وقف مازن بسيارته أمام شرفتها.. ترجل منها وهو يتطلع إليها بشوق.. ثم ضغط على بوق السيارة .. وصلت دقاته لأذنيها فإبتسمت و قالت بشجن: _ نفس صوت عربية مازن. بعد دقائق عاد إليها نفس الصوت.. فوقفت مسرعة وفتحت شرفتها.. لتتزين شفتاها الجميلة بإبتسامة هادئة... بينما تطلع هو إليها بلهفة.. أشار إليها على هاتف معه.. وإقترب من شرفتها قائلا: _ مافيش وسيلة يطلع بيها الموبايل ده عندك. فكرت قليلا... ثم عادت لغرفتها لثواني.. جمعت كل ما يمكن ربطه ليصبح معها حبلا طويل.. أنزلته بهدوء ناحية مازن.. ربط به الهاتف بشدة... ثم أشار إليها بجذبه.. جذبته كريستينا بحرص شديد..حتى أصبح بين يديها.. عاد مازن بالقرب من سيارته.. وهاتفها.. بينما كانت تطالعه هي بهيام وشوق .. حتى إنتبهت على إهتزاز الهاتف بين يديها.. ردت قائلة بشوق: _ حبيبى. زفر براحة وقال بصوته العميق: _ قلب حبيبك.. وحشنى صوتك وعنيكي.. حتى البرفان بتاعك وحشنى.. إتكلمي يا حبيبتي عاوز أسمع صوتك. تنهدت مطولا بأسى وقالت بخفوت: _ وحشتنى قوى. رد مازن وهو يتألم على حالها: _ إنتى وحشتيني أكتر .. سامحيني لو كنت السبب في اللي حصلك. إبتسمت بوهن وقالت: _ إنت السبب صحيح.. بس في إنى أسعد واحدة في الدنيا. حرك رأسه قائلا بإصرار: _ عمرى ما هبعد عنك مهما حصل.. حتى لو هخطفك بس مش هتبعدى عنى أبدا. ردت كريستينا بيأس: _ أنا بحبك قوى يا مازن ..فوق ما تتخيل.. ربنا يقربنا من بعض. أجابها بمزاح: _ آميين.. وأنا بموت فيكى حتى وإنتى مدشدشة كده ومش باينلك ملامح. ضحكت بصوت عالى.. ليهتز معها قلبه.. فقال بجنون: _ تعرفي نفسى دلوقتى أطلعلك على البلكونة زى رومیو... ... وساعتها مش عارف ممكن أعمل إيه. إبتسمت بخجل،فقال لها بتنهيدة طويلة: _ ما تقلقيش من حاجة.. واوعى تيأسى.. لأنك حياتي وأنا عمرى ما هتخلى عنك مهما حصل. اومأت برأسها وقالت بهدوء: _ حاضر يا حبيبى. ودعته بيدها وقالت بضيق: _ لازم أدخل دلوقتى علشان ماما هتجيلى تطمن عليا ومش عاوزاها تاخد الموبايل منى واوعى تتصل غير لما أكلمك أنا. قال بإنصياع وهو ينظر إليها بتمعن: _ حاضر يا عمری.. خلى بالك من نفسك. اومات برأسها.. وتطلعت إليه مطولا وقالت: _ تمام سلام. أغلقت الخط.. والشرفة وإختفت من أمامه.. إبتسم براحة وقال: _ ياه يا ليلى لو کنتی قدامی دلوقتى .. كنت بوستك والله. ثم تطلع حوله وقال بقلق: _ بس للواد ياسين يطلعلي من تحت عربية ولا حاجة.. ده ممكن يموتنى فيها. أشرقت شمس الخميس تحمل في طياتها الكثير.. منها السعيد ومنها الحزين.. ولكنه يوماً لن ينساه أحدا منهم. تململت فريدة في فراشها على عطر أدهم.. فتحت عيناها وتطلعت حولها..وقالت بتعجب: _ هي الساعة كام.. ورايح فين دلوقتى ؟! أغمض أدهم عينيه بألم.. ثم فتحمها بإبتسامة كاذبة وإقترب منها قائلا: _ ما تقلقيش يا ديدة.. إحنا دلوقتى الساعة ستة الصبح.. والحاج جاسر كان عاوزنى في موضوع كده ولازم أروح له. إعتدلت في جلستها بعدما شعرت بالفضول والقلق وقالت: _ موضوع إيه اللى عاوزك فيه دلوقتى. تمالك أعصابه.. وزفر بقلق قائلا بهدوء علها تصدقه: _ هقولك بس ما تقوليش لحد.. أصل بابا وأبوكى وعمك عثمان وأنا مسافرين على القاهرة.. علشان في دكتور كده قلقنا على صحة عمك عثمان وإحنا رايحين لمستشفى كبير علشان نطمن. ربتت على صدرها بقوة وقالت وهي مفزوعة: _ يا حبیبی یا عمو.. هو ماله إحكيلي. فكر قليلا وقال مسرعا: _ شاكين إن عنده السكر. زمت شفتيها وقالت بغضب: _ السكر!!! طب ما بابا وعمو جاسر عندهم السكر عادی یعنی. رفع كتفيه وقال ببساطة: _ هما بقا قلقانين عليه وعاوزين يطمنوا.. وواخدنى سواق. سألت أدهم بريبة: _ إشمعنا إنت.. طب ليه ما أخدوش ياسين ولا مازن. قبلها في جبهتها وقال: _ لأنى كبيركم يا قلبي.. خلى بالك من نفسك.. وإوعى تقولى قدام حد مفهوم. أومأت برأسها وقالت بتوتر: _ حاضر هكلمك كل شوية. أجابها بجدية.. وهو ينظر لعينيها مباشرة يشبع روحه برؤيتها : _ تمام.. إرجعى نامى إنتي.. وخلى بالك من نفسك. تركها وهم خارجا.. فوققت مسرعة ونادته قائلة بلهفة: _ أدهم. إبتلع ريقه بصعوبة وإلتفت إليها... لتركض ناحيتة وارتمت بصدره.. ضمها بكل قوته.. وغاص بأنفه داخل شعراتها مستمتعا بعطرها الجذاب.. رفعت رأسها إليه قالت بقلق : _ آخر مرة شميت فيها شعری کده سبتنى لواحدى أربع سنين.. إوعى تبعد عنى يا أدهم. إبتسم بخفوت وقال وهو يتطلع إليها بقوة: _ بعد النهاردة ما فيش بعد تاني صدقيني. وإحتضنها مرة أخرى.. لم تدرى سبب قلقها وإضطراب دقات قلبه.. التي تسمعها وهي مستندة برأسها على صدره القوى.. أبعدها عنه قائلا بحزم: _ يالا سلام بقا متأخر عليهم.. لا إله إلا الله. ردت بشك: _ سيدنا محمد رسول الله. تركها مسرعا.. وخرج من غرفته.. هاربا من نظراتها المتوترة.... لم تصدق حرفا ما قيل.. ولكنها تمالكت نفسها ورفعت رأسها للسماء وقالت برجاء: _ إحميه يا رب ورجعهولي بالسلامة.. مش عارفة قلقانة ليه ! لم يجف بكائها طوال الليل.. لم تذق طعم النوم.. حتى دخلت الخادمة وبدأت في حزم حقيبتها.. فزاد بكائها.. دخل فكرى عليها.. قائلا بصرامة: _ أظن فكرتي في اللى قولتهولك بالليل.. يا إما تیجى معانا عند بابا في برلين.. يا إما تفضلي هنا مع حبيب القلب.. بس وقتها لازم تعتبرينا موتنا ومعدش ليكي أهل. دفنت كريستينا رأسها بين ذراعيها.. وقالت بنحيب: _ ليه بتخيرني بين إني أموت.. أو أموت.. حرام عليكم. رد فكرى بقوة: _ وقت الكلام إنتهى.. وجه وقت إختيارك. وتركها وخرج.. إنتهت الخادمة من ترتيب حقيبتها ..وتركتها وخرجت.. أغلقت عليها باب غرفتها.. وأخرجت هاتفه وهاتفته طال الرنين حتى رد قائلا: _ صباح الورد. ردت وهي تجفف دموعها: _ صباح الخير يا حبيبى. إعتدل في جلسته على فراشه وقال بإبتسامة مشرقة: _ أخبارك إيه النهاردة؟! ردت باقتضاب حتى لايفطن لوداعها له: _ كويسة.. إنت كويس ؟ إستند برأسه على فراشه واضعا يده خلفها وقال بتنهيدة: _ أكيد بعد ما شوفتك إمبارح وكلمتك بقيت كويس. تنهدت بأسى وقالت: _ خليك دايما فرحان یا مازن الزعل وحش عليك.. وكل ما أوحشك بوس الخاتم . ضحك مازن وقال بثقة: _ لا ما تقلقيش ما هو إنتى مش هتوحشينى كتير.. لأنى هبقى معاكى قريب جدا إن شاء الله. شعرت بغصة في حلقها وألم رهيب يقتلها.... تمالكت أعصابها حتى لا يشعر بشئ وقالت: _ عاوزاك تتأكد إنى عمرى في حياتي ما حبيت ولا هحب غيرك.. مهما كنا بعاد عن بعض. رد مسرعا: _ وأنا كمان عمرى ما هنساكي.. لأنك بتجرى في دمى. أغمضت عيونها وقالت وهي تتخيله أمامها يحتضن كفها بيده: _ بحبك قوى يا أحلى وأجمل حاجة حصلت في حياتي. فجاة شعر بقلق يغزو قلبه.. وإضربت دقاته .. فجلس على طرف فراشه.. ثم قال بتوجس: _ إنتى مخبية عنى حاجة يا كوكي. ردت مسرعة وهي تقاوم عبراتها التي حجبت عنها الرؤية: _ لأ.. بس واحشنى مش اكتر .. خلى بالك من نفسك.. وسلملي على عيلتك كلها.. أنا حبيتهم قوى. إبتسم بهدوء وقال: _ بكرة إن شاء الله تبقى واحدة منهم.. وهتبقى ليا لواحدى. كففت دموعها بيدها وقالت بألم: _ هقفل دلوقتى يا مازن.. بس هبقى اتصل بيك دايما.. مش هقدر أعيش من غير ما أسمع صوتك. رد بإبتسامة شوق: _ تمام أنا هستنى إتصالك دايما، بحبك. ردت كريستينا وقد إنهارت كل قواها: _ وأنا بعشقك. أغلقت الخط بسرعة وهي تبكي بحرقة حتى إنهارت تماما.. وأخذت تصرخ وتصرخ.. ركضت إليها والدتها وإحتضنتها وقالت بإشفاق: _ إهدى يا حبيبتي علشان خاطری. وقف فكرى متابع لحالتها متألما.. حتى قالت وهي تشير للهاتف: _ علشان خاطركم ودعت حياتي كلها.. بس خليكم فاكرين إن كريستينا ماتت هنا في مصر.. واللى هتسافر معاكم هي جثتي وبس. وتركتهم ودلفت للمرحاض.. جلست القرفصاء متألمة.. كيف لها بالفراق ممن تمنته وأحبته بل ..عشقته.. إنهمرت دموعها بلا توقف.. وهي تسأل نفسها هل ستتركه وترحل حقا.. أم أنها بكابوس مزعج... استند مازن برأسه على فراشه شارد يفكر بتوتر .. دخلت عليه سعاد بإبتسامة هادئة وقالت: _ يالا يا حبيبي قوم خد دش علشان تفطر وتروح شغلك.. أبوك وأعمامك مش موجودين.. وإنت هتكون مكانهم. تنهد بألم وقال: _ حاضر يا ماما.. خمس دقايق وتلاقيني وراکی . لم يتركه قلقه.. فهو على علم أنا تخفى عنه شيئا.. ولكن مالا يتوقعه هو الفراق.. والذي سيخلف ورائه ألم وقهر وطوفان حزن ليس له نهاية.. فالشوق سيصل بهم لأقصى مراحل الوجع.. فى الظهيرة.... تململت سهى في فراشها.. كلما فتحت عينيها تغلق مرة أخرى.. وبعد جهد جهيد إستطاعت أخيرا أن تفتحهما.. جلست بتثاقل و تطلعت حولها بعدم إدراك.. حتى رأت أشعة الشمس الساطعة تخترق عيناها بألم ..