Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الأول

من قسوة الحياة هو فقد الثقة في أصدقاء.. فما بالك بفقدها في العائلة. المرة الأولى التي يشعر فيها المرء أن سنده في الحياة أصبح خادع وطامع في ماله. وجدت نفسي فريسة وسط ذئاب متوحشة.. فقررت الانسحاب والعودة وأنا قادر على مواجهتهم. تحديدًا في الإسكندرية تجلس امرأة في أواخر العقد الرابع من عمرها حزينة.. شريدة في محطة القطار، يظهر عليها القلق والخوف وعناء السفر ومعها شنط سفر متهالكة وأكياس بلاستيكية عديدة. تنظر في الاتجاهات في قلق ودون توقف كأنها تبحث عن شيء ضائع، ولكن في لحظة انفرجت أساريرها وهي تقف بلهفة لتستقبل المفقود. -ايه يا بني قلقتني عليك اوي.. كل دا كنت فين؟ قبل يدها شاب في ال 21 من عمره وهو يقول مبتسمًا: -لاقيتها يا ما، سامحيني اتأخرت عليكي بس الحمد لله ربنا كبير ودعواتك ربنا استجاب وأخيرًا هنلاقي حته تلمنا من كلاب السكك اللي بتنهش فينا. بكت الأم فرحة وهي تحتضن ابنها قائلة: -ألف حمد وشكر ليك يا رب، دعيالك يا ابن توفيق ونجوى ربنا يوقفلك ولاد الحلال ويبعد عنك كل ظالم، بس لاقيته فين المكان دا؟ قبل رأسها وهو يحثها على الذهاب ويحمل الحقائب خاصتهم: -يله يا ما دلوقتي علشان العربية مستنيانا وهحكيلك كل حاجة في الطريق. في منطقة شعبية في الإسكندرية وتحديدًا في بيت صالح عبد الحميد المكون من أربعة طوابق . يسكن هو وأسرته المكونة من زوجته وبنتين وشاب صغير في الطابق الأول. والطابق الثاني فارغ الآن، والثالث يمكث فيه سائق تاكسي هو وزوجته فقط بعد زواج أولاده، والرابع يمكث فيه عروسان جدد من أهل المنطقة. نادى صالح زوجته عايدة من المطبخ قائلًا: -هاتي يا عايدة مفاتيح الشقة اللي فوق، في سكان جايين دلوقتي هيسكنوا فيها. ردت عايدة بتعجب: -مين الناس دول يا أبو نعمة تعرفهم منين؟ -أنا معرفهمش.. لاقيت صبحي السواق اللي في الدور الثالث بيكلمني وبيقولي لقي شاب عشرين سنة كدا في محطة سيدي جابر بيدور على شقة هيسكن فيها هو وأمه، جايين من الفيوم هما.. بيقولي شكله غلبان وطيب وأنقذه من واحد كان عايز يسرقه، فكان عايز يرد له الجميل وكلمه على الشقة الفاضية اللي عندنا وأنا وافقت وزمانهم جايين. في الفيوم.. -يا با الحاج خالتي نجوى وولدها هربوا ولموا معاهم كل هدومهم. ابتسم بخبث وقال: -خليهم يهربوا براحتهم أهم حاجة ورث أخوي وماله تحت إيدي، وابن نجوى مش هيطول منهم حاجة. ثم قال في سره: -فلتي من تحت إيدي يا نجوى زي ما فلتي زمان واتجوزتي أخويا، كنت هتجوزك وهذلك بس هلاقيكي في يوم وساعتها هطلع عليكي تعب السنين ورفضك ليا. -يا أهلًا وسهلًا نورت المنطقة، تعالى يا سعد، اتفضلِي يا حجة. دخل سعد ووالدته إلى العمارة تحت أنظار عايدة. صعدوا إلى الدور الأول، استقبلتهم عايدة ببشاشتها المعتادة: -أهلًا وسهلًا يا حاجة، نورتونا. رد صبحي قائلًا بسرعة: -دي الست أم نعمة مرات الحاج صالح صاحب البيت، وده الحاج صالح راجل طيب ومش هتلاقي أحسن منه وفي احترامه، وعندهم بنتين زي القمر نعمة وهنا وابنهم الصغير مروان. نظرت نجوى إلى ابنها سعد وقالت بابتسامة: -اتشرفنا بيكم، إحنا محظوظين اوي إن لاقينا ناس باحترامكم وأخلاقكم، ربنا وحده اللي يعلم إحنا حالنا كان هيكون إيه لو ملقيناش الأسطى صبحي وجابلنا الشقة دي، وأوعدكم إن مش هتسمعوا أي مشاكل من ناحيتنا خالص، أنا وابني سعد ملناش حد غير ربنا وسبنا أهلنا في الفيوم لظروف عائلية وإحنا هنا هنبدأ من أول وجديد وبتمنى تقبلونا وسطكم. ردت عايدة بابتسامة: -طبعًا يا أختي كلنا هنا أخوات وحبايب، ربنا يقدرنا على فعل الخير دايمًا.. دا الجيران لبعضيها، إطلعي شوفي الشقة وارتاحوا شوية وننزل نتغدى سوا النهاردة. حاولت نجوى الرفض بالرغم إنهم لا يملكون الكثير من المال، ولكن وسط إصرارهم وافقت -يلا يا سعد مع عمك صبحي والحاج صالح حيوريكم الشقة فوق ولما الغدا يجهز هطلع أندهلكم. من حرص النبي (صل الله عليه وآله وسلم) على حقوق الجيرة، فقد شدد على ضرورة تفقد أحوال الجيران ومد يد العون إليهم، فقال: «ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم». وأوصانا النبي -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- فى أكثر من حديث شريف بحسن الجوار والعشرة الطيبة، فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره»، فربط النبي -صل الله عليه وآله وسلم- بين الإيمان بالله واليوم الآخر، وبين إكرام الجار يدل على أنه من لوازم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكرم جاره، وأن يوده وأن يتفقد أحواله ويمد له يد العون. نظرسعد إلى أرجاء الشقة المتواضعة وهو سعيد أنه نجح في إيجاد مسكن لهم في هذه المدينة الكبيرة. كانت والدته تحاول ترتيب ما بالشقة من أثاث وأغراضهم . جرى سعد إلي والدته وقبّل يدها قائلًا بدموع: -هعوضك يا ما عن تعب اللي شوفتيه بعد ما أبويا مات وأوعدك إني هلاقي شغل في أسرع وقت، وهنعيش أحسن من ما كنا عايشين عند عمي الظالم وهجيب حقنا منه. -ربنا وقف جنبنا ومحببش إننا نتذل أكثر بعد كده، كفيانا سنين مذلولين عند عمك وعياله بعد ما أبوك مات الله يرحمه، تبدأ صفحة جديدة وبنبني مستقبلك سوا، عايزة أجوزك وأشيل عيالك ودي أمنيتي في الحياة. قبل سعد رأسها بحنان وقال: -ربنا يخليكي ليا يا أمي، وأفضل واقف على رجلي بحسك في الدنيا، أنا هنزل شوية وجاي متقلقيش عليا. (الحديث عن الأم يُشبه وصف الشمس بنورها العظيم، فالأم عالمٌ من الطاقة الإيجابية الذي لا ييأس من محبة أبنائه أبدًا، وتُحيطها هالة من القدسية والرقة، وهي صرح السعادة العظيم، ولا يعلم قيمتها إلا من فقدها وعاش حياته بلا أم، فالبيت دونها ما هو إلا مقبرة باردة لا حياة فيها، والصباح الذي لا يبدأ بوجهها لا يُحسب من العمر)

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514