Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل العاشر

توقفت فجأة ومازالت توليه ظهرها شعر هو بتصلب جسدها، فحثه ذلك للتقدم خطوات حثيثة منها ليوضح عبارته: -مش خارج إلا أما أفهم كل حاجة، وكمان أعتقد إنت محتاجة مساعدة عشان تخلصي من المصيبة اللي مستنياكي. رفعت نظرها أمامها بشرود عندما وصلها رنين ساعة حائطها تعلن عن تمام السادسة صباحًا ، هل يعقل أنها باتت ليلتها معه في مكان واحد؟، كيف سمحت بذلك، يجب عليها التخلص منه قبل اكتشاف أمره من قبل الحارس أو "حاتم". التفتت تستفسر: عايز تفهم إيه ؟ أفهم معنى كلامك، إيه دخل أمي في الموضوع وليه بتقول إني بعت معها الدبلة ؟، إمتى وإزاي ؟، حتى إسألي "عبد الله"، "عبدالله" أما جالي وأنا في ال... قاطعته باستغراب من حديثه: عبد الله ! -أيوه يا "نيروز" "عبدالله"، أخوكي أما جاني يبلغني بقرار انفصالك عني، عشان بقيت عاجز برجلي بعد الحادثة، وخسرت شغلي. فاغرة الفاه - مصدومة - مما يلقيه على مسامعها طعنات تشق صدرها بأسنانها الصدئة، ظلت تهمس باسم أخيها شاردة بالفراغ غير مصدقة لما يلقى عليها من أحاديث غريبة، فألقت على سمعه ما صدمه هو الأخر: عاجز، عاجز إزاي ؟ إنت إللي بعتلي دبلتك عشان خلاص ما بقتش جميلة زي ما كنت، عشان أتحرقت من نار العربية أما ولعت، وكل ده ليه ؟ ذنبي إيه؟، وأنت السبب في الحادثة، أيوه إنت السبب، لولا تهورك في سواقتك مكنش حصل كل ده. بدأت الأفكار المشتتة في الترتيب، الآن علم سبب حرق جسدها كما رآه، سبب إهانة طليقها الدائمة لها، وخضوعها له، والأهم أنه اكتشف أنه تعرض لأكبر خديعة في حياته، سافر عقله يسترجع ذلك المشهد بالأخص الذي لم ينسَه بحياته بأكملها. كان متمددا بفراشه يعاني ويلات الألم الطاحنة بساقه اليمنى المشدودة لأعلى بحاجز معدني، يخرج من ساقه الكثير من البروز المعدنية نتيجة تركيبه للشرائح العديدة ولكن كل هذا لا يهمه وقتها، ما همه هو ما سمعه من أخيها الجالس بجواره، فأسرع يستفسر بضيق: إنت بتقول إيه يا "عبدالله"، "نيروز" استحالة تكون فكرت بالشكل ده لأنها بتحبني. ظهر صوت عبد الله "مواسيا بطريقة زائفة يحاول رسم دوره بحرفية متقنة: كل شيء قسمة ونصيب، هي من بعد ما عرفت الحالة اللي وصلتلها وإنك كده خلاص هتسيب شغلك انهارت، وفضلت تقول إنك السبب في كل اللي جرا، لأنك إنت اللي سايق بسرعة. أتقن دوره كما يجب، فزواج ذلك الضابط من أخته يهز من مكانته لديها، هو دائما ملجأها، يسير جميع أمورها حتى أموالها تجهل عن إدارتها ووجود ذلك الشخص قوي الشكيمة الذي بدأ يلاحظ تغيرها بعد ارتباطها به، بدأت بالتخلي عنه في الكثير من أمورها وهذا سبب له ضيقا، صرخ "آسر" مصدوما مكذبا ذلك الادعاء: -إنت كداااب "نيروز" ما تعملش كدة. غفل عن تلك النظرات المتبادلة بينه وبين أمه المراقبة للموقف، والتي أجبرت على التدخل بأرستقراطية: اهدى يا بني هي اللي خسرت " آسر البغدادي"، وكمان الأستاذ مش بيكدب فعلا أخته بعتتلي رسالة تقولي الكلام ده. نظر إليها بعينين محتقنتين بالدماء، ثائرتين غير مصدق والدته رافضا ما تبوح به ، فوجدها ترفع هاتفها أمامه بعد أن انتشلته، تردف بأسلوبها المتعالي: اسمع بنفسك بعتالي إيه بكل بجاحة. أضاف عبدالله بحدة: مالوش لزوم الكلام ده يا هانم تداعى لأذن الآخر صوتها الناعم الحزين تخبرها بإصرار: (بلغي آسر باشا، إن كل شيء قسمة ونصيب). رفع عينيه لتلك الجالسة محتضنة رضيعها بقهر لم تنضب دموعها السائلة بعد اكتشافها للخديعة من شقيقها، كيف هانت عليه أن يشاهدها تنهار؟ لم يرأف بها، ولحال كسرتها بعد تعرضها للحرق، لم تجرؤ على رفع جفنيها له، ولكنها شعرت به يرنو بجلسته ليكون بجوارها محافظا على المسافة بينهما يعاتبها بصوت تعشقه: إزاي ممكن تتخيلي إني أتخلى عنك عشان إللي جرالك. أغمضت عينيها بقوة، وتقارعه بقهر: ماتلومنيش، إنت كمان افتكرت إني اتخليت عنك عشان رجلك ووظيفتك. شعر بالأمل يطفو فوق سحابة كلماتها فشجع نفسه ليسألها: -أفهم من كده إنك لسه باقية عليا ، وفي أمل إننا.... قاطعته تنهي ذلك الحوار: ما بقاش ينفع لازم أوافق إني ارجع لحاتم عشان خاطر ابني، لو فعلا بتحبني يا "آسر" ساعدني إني أحافظ عليه. نظر إليها بنظرات غريبة عليها فظنت أنه سيرفض مساعدتها، ولكنه أجفلها بقوله: -هساعدك إنك تحافظي على ابنك، وفلوسك بس بعد كده لينا كلام تاني. هزت رأسها سريعا بنعم تتمسك بآخر بطاقة حظ تمتلكها. شاهدته يولي اهتمامه الكلي لهاتفه يتصل بأحد ما في ذلك الوقت المبكر من الصباح، وبعد تكرار الاتصال أكثر من مرة تهللت أساريره ويتبعه قوله: -"هيثم"، فوقلي كده وقوم أغسل وشك عشان عايزك في خدمة مستعجلة جددا وياريت تصحي مراتك لأني محتاجها. وصله استنكار صديقه الواضح فأسرع يوضح: -ما تقلقش جت سليمة، أنا في الأمان بس لو ما اتحركتش مش هكون في الأمان، يلا سلام. -هتعمل إيه ؟. سألته بشك واضح مرتابة من هدوئه المنافي للموقف فسألها مباشرة: لسة بتثقي فيا زي زمان؟ ابتسمت ابتسامه واهية تشدد ذراعيها حول طفلها، وسمعته يردف بثقة: يبقى تقومي تغيري ل "بودي " البامبرز لأنه ريحته تقرف. شهقت مصدومة من تعليقه ليجدها تنتفض من مكانها مسرعة به للداخل تحت أنظاره المتعلقة بهما بسعادة، أراح رأسه خلفه فوق الاريكة يهمس بأمل جديد: (شكل الدنيا هتعوضك يا ابن البغدادي). سار بخطوات حثيثة تجاه حجرتها يدفعه القلق على غيابها وهدوء حركتها، ظل منتظرا ظهورها فترة بعد تغيير ملابس طفلها، ولكن انتظاره باء بالفشل، فهدوء الأجواء المبالغ يؤكد ظنونه، وقف أمام باب غرفتها المفتوح نسبيا يطرقه طرقات خفيفة: -"نيروز"، إنتي جوا؟ طرقه مرة أخرى طرقات متتابعة، وعندما أجابه الصمت اشرأب بعنقه من فتحته يستكشف منه ليلمح طفلها جالسا فوق الفراش يتلاعب بغطائه بوداعة خطفت لبه همس لنفسه في حيرة: هي ما بتردش ليه؟ طب أدخل ولا أفضل برا؟. وصله صوت طفلها فنظر مرة أخرى ليكتشف قربه من حافة الفراش انتفض يدفع الباب على عجالة ينتشله بين أحضانه قبل سقوطه المحتم ليكتشف غفوتها بإسدالها فوق فراشها مع انحناء رقبتها بشكل سيسبب لها آلاما إن استمرت على نفس الوضعية لحين استيقاظها، ترك لنفسه تأمل وجهها الهادئ والشاحب إرهاقا، حتى شعر بالشفقة مما تعانيه، ماذا لو لم یکن بجوارها الأن؟، ماذا كان سيحدث لها؟