وفجأة.. إتسعت عيناها متذكرة سامح والمهمة.. حاولت الوقوف..وإتجهت لباب الغرفة مترنحة.. وفتحته.. وجدت مينا جالس أمامه.. وقف أمامها وقال بقلق: _ صباح الخير . سألته وهي شبه تترنح : _ إحنا الساعة كام.. وسامح فين ؟! إبتعد عنها خطوتين خوفا من ردة فعلها وقال: _ إحنا الضهر.. وسيادة الرائد شوية وجاى . أمسكت رأسها متألمة وقالت مستفهمة: _ هو أنا نمت إزاى.. مش فاكرة حاجة.. آخر حاجة فكراها إننا كنا سوا.. وشربت العصير و....... . بدأ عقلها في تفسير حالتها.. وإدراك الحركة الأنانية من سامح.. حتى إشتعلت عيناها بغضب وقالت بقوة: _ يا سامح يا إبن ال......... . داري مينا إبتسامته حتى لا تشطاط غضبا أكثر.. ثم إقترب منها وقال بهدوء: _ تحبى تشربى حاجة . ردت وعيونها تشع نارا من غضبها الشديد: _ ده أنا هشرب من دمه وهعزمك عليه.. بس لما يرجع.. ولا ﻷ أنا مش هقعد هنا ثانية واحدة . فقال مينا بسرعة : _ إستنى بس، العملية نجحت و قبضوا على الإرهابيين كلهم.. ودمروا البيت والنفق .. ومصر كلها بتتكلم عن الموضوع ده.. بعد بيان المتحدث الرسمي للقوات المسلحة و اللي بيتذاع كل خمس دقايق . للحظة تهللت أساريرها... ثم أخفت شعورها وقالت بقلق: _ في شهداء ومصابين ؟ تجمدت ملامحه وقال بألم: _ أيوة فيه للأسف . صکت على أسنانها من خوفها وقالت بخوف: _ سامح كويس ؟! أوما برأسه وقال: _ ايوة هو زي الفل ولسه مكلمني يطمن عليكي . دخلت غرفتها مسرعة.. و جاهدت حتى وصلت للمرحاض.. وقفت تحت مرش الماء بملابسها وبكائها لا ينقطع.. سبته بأفظع الكلمات.. وقالت وهي تتوعده بغضب: _ أنا هوريك الوش التاني يا سامح الكلب .. علشان تحرمنى من أهم يوم في حياتي.. وإنى أودعك وأملي عنيا منك.. ده إنت داخل على منعطف تاریخی . خرجت من المرحاض وارتدت ملابسها وحزمت حقيبتها وخرجت تجذبها ورائها.. أوقفها مينا قائلا بتعجب: _ رايحة فين يا آنسة سهى ؟! أجابته سهى بصرامة : _ راجعة بيتي.. مش خلاص المهمة نجحت... يبقى قعادى هنا مالوش لازمة.. خلى أي عربية توصلني لو سمحت . حاول تهدئتها قائلا: _ بس يا فندم.. إستنى لما سيادة الرائد يرجع و..... . زفرت بضيق وقالت: _ هتخلى عربية توصلنى.. ولا هروح مشى والله . رفع يديه في الهواء وقال مسرعا: _ خلاص خلاص ..دقايق وهتكون جاهزة.. بس أنا عاوزك تعرفي إنى عمرى ما هنساكي أبدا . إبتسمت بهدوء وربتت على ذراعه وقالت برقة: _ هنتقابل تاني أكيد.. أشوف وشك بخير . وصلوا أخيرا لمحافظة قنا.. وخصوصا مدينة نجع حمادي.. توجهوا أولا لمديرية الأمن.. كان مدير الأمن في إنتظارهم وإستقبلهم بترحاب كبير قائلا: _ نورتوا قنا يا جماعة . رد جاسر بإبتسامة: _ دى منورة بحضرتك وبأهلها يا فندم . لم يخفى توتر أدهم على أحد.. إبتسم مدير الأمن على حالته و قال له مطمئنا: _ ما تقلقش يا أستاذ أدهم... كل الأمور تحت السيطرة.. وإحنا هنقعد شوية مع كبارات عيلة البردويلي و هتتنازلوا عن أرضكم و إنت هتقدم كفنك.. وتدبح الدبيحة.. وترجعوا الإسكندرية تانى بالسلامة . تطلع إليه أدهم بإبتسامة هادئة وقال بإتزان: _ أنا واثق في حضرتك طبعا.. ومش قلقان ولا حاجة . ربت جلال على كتفه وقال بحزم: _ فداك روحنا يا أدهم قبل ما حد هيمسك هنكون فداك صدقني . رد أدهم ممتنا: _ تسلملي يا عمى أنا اللي فداكم ربنا يخليكم لينا . وقف مدير الأمن قائلا: _ يالا بينا نصلى العصر.. ونتوكل على الله على قريتكم . وقفت كريستين في المطار كالشبح، جسم بلا روح .. إقتربت من فكرى وقالت برجاء: _ ممكن تدينى موبايلي أعمل تليفون أخير . قطب فكرى حاجبيه وقال بغضب: _ هتكلمي الزفت ده ؟! قطبت كريستينا حاجبيها بحنق وقالت: _ مالوش لازمة