كانت شمس مستلقية على الفراش، منكمشة على نفسها، كوضعية الجنين في رحم أمه.. مغمضة عيناها تقنع نفسها أنها في كابوس.. وسينتهي.. ظلت هكذا حتى بدأت أنفاسها تهدأ قليلًا.. وتستعيد سيطرتها.. حاولت أن تتمالك أعصابها، وتبدأ في التصرف سريعًا.. لم تكن أبدًا ضعيفة ولا متخاذلة.. ولن تكون الآن، نعم هي لم تمر بموقف مثل هذا من قبل، ولكنها أيضًا لن تسمح بأن تكون مجرد ضحية.. يجب أن تقاوم.. لن تستسلم، ولو انتهت حياتها، على الأقل تكون قد دافعت عن نفسها وشرفها . جرعة من الشجاعة والقوة، أعطتها لذاتها، ونهضت من الفراش سريعًا حتى تجد لها مخرجًا من هذا المأزق، اقتربت أولًا من الباب، ووضعت أذنها تستمع لما يحدث بالخارج، وعندما لم يصل إلى مسامعها أي شيء، جالت ببصرها في الغرفة، وكما توقعت النوافذ كلها مغلقة بالأسوار الحديدية، ولا سبيل للهروب منها، حاولت البحث في الغرفة عن أي شيء قد يعاونها في الهروب، ثم تذكرت شيئًا جعلها تبتسم ابتسامة خفيفة، وهي تتمنى أن تجده ما زال في مكانه . انحنت إلى الأسفل، وأقحمت أناملها بداخل جوربها الرياضي الذي ترتديه، وأخرجت منه هاتفها المحمول، عادة لم تستطع تغييرها منذ أن كانت تعمل وهي صغيرة، كانت دوما ترتعب من فكرة أن تصادف لص في الطريق، لذا كانت تضع كل أغراضها الثمينة داخل جوربها، نقود.. أو هاتف بديل، تضعه للطوارئ. أخذت الهاتف وقامت بفتحه وأقتربت من النافذة، ثم قامت بالاتصال بقصي، لا تعلم لم هو من جاء بذهنها ولكن لم تشعر سوى بأنها في حاجة إليه، انتظرت أن يجيبها ولكن عوضًا عنه أجابتها سيدة الشبكة الملعونة، لتسمعها الرسالة الكريهة: هذا الهاتف قد يكون مغلقًا أو خارج نطاق التغطية، حاول الاتصال في وقت لاحق . بدون وعي أطلقت السباب من فمها وهي تلعن حظها العاثر، ثم قررت أن تتصل بصديقتها وهمت بالضغط على الاسم ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة، فهي لا تعرف ماذا يحدث الآن؟، ولا تريد أن تزيد قلقها، انتظرت دقيقة ثم حاولت الاتصال به مرة أخرى وهي تكاد تسمع صوت دقات قلبها المجنون داخل صدرها، من شدة الخوف أن لا يجيبها، ضغطت على زر الاتصال، وانتظرت بأمل كبير أن تستمع لصوت رنين الهاتف.. لحظات تحمل فوق أعناقها دهرًا كاملًا.. سكون تام وهي في انتظار الرنين أو الرسالة الصوتية الكريهة.. ثم فجأة سمعت صوت الهاتف يعلن عن أن الله استجاب لدعائها، وقفت متلهفة على سماع صوته وعيناها متعلقتان بباب الغرفة، تتمنى أن لا يفاجئها أحد الآن، ثم أتاها صوته: مين؟ بصعوبة شديدة استطاعت أن تهمس وتقول اسمها: شمس. _شمس.. أنتِ فين؟، طمنيني عليكِ، أنتِ كويسة؟ حد اذاكي؟