في غرفة ليليان تجلس على سریرھا في حزن وقھر، وھى تتسائل لماذا أنا یحدث بي ھذا؟ تبكي بل تنتحب بشدة من ھول ما رأته الیوم تود أن تنسى كل ما حدث؛ لمساته، أنفاسه، حدیثه، قربه لھا كان یزعجھا وبشدة تبكي وتبكي في صمت، لا یوجد في الغرفة صوت إلا صوت بكائها وشھقاتھا التي تتعالى، وھي تقول بقھر وحزن: مش ھسیبھم، حقي مش ھسیبه، ھفضحھم. في غرفة ھود ونور تجلس نور على سریرھا وھي تبكي بدون صوت، لا ترید أن تزعج ھود فھي تعلم أنه یحاول كتم غضبه، لكن ھود بطبعه عصبي ولا یستطیع تحمل ھذا، كان ھود نائمًا بجانب نور یستمع إلى صوت بكائها الذي یقطع قلبه، فھو یعلم أنھا حزینة على ابنتھا وھو أیضًا حزین یود لو یقتل ھذا الشخص، الذي دمر ابنته، یود أن یقتل من كان السبب في ھذا فقلبه یتمزق على حال ابنته، كیف ستعیش حیاتھا ھل ستعیش طبیعي أم ستنزعج عندما یقترب منھا أي شخص، ھل ستتزوج ویصبح لدیھا منزل وزوج تتحامى به، أم لا یحدث ھذا وستظل بمفردھا طوال حیاتھا، یفكر ویفكر كاد عقله ینفجر من كثرة التفكیر في ھذه الأمور التي تجعله یغضب أكثر، ولكن كلما استمع إلى صوت زوجته وھي تبكي رق قلبه لھا، ثم التفت إلیھا وأعتدل في جلسته وھو یحاول أن یكون ھادئ ثم تفوه بنبرة حزینة: بصي یا حبيبتي عیاطك دا مش ھیفید بحاجة خلاص اللي حصل حصل وخلاص، ھنعمل أيه لا الزعل ھیفید ولا العیاط ھیفید. تفوھت نور في غضب وحزن وبكاء: أعمل أيه طیب؟ بنتي حیاتھا أدمرت. ھتف ھود في حزن أیضًا: طب عیاطك دا ھیفید أيه؟ ولا حاجة یا حبيبتي. تفوھت نور وھي تحاول منع دموعھا: طب أيه الحل یا ھود؟ ھتف ھود في ھدوء وھو شارد: الحل عند ربنا، یلا یا حبيبتي عشان ننام عشان ورانا شغل الصبح. تفوھت نور بھدوء وآثار الدموع على وجنتیھا: حاضر. في منزل عائلة القناوي في غرفة أسفل المنزل بعیدة عن الجمیع تجلس مروة بغرفة ما وبجانبھا عیسى عیسى بقلق وحِدة طفیفة: بصي شغل الجنان دا مینفعنیش، أنتِ سامعة؟ مروة في حدة أیضًا: جنان أيه یا عنیا؟ أنا براحتي أكلمك وقت ما أحب، أنت سامع؟ عیسى بقلق: أنتِ عایزة أيه؟ مروة بسخریة: مش عایزة، بس كنت عایزة أتكلم معاك في موضوع العملیة اللي أنا وأنت مشتركین فیھا. تفتكروا بین عیسى ومروة أيه؟ ینتھي اللیل بالحزن على أشخاص، وسعادة على أشخاص، وتفكیر وتخطیط بالنسبة لأشخاص أخرون. یأتي یوم جدید بصباح جدید مشرق على أحد، وآخر لا یرید أن یتحرك من سریره، لا یرید أن یواجه العالم، لا یرید أن یتحدث أبدًا، ولكن الكل یطالب أنه یتحرك ویقاوم یتعامل ببرود مع البشر وھو لا یستطیع. في منزل القناوي وتحدیدًا في غرفة سیدرا تستیقظ سیدرا من نومھا في كسل ثم یصدر ھاتفھا عدة رنات متتالیة لتمسك الھاتف وترد على من یزعجھا في الصباح وعادة تكون صدیقتھا المقربة لھا في الجامعة، البنت بنفاذ صبر: قومي بقى یا بنتي، أيه كل دا نوم؟ أرحمیني. سیدرا في نعاس: أيه یا بنتي الزن دا كله على الصبح؟ معلش كنت سھرانة مع تیام طول اللیل. البنت في ضیق: یا دي تیام وزفت زھقتیني بسي تیام دا، الواد دا أنا مش مرتحاله. سیدرا بزھق من حدیث صدیقتھا: بصي ریحي عقلك، أصلًا حتي لو حصل اللي في بالك دا، فأنا عیلتي كلھا میفرقش معاھم، وأنتِ عارفة أن عیلتي أشھر عیلة في القاھره وإن الحاجات دي متفرقش ومعندھمش فرق بین حلال وحرام، وأظن إنك دخلتي بیتنا وعرفتي طبعھم، فریحي عقلك ویلا عشان منتأخرش. في غرفة عیسى نھى بضیق: ما تقوم بقي یا عیسى، ھفضل أصحي فیك الیوم كله عیسى بنعاس: عایزة أيه على الصبح یا ولیة؟ نھى بضیق: قوم بقى عشان تشوف شغلك، ولا ھتفضل نایم الیوم كله؟ عیسى وھو یشدھا علیه: طب تعالي أتكلم معاكي في موضوع. نھي بابتسامة: ما أحنا أتكلمنا فيه إمبارح. عیسى بضحك: نتكلم تاني وماله. نھى: مفیش وقت، یلا عشان أمك ھتیجي تخبط الوقت وتزعجنا. في غرفة یوسف ومروة مروة بإنزعاج: ھو في أيه یا یوسف؟ یوسف بانتباه: في أيه فأيه؟ مروة بضیق أكثر من حدیثه: ھو أنت بقالك فترة متغیر ليه؟ مش عوایدك یعني. یوسف بضیق: بقولك أيه یا مروة على الصبح عایزة تقولي حاجة قولیھا في الوش على طول، ما تفضلیش تلفي وتدوري عليا. مروة: یوسف أنت بقالك مدة مش بتتكلم معایا، ولا بتقربلي ودي مش عوایدك. یوسف بفھم وھدوء: معلش یا حبيبتي، بس أنا فعلًا دماغي في الشغل شویه، عندي مشاكل كتیر في الشركة بتاعتي، دا غیر البضایع اللي لسه ما أستلمتھاش. مروة: ودا یغیرك علیا كده؟ یوسف بمزاح: المفروض أننا كبار، ولا ھو السن معداش علیكي یا مروة؟ مروه بمزاح أیضًا: لا یا حبیبي، أنا مش بكبر وبعدین أيه علاقة السن بالحب والمشاعر؟ ضحك یوسف على حدیثھا، ثم نظر إلیھا: مبتحبیش تكبري یا مروة؟ مروة: فعلًا، وأكبر ليه؟ یوسف: فعلًا، یلا عشان ننزل نفطر. فبالفعل یوجد نساء لا تردن الاعتراف بالسن، ولا ترید أن تعیش سنھا بل تعیش سن أصغر بكثیر. في الأسفل یجلس الجمیع على طاولة الطعام. یوجه أحمد الحدیث إلى روح أحمد بغضب وعصبیة: أنتِ یا زفتة. روح بتوتر: نعم یا جدو. أحمد: ھتخلي حد من المستشفي یسأل على البت، سامعة؟ روح وھي تنظر له بتوتر: فاھمة یا جدو، أنا بس مش فاھمة أنت ليه شاغل بالك أوي بالبنت دي، ما خلاص حاجة عادیة یعني. أحمد في غضب: أنتِ عبیطة یا بت أنتِ؟ أنتِ متعرفیش دي من عیلة مین؟ روح في حدة: ھتكون من عیلة مین یعني؟ عیلة زي أي عیلة في الدنیا، ھو في حد قد عیلتنا یا جدو؟ أحمد بغضب ونبرة عالیة تسمع أركان المنزل: أیوه في، لما تكون عیلة الكیلاني یبقي في، أنا عملت إتصالاتي وعرفت أنھا من عیلة الكیلاني. صدم یوسف وعیسى عند سماع الاسم. یوسف في ذعر: مالھا ومال عیلة الكیلاني یا بابا؟ أحمد في حدة: الھانم بعتت حد یأذیھا، وبدل ما الحیوان یعورھا بس، لا طمع في البت وأغتصبھا. یوسف: یا نھار أبوكي أسود، بقى بعد العمر دا كله تشبكینا مع عيلة الكیلاني، ونبرة صوته تعالت: دول ممكن یودونا في ستین داھیة. روح بغضب: مش أنت یا جدو اللي قلتلي أتصرفي معاھا؟ أحمد بغضب: مقولتلیش أنھا حفیدة محمد الكیلاني یا ھبابة أنتِ، ما تشوف بنتك یا عیسى. عیسي في ھدوء وجدیة: طیب أنتِ ليه عملتي كده؟ روح: عشان البت دي كشفتنا، وحشره مناخیرھا في كل حاجة. عیسى: تقومي تبعتیلھا واحد حقیر كل ھمه البنات. روح: ما أنا مكنتش أعرف أنه ھیعمل كده. عیسى: طب بصي بقي یا روح، أحنا ھنا لازم ناخد بالنا من كل كبیرة وصغیرة، أحنا ھنا مش مجرد عیلة عادیة، وفي حب وكده، لا، یا حیلة أمك، أحنا ھنا بنشتغل فاھمة یعني أيه؟ یعني العیلة دي كلھا على بعضھا كده عصابة، مفھوم یا روح؟ یعني لو حد رجله أتجابت، العیلة كلھا ھتقع، سامعه یا بت أنتِ، أنتِ النھارده تحاولي تطمني على البت دي، وتحاولي على قد ما تقدري تخفي الشغل تمامًا، والحاجة الموجودة تخفیھا، محمد وعیاله مش ھیسیبوا شرفھم كده، دا ابن عمھا ظابط یعني اللي عملتيه دا ھیطیر فيه رقاب، سامعة؟ أنھى حدیثه بصرخة عالية. أومأت روح بھدوء، وھي تحاول أن تنفذ كل حرف ھتف به والدھا أسر ببرود: بقولكو أيه دي عیلة مقرفة جدًا، حتى في الصفقات بتاعت الشركة ناطین فیھا، دا غیر أن كل لما نیجي نعمل اتفاقيات تبع شركة بابا یاخدوھا، الناس دي عایزة تتربى یا جدي. أحمد بانزعاج وحدة ونبرة عالیة: أنت مجنون؟ مینفعش، أحنا مش قد عیلة الكیلاني یا زفت. أسر بغضب: ليه بقى إن شاء ﷲ؟ أحنا عیلة القناوي أشھر عیلة فیكي یا مصر جوا وبرا قبلي وبحري، كل الناس بتخاف مننا وبتعملنا ألف حساب، یبقى علي آخر الزمن نخاف من شویة عیال؟ أحمد وھو یحاول كتم غضبه: لا دي مش زي أي عیلة، وأنا بحذركم كلكم من أنكم تحطوھم في دماغكم، أنا مش عایز أقع مع محمد تاني، سامعین؟ نظر إلیه جاسر بغموض ثم ھتف قائلًا: ھو أنت تعرفه یا جدو؟ أحمد بغضب: أه أعرفه، معرفة قدیمة كده. جاسر: طب أنت ليه مش عایزنا نتعامل معاه؟ أيه السبب إلي مخلیك خایف أوي كده على أننا ندخل في صراع معاھم؟ مع أنھم مش قدنا، أيه خایف علیھم مثلًا؟ من أمتى أحمد القناوي بیخاف؟ أحمد بغضب: مش عایز حورات معاھم وخلاص، كلمتي تتسمع، فاھمین؟ عمر: طب بقولك بقى بالمناسبة، أنا عندي تسلیم النھارده كمان. ثم ھتف جاسر أیضًا: وأنا في حتتین أثار إنما أيه قشطة. ثم ھتف أسر أیضًا: وأنا عندي النھارده شغل في الكباریه، وتسلیم السلاح. ھتف عمر: أنا تخصص مخدرات بس. ثم ھتفت روح: وأنا ھسلم العیال النھارده، وشكرًا لیك یا جاسر على مساعدتك لیا. جاسر: العفو. یوسف: بابا أحنا كسبنا مبلغ حلو في البضاعة مع الناس الألمان، أحول الفلوس دي النھارده. أحمد: تمام، وعایزك تسلم بضاعة أكتر خلال الأسبوع دا للناس الأمریكان. عیسى: اه من الحق، أنا لازم أسافر أمریكا في شغل تبع الجماعة. أحمد: تمام حد عایز یقول حاجة تانیة على الصبح؟ في ھذه اللحظة انتفضت سیدرا من مقعدھا وھتفت في صراخ سیدرا: أنا مش فاھمة ليه أنا اللي خلتني مختلفة عنكم كلكم؟ ليه مخلتنیش زیكم؟ ليه خلتني دائمًا حاسة إني مش شبھھكم؟ ليه دلعتني؟ ليه أنا؟ وأنتو أصلًا ليه كده؟ أنت عارف یا أحمد یا قناوي تربیتك دي ھتطلع علیك بعدین، ھما مش عایزین حاجة منك غیر الفلوس وبس، میعرفوش غیر الحقد والغل والفلوس وبس، یعني أنت لو احتاجتھم عمرھم ما ھیعبروك أصلًا، دي نتیجة تربیتك، حب الفلوس والحرام اللي أنت عایش فيه، وبدل ما تربي بني أدمین ربیت وحوش. كل ھمھم فلوس ونفوذ، وإزاي یكبروا الشركات والمصانع وبس، یا أحمد اللي زرعتوا دا أنت ھتجنيه، أنت وبس، مبروك علیك أولادك وأحفادك، ھتشوف عن أذنكوا. ذھبت سیدرا من مكانھا، ثم نفخت روح في ضیق. روح: أيه یا جدو أنت ھتسیب البت دي كده؟ أحمد بغضب وحدة: عایزاني أعمل ايه یعني؟ أنتِ عبیطة یا بت أنتِ؟ دي سیدرا، یلا كلھ یروح على شغله بلا ھم. ذھب أحمد روح بغضب: ھو أيه الھم دا؟ إزاي یخلي عیلة زي دي تتكلم علینا أحنا بالشكل دا؟ جاسر بمكر: بقولك أيه یا روح أھبطي وشیلي البت من دماغك، الغلط غلط جدك ماشي. روح بضیق: لا، لا، البت دي أنا مش ھسیبھا، أنت سامعني؟ جاسر بمكر: بقولك أيه یا روح محدش أحسن من حد؟ ولا فكراني مش واخد بالي من اللي أنتِ بتعملیه فوقي أنا صاحیلك كویس أوي. في منزل الكیلاني دلفت ریم إلى غرفة ليلیان، وجدتھا تضع بعض مساحیق التجمیل وھي تبكي بشدة وكلما وضعت شيء ذاب من الدموع. ریم في حزن على حال بنت عمھا فھم مثل الأخوات تمامًا: أھدي یا حبيبتي، بلاش تنزلي النھارده وأنا أخد إجازة ونخرج. ليلیان بحزن وخزي: بلیل یا حبيبتي بعد ما نخلص شغل. في الأسفل یجلس الجمیع على طاولة الطعام یتحدث محمد بحزن: أيه یا ھود بنتك عاملة ايه؟ هود بحزن: ریم عندھا وھتتكلم معاھا عشان ینزلوا أو كده. محمد: طیب. جاءت ليلیان وریم ھود عندما رأھا حزن أكثر، ولكن تماسك أمامھا فھو لا یرید أن تنفلت أعصابھا أكثر ونفسیتھا تدمر. ھود وھو یبتسم: أيه یا حبیبة بابا، عاملة ايه النھارده؟ ليلیان وھي تحاول أن تبتسم لوالدھا: الحمد لله یا حبیبي. معاذ وھو یحاول أن یتفھم ماذا حدث: الوقت یا ليلیان عایز أعرف أيه اللي یخلیكي تشكي في الناس دول؟ ليه صاحبة المستشفى دي؟ ومین ھي أصلًا؟ ليلیان بھدوء: اسمھا روح عیسى أحمد القناوي. عندما تفوھت بھذا الاسم صدم محمد وھو ینظر إلى الأمام بحزن وتوھان، نزل ھذا الاسم على الجمیع كالصاعقة فھم جمیعھم نسوا ما حدث منذ سنین، ولا یریدون الاحتكاك بأحد منھم إلا عن طریق الصفقات فقط ،وفي الأغلب يتركون لھم بعض الصفقات، لكن شيء آخر لا، فمحمد الكیلاني یبعد أولاده وأحفاده عن كل شيء یتعبھم أو یعیقھم.