وعيناي لم تغلق. هل جربت ذلك؟ جربت ألا تنام لمدة ثلاثة أيام؟ جربت هذا العقاب؟ أن يحدث لك شيئاً لا يتركك تنام؟ أنا جربت ذلك.. (نزلت للأسفل) باسكال : صباح الخير. أنا : صباح الخير. باسكال : لم تنم اليوم كذلك؟ أنا : نعم. باسكال : حسناً، فلنذهب للطبيب. أنا : لست بحاجة لطبيب. باسكال : لم تنم لمدة ثلاثة أيام، هل نظرت لوجهك في المرآة، هل ترى كيف أصبحت حالتك؟ بحاجة لمن إذاً؟ أنا : بحاجة لأفكر فيما سأفعله. باسكال : فيما سوف تفكر؟ أنا : في مستقبلي، إنه يضيع مني وأنا لا أستطيع فعل شيء، إني عاجز. باسكال : أنا لم أعد أفهمك حقاً، ماذا حدث لك؟ كان كل شيء طبيعياً، ما الذي تغير؟ ما الذي غيرك؟ أنا : أرجوك لا تضغط علي. نهضت، شعرت بالدوار، سقطت، فقدت الوعي.. يومان وأنا مغيب وفاقد للوعي، ضغطت على نفسي كثيراً وأتعبتها كثيراً. نهضت، فتحت عيناي وجدت نفسي في المشفى، لم أعلم حينها لماذا.. بدأت في الصراخ. باسكال : لا تصرخ، أنت الآن في المستشفى و بخير. أنا : ومن أنت؟ باسكال : ألا تتذكرني؟ أنا باسكال، أنا مثل أبوك.. ألا تتذكرني؟ أرجوك لا تصمت قل شيئاً.. أنا : أريد أن أرتاح أرجوك. (خرج من الغرفة، كان حزيناً، أتفهم وضعه، صعب جداً ألا يتذكرك شخص تحبه، صعب جداً) كنت أريد البقاء وحيداً لجمع الشتات الذي يوجد برأسي، تذكرت كل شيء، حياتي القديمة وعائلتي (أبي وأمي) بلدي، مهنتي.. تذكرت كل شيء، وتذكرت أيضاً أنني كنت فاقد لذاكرتي، وتذكرت السيد باسكال (الأب الروحي) تذكرت حتى جرائمي.. الشخص الذي قتلته... استرجعت ذاكرتي كلياً.. (هذا الشئ لم يسعدني قط، انتظرته كثيراً وكنت أستعد له، لكن أفعالي الخبيثة دمرت كل شيء. أنا مجرم، ارتكبت جريمة لا تغتفر، أنا شخص سيء والدم يلاحقني أينما ذهبت.) خرجت لأبحث عن السيد باسكال لأنه حزن كثيراً عندما نسيته.. (وجدته خارج غرفة المستشفى) أنا : أعتذر كثيراً، لم أستطع تذكرك عندما استيقظت، اختلطت علي الأمور ببعضها البعض، هذا المشهد ذكرني بالمشهد الأول عندما نهضت من الغيبوبة وأنا فاقد لذاكرتي. باسكال : لا بأس، ظننت أنك فقدت ذاكرتك مرة أخرى. أنا : لا، إني أتذكر كل شيء. باسكال : كل شيء؟ ماذا تقصد بكل شيء؟ أنا : أقصد من الوقت الذي فتحت فيه عيناي هنا. باسكال : حسناً. (لا أريده أن يعرف أنني استرجعت ذاكرتي كلياً، سأحتفظ بجانبي المظلم وأفعالي المتوحشة لنفسي، لا أريده أن يعلم أنني سيئاً، إنه الشخص الوحيد الذي يحبني وأجده بجانبي دوماً، هو الشخص الوحيد الذي يخاف علي وأنا لا أريد أن أخسره …) أنا : هل يمكنك أخذي للبيت؟ باسكال : طبعاً، سأرى إذا يمكنني ذلك. أنا : شكراً. (انصرف ورجع في الحال) باسكال : هل تشعر بالدوار أو أي شيء. أنا : لا، لا أشعر بذلك. باسكال : حسناً، يمكننا الذهاب للبيت. (وصلنا للبيت، استقبلتنا الأم ماريا) باسكال : إذهب لترتاح في غرفتك، يلزمك الكثير من الراحة لتصبح بخير. أنا : حسناً.. طلعت للأعلى وذهبت للغرفة، هذه هي الغرفة الوحيدة التي أرتاح فيها ولها، أحب أن أقضي فيها معظم وقتي، هي الوحيدة التي تخبئني عندما ألجأ إليها، تواسيني، أشعر بها كذلك.. ظللت أتذكر تفاصيل الجريمة التي ارتكبتها وما هو سبب ذلك، وتفاصيل الجريمة التي ارتكبها حيدر ولماذا ساعدته لإخفائها.. أعلم جيداً أن هناك نقص، هناك شيء لا أعلم به. حياتي كانت