، اقترب منها يهمس بأذنها على مسافة آمنة لهما: "نيروز"، اعدلي رقبتك حبيبتي رقبتك هتوجعك، "نيروز".. لولا تحرك رأسها لظن أنها سقطت بإغماء من شدة الإعياء، فاطمئن لذلك وقام هو بتحريك رأسها فوق وسادتها وأراحها بوضعية سليمة، تبعه سحب الغطاء لكتفيها يبثها به الدفء، لم يرغب في تركها في تلك الحالة، لقد سقطت في هوة نومها قسرا بسبب ما مرت به متناسية وجود رجل غريب عنها بنفس المكان، ابتسم على خاطرته ليفكر مليا، وهل هو بغريب ؟، فهو أقرب إنسان لقلبها ؟، نهر نفسه محدثا حاله يكفي هذا يا ابن البغدادي، عليك التحرك تاركا لها بعض الخصوصية في نومتها، انحنى يقرب وجهه منها يهمس مرة أخرى بعزم: هفضل معاكي مش هسيبك أبدا يا "نيروز" مش هسيبك تاني، فاهمة، حتى لو طلبتي ده. حركة من رأسها ممتزجة بأنّة منخفضة من حنجرتها، دفعته للابتسام كأنها توافقه الرأي، فاقترب منها يودع رأسها فوق حجابها قبلة خفيفة رابتا فوقه بحنان ساحر، وقرر ترك لها بعض الوقت حتى تستعيد طاقتها وقوتها المفقودة. واقفا وسط مطبخها يمرر عينه في جميع زواياه حاملا بين أحضانه رضيعها المشاكس الذي لم يكل من جذبه من خصلات شعره ليظهره بمظهر مشعث، والفضل في النهاية يعود له، أنّةً ضعيفةً صدرت منه نتيجة جذب خصلته مرة أخرى بطريقة مؤلمة، ليولي اهتمامه لذلك المشاغب الصغير القابع بين أحضانه باستسلام، فيوبخه بطفولة مماثلة لسنه: هو شعري يلزمك في حاجة يا أخ "بودي" ، لو يلزمك قول ما تتكسفش.. شقت ابتسامة فوق شفتيه عند سماعه ضحكاته الشقية بفم منفرج يتساقط منه سائله الشفاف، كأنه يجيبه عن سؤاله الذي لم يفهمه، فما كان منه إلا الانحناء فوق وجنته يودعه قبلةً عميقةً، أغمض عينيه خلالها ليستمتع بملمس بشرته الناعمة التي أذهبت بعقله ، مستنشقا رائحة عطره المميز، يحبسه برئتيه برهة من الوقت باستمتاع متعجب هو منه، سائلا حاله هل لو كان ابنه منها كان سيحمل نفس الرائحة الممتعة ؟، ترى ماذا سيصبح شكله؟، هل ستصير ملامحه تشبهها أم تشبه أكثر؟، في وسط دوامة الأفكار وأمواجها المتلاطمة، لم يصل إلا لشيء واحد فقط بأنه عاشق لأطفالها حتى لولم يكونوا من صلبه، مجرد فكرة أنها تملك لقب أمومتها لذلك الطفل، كفيلة بأن يعشقه حد النخاع، فما كان منه إلا أن ابتسم لتلك الخاطرة الغريبة التي لا يتقبلها غالبية الرجال، قائلا بصوت حاني، موجها حديثه لذلك المشاغب: دلوقتي جه وقت الأكل يا برنس، تحب تاكل إيه؟. ظل يفكر وهو يتجول بين أركان مطبخها بفضول متسائلا كأنه منتظرا إجابة من ذلك المشاكس: ماما بتشيل اللبن بتاعك فين يا سي "بودي"، عايزين نعملك رضعة تعدل مزاجك الحلو ده. صدرت أصوات من حنجرة الرضيع كضحكات خافتة نتيجة دغدغته له، مع تقدمه يفتح أول وحدة، باحثا عن غرضه المفقود ويجد صعوبة في العثور عليه فقال متذمرا بعد فشله: أمك محسساني أنها قاعدة في جوانتانامو يا جدع حتى اللبن مش محطوط في مكان زي الناس الطبيعية، دا لو دهب مش هتخبیه کدة. صمت للحظات يدور حول نفسه بحيرة تملكت منه ثم صاح مهللا عندما وجده في الوحدة العلوية لمطبخها : -أخيرا لقيته. صدرت صرخة عالية من حنجرة الرضيع تترجم فرحته، فرفع "آسر" حاجبه باندهاش من تصرفاته قائلا: لا متنشكحش أوي كده وتفرح، ده لسه الدور على الببرونة بتاعة حضرتك، يا ترى دي بقى أمك مخبياها فين هي كمان؟

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514