صدمة... لو تجسدت الصدمة في صورة لحاز هو على المركز الأول بإقتدار .. لم يكن يشعر بشىء سوى بتصنم عجيب و توقف غريب للعالم من حولهما .. ظلت كلمتها تدور وتدور برأسه و هو يتسائل بتعجب.. هل قالت أنها تحبه.. وهل تعنيها حقا.. أم أنها تتوهم .. ام انه هو من يتوهم .. ام ان هذا كله وهم و ليس حقيقي إتسعت عيناه.. وزادت إبتسامته و تخلى عن صمته هو يجلي حلقه الجاف عله صوته يخرج و هو يقول بتلهف : _ إنتي قولتي إيه ؟! إنتبهت ليلى لسذاجتها.. وضعف قوتها و عدم سيطرتها علي انفعالها .. فوضعت كفيها على عينيها وهي لا تصدق أن الكلمة التي قالتها في قلبها عشرات المرات.. قد تحررت منها أخيرا وغادرت شفتيها ليسمعها هو.. ثم قالت بخجل: _ إفتح الباب عاوزة أنزل لو سمحت . إستند ياسين برأسه على مقعد السيارة براحة.. ثم تنهد طويلا.. وقال وهو يطالع خجلها و ارتباكها بإعجاب : _ لا.. لسه ما إتكلمناش.. ممكن تبصیلی يا ليلي . هتفتت ليلى بتوسل و هي تفرك أصابعها بتوتر: _ وديني عند فريدة لو سمحت.. يا تسبني أنزل أنا . إبتسم بهدوء عکس ما يدور بداخله من نيران أشعلتها كلمتها الدافئة فأسرت بروحه براحة و سعادة لم يكن ليتخيلها .. والتي حلم بها دائما.. لكنه لم يتخيل روعتها حين خرجت من بين شفتيها التي يعشقها.. طالعها قليلا بملامح متجمدة و هو يقول بنبرة خافتة: _ تعرفي يا ليلى.. أنا لو مت دلوقتى مش عاوز حاجة تاني خلاص هبقى أسعد واحد في الدنيا . بسرعة وضعت يدها على فمه دون وعي منها وقالت بخوف: _ بعد الشر عليك.. موت لأ يا ياسين . قبل باطن كفها الملامس لشفتيه برقة.. فسحبت كفها بسرعة... وقالت بغضب: _ إيه اللي إنت عملته ده ؟! لاحظ عبوسها و ضيقها فقال معتذرا: _ أنا ...... أنا آسف.. مش عارف عملت کده إزاى.. سامحيني.. أنا قصدى شريف والله وهكلم بابا وأدهم النهاردة.. ولازم نتخطب ونتجوز في أقرب وقت . ضحكت ليلى ضحكة ساخرة وقالت بتهكم: _ ولما هنتجوز.. هتكمل السنة اللى لسه ليك في الكلية من منازلهم . ضاقت نظراته متعجبا من طريقتها معه.. وقال بمكر: _ مش هتعرفي تضايقينى النهاردة بالذات.. لأنى مش هفكر غير في بحبك.. وبعد الشر عليك.. والبوسة وخلاص . تطلعت إليه بغضب و قالت بحدة : _ ياسين انا بكره الطريقة دى فبلاش تستفزني . رن هاتفها فردت قائلة بنبرة جافة : _ أيوة يا ماما.... الامتحان كويس و حليت الحمد لله .. ايوة هروح لفريدة ساعتين كده و هرجع ... لا مش هتأخر إن شاء الله. تهللت أساريرها التي جعلت ياسين يطالعها بتعجب : _ إيه ده بجد خالتو عندنا.. طب وسليم جه معاها.. طب خليه يكلمني . تطلع إليها ياسين بغضب فور سماعه لإسم سليم و التفت بكامل جسده ناحيتها بترقب لما هو قادم .. بينما أردفت هي قائلة: _ وحشتنى يا سولى.. وإنت كمان يا معلم..... لأ مش هتأخر ... هنروح فين ؟! .... معقول فيلا في التجمع.. ماشية معاك يا عم ..ههههه هو ده ... ده أنا هقطعك و مترجعش تزعل . هنا إتسعت عيني ياسين وقال بغضب: _ وحياة أمك هي بقت كده ؟! إبتعدت ليلى بالهاتف وقالت بتلعثم: _ ما.. مافيش یا سولى بس أنا راكبة مع صاحبتى وخطيبها وبيتخانقوا.. أيوة جهز الطاولة على ما أجيلك ...... أيوة هي في أوضتى....