Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الثامن

باسكال : تفضل.. إجلس. أنا : شكراً، أعلم أنني البارحة أخطأت في حقك و تماديت كثيراً، أقبل بأي عقاب تريده، وأنا حقاً آسف جداً.. باسكال : أريد أن أطرح عليك سؤالاً فقط.. أنا : حسناً، تفضل. باسكال : في ماذا كنت تفكر حين خرجت؟ ماذا كان يدور في عقلك؟ أنا : لم أكن أفكر في شيء على الإطلق، لكني كنت متألماً و ممزقاً من الداخل، خرجت وبكيت كثيراً، كنت أحكي قصتي لكل شخص يقابلني.. كنت مكسوراً، كان قلبي مفطوراً، فدخلت للملهى الليلي لأنسى قليلاً.. باسكال : وهل نسيت؟ أنا : لا، لم أنسى قط، شربت الكثير و لم أنسى.. باسكال : لن تنسى أبداً، أتظن نفسك إن شربت بعض الكؤوس من شيكار (الخمر) ستنسى؟ لا أبداً.. أشياء كثيرة لا تستطيع نسيانها مهما مر عليها الوقت.. الزمان أو المكان ليس كفيل بمداواة جروح قلبك العميقة.. ستجد نفسك باكياً دائماً لأنك تذكرت معاناة أليمة، حتى في عز أفراحك سيعبر من أمامك يوماً سيئاً عشته، حتى إنتصاراتك ستتذكر من خلالها هزائمك.. أقول لك كل هذا عن تجربة كبيرة من حياتي.. لا تسعى للنسيان، فقط إسعى أن تكون قوياً.. قوياً لدرجة ألا تتأثر بشيء، قوياً حين يمر من أمامك ماضيك الحزين، قوياً حين تتفتح جراحك المدفونة، قوياً حين تتذكر اليوم الذي كنت فيه غارقاً حتى النخاع.. أنا : صحيح كلامك معقول، شكراً.. وأعتذر منك مرة أخرى.. باسكال : لا بأس، بصراحة أنا لست غاضباً منك لأنك سكرت ليلة البارحة، أنا غاضب لشيء آخر. أنا : ما الذي فعلته ثانيةً، إني لا أتذكر شيئاً.. باسكال : أغضب منك كثيراً حين لا تلجأ لي وتبكي على كتفي، حين لا تشكي لي همومك وأحزانك، حين لا تشاركني الأشياء التي تدور في ذهنك، حين لا تحسبني مثل صديقك أو رفيقك، حين تحزن و تحمل نفسك بعيداً عني، حين تهرب وتبكي لوحدك.. أخبرتك مراراً وتكراراً أنني سأكون هنا، بجانبك دائماً.. أنا : (قمت من مكاني وعانقته) أعتذر منك حقاً، فلقد اذيتك حقاً دون أن أشعر.. باسكال : لا بأس. أنا : لن يتكرر مرة أخرى شيئاً من هذا حقاً.. باسكال : حسناً، ما رأيك أن نقضي بعض ساعات هنا؟ أنا : موافق، ألن تذهب للمستشفى اليوم؟ باسكال : لا لن أذهب، هذا يوم إجازتي. أنا : حسناً، أشكرك على دعمك و تفهمك دائماً.. باسكال : شكراً، ما رأيك في أن نرسم، هل تحب الرسم؟ أنا : لا أعرف، تعجبني كثيراً اللوحات التشكيلية و الرسومات و تشدني، لكن ولا مرة فكرت في الرسم. باسكال : و ماذا تحب؟ ما هي هوايتك. أنا : حالياً ليست لدي أي هواية، ولا أتذكر هواياتي السابقة. باسكال : لا بأس، يمكنك أن تجرب أي شيء.. أنا : حسناً، سأجرب الرسم لكن قبل ذلك أريد أن أحاول العزف على البيانو.. باسكال : تفضل، سأكون من المتفرجين.. (جلست فوق الكرسي، أحسست أنها ليست المرة الأولى التي سأجلس فيها أمام البيانو، شعرت بأصابعي تنجذب نحوه، أغمضت عيوني وبدأت في العزف، كنت في عالم آخر، عالم أعرفه ولا يخفى عني.. اِنتهيت من العزف، فتحت عيناي، والسيد باسكال واقف ويصفق لي). أنا : هل عزفت جيداً؟ باسكال : ليس جيداً.. جيد جداً، من أين لك بهذه المقطوعة؟ أنا : لا أعرف، إني لا أتذكر، لم أكن أعرف من الأساس أنني أجيد العزف على البيانو. باسكال : هذه المقطوعة لعازف بيانو شهير إسمه بيتهوفن، لا يمكنك عزفها إلا إذا كنت موهوباً فعلاً، وأنت عزفتها بشكل جيد، هذا يعني أنك تمرنت وتدربت عليها كثيراً من قبل.. أنا : بيتهوفن؟ لا أعرف.. لا أذكر شيئاً من هذا.. باسكال : لا بأس، هل تريد أن تعرف ما هي قصة هذه المقطوعة؟ أنا : نعم، أود ذلك. باسكال : كان بيتهوفن يظل في غرفته لا يخرج منها حتى لا يلتقي بصاحب الشقة كي لا يطلب منه الإيجار، وفي يوم من الأيام قرر الخروج من غرفته، وأثناء نزوله إذ به يلتقي صاحب الشقة على السلم، ركض بسرعة لغرفته و أغلق بابه.. تبعه صاحب الشقة وبدأ يطرق على الباب بشدة، فتح بيتهوفن البيانو وبدأ في العزف عليه بشدة أكبر.. كلما ازداد الطرق على الباب ازدادت معه طلعات النوتات.. كان يعزف بيد واليد الأخرى على الباب، كانت هذه المطاردة كفيلة بصناعة هذه المقطوعة وعزفها.. أنا : هذه القصة تحت عنوان (قدرك يتبعك). باسكال : صحيح، وأنت كذلك قدرك يتبعك (لا تهرب من قدرك) الإشارات بدأت تظهر وهذا يعني أنك قريب من طريق النور، اليوم ساعدك البيانو على تذكر هواية من هواياتك، هواية كنت تمارسها أو مهنة كنت تزاولها، لا تعلم بالضبط أيهما لكن كن واثقاً من هذه الإشارة، لا تستهن بالإشارات الصغيرة التي يبعثها لك القدر، اتبعها وكن منتبهاً لها.. (الإشارات تحوم دوماً حولنا، لكن لا نعرف أنها إشارات ولا نكترث لها، يمكن لأننا لا نتذكر العلاقة التي تربطنا بها، لكن الأهم من ذلك هو انجذابنا لها والإحساس بها.. هكذا أشعر.. لا أتذكر الروابط التي تجمعني بالبيانو لكني انجذبت له في أول يوم دخلت فيه لهذه الغرفة، في اليوم الذي لم أستطع إنزال عيني عنه، واليوم أول ما جلست فوق الكرسي شعرت بأن يداي تريد العزف عليه.. وهذا سبب كافي لتتبع هذه الإشارة) أنا : أنت على صواب، سأنتبه لكل التفاصيل.. باسكال : هل تريد العزف مرة أخرى؟ أنا : لا أريد ذلك الآن، إني مرتبك وخائف قليلاً. باسكال : من ماذا خفت؟ أنا : خفت من نفسي، لا أعرف ما الذي لا أعرفه، ولا أعرف ما أعرفه.. باسكال : سيتحسن كل شيء للأفضل، كن صبوراً فقط. (رن هاتف السيد باسكال) باسكال : سأرد على هذه المكالمة وأعود لك. استأذن السيد باسكال وبقيت وحيداً في تلك الغرفة، اللوحات من جهة والبيانو من جهة أخرى، بدأت أتخيل وأرى أشياءً لا يستطيع أحد رؤيتها، الظلام، بيانو آخر غير هذا، أوراق نوتات ملقاة في الأرض، لعبة شطرنج، ووجه شخص ليست أول مرة تتسلل ملامحه لذهني. أخذت لوحة فارغة، سكبت الصبغة وقمت بدمج بعض الألوان، وبدأت في الرسم، رسمت ذلك الوجه المجهول الذي لايفارقني، ذلك الوجه الذي لا أتذكر صاحبه، رسمته كاملاً بوجهه وجسمه النحيل وضحكته التي لا تفارقه، رسمته بدقة وبكل تفاصيله.. ظللت أتأمل اللوحة، من سيكون يا ترى هذا الشخص الذي بقي عالقاً في ذهني.. بينما أتأمل وأفكر جاء السيد باسكال.. باسكال : أريد أن أخبرك بشيء. أنا : إذا كان شيء سيء فأنا حقاً لا أريد معرفة شيء.. (في فترة من فترات الحياة، يتفق كل شيء عليك.. تخدع، تجرح، تسقط.. كل المصائب، وكل المشاكل، وكل سوء يقع فوق رأسك، تعتاد على الآلام والأحزان، يتخدر قلبك وأحاسيسك، فلم تعد تفرق بين البكاء والضحك، بين النور والظلام، بين الحياة والموت) باسكال : لا ليس شيئاً سيئاً، إنه شيء جيد وسيساعدك، أعتقد ذلك.. أعطاني هاتفه، كانت صورتي وقصتي البائسة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، الكل أراد مساعدتي لإيجاد وطني وموطني.. كانت كل ثانية تزداد فيها عدد المشاهدات والتفاعلات، كان الكل يدعمني بكلمات طيبة من وراء شاشة هاتفه، كان الكل لطيفاً معي.. الكل تفهمني وتفهم الحالة التي أمر بها. فرِحت كثيراً على دعمهم لي وكذلك على استعمال مواقع التواصل الاجتماعي في شيء جيد وغرضه هو مساعدة الغير.. باسكال : ما رأيك، هل تعتقد أن هذا سيفيدك؟ أنا : البداية انطلقت، لا أعرف إلى أين سأصل، سأنتظر ماذا سيحدث لي بعد ذلك.. لكنها على العموم فكرة جيدة وأنا مدين للناس الذين فكروا بمساعدتي وأشكرهم على نواياهم الصادقة في مد يد العون لي.. باسكال : هل تود الاحتفاظ بهاتفي لترى أخر الأخبار.. أنا : لا أريد ذلك، هل يمكنك أن تقوم أنت بذلك إذا لم يكن لديك مانع؟. باسكال : نعم، بكل سرور مثلما تريد.. ونحن نتحدث جاءت المساعدة جاكلين وأخبرتنا بأن الشرطة في الأسفل تنتظرنا.. باسكال : أمستعد للنزول؟ أنا : نعم أنا جاهز. نزلنا للأسفل... الشرطة : مرحباً، هل تشعر بتحسن؟ أنا : نعم، تحسنت كثيراً.. شكراً. الشرطة : هل تذكرت أي شيء، وجه، إسم، رقم، دولة، أو أي شيء.. أنا : (أرتجف) إني لا أذكر شيئاً، حتى إسمي لا أتذكره.. الشرطة : مكاتبنا وخدماتنا متاحة لك، مرحباً بك في أي وقت. أنا : شكراً.. الشرطة : إذا توصلنا لأي شيء سنستدعيك للمقر أو سنأتي لنخبرك، كل حقوقك محفوظة والمرجو منك في أي وقت أن تذهب لمكتب المساعدة للحصول على هويتك.

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514