الغلط.. وعموما أنا ودعته خلاص.. أنا هكلم ليلى أودعها لو سمحت.. وعموما قدامنا عشر دقايق بس على الطيارة.. فأكيد مش هيلحق ييجى هنا . أشاح بنظره بعيدا عنها.. فأردفت قائلة برجاء: _ ده آخر طلب هطلبه منك لو سمحت وهفتح الإسبيكر . فكر قليلا ثم أعطاها هاتفها.. هاتفت ليلى التي ما أن رأت إسمها على شاشة هاتفها فإبتسمت وردت مسرعة: _ كوكي حبيبتى وحشتينى قوى . إبتلعت كريستين ريقها بصعوبة وقالت: _ وإنتى وحشتيني أكتر يا ليلي . فسألتها ليلى بتعجب: _ أخوكي إداكى تليفونك خلاص . ردت كريستينا بحزن: _ أيوة.. ليلى عوزاکی تسمعيني للآخر.. وبلاش تقاطعيني ممكن ؟ شعرت ليلى بالقلق وقالت: _ قولى يا كريستين.. أنا سمعاکی ومش هقاطعك . سحبت نفسا طويلا وقالت بإنكسار : _ عاوزاكى تقولى لمازن إنى عمرى ما هنساه وإنى بحبه قوى.. وخليه يسامحنى.. وقوليله يدور على بنت الحلال ويتجوز.. انا اهلي خيروني بينهم وبينه يا ليلي .. وبسببهم انا جيت عليه وعلى نفسى.. علشانهم بس . لم ترد عليها ليلى من فرط دموعها المنهمرة .. استمعت كريستين لصوت بكائها.. فقالت بحزن: _ بلاش دموع يا ليلى.. أشوف وشك بخير و انا هبقي اكلمك دايما . ردت ليلى من بين دموعها وقالت: _ ما تمشيش یا کريستينا .. مازن ممكن يروح فيها . أغمضت عيناها وقالت مسرعة وفكرى يطالعها بإشفاق : _ بعد الشر عليه.. أنا ماحبتش ولا هحب غيره.. ومش عاوزة حاجة من الدنيا غير انه يكون سعيد .. سلام يا حبيبتي . وأغلقت الخط مسرعة وجلست بوهن ربتت أمها على كتفها وقالت بحنو: _ اللي عملناه ده علشان مصلحتك.. سامحيني يا بنتی . هاتفت ليلى مازن مسرعة.. الذي أجابها بإبتسامة مرحة: _ التليفون نور والله .. أهلا يا ليلى . إستمع لصوت دموعها و نحيبها.. فإختفت إبتسامته وقال بقلق: _ مالك يا ليلى ؟! ردت ليلى بصوت مخنوق من شدة بكائها: _ كريستين مهاجرة يا مازن . ظلت هذه الجملة تتردد في عقله.. وهو يقود سيارته مسرعا ودموعه لا تتوقف.. كلما تذكر ليلي وهي تقول له بحزن: _ بتقولك إنها بتحبك.. وعمرها ما هتنساك.. وإن أهلها خيروها بينك وبينهم.. سامحها یا مازن . ضرب مقود السيارة بغضب وهو يقود بسرعة قاتلة.. خرج عن صمته قائلا بحزن: _ ليه يا كريستين ليه.. ده .. أنا هموت من غيرك . وصل أخيرا للمطار.. دلف إليه راكضا.. و هو يصطدم بكل من يعوقه.. و دار حول نفسه بصدمة... حتي وقف أمام أحد الموظفين.. وسأله بتوجس وهو يلهث: _ طيارة برلين قامت ؟! _ أيوة يا فندم.. هي في الجو دلوقتى . ابتلع ريقه بصعوبة وسأله قائلا بصوت مرتجف: _ طب ممكن تتأكدلى لو كريستين فكرى على الطيارة دی . تطلع لحاسوبه.. ثم عاد بنظره لمازن قائلا: _ أيوة يا فندم . إنهارت قواه.. وإقترب من أقرب مقعد يجر قدميه حتى ارتمى بجسده عليه.. و تطلع بالاشىء ..توقف عقله وقلبه.. لم يشعر بای شئ حوله.. بعد أن فقد الشعور بالوقت و الحياة .. لمن يراه للوهلة الأولى يعتقد أنه مات.. نعم فهو تقريبا مات.. مات قلبه مع رحيلها .. إقترب منه ياسين وإحتضنه.. و لم يشعر به جثى ياسين على قدميه وأصبح وجهه مقابل له.. و تنهد بأسى وقال بمواساة: _ مش عارف أقولك إيه.. أنا لو مكانك كنت أكيد هحس بإحساسك.. بس برضه إجمد شوية . لاحظ ياسين شروده فقال بقلق: _ مازن انت سامعنی ؟! لم يتحرك حتى جفنه.. هزه ياسين بقوة وقال: _ فوق یا مازن مالك .. يا ابني رد عليا . وأيضا لم يتجاوب معه.. خرج ياسين عن سيطرته وصفعه بقوة علي وجهه جعلت الجميع من حولهم يلتفت ناحيتهم.. فصاح به قائلا بقوة: _ فوق بقا يا اخي . رفع مازن عينيه صوب ياسين.. وانهمرت دموعه بصمت مؤلم.. إحتضنه ياسين وقال: _ سامحنی یا مازن.. ربنا يكون في عونك.. قوم يالا مالهاش لازمة قعدتك كده . رد بصوت مبحوح: _ سابتني لواحدى خلاص . إحتضن ياسين وجهه بين كفيه وقال بحزن: _ إنت مش لواحدك يا مازن كلنا جنبك .. انا مش هسيبك بس علشان خاطرى قوم معايا . وهم بالسيارات.. أشار جاسر بألم لرقعة كبيرة من الأرض وقال: _ الأرض دى كلها أرضنا يا ولدى و ارض ابوي وجدي من قبله . تطلع أدهم إليها بتعجب و هو يقود وقال بحزن : _ دى كبيرة قوی یا حاج.... يعنى إنتم هتضحوا بيها علشاني . إبتسم عثمان بهدوء وقال: _ عمك جلال قالك فداك روحنا يا ادهم .. فا معقول يعنى هنستخسر فيك الكام فدان اللي حدانا . رد أدهم بفخر: _ ربنا يخليكوا لبعض.. ويخليكوا لينا . رأوا من بعيد سرادق كبير.. وجمع كثيف من الناس... فبدأ القلق يعبث بقلوبهم وعقولهم.. وفجأة توققت السيارات.. تنفس جاسر بمرارة.. ثم تمالك نفسه.. وترجل من السيارة بقوة وبشموخ.. رغم الشعور بالعار وهم قادمون بعد كل تلك السنين لتقديم كفن إبنهم.. وفي أعرافهم هذا هو الذل بعينه .. ولكن حياة ولده ومن في مثل عمره أهم.. وقف أمامه الحاج إسماعيل البردويلي ونظرات الإثنان كأنها صراع لإختبار قوة احدهما.. إقترب منهما مدير الأمن بعدما إستشعر نيران تخرج من أعينيهم.. ووقف بينهم وقال بهدوء: _ مش هتسلموا على بعض يا حجاج . مد جاسر يده قائلا بحدة: _ إزيك يا حاج إسماعيل . تطلع إسماعيل ليده الممدودة بإزدراء.. وإنتظر لحظات ثم مد يده وصافحه قائلا: _ أهلا وسهلا يا حاج جاسر.. إتفضل . وصافح الحاج إسماعيل بدوره الجميع... ودخلوا داخل مضيفة كبيرة.. ووضعت أمامهم أكواب الشاى.. وتم الترحيب بهم بقوة... ناهيك عن نظرات بعض الشباب الغاضبة من هذا القرار الضعيف.. فهم تربوا على أن الأخذ بالطار شرف .. وأدهم بالنسبة لهم فقد شرفه.. تنحنح مدير الأمن بثقة وقال موجها حديثه للحاج إسماعيل: _ إحنا جايين ليك النهاردة يا حاج علشان ننهى الخلاف اللي بينكم.. وتاخدوا الدية الأرض اللي طلبتوها.. وبعدها الأستاذ أدهم يقدم كفنه.. وتبقى النار اللي بينكم خلاص إنطفت . ضحك أحدهم ساخرا وقال بمجون: _ بجا جاى يجدم كفنه وتجوله يا أستاذ . ربت أحدهم على كتفه وقال مؤكدا: _ عفارم عليك ..جال أستاذ جال . بلع أدهم إهانته بالقوة.. رغم أنه يستطيع دهسهم تحت قدميه.. فصاح بهما إسماعيل بغضب: _ مش عاوز أسمع حس حد فيكم.. واللي عنده كلام مليح يجوله واللى معندوش يسكت ساكت مفهوم . كانت جملته كفيلة بإخراص الجميع.. أخرج جاسر من جيب جلبابه أوراق ملكية الأرض وقال بأسى : _ دى أوراق الكام فدان اللى حيلتنا بالبلد.. إتفضل يا حاج إسماعيل . مد يده بهم للحاج إسماعيل الذي لمعت عينيه بإنتصار .. وأخذهم منه ثم فحصهم بحرص.. وعلت على ثغره إبتسامة زهو .. وأعطى المحامى الأوراق.. وبدأ في كتابة العقود الجديدة وبعدما إنتهى.. وقع عليها كل من جاسر وعثمان وجلال.. وإنتهت هذه الجلسة ببعض التحذيرات من مدير الأمن قائلا بقوة: _ إحنا هنقوم معاك يا حاج إسماعيل علشان تقديم الكفن.. لو حصل أي غدر.. قسما بالله ما هيحصل طيب و ما هكبر لحد في بلدكم كلها واولها انت ... مفهوم . استند إسماعيل على عكازه وقال بثقة: _ ما تجلجش يا باشا أنا كلمتى واحدة وماشية على عيلتى كلها.. ومحدش يجدر يكسرها . وقف الجميع.. واتجهوا خارجا.. تقدمهم عائلة البردويلي .. وقفوا في مكان ظاهر لكل القرية.. حتى يرى الجميع ذل عائلة مهران وهي تقدم كفن إبنها بخنوع.. تنفس جاسر بصعوبة وهو يحمل الكفن بين يديه .. ومد يديه به لأدهم بقلق وقال بتعقل: _ ما تجلجش يا أدهم.. وإرفع راسك يا ولدى.. وإتجدم بينهم بثقة ماشي . أوما أدهم برأسه قائلا: _ حاضر يا حاج.. ربنا الحامي ان شاء الله . وفجأة ملا صراخ أميرة المنزل بأكمله ...خرجت سعاد من شقتها بقلق وهى ترتدى حجابها بفزع.. هبطت الدرج مسرعة.. مرت على شقة زهرة التي خرجت بدورها هي وحياة ومى على الصراخ.. هبطوا الدرج حتى وقفوا أمام شقة أميرة التي لم يهدأ صراخها المتواصل... طرقوا الباب حتى فتحت لهم بدموعها.. إحتضنتها سعاد بسرعة وقالت: _ مالك يا أم أدهم.. بتصرخي ليه كده إهدى ؟! هو حد جراله حاجه . صرخت أميرة وهى غير مصدقة لما قالته جارتها القديمة بقنا عن تقديم أدهم لكفنه وقالت: _ أخدوا إبنى لموته.. ربنا ينتقم منهم.. مش هسامحهم لو جراله حاجة . تعجب الجميع من كلماتها.. فسألتها زهرة بفضول : _ إبنك مين.. وموت إيه بعد الشر ؟! ردت أميرة وهي تدور حول نفسها: _ أدهم دلوقتى قي قنا بيقدم كفنه.. یا حبیبی یا ولدى . لم يهدأ صراخها.. فقالت سعاد بقلق : _ ايه اللي بتقوله ده ..