جوة دولابي . زاد غضب ياسين وقال وهو يخلع حذائه ليضربها به: _ هي وصلت لدولابك... قسما بالله بالجزمة . ضحكت ليلى وقالت بمرح: _ هاه... لا أصل خناقهم بيوصل لمستوى الشوزيهات في الآخر.. سلام يا سلیم دلوقتی . أغلقت الهاتف.. وزاد ضحكها وهي ممسكة بذراع ياسين تتفادى بهما غضبه .. وهو يحاول ضربها... فقالت بجدية زائفة: _ بس بقا يا أخي.. فرهدتني.. إهدا طيب هو ايه اللي حصل لكل ده؟! إنزعج من تصرفاتها المستفزة والوقحة فقال بحدة: _ يدخل أوضتك إزاى.. وكمان يفتح دولابك.. إفرضى سليم ده شاف هدومك ولا شاف الحاجات التانية دى. هتفت ليلى مستنكرة تفكيره الضيق الأفق وقالت بضيق: _ انت دايما تفكيرك شمال كده.. وباعدين ده سليم عادى يعني. رد عليها بسخرية قانطة: _ سليم اااااه.... مين سليم ده یعنی راضعين على بعض مثلا.. وباعدين فيلا إيه اللي كنتوا بتتكلموا عنها. أجابته ليلى بتلقائية: _ هو وخالتو وصلوا من القاهرة هيقعدوا معانا شوية.. وهو كان بيقولى إنه إشترى فيلا في كومباوند في التجمع و عاوزنا نروح معاه يوم نشوفها و نرجع.. صد رد كده. فسألها بصوت متحير: _ وبيقولك ليه.. وإيه حكاية إنه هيقعد معاكم كام يوم ده إنتى لبسك في البيت کله شمال.. هيقعد بقا يتفرج عليكي ان شاء الله. زمت شفتيها وهي تطالع غيرته التي تعشقها.. وعيونه التي تقدح شراراً صادقا فزادت جمالها حاول معها كثير من الشباب قبله و اعترفوا بحبهم لها و ربما جنونهم و ولههم بها و لكن تلك المشاعر الصادقة التي تراها امامها لم تشعر بها مع احد قبله.. ياسين يعلم جيدا ان عائلته تتكلف بكل امورهم المادية هي و والدتها و مع ذلك لم يشعرها و لو لثانية بشيءو لم يستغل ذلك في ارضاخها له... اصبحت ترى امامها رجلا و سندا و ظهرا و لم تعد ترى ذلك الشاب المتهور المرح و التي كانت تعشق مزاحه و روحه الجميلة.. أصبحت الآن تعشق كل ما يخرج منه مهما بلغ سوءه و جماله... لملمت شعراتها علي جانب وقالت ملطفة للجو قليلا: _ لا ما تقلقش.. هو بينام في هوتيل مش بيقعد معانا دايما زى ما انت فاكر. هدأت نبرة صوته وهو يطالع تأملها له فقال بصرامة: _ بس طول اليوم قاعد معاكم صح؟! إبتسمت ليلى بمكر وقالت بنبرة ماكرة : _ بس أنا طول اليوم يا إما مع فريدة يا إما معاك.. هشوفه إمتى بقا؟! زفر ياسين بضيق وقال بتحذير : _ تقعدى معاه عسكري.. وتلبسي حاجة حشمة مفهوم. ردت برقة وهي هائمة داخل عينيه التي تضمها و تحاوطها بذراعين خفيتين لتشعر بالدفء لأول مرة بحياتها : _ حاضر.. ودينى لفريدة بقا هتقول ايه؟! أشعلته نظراتها المثيرة.. فمال نحوها وقال هامسا: _طب ما تدينى واحدة بحبك كمان مرة ده انا غلبان و الله. شعرت برجفة قلبها والتي وصلت لأطرافها..