(هناك من يطرق الباب) أنا : تفضل.. باسكال : هل انت بخير؟ أنا : بخير، ألا زلت مستيقظاً؟ الوقت تأخر كثيراً.. باسكال : نعم، لم أكن أريد النوم حتى تنتهي لأطمئن عليك. أنا : شكراً، كل شيء مر بسلام. باسكال : هل تركته يذهب؟ أنا : نعم سمحت له بالذهاب، لم يفيدني في شيء.. لقد أخطأت، كنت أظنه واحداً منهم. باسكال : نعم، أحياناً الخطأ في التصويب يجلب لنا المشاكِل، كن حذراً في المرات القادمة. أنا : نعم، سأتوخى الحذر كثيراً.. باسكال : ما هو برنامجك للغد؟ أنا : ليس لي أي برامج في الحقيقة. باسكال : حسناً، لقد تأخر الوقت كثيراً، وهذا وقت نومي، ليلة سعيدة. أنا : ليلة سعيدة. (لم أستطِع إخباره بشيء، هل كنت تظن أنني سأخبره بالحقيقة؟ أن أقول له أنني مجرماً وقاتل؟ ثم ماذا بعد ذلك؟ أكيد أنه سوف يفقد الثقة بي وسيكرهني، وسيقدمني للعدالة كذلك، طبعاً من حقه فلا أحد يريد مساعدة المجرمين، لا أحد يود أن يستقبل في بيته مجرماً، هجرني النوم في هذه الليلة، كيف كنت أستطيع النوم قبل الحادث، كيف كنت أنام وذنوبي مثقلة على أكتافي؟) مرت ساعتان، أربع ساعات، ست ساعات وأنا جالس في ركن ضيق أبكي وأتألم، عذاب الضمير لا يتركني، يقتلني، يخنقني.. خاب ظني كثيراً، خيبت ظن نفسي بنفسي.. ليس من السهل أبداً أن تكتشف حقيقة نفسك الخبيثة، صعب جداً أن تتوصل بحقيقة كونك قاتل بعد أن كنت تظن نفسك إنساناً جيداً، والمحزن والمؤلم في ذلك هو أن إسمي صالح.. هل تدرك ما معنى كلمة صالح؟ حاولت النوم، لكنه لا يريدني، رفضني لم يقبل بي.. هل تدرك ما معنى أن يرفضك الشيء الوحيد الذي تهرب إليه؟ (جاء الصباح وجاءت أصوات الطيور المبكرة، والشمس بدأت تظهر والشوارع بدأت تكتظ، وأنا لازلت عالقاً في مكاني من ليلة البارحة. الهالات السوداء احتلت مكاناً تحت عيوني وكأنني لم أنم لسنوات، ذابل مثل زهور السوسن التي لم تسقى لمدة أسبوع..) (نزلت للأسفل) أنا : صباح الخير. باسكال : صباح الخير. الأم ماريا : صباح الخير. باسكال : أرى أنك استيقظت باكراً.. هل كل شيء على ما يرام؟ أنا : نعم، كل شيء على ما يرام، لم أستطِع النوم ليلة البارِحة. باسكال : نعم، في ماذا كنت تفكر ليلة البارحة، ما الذي يقلقك؟ أنا : لا شي، النوم هجرني فقط. باسكال : لا يمكن، النوم يهجرنا عندما نفكر في الأشياء كثيراً، حين لا نستطيع السيطرة على أفكارنا ونتركها تجول كثيرا في داخلنا، أنظر للهالات السوداء التي تحت عينيك، إنها تفسر كل شيء.. (إنه الضمير، الضمير هو الذي لم يتركني لأنام ولو لوهلة، يظل يؤلمني من حين لآخر) أنا : نعم، لكن ليس لتلك الدرجة. باسكال : في ماذا كنت تفكر؟ أنا : في حقيقتي، لا زلت لا أعلم شيئاً عن نفسي وهذا يقلقني. باسكال : سيكون كل شيء على ما يرام، بقي القليل لتعرف كل شيء. أنا : شكراً. باسكال : لم تنم ليلة البارحة، لكن يمكنك النوم الآن أو بعد قليل، النوم مهم جدا لصحة الشخص ونفسيته. أنا : حسناً. (تناولت الفطور ورجعت للغرفة فوراً لم يكن لدي شيئاً آخر، كنت أواجه نفسي وهذا أسوء موقف يمكنه الحدوث لك، هو أن تضطر لمواجهة نفسك، لا يمكنك الهرب أبداً، أنظر للمرآة وأقول، هذا هو أنا شخص سيء، مجرم، أناني، فاسد، قاتل، يداي ملطختان بالدم وسيظلون كذلك أبداً، هذا هو أنا شيطان بصفة إنسان.. (رن هاتفي، كنت أعلم أنه سيتصل قريباً) المتصل : مرحبا يا صالح. أنا : مرحبا، من معي؟ المتصل : صوتي لم يذكرك بشيء؟ أنا : لا، لا أعلم؟ المتصل : أنا صديقك حيدر، حيدر هل تذكرتني؟ أنا : لا أتذكر شيئاً، أتمنى لو أنكم لم تذكرونني. حيدر : المرء لا يمكنه نسيان أصدقائه.. أنا : نعم لا يمكنه نسيانهم لكن يمكنه قتلهم. حيدر : لم أكن أريد أن أقتلك. أنا : و ماذا تريد مني الآن؟ حيدر : أريد أن ألتقيك. أنا : لماذا تريد مقابلتي. حيدر : لتوضيح بعض الأشياء، ولنتواصل مثل السابق، قد يساعدك ذلك في استرجاع ذاكرتك. أنا : تريد قتلي أليس كذلك؟ حيدر : ليست لي مصلحة في ذلك. أنا : بلى، " وجودك يشكل خطراً على مستقبلي " هذه العبارة من رسالتك. حيدر : كنت أريد إخافتك فقط، لنتقابل لنتفق. أنا : حسنا، أين سنلتقي؟ حيدر : المواضيع التي سنتحدث فيها لا يمكننا مناقشتها في مكان عام، سأرسل أحداً ليأخذك، ستكون بأمان. أنا : حسناً. حيدر : في أي ساعة.. أنا : على الساعة الثالثة زوالاً. حيدر : حسناً. حاولت النوم قليلاً، نمت لمدة ساعة وبعدها استيقظت، عقلي لا يهدأ من التفكير، والتساؤلات تحاوطني من كل الإتجاهات، شيء غير مفهوم بالقصة التي أخبرني بها عمران، الوجه الذي يوجد بمقاطع الفيديو كان وجهي، لا أريد أن أنكر شيئاً.. الشيء الغير مفهوم موجود في تفاصيل القصة وفي طريقة إخباري بها، هناك شيء غير مفهوم يجب علي أن أعرفه، سأواصل لأكتشف. الساعة الثالثة زوالاً، خرجت من المنزل، وجدت سيارة في إنتظاري، وانطلق السائق وأوصلني، أوصلني للبيت الذي سألتقي فيه مع حيدر. حيدر : مرحباً بك. أنا : شكراً. حيدر : تفضل. (دخلت المنزل) حيدر : ماذا تريد أن تشرب؟ أنا : لم آتي هنا لكي أشرب أو تلبية لطلبك، اتيت هنا لأنك هددتني. حيدر : حسناً، كما تريد. أنا : منذ متى وأنت تعرفني؟ حيدر : قبل هذا بخمس سنوات. أنا : خمسة سنوات، إذاً تعرف كل شيء عني بما أنك كنت صديقي، أليس كذلك؟ حيدر : كم كنت أتمنى لو أنني كنت أعرفك جيداً، أنت شخص.. لا أعلم كيف سأقولها لك.. انطوائي، لا تتكلم كثيراً، عرفتك عن طريق معهد الموسيقى، كل ما أعرفه عنك هو أنك عازف بيانو وصديقي. (أعطاني البوم صور، صورنا ونحن برفقة بعضنا، صور تخرجنا، صور حفلات...) حيدر : نتشارك الكثير من الذكريات الجميلة. أنا : و الذكريات السيئة كذلك. حيدر : أصدقاء في الحلوة والمرة. أنا : لا تحاول أن تستعطفني، ماذا تريد مني؟ حيدر : أريد أن أعرف ماذا ستفعل؟ هل تريد العيش وكأن شيئاً لم يحدث؟ أم تريد أن تكون شاهداً وبعد ذلك تدخل السجن؟ أنا : لا أريد الدخول للسجن، بالأساس لا أتذكر شيئاً من هذا ولا أريد أن أتذكر حتى، أريد أن أبدأ حياتي من نقطة الصفر. حيدر : إذا أردت أي شيء، لا تتردد أبداً، سألبي لك كل ما تطلبه.. أنا : لا أريد منك شيئاً.. حيدر : وماذا ستفعل الآن؟ هل ستعود للوطن؟ أنا : لا أعلم، لكني أود ذلك كثيراً. حيدر : يبحثون عنك هناك؟ ستكون لديك مشكلة، من الأفضل لك البقاء هنا أو الذهاب لدولة أخرى.. سأوفر لك كل ما تحتاجه. أنا : لماذا يبحثون عني؟ حيدر : متورط في الكثير من القضايا (الإجرام، النصب و الإحتيال …) أنا : ملامحي تغيرت، ليس من السهل التعرف علي أو عن هويتي. حيدر : نعم، لكنك معرض للخطر.. ليس صعباً هناك التعرف عن هوية الأشخاص. أنا : حسناً، أنتم كيف استطعتم التعرف علي برغم تغير ملامحي. حيدر : وهل يخفى القمر.. لم أتركك ولو للحظة تغِيب عن عيناي، لا في المستشفى ولا في بيت السيد باسكال، حتى عندما كنت تخرج للشارع كنت أراقبك. أنا : هل تعرف شيئاً آخر عني، سر أخبرتك به، أو مرض كنت أعاني منه؟ حيدر : أسرارك هي جرائمك، وكل جرائمك ستظل مستورة.. لم تكن تعاني من أي مرض، كنت شخص طبيعي. أنا : طبيعي.. من أين أتيت بهذه الكلمة؟ لو كنت طبيعياً لما ارتكبت كل هذه الحرائم الجرائم التي تتحدث عنها، لا أنا طبيعي ولا حياتي طبيعية. حيدر : يمكنك طي هذه الصفحة والتركيز على مستقبلك. أنا : نعم، هذا هو الذي سيحصل، لماذا قتلت ذلك الشاب. حيدر : كانت بيننا مشاكل، ذاك الشاب تهجم علي ليقتلني، دافعت عن نفسي وقتلته، وأنت رأيت كل شيء حينها. أنا : إسمه، بلده، والداه؟ حيدر : لا أعلم شيئاً من هذا.. (يكذب، أعلم أنه يكذب.. لكني لا أعلم لماذا يخفي عني هوية هذا الشخص..) أنا : حسناً، سأنصرف الآن، لا تحاول اعتراض طرِيقي مرة أخرى.. لن أخاطِر بمستقبلي ولا أريد الدخول للسجن، يكفِي ما أمر به الآن، ولا أرِيد أن أورط نفسي.. أقول لك هذا لتطمئن. حيدر : حسنا إتفقنا، لكن إياك أن تغدر بي.. تدرك ماذا سيحدث لك بعد هذا؟ أنا : هل تهددني؟ حيدر : لا بتاتاً، أحذرك فقط.. أنا : إتفقنا.. حيدر : إذا أردت الآنتقال إلى بلد آخر سأساعِدك في ذلك و سأجهز لك كل شيء، وإذا أردت المال ستحصل على الكم الذي تريده.. فقط اِطلب كل ما تريد. أنا : لا أريد شيئاً منك. حيدر : خذ الوقت الكافي. أنا : حسناً، علي الآنصراف. حيدر : نعم، سأوصلك للبيت. أنا : لا أريد الذهاب للبيت حالياً. حيدر : سأوصلك للمكان الذي تريده. أنا : خذني إلى البحر. حيدر : عن ماذا ستبحث؟ أنا : عفواً، ماذا تقصد؟ حيدر : تذهب للبحر حين تكون ضائعاً أو إذا أضعت شيئاً، تذهب دائماً لتجد أشيائك الضائعة. أنا : حسنا خدني لهناك فوراً. (أوصلنِي للمكان الذي طلبت منه) حيدر : لن يراقبك أحد بعد الآن، ستكون بأمان.. أنا : (أومأت برأسِي وانصرفت) حيدر : هل يمكنني البقاء برفقتك قليل. أنا : لا، أرِيد البقاء وحِيداً. (وقفت أمام البحر، لم يعد شعور الهلع ينتابنِي عندما أقِف أمامه، لطالما كنت أكرهه، أكره أعماقه وخفاياه المظلمة.. لكِني أشبهه ولا أختلف عنه، أعماقي ملوثة بالدماء والكثير