وكفن ايه حد يفهني ؟! اجابتها زهرة بحزن : _ ادهم سافر مع ابوه واعمامه علشان ينهي موضوع الطار القديم ويعيش حياته حر .. فلازم يقدم كفنه لعيلة البردويلي . صفعت حياة صدرها وقالت بتوتر : _ يا حبيبتى يا فريدة.. هي أكيد دلوقتى هتموت من قلقها. ردت سعاد مسرعة: _ كنت حاسة إن صوتها النهاردة في التليفون مش طبیعی.. یا حبیبتی یا بنتی . أخرجت حياة هاتفها ودلفت لغرفة ياسين واغلقتها عليها .. وهاتفت فريدة التي ردت بصوت متجهم: _ أيوة يا حياة .. اخبارك ايه ؟! فسألتها حياة بتوجس: _ أخبارك انتي إيه يا فريدة ؟! تنهدت فريدة بقلق وقالت: _ كويسة يا حياة.. مال صوتك ؟! فقالت علها تستشف أي شئ من كلام فريدة: _ إنتي عرفتی بموضوع إعمامك وأدهم . ردت فريدة مؤكدة ببلاهه: _ أيوة عرفت.. ربنا يرجعهم بالسلامة... أنا قاعدة بموت من قلقى على أدهم . رفعت حياة حاجبيها وقالت متعجبة: _ يعنى إنتي عارفة سبب سفرهم اهه . فقالت فريدة مؤكدة: _ أيوة طبعا.. أدهم مش بيخبى عليا حاجة وحكالي وقالي معرفش حد . تعجبت حياة من هدوئها وقالت: _ بس إنتي طلعتي أقوى من طنط أميرة.. ده صراخها وصل للشارع يا بنتى... ربنا يصبركم وأدهم يرجع بالسلامة.. ومحدش يأذيه بس أنا عارفة دلوقتى لما الواحد بيقدم كفنه بتخلص وقتى ومش بيأذوه بعد كده . حاولت فريدة إستيعاب ما قالته حياة.. ثم إزدردت ريقها وقالت بقلق: _ كفن.. وأدهم.. هو فيه إيه بالظبط ؟! إتسعت عينى حياة.. وعضت على شفتها السفلية بندم وقالت بتلعثم: _ ها... لا ما فيش حاجة أنا فاهمة غلط بس و........ . صرخت فريدة بقلق وقالت: _ يا لهوى.. أدهم في البلد بيقدم كفنه صح يا حياة.. علشان كده بقاله فترة مش بيسبني... یعنی هو النهاردة كان بيودعنى..وأنا اللي كنت بسأل نفسي قلبي مقبوض ليه.. يا أدهـــــــم . هاتفت ليلى ياسين لتطمئن على حال مازن.. رد عليها قائلا: _ أيوة يا عمري . فسألته بقلق: _ مازن عامل إيه يا ياسين؟ تطلع ياسين بجواره على مازن المغيب.. وتابع مطالعته للطريق وقال بأسى: _ في دنيا تانية يا ليلي.. مش حاسس بأى حاجة.. ركبته معايا وهو منهار .. بس دموعه مش بتقف .. انا قلقان عليه قوى انا عمرى ما شوفته ضعيف وهش كده . ردت ليلى بحزن: _ الله يكون في عونه.. ما تسيبوش يا حبيبي تمام . _ حاضر.... لیلی . أجابته بنعومة: _ أيوة . تنهد ياسين مطولا وقال بخوف: _ إوعى تسبيني في يوم . فقالت مطمأنه أمانها وحبيبها وطفلها في بعض الأوقات: _ ما تقلقش..أنا ما أقدرش أبعد عنك مهما كان السبب . فقال لها ياسين براحة: _ ربنا يخليكي ليا يا عمری . ردت بهدوء: _ ويخليك ليا.. يالا سلام دلوقتی یا حبیبی . _ سلام . وأغلقت الهاتف... ليأتيها صوت من خلفها قائلا: _ حبيبك ؟! إنتى بتحبى يا ليلى ؟!!! إلتفتت ليلى بخوف على صوت والدتها وقالت بصوت مرتجف: _ ماما ! سألتها والدتها بغضب: _ إنتى كنتى بتكلمي مين ؟! جلست ليلى على طرف فراشها.. فها قد حانت اللحظة التي إنتظرهما وخشيت منها كثيرا.. كررت والدتها السؤال مرة أخرى: _ كنتى بتكلمى مين يا ليلى انطقي . تذكرت ليلي كلمات ياسين بألا تتركه.. فرفعت رأسها بقوة وقالت بثبات: _ كنت بكلم ياسين يا ماما . قطبت والدتها حاجبيها وقالت بدهشة: _ ياسين مين؟! .. قصدك ياسين قريب فريدة اللى بيوصلك دايما ده ؟!! أومأت ليلي برأسها وقالت بحذر : _ أيوة يا ماما هو . ردت والدتها بعدم إستيعاب لما سمعته : _ بس هو مش أصغر منك تقريبا ؟!!! إبتلعت ليلى ريقها بصعوبة وقالت موضحة: _ أيوة يا ماما.. أصغر مني بسنة.. بس بيحبني جدا.. وأنا كمان محبتش غيره في حياتي . أمسكت والدتها رأسها من الصدمة وصاحت قائلة: _ إنتى إتهبلتي يا ليلي.. بقا ترفضى سليم إبن خالتك.. وكل العرسان اللي إتقدمولك.. علشان تحبى عيل في الآخر . ردت ليلى بغضب: _ ياسين مش عيل يا ماما.. وبكرة لما تعرفيه هتصدقي كلامي.. أنا حبيت فيه حبه ليا و رجولته وقوته . هزت والدتها رأسها وهي مصدومة: _ حب إيه وزفت إيه.. الناس هيقولوا علينا إيه.. ليه يا بنتى.. إنتى عاوزة تموتيني ؟!! فقالت ليلى مسرعة: _ بعد الشر عنك يا ماما.. بس إسمعيني لو سمحتى . ربتت والدتها بقوة على قدمها وقالت بغضب: _ أسمع إيه تانى.. كفاية اللى قولتيه.. بس لعلمك الموضوع ده مش هيتم على جثتى يا ليلي . فقالت لها ليلى برجاء: _ يا ماما إفهميني أرجوكي بلاش تحكمي علي الموضوع بالظاهر . وضعت والدتها سبابتها أمام فمها وقالت بحزن : _ ششششش، بس مش عايزة أسمع صوتك.. عليه العوض ومنه العوض.. عليه العوض ومنه العوض فيكي يا ليلي . خرجت والدتها من غرفتها... ودخلت ليلى في نوبة بكاء... تسلل الخوف لقلبها لأول مرة منذ إمتلأ بعشق ياسين وشعر أخيرا بالسكينة والراحة .. فهل ستظل والدتها رافضة لإرتباطهم.. ربما تخيرها بينها وبينه .. هاتفت ياسين مسرعة عله يطمئنها كما يفعل دائما.. رد قائلا بنبرة منهكة : _ أيوة يا ليلي ؟! _ ياسين . إستمع لصوت بكائها.. فصف السيارة بقلق.. ومازن بجواره بعالم آخر لا يشعر بشىء وكأن العالم من حوله قد سكن سكون الأموات .. و صاح بها قائلا: _ مالك يا ليلي بتعيطي ليه انتي كويسة ؟! ردت بصوت مخنوق من بين دموعها: _ ماما رفضت ارتباطنا يا ياسين.. أنا ممكن أموت من غيرك . سحب ياسين نفسا طويلا وهو يتطلع امامه بتعب ثم قال بنبرة صوته الحنونة لتهدأتها: _ إهدى يا ليلى.. كله هيبقى زى ما إحنا عاوزين ما تقلقيش . صرخت به قائلة بذعر : _ مازن قال لكريستينا نفس الكلام وشوف هما فين دلوقتي . طالع ياسين حالة مازن المنهارة وعاد اليها قائلا بإصرار : _ إحنا مش مازن وكريستينا يا ليلي احنا وضعنا غيرهم تماما و انا عمرى ما هسيبك وهجيب اهلي واجي لوالدتك باقرب وقت .. إوعى تخافي تمام . قالت له ليلى بخوف: _ ما تسبنيش يا ياسين أرجوك . رد ياسين بقوة: _ إنتى عبيطة يا بنتي.... مين ده اللى يسيبك.. بعد كل اللي عملته أسيبك... بس إهدى كده وصلى ركعتين يهدوكي.. وأنا هحل كل حاجة متقلقيش .. ليلي اوعى ثقتك فيا تتهز . كففت دموعها وقالت بهدوء: _ حاضر يا حبيبي.. كلمنى كل شوية علشان اتطمن . أومأ برأسه وقال بحنو : _ تمام یا عمری.. خلى بالك من نفسك سلام . _ سلام . أغلق هاتفه.. ودسه بجيب بنطاله..ثم زفر بضيق ..وتطلع بجواره لمازن المنهار تماما.. إنتبه على رنين هاتفه مرة أخرى.. فأخرجه وتطلع لشاشته.. ثم رد قائلا: _ أيوة يا ماما ؟! صرخت به والدته باكية وقالت: _ إلحق أخوك يا ياسين . اتسعت عينيه واعتدل في جلسته ورد بذعر : _ ماله أدهم يا ماما.. إيه اليوم ده ؟! تطلعت حياة حولها للحزن المخيم على الجميع ...و دخلت إحدى الغرف وهاتفت باسم بقلق.. فهو منذ الصباح لا يجيب على هاتفه على غير عادته... إستمعت للرنين المتواصل دون رد فقالت بغضب: _ إنت فين يا باسم أول مرة ما تكلمنيش الصبح.. محتجاك يا أخي . وأخيرا رد: _ ألو . قطبت حاجبيها متعجبة.. وعادت تطالع شاشة هاتفها.. ثم ردت بتلعثم: _ مش ده موبايل الرائد باسم الزيني ؟! رد شخص غريب عليها قائلا: _ أيوة يا فندم.. مين حضرتك ؟ تنحنحت بخجل وقالت: _ إحم.. أنا.. أنا خطيبته . فقال لها بأسى : _ هو الصراحة يا فندم.. الرائد باسم إتصاب في عملية إمبارح في سينا.. وهو دلوقتى في العناية المركزة .. دعواتك ليه . نزلت كلماته عليها كالصاعقة.. وخرجت منها صرخة متألمة: _ بااااااسم . ثم إنهارت قواها وسقطت على الأرض جالسة.. دخلت عليها زهرة ومى وسعاد.. جلست بجوارها مي وسألتها بقلق: _ مالك يا حياة فيكي إيه.. وباسم ماله ؟! لم ترد.. الصدمة الجمت لسانها و هي تتخيل أن حبيبها يحتاجها الآن وهي ليست بجواره.. لاحظت می الهاتف بيدها.. فخاطبت من عليه وقالت: _ ألو..مين حضرتك ؟!! هو باسم ماله..... يا نهار إسود طب هو في مستشفى إيه.. شكرا . سألتها زهرة بقلق: _ في إيه يا مي إنطقى . فقالت مي وهي تتطلع لحياة بشفقة: _ عارفين البيان بتاع القوات المسلحة اللي بيتذاع علي كل القنوات ده . ردت سعاد مؤكدة: _ أيوة.. بتاع سينا والنفق والناس اللي إتمسكوا صح ؟! اومات مى برأسها وقالت بحزن: _ أيوة.. باسم كان مشارك في العملية دى وإتصاب وهو في حالة صعبة في المستشفى. صفعت زهرة صدرها وقالت بألم: _ يا حبيبتي يا بنتی .. يا عينى عليكي وعلى حظك . جلست سعاد قبالة حياة وإحتضنتها قائلة بحنو: _ هيبقى زى الفل إن شاء الله.. وهيرجعلك ما تخافيش..