فقالت بعدما إحمرت وجنتيها بخجل: _ أوف بقا.. إخلص يالا.. هتأخر. أسرع قائلا برجاء طفولي: _ علشان خاطري ده انا حسيت اني عايش و بتنفس لما سمعتها منك و الله. ابتسمت بهدوء و طالعت الطريق من نافذتها.. فهز رأسه بيأس و أدار محرك السيارة و انطاق بها و هو يشعر ان قلبه يرقص فرحا و سعادة.. رفع عينيه للسماء قليلا و قال بداخله بإمتنان: _ الف حمد و شكر ليك يارب.. كنت عارف ان دعائي ليك مستجاب كملها علي خير يارب.. و انا خلاص عمرى ما هسيب فرضك ابدا و هرجع اصلي و ارضيك مهما كانت النتيجة. لم يكن لصمته هو فقط حديث..بل كان صمت ليلى أكثر كلاماً و هي شاردة.. في قرارة نفسها تدرك أن ما يحدث بينهما مسلسل هزلي.. لكن الجانب الأنثوى الشقى بداخلها يريد أن يعيش نعيم مشاعر جديدة إقتحمت قلبها.. تريد أن تستشعر دغدغته لمشاعرها بكلمات صادقة ساحرة .. إنساقت لتمرد نفسها على كل شئ.. وتركته يقتحم قلبها دون تخطيط مسبق جعلها تبتسم بخفوت تلك الابتسامة الرائقة و التي تصدر من القلب مصاحبة بتنهيدة طويلة...... ظل أدهم وفريدة على صمتهم و الممتلأ بالحديث هو الآخر و لكن حديث من نوع آخر .. و هو يطالعها بطرف عينيه متأملا ملامحها بتوق لتقبيل أدق تفاصيل وجهها... لاحظ تجهمها الزائد فقال قاطعا هذه الحالة: _ هتفضلی منفضالي كده كتير مش كفاية بقا. إرتدت فريدة سريعا قناع الجدية الزائف قائلة بصلابة: _ يمكن تحس وتبعد عنى بقا يا أخي. فأجابها أدهم ببد يهية: _ ما أنا بحس و الحمد لله ..وعارف إنك بتموتي فيا و بتحبيني بجنون و عاوزاني افضل جنبك كل ثانية. أشاحت ببصرها عنه.. وتطلعت للطريق كي لا يكتشف في عينيها انه علي حق و انها تستمتع بقربها منه و ركضه ورائها كي يستجديها لمسامحته .. أكثر ما أزعجها من قربها منه هو عطره الفرنسي ذلك و الذي جعل كثيرا من الفتيات يهيمون به و قد سمعت احداهن بأذنها تقول انه ساحر و انها تتصنع سؤاله بشىء كي تقف معه قليلا و تستنشقه بحرية .. معها حق فهو الآن يضعف مقاومتها و صدها له... شعر بإقترابه من البيت فبطأ سرعة سيارته قليلا و قال بهدوء متعقل: _ عارفة يا فريدة.. انا مستني سماحك ليا مش بس علشان نتكلم و اشوف عنيكي بتلمع تاني و اسمع صوتك و هو بيرن بفرحة بوداني لما بتندهيلي اسمى او ارضي لهفتي ليكي لو لمست كفك او حتي وشك.. لا انا عاوز ابص في المراية محتقرش نفسي و اكرها اكتر من كده. تنهد بإقتضاب و تابع قائلا بحزن: _ انا مش قادر احط عيني في عينك و اقولك انا آسف لانه عنيكي زي المرايا بالظبط بشوف نفسي فيها و ممكن اموت لو شوفت نفسي جواها حقير.. بجد هموت. ضغطت فريدة علي شفتيها بقوة كي تتحكم بدموعها التي ستغلبها و تعلن غفرانها له و هو لا يستحق ذلك بينما أردف هو بنبرة عميقة كجرحهما: _ أوقات كتير السماح بيريح قوى و بيدوب جبال كره و حقد و ضيقة هتتبني بين اتنين او كانت مبنية.. و انا ممكن اعتذرلك من هنا لآخر يوم في عمرى و مش همل و لا هتعب بالعكس. تذكر موضوع الثأر و تقديم كفنه ببلدتهم كي ينهي الثأر و كي يتخلص من ملاحقتهم لقتله و ما ينتظره هناك.. لربما كان فخاً منهم كي يذهب اليهم و يقتلوه و يأخذون بحقهم منه.. فطالعها قليلا و قال بنبرة مرتجفة : _ بس خايف يحصلي حاجة بيوم و انتي زعلانة مني وقتها عمرى ما هرتاح في قبري و لا انتي هتعيشي و تكملي