خرجت هدى على الفور متوجهة إلى منزل أحمد لرؤية ماهر والاطمئنان عليه، وعلى الجانب الآخر كان أحمد وماهر يضحكان بخبث على سذاجة هدى كانا يحتسيان كأسان من الخمر، يحتفلان بنصرهما واستدراج هدى إلى منزل ماهر فلقد خدعها أحمد بادعائه أن المنزل منزل والدته فهذا منزل استأجره ماهر لتنفيذ خطته الماكرة. جاهد أحمد وماهر ضحكاتهما حتى استطاعا السيطرة عليها وتوقفا بصعوبة. تحدث ماهر بنشوة انتصار وغرور كالتي يشعر بها الشيطان عندما يفرح بإغواء انسان لارتكاب المعاصي: لا يوجد امرأة على وجه الأرض يستحيل على ماهر الوصول إليها. نظر إليه أحمد بتأمل للحظة قبل أن يتفوه بسؤالٍ جعل ماهر يشتعل من الغيظ. سأله قائلًا وهو ينظر بتمعنٍ داخل عين ماهر يحاول أن يجد الحقيقة بين كل هذا الشر: هل حقًا أحببت هدى؟ نظر ماهر له بعيون اشتعلت بغضب وكراهية وكأن حياته تمر أمامه كشريط سنيمائي سريع الأحداث تذكر هذا اليوم الذي سخرت فيه هدى منه أمام زملائها عندما صرح لها بحبه وطلب منها الزواج. انتظر أحمد إجابته ولاحظ شرود صديقه، فأشار بكفه أمام وجهه لينتشله من شروده قائلًا: ماهر لمَ كل هذا الصمت؟ هل السؤال صعب إلى هذا الحد؟ انتبه ماهر لسؤال الأخير فتنهد بقوة وكأنه يُنفض عن قلبه ثقل الهم المتراكم في قلبه ثم تحدث قائلًا بسخرية: كنت ساذج عندما صرحت بحبي لها، وقابلته بسخرية دمرت كل مستقبلي، جعلتني ألقي بنفسي بين أحضان مها والتي كانت زميلتنا بنفس الجامعة وتزوجتها على الرغم من معرفتي بخيانتها لي منذ زمن، وعندما واجهتها بخيانتها دبرأهلها لي حادث فقدت إثره القدرة على الإنجاب بعد ذلك، ولم ينتهِ الأمر إلى هذا الحد بل عرفت مؤخرًا أنها تدير إحدى المنازل للدعارة تحت حماية والدها رجل الأعمال، وأكمل بسخرية قائلًا: رجل الخير صاحب ملاجئ الأيتام ولكنها ملاجئ للفتيات ومجرد ستار للأعمال المشبوهة واكتشفت أيضًا أنها أصبحت لا تملك القدرة على الإنجاب نظرًا لعمليات الإجهاض المتكررة التي كانت تقوم بها بعد علاقاتها المشبوهة. تعجب أحمد مما سمعه، فهذه هي أول مرة يسمع فيها قصة صديقة والتي بدأت علاقته به عندما كان أحمد مسافر من القاهرة إلى الاسكندرية لشراء شقة هناك كي يتزوج بها، ولكنه توقف على الطريق الصحراوي عندما وجد سيارة متوقفة على جانب الطريق وممدد بجانبها على الأرض شخص ينزف من جسده ووجهه وفاقدًا للوعي، وعلى الفور حمله وهو في حالة إعياء شديدة ونقله إلى أقرب مستشفى لإسعافه، وظل بجانبه أسبوع كامل حتى استعاد وعيه مرة أخرى وبدأ يمتثل للشفاء، ولكن سرعان ما تبدلت الأقدار في حياة أحمد بعدما قُتلت خطيبته أثناء عودتها من عملها ليلًا جراء تعرضها لاغتصابٍ وحشي من بعض الشباب ماتت على إثره فورًا وألقوا بجثتها بالشارع كما تُلقى القمامة، وتبدلت الأدوار وأصبح ماهر هو من يواسي أحمد على مصيبته. من هنا جمع الاثنان الألم وبغضهما لمجتمعهما والذي كان من وجهة نظرهما مجتمع ظالم وغير منصفٍ لهما. قطع حديثهم رنين جرس الباب معلنًا عن وصول هدى، فأخفى أحمد كؤوس الخمر وبسرعة البرق استلقى ماهر على السرير مدعيًا النوم، وذهب أحمد ليفتح لها الباب واستقبلها بترحابٍ وهو يرسم ملامح الحزن على صديقه المريض، وأرشدها إلى غرفة ماهر ولكنها قبل أن تخطو خطوة واحدة داخلها وقفت على أعتاب الغرفة وهي تتلفت يمينًا ويسارًا تبحث عن والدته وهي تضغط على يديها علها تخفف من توترها البادي على ملامحها. فهم أحمد ما تبحث عنه وما يجول بعقلها؛ فحمحم بهدوء وتحدث قائلًا: والدتي تصلي بغرفتها، ثم