لقد قرر خيانتها كما خانته هي وسافرت دون حتى كلمة وداع رحبت به كاثرين كالعادة، كان كطفل يعاند الريح فيكسر طائرته الورقية قبل أن تكسرها الريح، كان كدمية تركت نفسها لكاثرين تحركه كيفما تشاء، لكنه انتفض فجأة،شعور غامض اجتاحه ،ليس حبه لياسمين، لكنه فكرة، كلما اقترب من هذه الأفعى كاثرين ارتجف قلبه لفكرة الموت فجأة،لا يعلم ما المغزى لكنه لم يعد يستطيع الاحتمال حمزة: لن أستطيع يا كاثي،آسف **كاثرين_مندهشة: لماذا؟ ما الذي حدث فجأة؟ حمزة: هل تحبينني؟ كاثرين: نعم حمزة: إذن نتزوج نظرت إليه كاثرين متعجبة ثم أشعلت سيجارة و أخذت تنفث دخانها في هدوء مفكرة ثم قالت: نستطيع أن نفعل ما نريد بلا زواج، ألا تؤمن بفكرة الحرية المطلقة؟ حمزة : نعم ولكن،و لكنني، لا أعرف لكن هناك حاجزا ما يمنعني عن فعل ذلك إلا بالزواج فكرت مليا ثم ابتسمت باستخفاف قائلة: حسنا، فلنكتب تلك الورقة عديمة القيمة إذن أخذ السيجارة من فمها فنفثها في هدوء قائلا ببطء وكأنه يفكر: نعم، فلنكتب هذه الورقة عديمة القيمة إذن انهارت حبيبة من البكاء قائلة: سيتزوجها يا أبي، سيتزوجها **صمت الوالد في حزن ثم قال أحمد: اهدئي حبيبتي، الله لم يحرّم زواج المسلم من الكتابية على العموم حبيبة_باكية: هذا إذا كانت محصنة و حسنة السير يا أحمد، فهل هو متأكد من أنها إنسانة شريفة؟ هل يعرف ماضيها؟ هل يعرف أحد منا كيف تعيش حاليا؟ حسام_في حزن: للأسف حمزة أصبح عنيدا كما لم نعهده من قبل يا حبيبة حبيبة_ بلهفة من بين دموعها: يجب أن ننقذه يا حسام ، يجب أن نجعله يفيق من غفلته تلك التي ستودي به قام حمدي من مقعده فجأة ، انحناءة ظهره تنبئ عن حمل جبل يثقل روحه، جسد في الستين يحمل ثقلا تنوء به العصبة أولو القوة، اتجه نحو حجرته صامتا و أغلق المزلاج، صمت الجمع دفعة واحدة و كأن الليل قد حلّ فجأة فأخرس انطلاقة شمس الضحى الوليدة دق جرس الباب، قام حمزة متثاقلا يجر قدميه إثر سهرة امتدت لما بعد الفجر كالعادة، فتح الباب ، حدقت عي

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514