حياتك بعدى مرتاحة.. الدنيا صغيرة قوى علشان نضيعها في زعل و حقد و.... . قاطعته قائلة بصراخ حاد: _ إخرس خالص و روحني البيت لأقسم بالله ما هاشوف وشي تاني. كانت كلماته تشقها بنصل حاد دون رحمة و هي تجاهد ان تلتفت له و ترتمي بصدره كما كانت تفعل و هي طفلة صغيرة كلما شعرت بخوف او رهاب من شىء.. لكنه ترجم انفعالها علي انها ترفض اعتذاره فزاد سرعة السيارة و هو يشعر بالحزن و الخذلان.... وصلوا أخيرا لمنزلهم.. ترجلت فريدة من السيارة بسرعة.. وصعدت الدرج..ثم توقفت فجأة أمام باب شقة عمها عثمان.. و كلمات أدهم تدور برأسها " أوقات كتير السماح بيريح قوى و بيدوب جبال كره و حقد و ضيقة هتتبني بين اتنين او كانت مبنية " طرقت الباب... ففتحت لها مي و قد اتسعت عينها بقوة.. وقالت متعجبة بتلعثم : _ فريدة؟!!!... أخبارك إيه؟! إبتسمت لها فريدة وإحتضنتها قائلة بشوق: _ وحشتيني يا بكابوظة قوى. إحتضنتها مي بقوة وبكت بحضنها شوقا لها و ربما خزيا وقالت من بين دموعها: _ إنتى وحشتيني أكتر يا ديدة.. سامحيني لو مقدرتش اتطمن عليكي الفترة اللي فاتت و الله مكسوفة منك قوى. توقف أدهم عن صعوده و هو يتطلع إليهم بدهشة من فعلة فريدة الغريبة ... تطلعت فريدة ل مي بألم و احتضنت وجهها بين كفيها ومسحت دموعها بذراعها السليم وقالت: _ عمو عثمان موجود يا ميوش. أومأت مي برأسها وقالت مشيرة لفريدة بيدها: _ أيوة جوة... تعالى يا ديدة إدخلى. ولجت فريدة للداخل و التفتت وتطلعت لأدهم ببرود.. وأغلقت ورائها الباب في وجهه... تهدل كتفي أدهم و استند علي الدرج بظهره منتظرا خروجها و عقله يحاول ان يترجم ما يحدث لكنه فشل... خرج عثمان من غرفته على صوت فريدة.. التي ما ان رأته حتي هرولت ناحيته و إحتضنته بشوق وقالت بألم: _ وحشتنى يا عمو قوى و الله .. أول مرة أبعد عنك كل الفترة دى. ربت على ظهرها وقال بخزى: _ عينى منك في الأرض يا فريدة يا بنتي. إبتعدت عنه قليلا وتطلعت داخل عينيه وقالت بضيق: _ بعد الشر عنك يا حبيبي...إنت ما تعرفش أنا بحبك إزاى و لا ايه؟! يا عمي ده محدش بيوافقلي علي كل حاجة بطلبها غيرك. ابتسمت بمداعبة و قالت بطفولة: _ انت عارف اني مش بطلب من بابا و باجي لحضرتك علشان عمرك ما كسفتني و عارف كمان ان بابا بيغير منك لأني بحبك اكتر منه. إبتسم لها عثمان وحدجها بنظراته الحانية وقال: _ إقعدى يا فريدة.. تشربي إيه يا حبيبتي. جلست بجواره وقالت بهدوء : _ شکرا یا عمی انت عارف ده معاد غدى و سعاد زمانها عاملة المحمر و المشمر و لو ما أكلتش بتعملي فيلم هندى و حضرتك عارف مبحبش الهى ابدا. تطلع لذراعها المجبرة.. ولبعض الضمادات بوجهها البرئ.. وسألها بخزى وهو مطرق رأسه: _ أخبارك إيه يا بنتى؟ ردت فريدة ساخرة لإضحاكه: _ أنا زي القردة أهه .. عمر الشقى بقى ده حضرتك مجبس ليا دراعاتي الاتنين دول يجي عشرين مرة قبل كده من شقاوتي. ظهر شبح إبتسامة على وجهه فهذا شجعها لقول المزيد: _ كان ليا طلبين عندك يا عمى.. وأتمنى ما تكسفنيش لو بتحبني. تطلع إليها عثمان بإهتمام وقال مسرعا: _رغم ان الجملة الاخيرة دى انا عارفها لما بتطلبي طلب يكون جلال رفضه و جيالي انا بقا.. بس إنتى تؤمرى يا فريدة. اتسعت ابتسامتها و قالت: _ الأمر الله.. أنا فعلا عندى طلبات مهمة او هما اتنين بس .. اولا عاوزاك يا عمى ترجع طنط زهرة للبيت تاني و تردها لعصمتك. قطب حاجبيه وقال متعجبا: _ إنتى اللى بتقولى كده يا فريدة...بعد الأذى اللي هي سببتهولك. إحتضنت كفه بين راحتها وقالت برجاء: _ معلش يا عمو... علشان خاطر مي وحياة هما أكيد محتاجنها جنبهم مي عندها امتحانات و محتاجة تركز ده غير شغلها .. وعلشان خاطرى أنا كمان.. ورحمة جدو ما تكسفنى. أومأ براسه وقال بإنصياع: _ حاضر يا حبيبتي هكلم عمك جاسر في الموضوع ده ..هاه وطلبك التانى إيه؟! إعتدلت في جلستها و يحبت نفسا طويلا و زفرته دفعة واحدة وقالت بجدية: _ عاوزة حياة تیجی تعيش معايا فوق.. لغاية ما سهى ترجع تاني. زاد تعجب عثمان منها وإتسعت عيناه بإندهاش كسى ملامحه كاملة ..فقالت لها می بدهشة: _ إنتى بتتكلمي جد يا فريدة؟! إلتفتت فريدة ناحيتها وقالت بجدية لا تقبل النقاش : _ أيوة يا مي بتكلم جد و مش همشي من هنا غير و هي معايا ..عاوزة أقرب منها. فسألها عثمان بتعجب: _ ليه يا فريدة مش فاهم؟! إنتى اصلا سامحتيها علي اللي عملته فيكي یا بنتی! هزت فريدة رأسها بتفهم لحالة الدهشة الجلية بعيناهما وقالت بحزم: _ أيوة سامحتها... وأنا من البداية اللى غلطانة ...كان لازم أقرب منها وما أسيبش الكره والحقد يملا قلبها من ناحيتى للدرجة دى.. دى اختى يا عمى.. وأنا بعدت عنها وعملت ما بينا فرق كبير دفعنا تمنه كلنا.. صدقني هي اللي لازم تسامحنى. ثم أعادت كلمات أدهم و هب تشرد بملامحه و حركة شفتيه التي نطق بها تلك الكلمات.. لم ترها حقيقة و لكنها تعلم كل همسة منه كيف ترتسم علي شفتيه: _ أوقات كتير السماح بيريح قوى و بيدوب جبال كره و حقد و ضيقة هتتبني بين اتنين او كانت مبنية و انا ههد اي كره ليا جواها و هبني حب و صداقة و بس. إبتسم عثمان بخجل وقال بإعجاب: _ ربنا يكملك بعقلك يا بنتي.. يا بخت أبوكم بيكم و الله. أسرعت فربدة قائلة: _ لأ يا عمى.. إنت وبابا وعمو جاسر ربيتونا كلنا زى بعض.. و يابختنا بيكم إنتم.. هاه وافقت إنى أدخلها.. وأخدها معايا؟! اوما برأسه و قال بإبتسامة خافتة: _ حاضر يا فريدة.. ربنا يحببكم في بعض و يبعد عنكم أي شر. قبلت مي وجنة فريدة و ضمت رأسها لصدرها و قالت بسعادة: _ انا بحبك قوى و الله العظيم. أخرج عثمان من جيب بنطاله مفتاح وأعطاه لفريدة... أخذته منه متعجبة وقالت : _ مفتاح ايه ده يا عمي؟! أسرعت مي قائلة بحزن و هي تطالع باب حياة المغلق: _ ده مفتاح أوضة حياة. وقفت فريدة و هي تضع كفها علي فمها و قالت بصوت خفيض متعجب: _ إنت قافل عليها بالمفتاح يا عمى؟! أطرق عثمان رأسه مرة أخرى وقال بألم: _ أيوة .. علشان تتربى و تتعلم الأدب .. أمها بوظتها وملتها سواد وكره.. وكان لازم تتعاقب. توجهت فريدة بسرعة ناحية غرفتها وفتحت الباب ودلفت مسرعة ليصدم عيناها ظلام حالك.. ضغطت زر الانارة فوجدت حياة منكمشة في