جميلة، عائلة، الحب، الشهرة.. لكن تلك الليلة أفسدت لي كل حياتي، لن أنسى تلك الليلة بحياتي ٢٠١٧/١١/٩، هذا التاريخ سيظل محفوراً في قلبي للأبد. كنت من المشاركين في حفلة مقامة بإشبيلية، عندما كنت أجهز نفسي للعرض في إحدى الغرف سمعت الصراخ، ذهبت لأرى، وإذا بي أجد حيدر يطعن ذاك الشاب بالسكين، طعنه بالسكين في منتصف قلبه، حاولت مساعدته لكن دقات قلبه توقفت حينها، لم أكن قادراً على فعل شيء.. بعد ذلك حاول قتلي لأني كنت شاهداً على جريمته، أقنعته بأني سأساعده على إخفاء الجريمة ومسح الآثار.. أعطاني فرصة وقبل بذلك.. ساعدته في إخفاء جريمته، مرت أيام وندمت على مساعدتي له، لم أكن قادراً على إخفاء تلك الجريمة، حاولت في الكثير من المرات الذهاب لقسم الشرطة لكن كان يخرج أمامي دائماً، حتى أنه في مرة خطفني في الحال وأعطاني خيارين.. الموت أو ارتكاب جريمة كي يضمن أني لن أذهب لقسم الشرطة مرة أخرى. كنت مرغماً على قتل ذلك الشخص الذي لا أعرفه، كنت مجبراً على إختيار حياتي مقابل حياة شخص آخر. لم يكن لدي خيار آخر، إبتزني طوال تلك المدة بذلك الفيديو، لأنه يعلم أني لا أجرؤ على إقحام نفسي في المشاكل.. (حتى لو كنت مرغماً، ليس من حقي أبداً أن أختار حياتي على حساب موت شخص آخر، أنا كذلك مجرم..) هكذا تمت صفقتنا وكان هذا هو اتفاقنا، وهو أن أصمت، لكن هناك شيء لازلت أجهله، لازلت لا أعرف التفاصيل الكاملة، وكذلك الحادثة التي فقدت على إثرها ذاكرتي، لا أظن أنها صدفة، واحتمال كبير أن حيدر حاول قتلي لأنه لا يثق بي.. في هذه الحياة أنا شخص تائه، تائه في كل شيء، لا أعلم دائماً ما علي فعله.. أنصدم بشيء جديد كل يوم فأهرب لركن ضيق أشد رأسي وأبكي.. إني أبكي كثيراً، لقد لاحظت ذلك والبكاء ليس جيداً كما تعتقد، أو راحة للنفس، أنا أبكي عندما أحس أن قلبي يتمزق، أبكي عندما أتذكر العذاب الذي سببته لأناس أبرياء.. أبكي على الأشياء السيئة التي تحدث لي دوماً.. خرجت قليلاً للحديقة كي أتمشى وأشم هواءً طبيعياً.. تذكرت رقم هاتف والدي لازلت أحفظه.. فكرت في أن أتصل به لكنني لم أقدر، كنت أريد فقط سماع صوته، لكن ماذا سأقول له، اشتقت إليه وسيكون هو كذلك مشتاق لي، لكن ظروفي سيئة، ولا أريد أن أشغله بمشاكلي التي لا تنتهي.. اشتقت لأمي، ولبلدي، ولأصدقاء عمري كذلك.. سأرجع لكن ليس الآن، سأرجع مهما واجهت من مشاكل وصعوبات، سأعود، لكن الآن يجب علي حل المشاكل، والخروج بأقل الأضرار. دخلت للمنزل، وجدت السيد باسكال جالس وهادئ. أنا : هل يمكنني تمضية الوقت هناك، في غرفة اللوحات؟ باسكال : طبعاً، اعطاني المفاتيح. ذهبت لهناك، عزفت قليلاً وتأملت اللوحات تارة أخرى، جلست في المكتب وأردت قلماً لأكتب، كل مرة أجلس فيها على هذا المكتب بالتحديد أشعر بأن يداي تريد كتابة شيء.. فتشت عن قلم لكني لم أجده، وجدت ألبوم صور السيد باسكال مع ابنه، صور مراهقة، صور تخرج، كانت الكثير من الصور هناك.. في رمشة عين انقلب كل شيء، رأيت صورته.. صورة الشاب الذي قتله حيدر، نعم هو.. حيدر قتل ابن السيد باسكال وأنا من ساعدته في إخفاء الجريمة. الشاهد الذي يبحث عنه السيد باسكال هو أنا، وتلك الرسائل التي كان يبعثها لي حيدر للتو فهمتها بكل تفاصيلها (الموت يحيط بي من كل الجوانب) ماذا سأفعل؟ الحقيقة الكاملة عرفتها الآن.. في هذه اللحظة بالذات تذكرت جملة قيلت لي من شخص كان يوجد بالمصحة العقلية (أحياناً لا يكون للحقيقة أي معنى) كان معه الحق، ومعه الحق دائماً، وهذه الحقيقة التي عرفتها الآن ليس لها أي معنى.. ظللت أنبش في الحفرة حتى طلع لي الثعبان. تمنيت فقط لو أنني نسيت الماضي وأعطيت كل تركيزي للمستقبل، لو أنني بدأت من الصفر حينها. لا أعلم ماذا سأفعل؟ تغيرت كل أحداث القصة والمعني بتلك القصة شخص لم يتركني لدقيقة وكان يساعدني دائماً، المعني بها شخص أحبه،غالي على قلبي.. ماذا سأفعل؟ هل سأصمت أو سأخاطر بحياتي؟ خرجت من الغرفة واتجهت لغرفة السيد باسكال فوراً.. طرقت الباب.. باسكال : ادخل.. (كان واقفاً أمام النافذة، كان حزينا..) أنا : إذا كنت غير متاحاً، سأعود مرة أخرى. باسكال : تفضل، ادخل.. أنا : إني لا أحب أن أراك حزيناً، أريد رؤيتك سعيداً دائماً. باسكال : كيف لا أكون حزيناً وابني مقتولاً ومن قتله يعيش حياته بكل حرية، كيف للفرح أن يزورني وأنا حرِمت من ابني. أنا : في الأيام القادمة ستظهر لك كل الحقيقة وكل مجرم سينال عقابه، سيكون كل شيء على ما يرام. باسكال : شكراً، لا أعلم كيف كانت ستمر هذه الأيام السيئة لو لم تكن بجانبي. أنا : شكراً، استأذنك فى الآنصراف. (خرجت واتجهت فوراً للغرفة) (حينها قلبي كان مشقوقاً لنصفين، كان مفطراً.. لأن الشخص الذي أحبه يتعذب ويتألم وأنا يمكنني التخفيف من ألمه وحرقة قلبه، لكن مستقبلي وحياتي كذلك في خطر.. وعقلي مشوش ولا أستطيع إيجاد حل يخلصني من كل هذا، العاطفة والضمير من جهة وأنانيتي وحب نفسي من جهة أخرى..) (اِتصلت بحيدر) حيدر : أهلاً بك، تفضل. أنا : مرحباً، أريدك أن تساعدني في شيء. حيدر : لك ما طلبت، تفضل. أنا : أريد أن أهاجر لبلد أخرى والاستقرار هناك بهوية جديدة، أريد أن أبعد عن هذا المكان والبدء في مكان آخر ومن جديد. حيدر : حسناً، لك كل ما تريده، أمهلني فقط يوم واحد بخصوص الهوية، وبعد ذلك يمكنك الذهاب إلى أي مكان. أنا : حسناً، شكراً. حيدر : عفواً، إنتظر إتصالي. (لم أكن أتخيل بحياتي أن يأتي يوم وأطلب شيئاً من الشخص الخطأ، لكنها الحياة، تجبرنا دائماً على أشياء لا نريدها، وترغمنا دائماً على إختيار المسار الخاطئ..) سأهرب بعيداً، وأنسى كل شيء، مات الشاب وأنا لا يمكنني تغيير ذلك، لا يمكنني إعادته للحياة.. وأنا لست مرغماً على الدخول للسجن.. لست مرغماً، سأهاجر وأتأقلم مع وضعي الجديد، سأختار حريتي ومستقبلي، وعندما يجهز لي حيدر الهوية وجواز السفر سأهرب، فليست لي أي أغراض لأرتبها، سأخرج من هذا البيت مثلما دخلته تماماً، وسأتصرف بشكل طبيعي من هنا لوقت الرحيل.. والآن سأخرج قليلاً لتمضية بعض الوقت في الخارج، لا أريد تمضية الوقت في هذه الغرفة وبمفردي مع نفسي، أخاف من ذلك كثيراً وأخشى أفكاري كثيراً، عندما أكون وحيداً كل الأفكار تزعجني وكل التأملات تكون بائسة.. أنا شخص سوداوي لدرجة لا تطاق، أفكر بطرق كلها سلبية وحتى الحلول سلبية.. الأمل عندما يرى كمية الحزن والمأساة التي تحيط بي يهلع هرباً للمدى البعيد، أنا شخص واقعي تعودت على تقبل الأشياء السيئة. إن كنت إيجابياً والأمر كان سوداوياً، فأنا الخاسر.. وإن كنت سوداوياً والأمر كان إيجابياً فأنا الرابح. أنا قوي لا أسمح للأمل بإغوائي و لا أتشبث به كثيراً كي لا أقع في النهاية.