وقف يستمع للحديث من الجانب الآخر، ينظر لذلك الصغير المستمر في غفوته يخبره بإصرار: مش هسيب شقتي ولا هي هتسيب شقتها، أنا كفيل أحميها منه، لو وصلت هقتله. نهره "هيثم" على حديثه: -ياسيدي مقولتش سيبها، بقول خدها وسافر بيها أي مكان يومين، ولا إنت مش عريس جديد وعايز تدلع ، طمني عليك صحيح يا عريسنا. ابتسم "آسر" على كلمته البسيطة وأراد تغيير مجرى الحوار متعمدا فقال: -عموما استنى مني اتصال، في حاجة في دماغي لو تمت يبقى كده هي في الأمان. ضحك صديقه على تهربه المقصود: ما دام بتتهرب، يبقى نقول مبروك يا عريسنا ولا إيه؟. يلا بلاش وجع راس، أنا مش فاضيلك ، سلام. وقف يحدث نفسه بقلب مثقل بالمسئوليات يا ترى هتقدر يا "آسر" تحميها هي وابنها ولا إيه ؟. كأنها تطفو فوق السحابتتنقل فوق غيماته بحرية تمتلكها حديثا، تشعر موجة عالية ترفعها وتخفضها بخفة كالريشة، مستمتعة بتلك الحركات المباغتة، شيء رطب لامس كتفها الأيمن العاري جعلها ترفرف بأهدابها تنفض عنها نومها الثقيل، تلامس ذلك الشيء الرطب البارد الذي يسير فوق بشرتها، دفعها لتحريك رأسها تزيح خصلاتها من فوق وجهها بأناملها تزامنا مع تحرك جسدها، إلا أنه منعها ، قائلا بصوت آمر: -متتحركيش. حاولت مرة أخرى إبعاده، فثبتها بذراعه الملتف حولها، فسألته بفضول: -بتعمل إيه؟، سيبني أقوم. سمعت أثناء تثبيت حركتها صوت التقاط الصور من هاتفه، فانتفضت تدفعه عنها وتنهره متناسبة أمر عريها: إنت بتعمل إيه؟، بتصورني وأنا نايمة؟ ظلت تتدثر بغطائها ولكن رد فعله أغاظها عندما انحنى فوق ثغرها يهديها قبلته الرقيقة، مداعبا لها: الناس تقول الأول مسائية مباركة، مش تقوم تتخانق يا نيروز" هانم. عضت على شفتيها بإحراج شديد من ملاحظته البسيطة فسألته متهربة: هي الساعة كام؟ شكلي نمت كتير من التعب. أهداها عدد من القبلات فوق وجنتها بعشوائية وهو يجيبها: - بقينا العشاء محبتش أصحيكي، لأن كنت جع.... لم يكمل جملته ليجدها تدفعه بعصبية غريبة تلملم غطائها تبحث عن ملابسها، وهي تتهمة بالإهمال: -إنت إزاي تسيبني نايمة كل ده، عبد الرحمن مأكلش ولا غير هدومه من بدري، إزاي تعمل كده، طبعا ما أنت هتحس إزاي ما أنت مش أبوه عشان تخاف عليه. وقف مذهولا من طلقات الاتهامات المشينة غير المبررة، كيف تتهمه بالإهمال وعدم خوفه على طفلها وهو يعتبره طفلا من صلبه، فآثرها في نفسه وأجابها بصوت حزين لائم: أنا يمكن مش أبوه، ولا من صلبي بس إللي متأكد منه إن أبوه مش هيحبه ويخاف عليه أدي طمني قلبك، "بودي" صاحي من بدري وأكل وأستحمى وغير هدومه، وقاعد بيلعب بألعابه قدام الكرتون. أنهى كلماته بصوت مجروح مقررا الابتعاد عن حيزها في تلك اللحظة، فأولاها ظهره خروجا من المكان ليوقفه متصلبا إجهاشها بالبكاء هامسة: أنا آسفة. ابتلع غصة عرضية في حلقه، وحاول حث نفسه على تجاهل بكائها الذي بدأ في التزايد كلما زاد تجاهله، ليدفع نفسه للاقتراب منها يحتضنها غير متحمل سماع بكائها ونحيبها أكثر من ذلك يلومها: كده يا "نيروز"، أنا مش أبوه ؟ إنتي ماتعرفيش بحب الولد قد إيه ؟!. احتضنته تتشبث به معتذرة عما بدر منها: آسفة، أنا بس ملغبطة، ومش عارفة قولت كده إزاي. قبل رأسها متفهما حالة التخبط التي تعانيها في تلك المرحلة، فقال مغيرا مجرى الحديث تزامنا لرفع شاشة هاتفه أمام عينيها: كنتي سألتيني بعمل إيه، إيه رأيك؟ شهقة كبيرة يليها ترقرق دموعها بيعينها تأبى التحرر من محبسهما، لا تصدق ما فعله بها ولا ما تشاهده عينيها في تلك اللحظة، تلك الصورة الحية لكتفها المشوه حوّلها بأنامله الذهبية للوحة متقنة التفاصيل والألوان يغطي بها تفاصيل حرقها، سألت متعجبة: أين هو تشوهها؟، فهي لا ترى إلا لوحة فنية متقنة التفاصيل ممتزجة الألوان بداية من أغصانها البنية المتفرع منها الكثيرة من الأزهار متنوعة الألوان، رفعت عينيها له باندهاش فرح، عاجزة عن نبس بنت شفة، فشجعها هو قائلا: هو رسمي وحش للدرجة دي؟ هزت رأسها بصمت لا تقدر أن توفيه حقه بكلمات الثناء، فأسرعت تنفي سؤاله: لا طبعا، بالعكس الصورة حلوة أوي، أنا مش مصدقة بس إللي إنت عملته عشاني، يا ريتها تدوم. انتشل هاتفه مرة أخرى من كفها، يسألها بصوته الساحر: إيه رأيك، نخليها تدوم ؟ عقدت حاجبها لم تفهم مقصده من سؤاله، فقالت: مش فاهمة. اندفع يسهب في شرحه التفصيلي أثناء عرضه لبعض الصور المشابهة لحالتها: -أقصد إننا ممكن نعمل "تاتو" طبي فوق المكان المصاب، زي ما في الصور كده، دلوقت الطب أتقدم وفي طرق كتير ممكن تعالج الحروق والإصابات بعمليات تجميلية، ورسومات زي دي. استنكرت الفكرة فاندفعت تخبره: وشم يعني ؟!، لا لا مستحيل، أكيد إنت عارف حرمانية الوشم والحاجات دي. رفع ذراعه يحيطها لصدره يطمئنها قائلا: أكيد موضوع زي ده مش هيعدي عليا، بقالي مدة ببحث عن رأي أهل الدين في الموضوع ده ولقيت إن بعض الشيوخ أفتوا لجواز استخدامه لإصلاح الشيء وإعادته لأصله، عموما ما تشغليش بالك إنتي مادام عجبتك الفكرة، سيبيلي أنا الموضوع ده. ختم كلماته بلثم باطن كفها بقبلة طويلة فسألته باستغراب: -"آسر" إنت عايزني أعمل الوشم ده عشان مضايق من الحرق وشكلي ؟ ابتسم ابتسامته الجذابة، يجيبها بقبلة فوق وجنتها هامسا لها بصوت عذب: بالعكس أنا حبيتك أكثر بيه ومش فارق معايا، أنا اقترحت الموضوع ده عشانك إنتي مش عشاني إطلاقا، لو مش حاباه يبقى نلغي الفكرة على طول. ابتسمت بتأثر من كلماته البسيطة، ترى هل ستستمر تلك السعادة تطوف بحياتها أم عمرها قصيرا ؟! جلست أمام طفلها بوجهها المتورد تلاعبه بقطع ألعابه الملونة، بقلب يجيش بجميع أنواع المشاعر المتناقضة، السعادة والراحة رغم الخوف والاضطراب، شعرت بخطواته تقترب ليستقر خلفها أرضا يلومها بنبرته الصارمة وهو يجفف خصلاتها المبتلة بمنشفة صغيرة: إيه الإهمال اللي إنتي فيه ده ؟، في حد يستحمى ويقعد تحت المكيف شعره مبلول كده؟ ابتسمت على نبرته الخائفة والقلقة، تغلق عينيها مستمتعة بما يفعله معها، يدللها كطفلة لم تبلغ عامها الثالث، فشعرت بشفتيه تستقر فوق جانب عنقها بقبلة عميقة، يهمس بعدها بأنفاسه الساخنة: عملتلك حاجة تاكليها، إنتي ماكلتيش من بدري. نظرت ليده وهي تقرب لها صحنا من الحساء، فأردفت مصدومة: أندومي ؟، هتأكلني أندومي ؟! حك أرنبة أنفه بإحراج واضح يجيبها: أصل الحقيقة، مافيش غيره في المطبخ، مالقتش غيره هنا. حملت عنه صحن الحساء تأكل منه باستمتاع تحت عينيه المراقبة لكل حركة منها، فسألته بفضول: هو أنت فتحت شقتي، مش كده؟، أصل لقيتك جايب ألعاب "بودي" من جوا، وكمان يعني لقيتك جايب هدوم ليا كمان. غمز بعينيه بوقاحة يشبع فضولها: الحقيقة من وقت ما شوفت الحاجات اللي متعلقة في حمامك بألوانهم، وأنا مشتاق تلبسيهم ليا. ضربته في كتفه تنهره على وقاحته: إنت قليل الأدب وسافل، إنت كنت داخل الحمام عشان تتفرج ولا تعمل زي الناس. قليل الأدب ومالو مش مع مراتي حبيبتي. ضحكت على كلماته فسألته مرة أخرى بتوتر بسيط: هو صاحبك اللي ساكن هنا هييجي إمتى، أنا خايفة ييجي في أي وقت وأحنا واخدين راحتنا. اقترب من وجهها يتأمل تفاصيلها ويخبرها وهو يتلاعب بخصلاتها المبتلة: مين قالك إنه مش هنا ؟ انتفضت مرتعبة من جلستها تنظر يمينا ويسارا مفتشة عنه تقول: هو هنا؟، إزاي سايبني بالشكل ده وهو هنا، هو فين؟ رنا منها بخطوات حثيثة وعينيه لم تحررها: واقف قدامك . عقدت حاجبيها بجهل واضح من كلماته الغامضة جاهلة مقصده، ولكن سرعان ما جحظت عينيها صدمة عندما وصلتها إشارات تترجم مقصده حتى صرخت بوجهه بصدمة: إنت، إنت هو ؟ أمسكته من مقدمة ملابسه بغيظ تقول من بين أسنانها: بقى أنا مجنونة، وما ينفعش أعيش وسط بني آدمين، أنااا؟ ابتسم ابتسامته الرجولية التي تسحرها مع قبضه على قبضتها يسألها بدوره لائما: وأنا راجل لطخ، أنا يا "نیروز کدة، صحیح یا نيروز" يعني إيه "لطخ "؟ رفعت كتفيه بجهل تجيبه بدلال: مش عارفة، أنا سمعتهم بيقولوا كده. صدحت ضحكته الساحرة لتأسرها كما أسرها منذ اللقاء الأول بينهما، ليقول بين ضحكاته المتقطعة: أولا اسمها " راجل" نطع " مش "لطخ " ، بعد كده ما تقوليش حاجة سمعتها يا اللي مجنناني.