دخل حمدي إلي حجرة ياسمين فوجدها كما توقع تماما تجلس علي طرف السرير واضعة وجهها بين كفيها وتبكي بكاءا مريرا بصوت مكتوم......حين رآها لم يحتمل فأسرع نحوها ونظر في أنحاء الحجرة فوجد أخيها عمر الصغير ذا العشر سنوات يجري نحوه من الردهة الجانبية باكيا هو الآخر فاحتضنهما وراح يربط علي رأسيهما حتي هدآ تماما......أحس باضطراب شديد فهو لا يعلم من أين يبدأ حديثه معهما ثم وجد نفسه يقول بصوت هامس:: سامحاني يا ابنا أختي ياسمين_متعجبة وهي تمسح دموعها::نسامحك علي ماذا يا خالي؟؟؟ حمدي_في حزن: علي أنني أقحمتكما معي في هذا الأمر ياسمين_تتنهد:: هل كنت تريد أن تتخلي عنا يا خالي؟؟؟ حمدي_مندهشا: بالطبع لا حبيبتي......لماذا تقولين هذا؟؟؟؟ ياسمين_وقد عادت دموعها تسيل: إذن كيف تقول أنك أقحمتنا في أموركم؟؟؟ أنت ربيتنا منذ مات أبي وأمي منذ كنت في السادسة من عمري.وكان عمر في الثالثة من عمره فقط........انتقلنا حينها انا وعمر من مصر الي الحياة معكم في انجلترا..........راعيتمونا و احتضنتمونا كأننا حبيبةوحسام وحمزة ولم نشعر معكم بالغربة بل عوضنا الله بكم عن عائلتنا التي فقدناها........فكيف عندما قررتم ان تسافروا الي العراق تتركونا؟؟؟؟؟؟ لقد تربينا علي مبادئك في الحياة يا خالي وهذه المبادئ اقتنع بها قلبنا وعقلنا وكل جوارحنا ولقد قضينا هنا عاما كاملا في العراق.......نحن معكم في السراء والضراء يا خالي.......ولكنني...ولكنني فقط أخاف علي حمزة....... ((ثم وضعت وجهها بين كفيها وراحت في بكاء مرير)) احتضنها حمدي للمرة الثانية في تأثر وقال::كنت اعلم جيدا ان عقلك اكبر من سنك تماما مثل اولادي.......هل تسمحين ان نتكلم جميعا معا في الردهة في قرار مصيري يا ابنتي؟؟؟ ياسمين_تمسح دموعها بسرعة: بالطبع يا خالي هيابنا حمدي_مبتسما لابن أخته: هل تسمح يا عمر؟؟؟ عمر_يمسح دموعه: بالطبع يا خالي خرج حمدي ومعه ابني اخته حمدي: يجب علينا ان نعود الي انجلترا دهش الجميع ماعدا سعاد فهي تعلم مسبقا بقراره منذ أن أصيب حمزة وأخذه الأمريكان إلي المشفي العسكري حسام_في دهشة: ولكن يا أبي الحرب مازالت دائرة هنا والناس يحتاجون إلي معوناتنا الطبية والمادية سعاد_تتنهد: حقا يا بني ولكننا يجب أن نبحث عن محامي لأخيك أطرق حسام قليلا ثم قال:: حسنا يا أبي.....إن كان هذا ضروريا فاتركوني انا هنا إلي أن يشاء الله عمر_بسرعة: وحدك يا حسام؟؟ هنا في الحرب؟؟ حسام:: نعم يا عمر وحدي سعاد تربط علي كفه في لهفة: ولكن يا بني. حسام_مقاطعا في حنان: ولكن ماذا يا أمي؟؟ ألا ترينني رجلا؟؟ الأب_يربت علي كتفه في قوة: بل أنت نِعم الرجل يا بني.......الحمد لله الذي أكرمني بذرية مثلكم أجبر حسام نفسه علي الابتسام رغم الألم الحاد الذي مزق قلبه مع كلمات أبيه...إنهم لا يعلمون شيئا عن حقيقة ما فعله....لا يعلمون شيئا أبدا عن خطأه القاتل ******** مرّ حوالي أسبوع علي وجود حمزة في زنزانته مع أبي بكر الذي كان يرعاه بقدر ما يستطيع ويوليه كل اهتمامه وكان هناك طبيبا يأتي من حين لآخر ليضمد جراح الصبي العجيب أن طوال هذا الاسبوع لم يتعرض أحد من السجانين لأبي بكر او حمزة بسوء أبو بكر_بالانجليزية: كيف تشعر الآن يا حمزة؟؟؟ حمزة_يغمض عينيه: نفسيا أم جسديا؟؟ تفاجأ أبوبكر بإسلوب الصبي الذي يبدو كإسلوب الرجل الناضج فقال في دهشة:: جسديا علي الأقل حمزة يلتفت إليه برأسه: الحمد لله أنا بخير تماما جروحي تلتئم بشكل جيد وأريد أن أشكرك يا عماه علي سهرك معي طوال الوقت أبوبكر_مازحا: ولكنني لا أفعل شيئا بدون مقابل حمزة يعتدل جالسا في دهشة: و ما المقابل الذي تريده؟؟ أبو بكر_يساعده علي الاعتدال في جلسته بهدوء: أريد أن أعرف ما قصتك منذ البداية؟ وكيف يأتي طفل بعمرك هذا إلى جوانتانامو؟؟ حمزة ينظر إليه محرجا ولا يجيب أبوبكر_في هدوئه المعتاد: ألا تطمئن لي؟؟ حمزة يطرق برأسه عابثا بطرف ملاءة السرير ولا يجيب أبوبكر_يتنهد مبتسما: حسنا...أنا آسف لتدخلي في شؤونك و تطفلي حمزة_مسرعا: لا يا عماه الأمر ليس كذلك فأنا لا أشك بك مطلقا أبو بكر_بهدوء: إذن ما الأمر؟؟،، حمزة ينظر إليه طويلا ثم يطرق برأسه ولا يتكلم أبوبكر_يتنهد: حسنا...كما تريد إذن حمزة_في رجاء: أرجوك ألا تغضب مني سأخبرك كل شئ في الوقت المناسب يبتسم أبوبكر له متفهما ومتعجبا من هذا الصبي الذي يتصرف بحذر كالكبار و ربما أفضل أما في العراق فقد استعد حمدي وأسرته للسفر بعد اسبوع الي منزلهم في انجلترا ماعدا حسام وفي ليلة طرق حسام باب حجرة مكتب ابيه فأذن له بالدخول ليتحدث معه قليلا حسام_في حزن متردد::أبي هناك شئ في قلبي أود الحديث معك عنه حمدي_منتبها بكل جوارحه:: بالطبع يا بني تفضل بالجلوس جلس حسام قبالة والده ثم قال في تردد واضح::أبي.......بشأن المعركة التي اعتقل فيها أخي حمزة حمدي_في انتباه:: نعم حسام_في تردد: أقصد أنني...إنه.....هناك شئ يمزق قلبي حمدي_يحثه علي الحديث: قل يا حبيبي ولا تخش شيئا نظر إليه حسام مليا ثم فجأة ألقي رأسه علي مكتب أبيه وراح يقول بصوت متقطع وببكاء شديد: أنا خائن يا أبي أنا السبب فيما حدث لأخي...أنا لا شئ، جبان خائن تفاجأ حمدي فقام مسرعا من خلف مكتبه وجلس قبالة حسام ورفع وجهه إليه بيده ناظرا في عينيه: ماذا تقصد يا حسام؟؟؟ عن ماذا تتحدث؟؟؟ لم يستطع حسام أن يحول بصره بعيدا عن عيني أبيه القويتين وكأنهما مغناطيسا يجذب عينيه إليه فقال ودموعه تسيل: ذاك اليوم لم يكن يتوجب علي حمزة أن يذهب هو بالطعام إلي رجال المقاومة العراقية لقد طلب مني ((أبو ياسر)) أن أوصل لهم أنا الطعام بنفسي لأن الموقع خطر ولكنني تكاسلت فأرسلت حمزة بدلا مني وحدث ما حدث بعدها حمدي_وقد بدأ الغضب يتسلل إليه: أرسلت حمزة بدلا منك؟؟؟ حسام_ومازالت دموعه تسيل: نعم حمدي_ومازال يكظم غيظه: و ذراعك؟؟؟ كيف أصيب ذراعك إذن؟؟؟؟ حسام_و دموعه تسيل::عندما علمت أن الأمريكان علموا بالموقع وهجموا عليه بعد ذهاب حمزة خفت عليه فأسرعت نحو المكان ومعي بندقيتي وكان الرصاص شديدا جدا وعندما حاولت التسلل ودخول الموقع إلي أخي و رجال المقاومة أصيبت ذراعي ولكنني كنت أستطيع الحركة......ثم.......ثم............ حمدي_ومازال ممسكا بذقن ابنه الحليق ويضغط عليها متلهفا لسماع المزيد:: ثم ماذا؟؟؟ تكلم.... حسام_وقد زادت دموعه حتي أغرقت يد أبيه الممسكة بذقنه:: ثم رأيت اثنان منهم يحملون حمزة ويذهبون به حمدي_منزعجا : اثنان فقط؟؟ وبقية الجنود؟؟؟ حسام: لم يكن أحد من بقية الجنود موجودا في المكان الذي أنا فيه وحمزة والجنديين الامريكيين الآخرين......لقد انشغل الباقون باقتحام الموقع بالداخل ليشتبكوا مع بقية رجال المقاومة ترك حمدي ذقن ابنه بعنف وضرب بقبضته علي سطح مكتبه وهو يغمض عينيه في ألم حسام_يركع عند مقعد والده::أرجوك يا أبي سامحني....لقد كان بإمكاني إطلاق النار عليهما و إنقاذ أخي وقت انشغال الجنود الآخرين داخل الموقع ولكنني خفت حمدي_مقاطعا في ألم وغضب: خفت؟؟؟ تركت لهم أخاك؟؟؟ تركته لهم؟؟؟ ثم أمسك بقوة بمقدمة شعر ابنه الغزير ودفع رأسه إلي اليمين قائلا:: أنت جبان.....جبان اعتدل حسام سريعا وهو يبكي ووضع كفيه علي ركبتي أبيه متوسلا:: أقسم بالله أنني لم أخف علي نفسي.......لقد خفت عليه هو....لقد كان مصابا لا يستطيع الحركة ولو اشتبكت مع الجنديين ربما أصابته طلقة فأردته قتيلا.....ثم إني رأيتهم من بعيد يضعونه داخل السيارة الطبية فظننت أنهم سينقلونه إلي المشفي وفقط ولن يعتقلوه لصغر سنه.......أقسم أنني لم أعلم أن الأمر سيصل إلي الاعتقال هبّ حمدي واقفا وموليا ظهره إليه قائلا في غضب:: وها قد وصل الأمر لجوانتانامو أنت تعلم أنهم قذرون ومن الممكن أن يفعلوا بالصبي أي شئ والآن؟؟ الآن هو في قبضتهم...رباه..سيعذبونه حتي الموت جثا حسام علي الأرض واضعا وجهه بين كفيه صائحا بصوت متهدج: كفي يا أبي أرجوك لا تجعلني أكره نفسي أكثر من ذلك وفجأة سمعا طرقا علي الباب وصوت سعاد القلق يستأذن بالدخول أسرع حمدي إلي ابنه يوقفه علي قدميه قائلا:: قف و تماسك ولا تخبر أمك بشئ هل تفهم؟؟..... أومأ حسام برأسه إيجابا وهو يمسح عينيه بسرعة فأذن حمدي لزوجته بالدخول فدخلت وعلامات القلق علي وجهها ناظرة نحو حسام سعاد_بلهفة: حسام ..ما بك يا حبيبي؟؟؟....سمعت صوتك كأنك تبكي وتصرخ.... ماذا حدث؟؟؟ حمدي_مسرعا:: لا شئ...لا تقلقي ...حسام فقط يفتقد حمزة ويخاف عليه التفتت سعاد الي ابنها واحتضنته قائلة في صوت متهدج: كلنا نخاف عليه يا بني ولكن ليس لنا الا الدعاء له.........ادعُ له الله ياحبيبي أن يحفظه ويرده إلينا سالما حسام_يحتضن أمه وينظر في عيني والده خلفها كأنه يخاطبها هي ولكنه يخاطب والده في الحقيقة بعيون متوسلة: أقسم لكِ أنني لن أترك ثأر أخي يا أمي صدقيني.....أعدك بهذا فهم حمدي أن حسام يوجه تلك الكلمات إليه فأشاح بوجهه في ألم مكتوم وهو يعبث بقلم في يده فوق سطح المكتب ومازال غاضبا في حين قالت سعاد باكية: هذا ظني بك يا ولدي.....حفظك الله لنا وأعادك إلينا أنت وأخاك سالمين حمدي_في هدوء صارم: هيا الآن اذهب للنوم فقد تأخر الوقت حسام:: ولكن يا أبي حمدي: ليس هناك لكن.....لابد أن نستيقظ مبكرا حتي أوصي رجال المقاومة بك فقد خيروني مع من أريدك أن تتدرب من المجموعات حسام_متلهفا: واخترت من؟؟؟ حمدي_مثبتا عينيه في عيني حسام: لازلت أفكر فهم حسام من نظرة أبيه أنه لن يغفر له بسهولة.....لقد أخبره حسام من قبل أنه يحب القائد ((أبا ثابت)) الذي يتمني جميع شباب المقاومة القتال تحت إمرته ولكنه وبعد أن علم أبيه بالجرم الذي اقترفه في حق أخيه لم يعد يستحق ذلك ولا يعتقد أن أباه سيمنحه هذا الشرف فألقي عليهم التحية ومضي منكسرا إلي حجرته ،،،،،