نفسها بجوار الباب على الأرض وتبكي بحرقة.. جلست بجوارها فريدة وربتت على يدها وقالت بضيق: _ بتعيطي ليه دلوقتي؟! ردت حياة بصوت متحشرج من شدة بكائها قائلة: _ أنا سمعت كل اللى قولتيه.. عاوزاني أنا اللي أسامحك يا فريدة. إحتضنتها فريدة بذراعها وقالت : _ مش عاوزين نتكلم في اللي فات.. قومى هاتى هدومك علشان هتقعدى معايا فوق.. أنا محتجاكي يا حياة. رفعت حياة عيناها بدهشة وهي تطالع ذلك الملاك الجالس أمامها..وقالت بعدم فهم: _ محتجاني أنا يا فريدة.. إنتى بتتكلمي جد؟! وخزتها فريدة في ذراعها مداعبة وقالت بضحكة: _ لولا دراعى المكسور ده.. كنت شديتك من شعرك اللي انتي فرحانة بيه ده زى زمان وإديتك علقة سخنة طلعتها من عنيكي. ضحكت حياة وقالت وهي تكفف دموعها: _ سلامة إيدك يا فريدة.. يا ريتنى كنت أنا. وقفت فريدة و توجهت لنافذة الغرفة فتحتها و هي تقول بهدوء: _ طب يالا قومی خدى دش.. وحضرى هدومك.. وأنا هستناکي برة مع عمى وميوش.. و متتأخريش جعانة و سعاد النهاردة عاملة محشي. وقفت حياة و سألتها بقلق: _ طيب و طنط سعاد و مازن و عمي مش هيرفضوا اني انا اطلع معاكي بعد... بعد اللي حصل. ضحكت فريدة بسخرية و قالت بتعقل: _ اهه سؤالك ده سبب كل اللي حصل بينا من سنين.. انتي مش قادرة تفهمي اننا مش بيتقفل علي كل حد فينا بكل ليلة باب شقة.. لا احنا بيتقفل علينا باب بيت و كلنا عيلة واحدة و محدش فينا ملاك مش بيغلط و زي ما بنسامح لازم هيسامحونا. وقفت حياة امام فريدة طالعتها قليلا و قالت بإبتسامة رائقة كنظراتها: _ سامحتيني. تصنعت فريدة التفكير ثم قالت بمداعبة: _ اقولك سر.. انا كمان كنت بغير منك بسبب شعرك الناعم السايح النايح ده و انا شعرى مش زيه و فيه تمويجه بتضايقني.. ده غير انك لو كنتي كنلتي تعليمك كنتي هتبقي اشطر مننا كلنا لأنك ذكية ذكاء خاااارق.. و انا السنة الجارة هقدملك في كلية الحقوق دماغك دى حرام تضيع هباءً يا امي. تمسكت حياة بذراعيها و سألتها مجددا بترقب قاتل: _ سا محتيني. رفعت فريدة عينيها بملل و قالت: _ اومال انا هنا ليه يا فالحة.. و لسه بقول عليكي ذكية.. قومي خدى شاور و خمس دقايق اللي معاكي.. خمس دقايق و ثانية هدخل اقطعلك شعرك ده علشان نبقى خالصين. ظل أدهم على حالته واقفا أمام الباب.. صعدت ليلى الدرج بعدما ودعت ياسين امام شقته.. وتفاجئت بأدهم واقفا..فسألته متعجبة: _ واقف كده ليه يا أدهم؟! رفع ياسين رأسه للأعلي فرأي ادهم واقفاً فأغلق باب شقتهم مجددا و صعد بقلق.. بينما رد أدهم عليها بحيرة: _ فريدة جوة عند عمى عثمان.. ومش عارف إيه اللى بيحصل جوة! قطبت ليلى حاجبيها وقالت: _ ما قالتليش يعني إنها هتعمل كده.. غريبة! إنتبهوا جميعا على فريدة وهي تفتح الباب وخرجت ثم تبعتها حياة تحمل حقيبتها بخجل.. لاحظت فريدة التساؤلات الكثيرة في أعينهم فقالت موضحة: _ حياة هتيجى تقعد معايا.. لغاية سهى ما ترجع. فقالت لها ليلى بغضب: _ سامحتيها بعد اللي حصلك بسببها يا فريدة؟! ردت فريدة بصرامة: _ أيوة يا ليلى.. ومش عاوزة كلام في الموضوع ده تانى مفهوم. إبتسم