وما شأننا نحن إن كنت ستتزوج؟ كتم ناصر لوعة بقلبه يأبى إظهارها أو حتى الاعتراف بها بينه وبين نفسه، يقول بهدوء يتنافى مع ما تموج به أحشاءه ¤العائلة كبيرة وعريقة لا أحبذ الذهاب لوحدي. استدار إليه عمه المشغول بحاسوبه ما إن سمع كلمة السر "الثراء"، يستفسر بفضول ¤ ومن تكون هذه العائلة العريقة؟ أجابه ناصر بجمود يخفي قبضتيه داخل جيبي سروال بدلته السوداء يقف مجاورا للمدخل بباب زجاجي كبير يربط بين الحديقة وغرفة الجلوس ¤ عائلة الجندي. تدخلت زوجة عمه، تعقب بضجر وضيق ¤ لا يهم، أجل خططك إلى أن ننهي زفاف شاهي. هم بالرد لولا تدخل عمه المستهجن بنظرات طامعة لا يصدق حظوظه ¤ هل فقدت عقلك؟ يقول عائلة الجندي ...يعني علاقات و نفوذ قوية. زفرت زوجته حانقة من زوجها الذي لا يشبع، ترفع كفها الناعمة لتتفقد أظافرها المطلية بعناية بينما تتجاهل حديث زوجها لناصر ¤اتصل بهم و حدد....أو هل تعلم ماذا؟ سأتصل أنا بالسيد يوسف الجندي وأحدد معه موعدا للتقدم لابنته. صاح ناصر بجزع بينما يخطو ليهل عليه بجسده الضخم ¤ليست ابنته! .....إنها إبنة شقيقة زوجته ...كفلها بعد أن توفي والديها. عقد عمه جبينه قائلا بملل ¤ و لماذا لا تأخذ ابنته أفيد لك! مسح ناصر على وجهه زافرا باستياء، يهتف ساخرا ¤فيتامينات هي! لأقتني ما يفيدني منها؟ ...عمي أنا أحبها وعائلتها موافقون، هل سترافقني أو أذهب لوحدي؟ وقفت زوجة عمه بحدة وانصرفت تضرب الأرض بكعبها الرفيع، كما يضرب قلبه من اعترافه الذي نطق به لسانه بتلقائية كأنه أمر مسلم به. رد عليه عمه بضجر يلوح بكفه ¤حسنا، أنت حر! ....سأحدد موعدا معهم وأبلغك لنذهب. تنهد واستدار لينصرف قبل أن يقترف جريمة ولمح شاهي واقفة على المدخل الآخر للغرفة تراقب ما يحدث بجمود، فتقدم خارجا ليتسمر حين قالت تخاطبه ¤ إن كان فيما سأقوله عزاء لك، إنهم يعاملونني بنفس الطريقة. ابتسم بجمود، يجيبها ¤ أنت محقة ...وضعك ألعن فأنا على الأقل والداي تحت التراب. انتفضت تشهق بحدة وقد طعنت كلماته قلبها، فالتفت إليها هامسا بهزؤ ¤ماذا يا ابنة عمي؟ هل الحقيقة مرة إلى هذه الدرجة؟ احمرت عيناها، فأدرك بأنها ستبكي ولأول مرة يستحضر لمحات من الماضي، فتهدل كتفاه يأسا وحزنا قلما يظهره يهمس بخفوت جاف ¤ أنا آسف شاهي ...أظن أنني أبحث عن متنفس. حدق بعينيها اللتين بالفعل قد نزلت منهما دموعا، فقال بلطف قبل أن ينصرف ¤دعينا يا ابنة العم نبحث عن العزاء في قلوب غريبة قد نجد بها انتماء فقدناه في قلوب قريبة. ****** تسمرا متلاحمين بعد سماع صوت الرصاصة التي صوبت تجاههما، فصاح هشام بغضب بينما يقترب منهما ¤ليث، ماذا تفعل هنا؟ تفحص ليث تامر ليكتشف أن الرصاصة أصابت رجله قبل أن يدفعه بقرف فوقع على الأرض يمسك برجله المصابة، ليستسلم هو مستندا بجسد صديقه وزميله هشام وحين لاحظ الأخير قماش قميصه المبلل بالدماء هتف بقلق وضيق ¤ يجب ان أقلك للمشفى، حالا! فهتف تامر بألم ¤أنا أيضا لقد أصبت رجلي! رد عليه هشام بغل بعد أن بصق عليه ¤كان يجب أن أقتلك يا حقير! احمد الله أنني لم أعجل بتطبيق العدالة. لمحوا العميد يهرول تجاههم يصيح بليث هو الآخر متفقدا حالته المنهكة وشحوب وجهه، فاضطر لتأجيل تقريعه لاحقا وكلف هشام بإيصاله إلى المستشفى. هناك وسط بيت الجندي وكأنها تشعر بمصابه، تمسك بصدرها بينما تزرع أرضية الشرفة جيئة و ذهابا، تربت على قلبها المنقبض حتى هتفت حماتها بضيق ¤ اجلسي يا فتاة! أنت توترينني. جلست ورد تطلق سراح دموعها وقد ضاق صدرها وتعسر عليها التنفس، فأسرعت إسراء بإحضار الماء لها والجدة قد بلغ قلقها أيضا حده تحاول تهدئتها وكل واحد منهم ينظر للآخر قلقا. انتفضوا على إثر رنين هاتف السيد يوسف الذي رد بسرعة يصغي لطالبه ثم قال بوجوم ¤ليث بالمشفى! لم ينهي كلامه حتى انهارت ورد وقد استسلمت أخيرا للرعب الذي أنهكها، فغابت عن الوعي. ******** رمشت بجفنيها تشعر بالوهن ينخر عظامها، أحست بدفء لمسة على رأسها، تسمع استفسار الجدة ¤ورد حبيبتي أنت بخير؟ فتحت عينيها فشعرت بالكون يدور بها فأسدلتهما مجددا وتذكرت ليث، فهمست باسمه ليخبرها الجد أحمد ¤العنيد بخير لا تخافي، هناك خبر آخر سعيد ...لقد ألقوا القبض على من كان يحاول اختطافك. لم تشعر بنفسها إلا وهي تنتفض جالسة، تسأل بحدة ¤من أخبركم؟ وبماذا أخبركم؟ استغرب الجد وزوجته حالتها الغريبة وتكفل الجد بالرد ¤العميد مصطفى اتصل كي يخبرنا عن ليث وبأنهم كانوا بمداهمة وقبضوا على المجرمين. بلعت ريقها تستفسر بتوتر ¤أخبركم من يكون؟ هز الجد رأسه نفيا يجيبها ¤ لا لم يخبرنا بالتفاصيل، هل أصبحت أفضل؟ ..لكي نلحق بالباقي، لقد غادروا إلى المشفى. وقفت بوهن تمسك بجبينها بينما تطلب منه ¤ جدي أرجوك، هل يمكنك إيصالي لبيت أهلي؟ دهشا معا والحدة تعبر عن مكمن دهشتها ¤ ورد! ألا تريدين رؤية ليث؟ أخذت نفسا مرتعشا تطوق رأسها بكفيها وترف بجفنيها مرات عدة، تحاول طرد الدموع والدوار بينما تجيب بضعف ¤ اسمعاني أرجوكما وحاولا تفهم موقفي ...لقد حدث كل شيء بسرعة ...يا إلهي! أنا حتى لم أعد أعرف نفسي ...هذه الدموع الغزيرة وهذا الضعف ...لست أنا! عقدا جبينيهما تساؤلا ينتظرانها لتكمل، فاستطردت بينما ترفع يديها تحركهما بالهواء بعد أن سوت سترتها فوق فستانها ¤ليث أمسك بيدي لنبلغ بر الأمان لكن ....أتعلمان بماذا أشعر؟ نظرت إلى نقطة وهمية تشير إليها بكفها المنبسطة ¤أشعر بأنني عالقة على جسر ...لا أستطيع العبور إلى الضفة الأخرى وفي نفس الوقت لا أريد الرجوع إلى الخلف فوقفت مكاني وكلما سأفعله أنني سأوقف ليث معي وأنا لا أريد ذلك. اقتربت منها الجدة تخاطبها برقة ورأفة ¤ ما الذي استجد ورد؟ فأنت كنت تتقدمين جيدا وحفيدي يحبك ويخطو معك خطوة بخطوة. كان دور ورد لتندهش والجدة تومئ مؤكدة ¤سنوات عمرنا يا حبيبتي أكسبتنا حكمة فهم الأمور ...ما الذي استجد ورد؟ نزلت دموعها بسخاء تجيب بصوت متهدج ¤لو صدق قول العميد فإن فضيحة كبرى ستخرج للعلن. ازداد القلق وضوحا على ملامح الجدة والجد الذي استوضح بريبة : ماذا تقصدين ورد؟ شهقت تملأ رئتيها بالهواء ثم قالت ¤ أنا قررت العودة لورد القوية التي كنتها، التي لا تخشى من قول الحق ولا تخاف ويرتفع ضغطها كل حين كفأر مذعور لكنني أرفض الجمود والبرود وقد اكتشفت أخيرا كيف سأفعل ذلك وهذا ما أحاول تفسيره، لقد قطعت نصف الطريق والنصف الآخر هو من سيساعدني لأجد نفسي ...ولأفعل ذلك يجب أن أبتعد قليلا عن ليث عن ..هنا.... تلكأت تبلع ريقها ثم أكملت ¤وستكون فرصة لكم للتفكير أيضا إن كنتم ستقبلون بي بينكم بعد ما ستعرفونه لاحقا. هتفت الجدة بجزع ¤و ماذا سنعرف لاحقا؟ تمسح على شفتيها الجافتين كل حين دون جدوى، تسلك الشوك بحلقها وهي تجيب ببعض الحدة والتصميم الكبير ¤ أنا لن أسكت بعد اليوم ...سأفعل ما كان يجب أن أفعله منذ زمن ....أعلم أنني قد أخسر الكثير ....أختي ...أنتم ...لكن لن أسكت أبدا ...ذلك الحقير يجب أن يعدم. تقدم السيد أحمد منها وقد بلغ به القلق حده، يتساءل باهتمام ¤من هو المجرم ورد؟ من كان يحاول خطفك؟ تمالكت نفسها بعد أن أخذت نفسا حادا ومسحت دموعها لتجيبهما بقوة ¤ستكونان أول من أخبرهما بحقيقة ...ورد الخطاب ....في الحقيقة ليست خطاب بل الشهدي ..أول شيء يجب أن تعرفوه أنني إبنة العميد مصطفى الشهدي. بهت السيد أحمد وشهقت الجدة وأخرى كتمت شهقتها لم تتجرأ على الدخول، فظلت قرب المدخل تتنصت حتى أنها نست ألم رجلها المكسورة. أكملت ورد ترمق ملامحهما المدهوشة ¤ ليث يعلم بالأمر ...