، اتكلمي سمعيني صوتك . دموع تنساب من عينيها، حنين شديد لرؤية وجهه الآن، إحساس بالوحشة والخوف وهو ليس بجوارها، بالكاد استطاعت أن تطلق صوتها وقالت بخفوت: أنا كويسة.. بس مش عارفة أنا فين، احنا في بيت كبير، أنا محبوسة في أوضة، الشبابيك كلها عليها حديد، مش عارفة أعمل ايه . مرارة تصل إلى حلقه، ألم من مجرد سماع صوت بكائها وهو عاجز عن الوصول إليها.. اشتياق شديد لها: طيب تقدري توصفي لي أي حاجة من الشباك . دققت شمس النظر جيدًا من خلال النافذة الحديدية ثم قالت: لا احنا الجبال حوالينا من كل اتجاه، زي ما يكون البيت ده مبني في وسط الجبال.. مش قادرة أشوف حاجة مميزة.. ثم صمتت قليلًا وتمعنت في النظر أكثر.. وأضافت أخيرًا: بص يا قصي.. كل الجبال اللي حوالينا لون صخورها اللون العادي، ما عدا جبل واحد اللي قدامي بالضبط لونه مايل للأحمر شوية. وقف قصي يبحث بعينيه في كل اتجاه، ثم توقف فجأة وصاح: لقيتك يا شمس.. لقيت الجبل.. متقلقيش يا حبيبتي، احنا قريبين منك، أنا حأكون عندك بسرعة، أنا لقيتك ومش حأسيبك تروحي مني تاني أبدًا، خلي تليفونك مفتوح.. وخليكي معايا وأوعي تقفليه مهما حصل . ابتسمت شمس ابتسامة مطمئنة وقالت: أنا معاك ومستنياك.. متتأخرش عليا . صوتها كان كالسهم أصاب قلبه في مقتل، لم يكن يريد في تلك اللحظة سوى أن تكون بين ذراعيه وألا يتركها أبدًا، أفاق من شروده وأطلق صيحة للجميع: يلا بسرعة على الجبل اللي هناك ده . في تلك الأثناء.. كان كل شيء قد انتهى.. لقد وقع شريف في الفخ الذي نصب له، لو يعلم فقط ماذا فعل بنفسه؟، كان اختار الطريق الصحيح دومًا.. لقد كان مخير أن يختار ما بين الحق والضلال.. ولكنه ترك نفسه للطريق الذي لا عودة منه إلا من رحم ربي . لقد أدمن النساء.. وتلك ستكون نهايته.. استطاعت الفتاة بسهولة شديدة أن تغرقه معها، ولو علمت أنها لم تكن بحاجة لأن تفعل شيء، فهو ليس بحاجة لأي مغريات حتى ينساق لها. طرقات على الباب أخرجتهما مما هما فيه.. نهضت الفتاة وفتحت الباب.. ألقى شريف ببصره.. فوجد زيلدا تقف أمامه وهي تبتسم ابتسامة ذات معنى، ولكنه لم يستطع أن يفهمها وقفت تشاهد المشهد الذي أمامها ثم قالت: شكلك اتبسطت على الأخر . ظل مستلقيًا على الفراش، لا يعبأ بشيء وأجابها قائلًا: اوي.. دي الستات اللي بتعرف تقدر قيمة الراجل. أطلقت ضحكة رنانة وأجابت بسخرية: مش لما يبقى راجل الأول! نهض من الفراش بغضب وتوجه نحوها وجذبها من ذراعها قائلًا: أنتِ تقصدي ايه؟