أدهم بهدوء وقال بإعجاب و حب: _ هی دی فريدة اللى أنا ربيتها. ضحكت فريدة بسخرية وقالت بحزم: _ ومع ذلك صدقت فيا إنى خونتك و اني.... و لا بلاش. وتركته وصعدت لشقتها وهى تجذب حياة من ذراعها.. طرقت الباب ففتحت سعاد بإبتسامة هادئة و ما ان فتحت فمها لتتحدث حتي تحولت إبتسامتها لتعجب.. فقالت لها فريدة مسرعة: _ ماما حياة هتقعد في أوضة سهى لغاية ما ترجع .. بعد إذنك طبعا أنا محتاجة إننا نقرب من بعض كفاية كده. إبتسمت سعاد وقالت بهدوء: _ عندك حق يا فريدة.. إتفضلي يا حياة إدخلى. دخلت حياة بإستحياء و هي منكسة رأسها بخزى ..فاحتضنتها سعاد وقالت بتحذير قوى : _ إرفعي راسك يا حياة.. مش بنات عيلة المهدى اللى توطي راسها أبدا. بكت حياة بحضنها كما لم تبكي من قبل فخرج مازن علي صوتها متعجبا.. قالت بندم و هي تخفي وجهها في صدرها : _ سامحوني كلكم.. مش هعمل حاجة تضايقكم منى تانى و الله. ضربتها سعاد على ظهرها وقالت مداعبةً: إنتى بنتي يا حياة.. ربنا يخليكوا لبعض. جلست لیلى وقالت بعدما تقوس فمها بتأثر: _ هتخلوني أعيط والله.. هو إنتى طابخة إيه يا سوسو؟! دخل الجميع في نوبة ضحك علي مزاحها .. بينما خرج مازن عن صمته قائلا بسخرية: _ همك على بطنك دايما.. احنا متأثرين و هنعيط و خزان احزان اتفتح و مافيش غير الاكل في دماغك. إجابته بضيق و هي تضع حقيبة يدها جانبا: _ خارجين من امتحان و فصلانين و سمعت انه في محشي و ده كفيل يجوعني اكتر. ضرب مازن كفيه في بعضهما و قال بمزاح ساخر: _ ده انتي مبيتة النية عالمحشي كمان... وباعدين إنتي مالكيش بيت يا بنتى إنتى. فرد ياسين بسرعة: _ ما تخف شوية يا مازن.. ولا سستمك إيه بالظبط؟! فقال لها جلال مازحا و هو يخرج من غرفته: _ ما تقلقيش يا لولة..هأكلك بإديا والله.. ده إنتي حبيبتي. ردت ليلى بتسبيلة هائمة: _ حبيب قلبي يا جلجل..ربنا ما يحرمني منك يا ناصفني في العيلة الغريبة دى. زم ياسين شفتيه وقال هامسا: _ يادى النيلة عليا.. أخلص من إبنه يطلعلي هو ده حزن ايه ده يارب. تركتهم فريدة ودخلت غرفتها في هدوء.. تطلع إليها الجميع بحزن.. فقالت ليلى لحياة: _ إنتى الوحيدة اللي هتقدري ترجعى فريدة تانى.. أنا واثقة فيكي و مش عارفة ليه. حملت حياة حقيبتها.. ووضعتها في غرفة سهى.. وخرجت متوجهه لغرفة فريدة..وقالت لسعاد بثقة : _ حضرى الغدا يا طنط وأنا هجيب فريدة وهاجي. وقفت ليلي وقالت لسعاد بحماس : _ قدامي يا أنطى على المطبخ يمكن تحبي تختبري الاكل مالح و لا لأ انا جاهزة لغاية ما السفرة تجهز. دخلا إلى المطبخ..ودخل جلال لغرفته مجددا .. فاقترب مازن من ياسين وقال بتعجب مشيرا بعينيه ناحية أدهم : _ خد أخوك السرحان ده وإنزلوا على بيتكم... عاوزين نتغدى في رواقة.. وليلى ما بتحبش يبقى في زحمة وهي بتاكل. عض ياسين شفته و حدجه بغضب وقال من بين أسنانه : _ ما تنرفزنيش یا مازن.. ولو بصيت لها مش هيحصلك طيب انا بقولك اهه. ضحك مازن و هو مازال يطالع أدهم بإندهاش من وقفته البائسة قائلا بسخرية : _ قولى يا سينو ..