لكنني لن أختبئ بعد اليوم ..مواجهة الخطر أفضل بكثير من انتظار وقوعه. ضربت على صدرها بخفة مرات عدة وهي تسترسل قولها ¤ هنا ينخر الألم ....يحفر و يحفر هوة كبيرة فارغة، فلا أشعر مثل الناس ....لا بكاء لا ضحك لا سعادة ....و أنا سئمت و أرفض.. أرفض أن أكون فارغة ...وأرفض ان أقف على هذا الجسر الذي يجعلني ضعيفة جبانة أبكي طوال الوقت بينما قلبي يخفق رعبا ...أريد أن أكون طبيعية!....لذا.. رفعت وجهها بوجوم قسماته إليهما تضيف ¤ أنا فتاة حاربت لتولد.... نعم فأنا أخرجت من بطن أمي بعد موتها...قتلها مجرم ما كشفه أبي فظلت تنزف إلى أن وصل إليها. ... أخبرني أنها كانت ميتة حين أدخلوها إلى غرفة العمليات لكنني لم أمت، ناضلت من أجل حقي بالحياة وذلك كان الحق الوحيد الذي حاربت من أجله للأسف، أتعلمون لماذا؟ لم تنتظر ردهم بينما تستدرك ¤ بسبب الخوف ....لم أحارب من أجل نسب أبي الذي هو هويتي لأن المجرم هدده إن نجا الجنين سيعود لقتله... وضعت السيدة طيبة كفها على فمها حزنا وصدمة، فضمها الجد يستمع بتركيز لورد التي أكملت بألم وشجن ¤ و لم أناضل لاسترجاع حقي وحق رنا بطفولتنا و براءتنا التي اغتصبها الوحش لأنه هددني، لا ليس ذلك فقط! بل قتلها أمامي. لم تستطع بيان أن تكتم شهقتها هذه المرة، فالتفتوا إليها وتلبكت تخطو نحوهم ¤أ...أنا آسفة لم أتعمد التنصت لكن.. ابتسمت ورد بحزن تعقب ¤ لا مشكلة بيان، أنا لن أختبئ بعد اليوم، لن أقبل بالتهديد بعد اليوم ....لقد تعبت، لذلك أنا سأغادر لأواجه أهوالي أولها غرفتي التي هربت منها كالجبانة حين قرر ضميري النطق عن نفسه، فظننته شبح رنا ....يجب أن واجه أكبر مخاوفي وهو ...حلمي المنشاوي! جمدوا ثلاثتهم لا يستوعبون الاسم الذي ذكرته، فحركت رأسها طلوعا ونزولا تؤكد ما تفوهت به ¤ نعم ....نسيبنا العزيز هو تاجر المخدرات وقبلها مغتصب رنا وحين أراد فعل المثل بي دافعت عني تلك الصغيرة الشجاعة ...أخفتني ودافعت عني فأرسلها لحتفها ...أمامي! .....ليأتي ابنه و يكمل طريق والده يطاردني بحجة الحب وهو من كان يحاول خطفي. جحظت أعينهم وبيان تتساءل بصدمة ¤تامر ؟ يا إلهي!...هل ليث يعلم؟ ألا تكفيه فعلته مع رهف؟ ضحكة سوداء خالية من المرح صدرت من فم ورد و هي تخبرهم ¤ رهف قُتلت. ارتعدت الجدة من هول ما تسمع، فأسندها الجد حتى أجلسها فهي قد فكرت بكل الاحتمالات لما قد يكون أصابها لكنها لم تتخيل أبدا أن تكون حياتها بهذا الشكل من المآسي. هوت بيان هي الأخرى على الأريكة، تكتشف أخيرا بأن عقدها وما تعتبره مشاكلها تافهة إلى أقصى حد وأصبحت تنظر إلى ورد بشفقة ممزوجة بإعجاب لأنها حتى وإن أنكرت، فهي شخصية ممتازة بالنسبة لمن ينشأ بمثل ظروفها. نظرت إلى الجد تطالبه برجاء ¤أتوسل إليك جدي، خذني إلى أمي. قبل الجد رأس زوجته يوصيها بالراحة إلى أن يعود لكنها وقفت تصر على مرافقته ليقلا ورد إلى وجهتها ثم يذهبان بعدها إلى المستشفى وهكذا غادرت ورد بيت الجندي مصرة على استرجاع قوة ورد القديمة لكن مع ما اكتسبته برفقة ليث لتعود إليه زوجة وكنة لعائلته بحق. ******* ¤أنت مصر على قتلي بني ...كيف تفعل هذا؟ ألا تخشى على نفسك؟ ...فكر بنا على الأقل! كانت هذه السيدة زهرة تعاتب ليث فتدخل السيد يوسف يهادن زوجته ليخفف عن ابنه ¤ زهرة، ليس هذا وقت العتاب. تحدث ليث بتعب يراقب الباب، ينتظر حبيبته ليبثها نظرة الأمان ويخبرها بوفاء وعده لها وبانجلاء الخطر عن حياتها ¤ أين ورد؟ تأخرت! تناظر والداه بتوتر فهم لم يخبروه بإغمائها وأخبروه بقدومها لاحقا مع الجدين. هم ليث بإعادة السؤال، فانفتح الباب ليلتفت إليه بلهفة انقلبت إلى إحباط ثم شك، يهتف بنفاذ صبر ¤أين ورد؟ ألم تأتي معكما؟ صمتت السيدة طيبة تنظر إليه بملامح تعكس الحزن والشفقة، فقلبها الطيب كاسمها لا يتحمل الظلم ولا يملك سوى التوجع بصمت. تكلم الجد قائلا : أوصلتها لبيتها في طريقنا إلى هنا. ثم أضاف قبل أن يتحدث ليث بملامح مستنكرة ¤هي طلبت ذلك بل توسلتني حرفيا. فتح ليث فمه ببلاهة هو والده وشقيقته التي عقبت باندهاش ¤غريب! لقد كانت مرعوبة عليك أخي، شحبت حتى ضاق تنفسها وما إن ذكر أبي أنك بالمستشفى فقدت وعيها. إلتفت إليها ليث بحدة بينما الباقي يرمقونها بضيق معاتب، فتمتمت مرتبكة ¤لم نخبرك نظرا لحالتك ثم جدي أخبرك الآن أنها بخير . تدخلت والدته، تعقب بتذمر ¤لا تشغل بالك بها بني، إنه مجرد دلال فتيات. صاح السيد أحمد بغضب نادرا ما يعتريه، فارتعب الجميع من انفجاره باستثناء زوجته التي تشعر الآن أنها كزوجها تبحث عن متنفس وكنتها ستكون أفضل متنفس بتهورها المستمر ¤ يا إلهي يا امرأة! ألا تملين؟ ألا تشعرين بآلام غيرك؟ ...بدل أن تقلقي على فتاة تحب ابنك بجنون وتسألين عن مصابها تتفوهين بعبارات غيرتك السخيفة كفتاة صغيرة سُرِقت دميتها!...استيقظي يا امرأة وتلفتي حولك قليلا! فليست كل حياة البشر وردية كحياتك! صعق ليث حين تيقن من علم جديه بشأن زوجته، يراقب والده بينما يقترب من جده ليمسك بيده يهدئ من روعه ¤ اهدأ أبي، صحتك لا تتحمل التوتر! زهرة لا تقصد آ... قاطعه والده بحنق ¤ إن لم تقصد فلتغلق فمها! ...كل مرة تفسد بها الأمور ندفع العتاب بلا تقصد ..كانت ستدمر حياة بيان ونحن نراقب ونتحجج بلا تقصد ... شهقت السيدة زهرة تمسك بصدرها هلعا لكنه لم يهتم بينما يكمل ¤ ومنذ أن دخلت ورد بيتنا وهي ترميها بكلمات كالسم الزعاف كأنها عدوة طاغية وليست كنتها ثم ندفع العتاب مجددا بلا تقصد، ضقت ذرعا بتصرفاتها و آن الأوان لتنضج! تجاهل السيد يوسف كل ما قاله والده يعلم أن هناك دافع أكبر لانفجاره، يسأله بريبة ¤أبي ما بها ورد؟ ...لأنني لا أصدق بأنها لم تركض لرؤية ليث والاطمئنان عليه! استدار الجد إلى ليث المراقب بصمت مترقب، مشيرا إليه بحديثه ¤إسأل ابنك يوسف لأن كنتك قالت بأنها سترحل عن البيت بحثا عن نفسها وستعود حين تجدها لتكون زوجة وكنة بحق لعائلة الجندي. تجمعت العيون المتسائلة حول ليث تنتظر منه التفسير، فأغمض عينيه باستسلام يجيبهم ¤ سأخبركم بكل شيء، من الأفضل أن تعلموا مني، لا من الجرائد... هز الجد رأسه بتأكيد يضيف ¤نعم ومن الأفضل أن تبدأ من نسب زوجتك الحقيقي. عقد جبينه وعم العبوس وجهه بينما يسرد ما يعرفه والجميع يصغون باهتمام والذهول. ***** أسرعت ورد ترتمي بحضن والدتها التي تلقفتها بقلق، تستفسر منها ¤ ورد ما بك حبيبتي؟ هل زوجك بخير؟ أبعدتها قليلا تستديران إلى باب البيت الداخلي حيث هل عليهما محمود برفقة سهى وزوجها مقطبين بريبة، يتسألون عن سبب استدعاء ورد لهم في ذلك الوقت من الليل، ( وقت العشاء) مسحت دموعها تخبرهم باستياء ¤ أرجوكم الحقوا بي الى غرفة الجلوس ....أريد التحدث معكم. لبوا طلبها والريبة تعم أذ هانهم وأمسكت ورد يد أمها تشد عليها بحجرها تخشى جرحها كما تخشى جرحهم جميعا لكن لا مفر ¤ هناك أمور يجب أن تعرفوها مني، قبل أن تعلموا بها... أعلم أن وقتا عصيبا ينتظرنا لكن يجب أن نكون مؤمنين ونحاول مواجهته بصبر وحكمة. هتفت سهى بخوف : تكلمي ورد! أنت تخيفينني. بدت مرتبكة لكن عقدة لسانها انفكت مع كل صدمة تراها بأعينهم إلى أن سكتت، فتلفت حمزة حوله بمقلتيه المذهولتين ثم انتفض غاضبا يستنكر غير مصدق ما سمعه ¤مستحيل! ماذا تقولين ورد؟ هل هذه مزحة ما؟ يا إلهي! أنت تتحدثين عن وحوش لا أهلي. قام محمود هو الآخر فاقدا أعصابه غير مصدق هو الآخر لكن من مدى جرأة المجرمين، يعقب بغضب ¤أنا كنت أعرف سالفا عن تامر لكن لم أعلم أن السيد الوالد هو الأفعى الكبرى. ثم التفت إلى ورد يكمل حديثه لكن بنبرة أقل حدة يلومها ¤لماذا! ...