ده بطل..إنتى لازم تكوني فخورة بيه . ردت حياة من بين دموعها: _ طول الليل يكلمني لما زهقت.. وقولتله إقفل بقا ما زهقتش.. أتاريه كان بيودعنى.. كان بيودعنى يا طنط.. أنا حاسة إنى مخنوقة ومش عارفة اتكلم . ضمتها سعاد بقوة وقالت لطمئنتها: _ صدقينى يا بنتى ربنا هينجيه وهيبقى زى الفل . ثم شردت سعاد قليلا وقالت في نفسها : _ اكيد هي دي العملية اللي علشانها سهي راحت هناك .. يا ترى يا بنتي عاملة ايه .. وسامح اكيد كان مع باسم .. استر يا رب . كان يوم مشحون بالدموع.. دموع كريستينا وهي تطالع صورهما سويا على هاتفها.. كم إشتاقت لنظراته.. لضحكاته... لكلامه الساحر... تذكرت أول مقابلة لهم.. وغزله الوقح لها.. وحبها له من أول نظرة... تتألم من الآن.. فكيف ستستمر أيامها بدونه ؟! ودموع سهى على غدر سامح.. وحرمانها من مشاركته الإستعداد للمهمة كما إتفقا.. والأهم كيف حرمها من وداعه.. كم تشتاق إليه الآن.. ودت لو وجدته أمامها وإرتمت بأحضانه لتسمع دقات قلبه الذي ينبض لها وحدها.. وتطلعت داخل عيونه آسرتها .. ولكنها نفضت تلك الأفكار من رأسها ليعود الغضب مرة أخرى إلى عيناها.. تطلعت من سيارتها .. على الطريق بألم وهي تتوعده ودموع ليلى خوفا من أن تصبح ككريستينا.. هل تخيرها والدتهما بينها وبين ياسين... الآن علمت لما إختارت كريستينا أهلها... وتركت حبها ومضت ... ولكنها تعلم مدى تعلق ياسين بها.. ومدى قوة حبهما.. ويجب عليها مواجهة الجميع والمحاربة من أجل النجاة بعشقها من أي تحدى.. ودموع حياة على حبيبها التي وجدت فيه ضالتها.. وجدت به أمانها.. لم تمر عليهما فترة طويلة .. ولكنها شعرت كأنما خلقت فقط لتقابله.. وتتعرف عليه.. وتحبه.. فهو يبثها حبا وشوقا.. لم تتخيل أن تشعر به قط.. ظلت تصلى وتصلى وهي تدعو له الله أن ينجيه ويعود إليها.. ودموع فريدة المنهمرة بقوة والتي تحجب عنها الرؤية وهي تقود سيارتها متوجهه لمنزل عائلتها.. عل ما سمعته هو مجرد أوهام.. هاتفته أكثر من مرة.. وهاتفت والدها وأعمامها.. ولكن هواتفهم جميها كانت مغلقة مما زاد قلقها وحنقها.. خوفها عليه كان أكبر من أن يوصف.. فهمت الأن سبب شروده الدائم وإبتسامته الباهتة.. تردد في عقلها قوله " بعد النهاردة مافيش بعد تاني" معنى كلامه أنه إبتعد عنها تلك السنوات هربا من الثأر.. لو كانت تعلم لما وافقت على عودته.... فبعده عنها وهو بحالة جيدة... أهون من قرب قصير يتبعه فراق للأبد.. ودموع أميرة على إبنها البكرى.. والتي لم تكتفى بقربه منها تلك الفترة القصيرة بعد فراق سنوات.. فهو أول فرحتها.. تذكرت إبتسامته لها في مهده.. وغفوته الدائمة على قدميها بعد بكاء طويل على شئ رغبه ورفضه والده.. تذكرت أول أيام دراسته.. ووداعه لها بالدموع.. وهو لا يقوى على بعادها .. تذكرته وهو يركض إليها ينبئها بتخرجه من كلية الحقوق بتقدير إمتياز.. والأكثر إيلاما حين تذكرت قبلته ليدها يوم زفافه على من عشقها طوال حياته.. كان أوسم من أي شخص رأته بحياتها.. ولم لا وهو قرة عينها . دموع زهرة على حظ إبنتها التي يشبه حظها بفقدان من أحبت مرتين.. مرة بزواج أدهم.. ومرة بالموت المحيط بحبيبها.. وخطيبها.. والتي لاحظت تغيرها الكامل بعدما التقت به.. دموع حياة كانت تقتلها.. وليس بيدها شئ لتقلص المها الشديد.. والذي يمزق في قلبها . دموع مازن المنهمرة دون شعور أو وعى منه.. وهو يتسائل بتيه هل حقا تركته وإبتعدت.. رفض عقله أن يصدق كل هذه التراهات.. فهى له وله وحده.. ألم يقل لها أنها تخصه هو وحده.. وأنها الوحيدة التي لها الحق في كل شئ خاص به.. كم تخيل حالتها من الإنهيار و الضياع.. والتي يشعر بها الآن.. هل سيستطيع مواصلة حياته.. هل هو على قيد الحياة من الأساس .. مشاهد متكررة لظروف مختلفة ولكن من المؤكد أن القادم سيكون مغاير لما يحدث فما بعد الضيق سوى الفرج ... وما بعد المطر سوى عودة الشمس لتمحو كل آثاره وكأنه لم يكن ...