من الجرائم المخيفة والمخفية في داخلي.. أشبه كثيراً الشئ الذي كنت أكرهه، لا فرق بيننا.) تمشيت كثيراً، تعبت من المشي، وعقلي لا يهدأ أبداً، فجلست قليلاً.. لا يمكنني تغيير الماضي، لكن يمكنني تغيير المستقبل، لن أتركه يضيع من يدي، لا يجِب علي دخول السجن، ولن أدع ذلك يحدث لي، لكن يمكنني تخطي هذا ونسيانه والبدء من جديد. (مشكلة بعض الأشخاص هي عدم تحمل مسؤولية أغلاطهم، وعدم الإعتراف بها، يقترفون الذنوب ولا يريدون العقاب عليها.. الذنب = العقاب) سأتخطى كل شيء وأستعد للإنطلق نحو الحياة، نحو الحياة المزهرة التي تناديني من بعيد، أتمنى في يوم من الأيام أن أكون موجوداً فيها.. أتمنى ألا تبقى عالقة في أحلامي فقط، أتمنى أن أحيا حياة طبيعية.. أليس من حقي؟ ألا يحق لي ذلك؟ إني متعب كثيراً من الأشياء المجهولة وأولها أنا. متناقض أنا مثل الظلام الذي يتوسط النور، مثل الحزن المنتشر في الفرح، مثل الموت الذي يتبع الحياة. نزل الليل وأنا لازلت أطوِي الأزقة متألماً، أمشِي في أزقة لا أعرفها وأبكي، والغريب في الأمر هو أنني لا أعرف السبب الذي أوصلني لهذه الحالة، لا أعرف سبب بكائي. الهاتف يرن.. (مكالمة من السيد باسكال) باسكال : مرحباً، هل أنت بخير؟ أنا : مرحباً، نعم كل شيء على ما يرام. باسكال : هل يمكنني أن أسألك عن المكان الذي تتواجد به؟ أنا : أحسست بالملل فخرجت لأتمشى قليلاً، إني قريب جداً من المنزل. باسكال : هل ستأتي الآن؟ أنا : لازلت أريد البقاء بالخارج قليلاً. باسكال : حسناً، كما تريد.. إذا احتجت لشيء اتصل بي.. أنا : شكراً. (ظللت أتجول حتى تعبت.. رجعت للمنزل، وجدت السيد باسكال ينتظرني..) أنا : مساء الخير. باسكال : مساء الخير. أنا : هل كنت تنتظرني؟ باسكال : نعم، لا يهدأ بالي إذا نمت دون أن أراك.. أنا : (عانقته) باسكال : ما الذي يحدث لك يا ابني، أنا لم أعد أفهمك.. أنا : تعبت، تعبت كثيراً.. باسكال : حسناً، خذ قسطا من الراحة وفكر في الأشياء الإيجابية فقط، سيمر كل مر. أنا : حسناً، شكراً. باسكال : هل تريد أن أبقى بجانبك قليلاً.. أنا : لا، سأكون بخير وأشعر كذلك بالنعاس. باسكال : حسناً، تصبح على خير. أنا : تصبح على خير. صعدت للغرفة، استحممت وغيرت ملابِسي.. أتطلع من النافذة إلى الخارج، كان كل شيء مظلم، لكن نقط الضوء تلك تخرِج النور من الظلام، السماء مظلمة لكن النجوم تضيئها. (مهما كان الظلام منتشراً ومهما كانت كثافته، أشياء بسيطة تستطيع إنارته، لا تنخدع بالكم وركز في الكيف) لم أعد قادراً على السبات، نعم هذا ما يبدو لي.. حرمت من رزق ما، النوم رزق، والأرق عقاب.. لم أعد قادراً على وضع رأسي على الوسادة وإغلق عيني لأنام.. تعبت كثيراً ولم أعد قادراً على مواجهة نفسي، تعبت من نغزات الضمير.. تعبت حقا وبات رأسي يؤلمني كثيراً. مرت ثلاثة أيام متتالية وأنا لا أستطيع النوم، الأرق احتلني طوال هذه المدة حتى أنني بدأت أفكر في الآنتحار.. ثلاثة أيام ليست مدة سهلة، 72 ساعة