لماذا أخفيت عني الأمر ورد؟ ألا تثقين بأنني أستطيع حمايتك؟ ردت ورد التي انضمت إليهم منفضة عنها رداء الخوف تسترجع قوتها ¤كنت طفلا محمود مثلي أنا ...لقد قتلها أمامي وكان يبحث عني ليقتلني ..حتى بالحاضر لمجرد شكه أنني أعرف شيئا أنا وتلك الفتاة رهف أمر بقتلنا. تحول بكاء سهى إلى نشيج، فانحنى إليها حمزة يخاطبها بتوسل مصدوم مما علمه لا يستوعب ¤لا تصدقي حبيبتي، مستحيل! أهلي ليسوا مثل ما تقوله ...أعلم أن تامر طائش لكن ليس مجرما و أبي؟ أنا.... قاطعه هاتفه الذي علا رنينه، لمح رقم والدته فأجاب رأسا لينساب صوتها يصيح بكلمات مضطربة متسارعة حتى هتف من صميم قلبه المنقبض هولا وصدمة ¤أمي! تحدثي بروية لأفهم منك شيئا. حتى سهى توقفت عن البكاء يترقبون سواد ملامح حمزة وهو يصرخ : أنا قادم. التفت إليهم لا ينظر بأعينهم، يقول كمن به مس يمسح بكفه على رأسه : يجب أن أغادر، الشرطة تملأ القصر يبحثون عن جثة ما. شهقت سهى رعبا، فرماها بنظرة استجداء لكنها كانت تائهة ببحر صدمتها، فاقتربت منه ورد تخبره بإشفاق تعلم بأن الحين عصيب عليه كرجل وكإنسان ¤ اسمع حمزة أنا أعلم معدنك جيدا، لذا لم أعترض على زواجك من أختي لأنني لا أحمل أحدا وزر غيره .....أختي الآن مصدومة مثلك تماما امنحها بعض الوقت و اذهب لوالدتك، إنها أكثر شخص بحاجة إليك حاليا. ثم التفتت الى محمود تطلب منه ¤ هيا أخي، أوصلني إلى قصرهم. هتف محمود بجزع : لماذا؟ فقالت بغموض : كنت أظن أن أول مواجهة لي ستكون بغرفتي لكن القدر مصر على عدم إمهالي. ضم ملامحه وجهه بعدم فهم، يسألها : ماذا تقصدين ورد؟ اقتربت لتقف قبالته، تجيبه بقوة ¤أعني أنني سأذهب لأراها تتحرر من سجنها أخيرا، عل نفسي تتحرر معها وأنا سأذهب يا أخي حتى إن رفضت مرافقتي. جاور حمزة سهى فعادت خطوة إلى الوراء ليتجمد مكانه بألم تجلى بوجهه بينما هي ترتمي بأحضان أمها التي لم تع من صدمتها بعد، تفكر أنها السبب في كل شيء و تسأل كيف ستكفر عن ذنب أمانة تحملت مسؤوليتها باختيارها واستهانت بمراعاتها. همست بضياع : لا تذهبي يا ورد، بنيتي. رقت نظراتها تتفهم شعور والدتها وكانت أكثر من خشي قلبها جرحها، تخاطبها بينما تلمس وجهها بحنو ¤ لا تخافي علي أمي لقد شفيت، أنا قوية وهذا بعد فضل الله بسببك وأبي علي رحمه الله...عاملتماني كسهى و محمود بل أفضل منهما، فلا تخافي حبيبتي لقد رعيت الأمانة حق رعايتها وما كان علم الغيب للعبد إنما لله وحده. رفعت سهى رأسها بريبة، تنظر إلى ورد التي أضافت متنهدة ¤ أخبريها أمي، فأنا لن أختبئ بعد اليوم أبدا. عادت إلى محمود تجذب كفه ¤ هيا بنا أخي ..فأنت على علم بكل شيء. رفع محمود حاجبيه دهشة يسألها ¤ كنتِ على علم بأنني أعلم؟ زفرت بملل تجيبه ¤ أخي رأسي به جنون لا ينقصني اللعب بالكلمات، هيا! سحبته و تلكأت حين وصلت جوار حمزة الشارد وكأنه تائه عن دربه ¤ حمزة هيا! ...أتركها تستوعب قليلا وتهدأ، لا تنسى أنها حامل ...من الأفضل لها البقاء مع أمي. كان يريد منها نظرة واحدة ليطمئن أنه لم يفقدها لكنها بخلت بها عليه، فهي الأخرى تائهة تحتاج للهدوء و الروية و تفكير عميق، فغادروا إلى قصر المنشاوي. ******* تحرك ليث على سريره متجاهلا أفواههم المفغرة من هول ما سمعوه، يحاول الفكاك من المصل ليغادر فراشه فيصيح جده باستنكار ¤ماذا تفعل؟ هل جننت؟ رد عليه لاهثا من شدة الوجع : يجب أن أرى ورد. قبض والده على كتفيه بحزم، يمنعه ¤ لن تتحرك من مكانك حتى لو اضطررت لحبسك في هذه الغرفة ....