أشار اليها للدخول إلى الغرفة وهو يكمل حديثه قائلًا: لا تقلقي سأذهب لأخبرها بحضوركِ تفضلي. دخلت هدى وهي متوترة دقات قلبها تقرع بقوة كقرع طبول حرب على وشك الاندلاع كانت تتأمل المكان من حولها وهي تتقدم ببطء رويدًا رويدًا، فهذه المرة الأولى التي تذهب فيها إلى منزل ناس غرباء، غير مدركة عواقب هذا الأمر. كانت لا تزال تتأمل المكان من حولها تتأمل هذه الغرفة البسيطة حيث كانت غرفة جدرانها مطلية باللون الوردي وبها ستائر بيضاء منقوشة بزهور صغيرة ملونة ويتوسط الغرفة سرير أبيض اللون، ممدد عليه ماهر غارق في سبات عميق، أو هكذا كان يدعي لكنها لا تعرف ذلك كانت تتلفت يمينًا ويسارًا إلى أن تعثرت قدميها في سجادة كانت تفترش الأرض لتسقط في أحضان ماهر الذي انتفض بفزع فهذه الموقف لم يكن ضمن خطته الشيطانية، ولكن يبدو أن الشيطان أراد أن يهديه هدية بسيطة وهي أن تسقط هدى بين أحضانه بهذه السرعة. ابتسم بسعادة عندما التقت عينيهما معًا وتاها بعدها لم يعرف كل منهما كم من الوقت مر عليهما وهما هكذا، ولكنها انتفضت بفزع كمن لدغها ثعبان عندما ضمها ماهر بين ذراعيه لتُفاجأ أنها بين أحضان ماهر. وقفت وعلى وجهها علامات الارتباك تحاول أن تلملم شتات روحها المبعثرة من ضمة ماهر لها، واعتدل ماهر في جلسته على السرير مدعيًا المرض كي تشفق عليه هدى، فاقتربت هدى منه تضع الوسادة وراء ظهره ليعتدل في جلسته. بدأ ماهر خداعه لها بنظراتٍ كاذبة نظرات ظاهرها حب وباطنها خُبث، وتحدث لها بصوت واهن قائلًا: اشتقت إليكِ كثيرًا، في الأيام الماضية كنت أشتاق إليكِ بشدة، اشتقت لسماع صوتكِ يا هدى ولكن كما ترين فمرضي هو من منعني من محادثتك.. كانت هدى تستمع إلى حديثه بمشاعر مختلطة فكانت تشعر بالخجل من وجودها بمنزل رجل غريب، وكل ما يشغل عقلها هو أين والدة صديقه، وأيضًا تشعر بالاشتياق إليه، ولكن ما اقتحم قلبها وكيانها كله تلك اللحظة التي قضتها بين يديه، لحظة قصيرة ولكنها كانت كفيلة أن تعصف قلبها وعقلها بمشاعر متضاربة بدأت تقارن ما حدث الآن وما تشعر به وهي بين ذراعي زوجها، بات قلبها مشتتًا تارة تشعر بأن قلبها ملك لزوجها، وتارة أخرى تحب أن تستمع لحديث ماهر المعسول، غير مدركة لعواقب الأمور ولا إلى نية ماهر الحقيقية تجاهها. قطع صمتها وشرودها صوت ماهر وهو ينادي باسمها قائلًا: هدى ما بكِ أين شردتِ؟. أنا أحدثك منذ قليل وأنت شاردة! ابتسمت هدى بهدوء وتحدثت إليه قائلة: أنا بخير ولكن ماذا حدث لك؟ عندما أخبرني صديقك أحمد بمرضك قلقت عليك، لماذا أنت مهمل إلى هذا الحد؟ أهناك ما هو أغلى من الصحة كي تهمل صحتك وعلاجك؟. كان ماهر يستمع إليها بصمت وسعادة فها هي بدأت تهتم به وبحالته فأجابها قائلًا: ولماذا يجب علي أن أهتم بصحتي ولمن يا هدى؟ فليس لدي أولاد يهتمون لأمري ولا زوجة تنشغل علي أو تهتم لأمري. سمعت هدى حديثه وتأثرت به وبدأت تشفق عليه وتحدثا معًا وبدأت هدى تخفف عليه هذا الشعور، ومن ثم نهضت تعود إلى منزلها فلقد اقترب ميعاد عودة الأولاد من المدرسة. ودعها ماهر وتركها تذهب بعدما وعدها بأن يلتقيا قريبًا بعدما يتعافى، خرجت هدى من المنزل بسرعة وكأنها تهرب من طوفان سيغرقها لا محالة وعادت إلى المنزل وأعدت وجبة الغذاء بسرعة ولكن لم يغِب عن بالها ما حدث بينها وبين ماهر، ظلت هذا اليوم شاردة فيما حدث ولاحظ هذا الشرود أبنائها وزوجها حسام ولكن كالعادة الصمت هو سيد الموقف في هذا المنزل أو أصبح كذلك منذ بدأت لقاءات هدى بماهر واعتاد أبناؤها على هذا الأمر.