، تحبي أوريكي أنا راجل ازاي ولا نسيتي . نظرت له بتحدي وأزاحت يده من عليها وقالت: هو أنت فاكر لما تضربني علقة موت.. تبقى هي دي الرجولة، ده أنت غشيم أوي.. عامة يا بيبي أنا محضرة ليك مفاجأة حتعجبك اوي.. ثم نظرت إليه من أعلى لأسفل وقالت: بس مَش حينفع تشوف المفأجاة وأنت بالمنظر ده.. لازم تلبس حاجة.. ولا تحب أخلي حد يساعدك . أشاح بوجهه عنها وابتعد حتى يرتدي ملابسه، وعندما انتهى قال لها: أنا جاهز . فابتسمت وهي تضع يدها بيده وقالت: المفاجأة دي حتعجبك أوي.. هما بصراحة أكتر من مفاجأة.. بس خلينا منستعجلش.. الأول نروح للمفاجأة الأولى اللي في الأوضة اللي جنبك . ظلت شمس بجوار النافذة تنتظر وصولهم وهي تضع الهاتف على أذنها وتستمع لصوت قصي، الذي يثلج صدرها وينسيها ما هي فيه، إلى أن انتبهت لصوت المفتاح الذي يدار في الباب، فهرعت نحو الفراش، ووضعت الهاتف تحت الوسادة، وجلست تضم ساقيها نحوها وهي تحاول التماسك . لحظات قليلة تفصلها عمن بالباب، لا تعلم من القادم الآن، وما الذي سيحدث؟، ظلت تردد بداخلها دعوات أن يسرع قصي قبل أن يحدث شيء، ثم فجأة شهقت من الصدمة عندما وجدت شريف أمامها.. لم تدرك ما الذي يحدث؟، نهضت من مكانها واتجهت نحوه وهي تحدق به وقالت: شريف.. أنت ايه اللي جابك هنا؟، هو في ايه بالضبط.. أنت.. انت اللي عملت فيا كده، أنت اللي خلتهم يخطفوني.. الندالة وصلت بيك للدرجة دي؟! وقف شريف مصدومًا، لا يفهم ما الذي يحدث، يستمع لكلمات شمس ولا يصدق أنه يراها أمامه، ثم التفت نحو زيلدا واقترب منها وقبض على ذراعيها بكفيه بعنف وقسوة وقال: شمس بتعمل ايه هنا يا زيلدا؟، ايه اللي جابها هنا؟ حدقت به بشماتة ثم قالت بصوت مرتفع : Guys ليندفع ثلاثة رجال إلى الغرفة، ويقبضوا على شريف، ويقيدوا يديه للخلف بأيديهم، ثم أضافت زيلدا قائلة: اهدى كده يا شوشو وخلّينا نتفاهم في هدوء.. شمس هنا عشان في مصلحة عايزينها من قصي، لو خلصها حترجع شمس وعليها مليون بوسة، محصلش، الشباب هنا حيقوموا معاها بالواجب، وخصوصًا أن الصنف ده جديد عندنا وكلهم نفسهم يجربوه . صاح بها شريف قائلًا: اخرسي يا حيوانة، شمس محدش حيلمسها، ده فيها موتك . علت ضحكاتها ترج المكان وقالت: موت مين يا تافه.. موت زيلدا!.. أنت عارف مشكلتك إنك متعرفش أنت بتتعامل مع مين، ولا مين الست اللي كنت بتنام في سريرها، ثم نظرت نحو شمس وأضافت: ااه يا شموسة.. في سريري وفِي حضني، ومن بعد خمس دقايق من معرفتي بيه، بعد ما قلتي ليه إنك مش عايزاه، ما استناش شوية وزعل عليكي.. أو حاول يرجعك.. لا جه على طول لحضني ومش كده وبس ده كان بيبوس رجلي عشان أفضل معاه كانت شمس تستمع لهما وهي مصدومة.. تشعر أنها سقطت في بركة من الأوحال ولا تعرف كيف تهرب منها!