فكف عن عبثك وأرح جسدك! سكن ليث على سريره مستسلما بقلة حيلة والتفت والده إلى السيد أحمد يطلب منه ¤ أبي غادروا لقد تأخر الوقت أنا سأقضي الليلة برفقته. همت السيدة زهرة بالاعتراض، فقاطعها بيده يخاطبها بجدية ¤ من فضلك لا كلمة اعتراض واحدة.. أريد ولدي في حديث خاص ولن أدعه يخرج من هنا حتى يتعافى إن شاء الله. استسلموا له وغادروا ليجلس السيد يوسف بجانب ابنه على كرسيه هامسا له بلطف بينما يمسك يده ¤كلما ارتحت جيدا ...كلما تعافيت سريعا لتلحق بمعركتك وتفوز بحبيبتك التي أطلب منك أن تمنحها مساحة لتستجمع قواها ...لقد فعلت ما عليك من أجلها ...ظللت تجري خلفها كثيرا ...فدعها تأتي إليك ...صدقني سيكون شعورك حينها أجمل. همس بالمقابل يفضي بمخاوفه لأول مرة ¤لكنني لست متأكدا من أنها ستأتي. شد على يده مؤكدا يرمقه بثقة وحكمة ¤ ستأتي بني، فهي تحبك وبقوة، ثق بي، وحين تعود ستكون فتاة مختلفة، فالإنسان عندما يتحرر من همومه المثقلة على كاهله يُقبل على الحياة مفعما بالأمل. زفر نفسا حارا وأغمض عينيه على مضض، يفكر بأن إطلاق سراح الطير وانتظار عودته برغبته صعب جدا لكن والده محق، عودتها برغبتها ستسره أكثر، على الأقل هي آمنة الآن، بعيدة عنه لكنها آمنة. ناشد النوم لكنه أبى تلبية نداءه، تطالبه أطرافه بصاحبتهم وصدره يبحث عن أنفاسها التي ألف النوم على عبيرها، فظل يتأمل السقف يفكر بأن حبيبته تواجه خوفها لوحدها من دونه! التفت إلى والده الذي لم ينم هو الآخر يراقبه، فاستل الهاتف يناوله له، باسما بإشفاق يقول: لا مشكلة في سماع صوتها. أمسك بالهاتف يتأمله للحظة قبل أن يطلب رقمها بشوق ولهفة تتردد بين جنبات قلبه : ورد؟ بلع ريقه يصغي لحشرجة أنفاسها قبل أن تنطق بنبرة متهدجة ¤ليث ...رنا تحررت أخيرا ....انتصرت تحلق في سماء الحرية. ******* *قبل قليل* أسرع حمزة إلى القصر حيث صعق بأفراد الشرطة المنتشرين عبر أرجائه أما ورد فتسمرت مكانها تحدق بأكبر مخاوفها وقلبها يخفق بجنون. رفت برموشها حين لمسها محمود، يكلمها برقة ¤ ورد ...دعينا نعود، لست مجبرة على ما تفعلين. اقشعر بدنها وفركت ذراعيها، تجيبه بتحدي يناقض ضربات قلبها المذعورة ¤لا أخي سأدخل، لن أتراجع! دخلت بعزم متزعزع ثبت حين لمحت والدها، فابتسمت وركضت إليه كطفلة صغيرة تلمح أمانها وحصنها، دهش العميد من قدومها يسألها بقلق ¤ ورد ماذا تفعلين هنا؟ أمسكت يده تقبض عليها بينما تلهث بحروف عباراتها ¤أريد أن أراها تخرج من سجنها ... أرجوك أبي! تلفت العميد حوله يحذرها ¤شش بنيتي! لا تناديني أبي هنا! تأبطت ذراعه وابتسمت تجيبه و هي تحرك رأسها يمينا ويسارا ¤لا! أنت أبي ...اكتفيت من الجبن والخوف لن أختبئ من جديد أبي ...رافقني إلى القبو سأريك مكانها. تسمر ينظر إليها بحيرة ثم إلى محمود الذي أسدل جفنيه مؤكدا قولها، فربت على يدها ورافقها إلى القبو بصمت، يفكر بأن ابنته تحدت مخاوفها وأضحت أشجع منه هو والدها. سمعت بكاء السيدة ناريمان فعلمت بأن حمزة قد أخبرها بشأن رنا وتوقف الجميع ما إن وصلت إلى القبو بأمر من هشام المتفاجئ هو الآخر من قدومها وتركها لليث! يخشى أن يلحق بها العنيد صديقه. تركت والدها وخطت تجاه ركن تكوم به سجاد قديم لتتوقف هناك، أغمضت عينيها تسترجع كل شيء، رائحة العفن والتراب و .....الخوف. سحبت نفسا مرتعشا فلم يزدها سوى الضيق والاختناق لكنها استدارت وثبتت حدقتيها اللتين احتدتا تشتعلان حقدا وكرها بينما ترمق نقطة على الأرض ثم رفعت يدا مرتعشة تشير إليها، فتقدم هشام و تفقدها ليكتشف بأنها مخزن أرضي، فتحه بمساعدة خبير تقابلهم منه رائحة قوية عفنة، أقرفتهم ومنهم من ضاقت عليه أنفاسه حد السعال. أشار هشام إلى فريق الشرطة العلمية ليشرعوا بعملهم وحاول والدها سحبها لكنها أبت وظلت جامدة مكانها، فهي قد تيقنت كما الجميع بأن من حبس هناك ليس فقط صديقتها التي لن يكون بقي منها سوى العظام وزاد يقينها حين راقبت سحبهم لجثة طفلة أخرى ملفوفة بقماش قد احمر من الدماء ثم أخرى أرفع من الأولى بما يدل على تحللها منذ مدة، ليتوقف شهيقها مع زفيرها حين لمحت أطراف الطاولة، التي ظلت شاهدة على جرائم المجرم القاتل. غطت فمها تكتم شهقة هزت بدنها وهي ترى السجاد الذي لفها به، لا تزال تذكره جيدا، فكيف تنساه وهو الذي سكن كوابيسها؟ حضنها والدها يحميها من قسوة المنظر لكنها لم تستسلم بينما تهمس بوجع : أريد أن أراها تتحرر أبي. فتحوا السجادة ونقلوا الرفات بحرص دقيق إلى صناديق عملهم وما إن لمحت آخر ما نقلوه استدارت لتغادر بضمير خفت عنه الأعباء وبظهر خفت عنها الأوزار. وفي تلك اللحظة انطلق رنين هاتفها، فاستلته لتجيب على زوجها وحبيب قلبها الذي ما إن سمعت صوته حتى نزلت دموعها ساخنة تتجدد وهمست بنبرة متحشرجه ¤ ليث ...رنا تحررت أخيرا، انتصرت عليه وحلقت في سماء الحرية ..لكنها ليست لوحدها! تكلم يطالبها بحق الحب الذي ربط بين قلبيهما حين لم يصله سوى نشيجها ¤ورد تعالي ....أنا أنتظرك! تنفست بعمق حتى تمالكت نفسها ثم ردت عليه ¤ ليس الآن ليث....هناك شيء آخر سأفعله بعدها ....بعدها سآتي إليك. أغمض عينيه يحبس دموعا تطالبه بالتحرر هي الأخرى فلا يسمح لها كبريائه ¤سأنتظرك وردتي لن أفقد الأمل، سأنتظرك. عادت إلى بيتها لتواجه أشباح غرفتها لكن قبلا طلبت من أمها وأختها التي تشكلت ملامحها بمعالم البؤس والصدمة، أن تخلدا للنوم و تدعا أي كلام في الأمر إلى أن تشرق الشمس علها تحمل بين أشعتها الدافئة بعض الأمل. استقامت أمام المرأة تنظر إليها بتحد، تقول ¤ هيا أيها الوحش! أخرج و تكلم! واجهني إن استطعت! ....طبعا لن تتكلم وسأرى إن كنت ستفتح فمك اللعين حين آتي إليك برجلي إلى سجنك... نعم! فلقد آن أوان سجنك أنت ...وسآتي لأنظر بعينيك وأنا أخبرك بأنني أذكر كل شيء ولن أسكت بعد اليوم .. لن أسكت! فأنا لم أعد خائفة منك. التفتت إلى الخزانة وسحبت ملابسها، ارتدتها وتوضأت ثم وقفت بين يدي ربها تبكي الظلم وتبكي العدالة التي تحققت تحمد ربها وتطلب منه إتمامها وحين فرغت من صلاتها وهمت بخلع طرحتها توقفت يديها على المرآة تنظر إلى انعكاسها. رويدا رويدا هوت يداها إلى جانبيها تتأمل الطرحة على رأسها، تخاطب ربها ¤ سامحني ربي، أعلم بأنني تأخرت وقصرت بفروض كثيرة لكنني لن أستمر بالخطأ .. حجابي سأرتديه من هذه اللحظة. وتركته على رأسها حتى وهي تأوي إلى فراشها كأنها تؤكد عزمها ولم تنسى تلاوة أذكارها فراحت في سبات عميق قبل أن تنهيها. ******* عاد إلى بيته فجرا بعد أن تم نقل الجثث وحفظ الأدلة، لا يصدق ما حدث اليوم، قضية غريبة تجمع أنواعا من الجرائم، كان سيصبر ويبقى إلى أن يرتاح العميد ويعود إلى المركز لكن الأخير رفض المغادرة، لا يريد المغامرة بالثقة بأي أحد ومن يلومه؟ فقد كان المجرم سيغتصب ويقتل ابنته وهذه مفاجأة أخرى يضيفها إلى رصيد الليلة العجيبة، وعى من أفكاره حين لمحها نائمة على أريكة البهو، فهز رأسه يأسا واقترب منها يجلس القرفصاء أمامها. مد يده باسما ولمس خدها هامسا : مريم! حركت رأسها فانحصرت طرحتها الحريرية وانساب شعرها الأحمر الناري على وجهها، فانحصرت معها أنفاسه بصدره وبسط يده يمسد خصلاتها قبل أن يقرب وجهه يشم عبيرها. رفرفت برموشها فتبينته وانتفضت ناسية الطرحة التي وقعت، تهتف وهي تمسكه بذراعيه ¤هشام! أين كنت؟ هاتفك لا يجيب! ..أنت بخير؟ ابتسم يرد بسكرة السعادة ¤ يجب أن تعتادي على عملي فليس له مواعيد محددة وأحيانا يظل الهاتف مغلقا لمدة طويلة، تعالي لأحكي لك عن العجائب التي حصلت اليوم لأن صديقتك ستحتاجك أكيد. عقدت جبينها تتساءل بريبة : ورد! ما بها؟ مسح على وجهه من التعب، يقول بينما يجلس على الأريكة التي كانت تغفو عليها قبل قليل بينما يخبرها ¤ قبضنا على المجرم المترصد لها لكن أرجوك دعي التفاصيل للغد فأنا منهك. رق قلبها تسأله إن كان جائعا فجذبها لتجاوره يمسد على خصلاتها الحمراء قائلا بمرح امتزج به الحب و الهيام ¤أنا جائع لشيء واحد أنت تعرفينه جيدا، فقد أذقتني منه ثم هربت بعدها. تلبكت تتمتم بتوتر : م...ماذا ت..قول؟ اتسعت ابتسامته المرحة يقربها منه أكثر ليهمس لها ¤ دعينا نقيم حفل العرس بأقرب فرصة، لأنني لا أضمن نفسي قربك حبيبتي ....أنا عن نفسي أنت زوجتي شرعا وقانونا لكن ما يمنعني عن إتمامه هو رغبتي في أن تحصلي على كل شيء تمنيته ...ثوب أبيض و زفاف. ارتعشت ابتسامتها فدنا منها يروي عطشه إليها قبل أن يبعدها برفق يكمل بهمس: ها؟ لنقل بعد أسبوع؟ ردت عليه بإيماءة سريعة ثم هربت منه تسابق دقات قلبها إلى غرفتها بينما هو يضحك بسعادة يقول بمرح وهو يتنهد ليقوم إلى غرفته : بعد كل شيء اليوم لم يكن سيئا أبدا. راقبتهم من مكانها على إحدى آرائك الردهة حتى غادروا إلى المشفى ثم أطرقت برأسها تطالع هاتفها تتفحص صفحات الإنترنت، تقرأ العناوين المتصدرة وجميعها تدور حول قضية المنشاوي، فضيحة كبرى، تشمل جرائم تهريب واغتصاب وقتل، اقشعر بدنها حين تذكرت الضحايا مجرد فتيات صغيرات وورد كادت تكون إحداهن. فجأة ومضت الشاشة برقم غريب، فضمت حاجبيها تفتحه لتجيب بحذر قبل أن يتحول الحذر إلى ذهول من صوته الذي تعرفت عليه مع أول حرف ¤صباح الخير يا نجلاء. أجابه تنفسها السريع، فابتسم بمكر يستدرك ¤ أين صوتك يا جميلة؟ زفرت بحنق طفولي تجيبه ¤كيف حصلت على رقم هاتفي؟ ضحك بصخب يجيبها ¤ أنا ناصر مجران، لا يصعب علي شيء. أخفت ابتسامتها بينما تعقب بتذمر مزعوم ¤ متعجرف! أطلق ضحكة رائقة أصابتها بقلبها وهو يعترف بمرح ¤ نعم أنا متعجرف. ثم رقق نبرته هامسا يستطرد ¤ لكن بالنسبة إليك أنت لا!... أنا ناصر وفقط معجب على بابك ينتظر موافقتك لتمنحيه قلبك وطنا لقلبه لأنه لن يقبل بأقل من ذلك أتعلمين لماذا؟ وضعت يدها على قلبها خوفا من أن يسمع صخب دقاته، تصغي إليه يكمل همسه ¤ لأن ناصر منحك قلبه وطنا لقلبك ونصبك حبيبة له. انتفضت تشهق، فرفعت يدها لتكتمها تكتشف بأنها تبكي كما علم هو أنها تبكي، فقال برقة غريبة على شخصه كأن قلبه ينبض تعاطفا وتفهما لقلبها، غريبان ينشدان الاحتواء والوطن. ¤ ما رأيك نجلائي؟ هل ستقبلين بقلبي وطنا لك؟ احمرت كأنه يراها وتمتمت بتوسل أكد شعور قلبيهما معا ¤ هل تحبني حقا؟ أغمض عينيه مريحا رأسه على مسند مقعده بالمكتب ¤ أخبريني أنت لماذا أفكر بك كل لحظة؟ لماذا ألمح لون البندق بكل ركن أنظر إليه؟ ....لماذا أغار من ليث حد الجنون لمجرد أنني أتخيله يرى حسنك و جمالك وذلك الشعر على فكرة اجمعيه أو غطيه إنه يثير جنوني حين أفكر بأن رجالا يرون لونه اللامع كشوكولا سائلة، إن لم يكن هذا حبا، فماذا يكون يا نجلاء؟ لم يتحمل قلبها، فتصرف إصبعها من نفسه يقطع الخط. نظر إلى الهاتف مقطبا حاجيه لا يصدق أنها أغلقت الهاتف بوجهه قبل أن يشعر بنبضاته تستنفر حين لمح اسمها يقتحم أعلى الشاشة، فأسرع يفتح الرسالة لتتسع ابتسامته بالتزامن مع كلماتها ولغرابة الأمر مع نهاية الرسالة اختفت بسمته المستمتعة وشعر بدمعة حارقة تجاهد لتغادر سجنها الذي طال ليكتشف بأنه تأثر بصدق مشاعرها كما صدَق حدسه، بيان مثله قلبان سكنتهما الوحشة يلهثان خلف قطرة دفئ شافية ¤إن أنت منحتني قلبك وطنا لي فكيف أمنحك قلبي وطنا لك، حينها سنعيش في وطنين مختلفين يا متعجرف! الصواب أن أمنحك قلبي بيتا يجمعنا أنا وأنت في قلبك الذي سيكون .... وطنا لكلانا.