، ظلت تنظر لهما باحتقار ثم قالت: عادي.. ده المتوقع، مش مشكلة عشرة السنين، ولا مشكلة العمر اللي ضيعته معاه.. ولا حتى فارق معاه أني معرفتش غيره ومحبتش غيره في حياتي.. أنا مش مستغربة ولا متفاجئة إن اكتر بنادم صدقته ووثقت فيه.. طلع أحقر راجل صادفته . كان شريف يستمع لها وقلبه يقطر حزنًا على ما وصل إليه الحال همس بحزن: شمس.. أنا.. أنا صدقيني.. محبتش حد غيرك.. أنتِ كل حاجة بالنسبة ليا.. أنا ضعفت ااه.. اكتر من مرة.. وغلطت.. لكن حبك جوايا عمره ما قل ولا اتغير.. أنا وقعت مع واحدة حية عرفت تضحك عليا ازاي.. أرجوكي سامحيني.. أرجوكي . علت ضحكات زيلدا الرنانة الساخرة وقالت: أنتم كده يا مصريين، دايمًا بتمثلوا العفة والطهارة، عاملين نفسكم ملايكة ماشية على الأرض.. بتدوا لنفسكم الحق أنكم تحللوا وتكفروا وتغلطوا الكل، لكن أنتم لا، شايفين نفسكم أحسن شعب وأحسن ناس، وأنتم كلكم عيوب، بتحاسبوا الست لو حبت، وتسامحوا الراجل حتى لو زنا، لو الست متغطية واتعاكست تقولوا نزلت ليه من بيتها، ولو لابسة لبس مش على مزاجكم تقولوا دي نازلة تتعاكس، وهي اللي جابته لنفسها، بتقولوا إن الستات ناقصين عقل، وإن الرجالة العقل كله ورغم كده لما الراجل يغلط مع ست، يبقى هي السبب، هي اللي أغرته، طب والعقل الكامل راح فين ساعتها، بتفصلوا الدين على مزاجكم، وبتقولوا ده حلال وحرام، وأنتم أول ما تشوفوا ست حلوة بتجروا ورا جسمها بدون تفكير، بتدعوا الفضيلة في العلن، ولما تقعدوا ورا الأبواب بتمارسوا كل أنواع الفُجر، أنا مش حية.. أنا ست مارست دورها الطبيعي، وأنت راجل مارست شهوتك الطبيعية، مفكرتش لحظة لا في دين ولا في حب، فبلاش دور الضحية ده.. عشان الراجل عمره ما كان ضحية . صمت عّم المكان، شعور بالخزي اجتاح شريف، لم يستطع أن يجادل أو يعارض، معها كل الحق، لقد ركض خلف نزواته بدون حتى أن يلتفت إلى أن الله مطلع على ما يفعله، لقد ضرب بكل شيء عرض الحائط ولَم يفكر سوى في متعته، وها هو الأن.. ماذا فعل؟.. وماذا حل به؟، سوى العار أمام نفسه أولًا، ثم شمس حبيبته ورفيقة عمره، أطهر إنسانة في الوجود.. لقد حطم بيده التمثال الذي صنعته له.. لقد كانت دائمًا تراه في مكانة مختلفة.. كانت تقدسه، والأن هذا الشخص الذي كانت تعشقه لم يعد له وجود في حياتها، تحولت نظراتها التي كانت مليئة بالعشق والحب إلى نظرات احتقار واشمئزاز، ماذا فعل بنفسه؟، وكيف سيستطيع أن يحيا بهذا الخزي؟ أشارت زيلدا للرجال بأن يتركوه ويغادروا الغرفة، ثم أضافت: حأسيبك معاها شوية.. يمكن تحب تقولها حاجة سر، ما أنا عارفاك.. ثم تحركت خطوتين وعادت بخبث لتقول: ااه نسيت أقولك.. ماجي اللي أنت لسه قايم من حضنها دلوقتي.. واللي مفكرتش لحظة واحدة ترفضها، عندها إيدز.. يعني أقدر أقولك ألف مبروك، حبيت أحطك في اختبار صغير، وأشوف استكفيت ولا السفالة واصلة معاك لفين، لكن مخيبتش ظني يا بيبي، وطلعت راجل قذر بامتياز، مبروك عليك الإيذر يا حبيبي .