هو أخوك ده بيلعب تماثيل إسكندرية ولا إيه؟! تتنهد ياسين بحزن على حال أدهم وقال بضيق: _ والله صعبان عليا.. أختك دى قوية و مفترية و لو قدرت ما بتعفيش .. ما هي سامحت حياة.. ليه مش قادرة تسامح أدهم يعني؟! أشاح مازن بيده في الهواء و قال بقنوط: _ يا عم اقعد.. طب تسامح اخوها الكبير اول. خرج أدهم من شروده قائلا بضيق: _ يالا يا ياسين ننزل. خرج أدهم مسرعا..تبعه ياسين...دلفوا لشقتهم ..فاستوقف ياسين أدهم قائلا بجدية: _ إستنى يا أدهم.. عاوز أتكلم معاكم في موضوع مهم. إلتفت إليه أدهم و هو عابسا وقال بضيق: _ سيبنى في حالى يا ياسين.. وإتكلم إنت معاهم.. أنا فيا اللي مكفيني و الله. إبتسم ياسين بسخرية وقال بملامح جامدة : _ إدخل أوضتك يا أدهم.. عموما أنا خلاص إتعودت أعيش حياتي لواحدى.. وآخد قراراتي بنفسي.. آسف إنى أزعجتك يا دكتور. خرج جاسر على حوارهما قائلا بقلق : _ مالكم يا ولاد... في إيه؟! فرد ياسين بجدية: _ كنت عاوز أتكلم معاكم يا بابا في موضوع مهم بالنسبة ليا. تعجب جاسر من طريقته الجادة وقال بترقب : _ موضوع إيه اللي مهم قوى كده.. إقعد يا حبيبي. فصاح ياسين قائلا: _ ماما تعالى لو سمحتى.. إدخل إنت يا أدهم إرتاح في أوضتك. قالها ياسين وهو يتطلع لأدهم بغضب.. إقترب منه أدهم وقال معتذرا: _ أنا آسف..خلاص بقا ما تزعلش.. أنا أسف وعارف إنى مقصر معاك..بس غصب عنى والله..وأنا معاك وواثق فيك وفي أى قرار هتاخده. إبتسم له ياسين براحة.. و جاسر يتابعها بتوجس.. بينما خرجت أميرة من المطبخ تمسح يديها في منشفة وسألت بتعجب مستفهمة عما يحدث : _ في إيه يا ولاد مالكم؟! ايه اللي جابك يا ياسين مش انت قولت هتروح بعد الكلية السنتر؟! جلس أدهم بجوار جاسر.. وأشار ياسين لأميرة أن تجلس بجوارهم قائلا بهدوء : _ إتفضلى إقعدى يا ماما.. أنا عاوز أقولكم على شعور حاسه من سنين.. وبسببه هاخد قرار من أهم قرارات حياتي... وعاوزكم تفهموني كويس وتدعموني. سأله جاسر بقلق: _ هي المقدمة حلوة.. بس ربنا يستر من اللى جاى بعدها.. قولنا قرار ايه المصيري ده اللي راصصنا جنب بعض بسببه. أجابه ياسين قائلا بثقة عاشق مندفع كل أحلامه أمامه و ينوى اقتناصها بأي شكل: _ أنا بحب.. ونفسى أخطب اللي بحبها و أدخل بيتها من بابه. وقفت أميرة بفرحة وقالت: _ أخيرا هفرح بيك يا إبنى..مبروك يا ياسين. أجلسها جاسر قائلا بحنق: _ إقعدى يا أميرة بس هو بسهولة كده و قومتي باركتي و ناقص تزغرطي كمان. ثم عاد بوجهه لياسين و قال له بتعقل: _ يا إبنى إنت لسه قدامك سنة في الكلية.. مستعجل علي ايه لما تخلص دراسة زى اخوك كده نبقي نشوف موضوع جوازك ده. أومأ ياسين برأسه وأجابه بإصرار: _ عارف يا بابا.. وأنا مش عيل سيس بستنى مصروفي من حد.. أنا بشتغل معاكم و بشغل سنتر من اكبر سناتر الملابس الجاهزة في اسكندرية و قدرت أكبره و أطوره .. وليا مرتبى وبصرف على نفسى.. وبعد ما هخلص السنة اللي جاية.. أبقى أتجوز. قال جاسر بقلق أكبر وهو مازال محتفظ بنبرته الحازمة : _ برضه حلو الكلام.. بس مين هي العروسة بقا ؟! إبتلع ياسين ريقه بصعوبه..تطلع إليه أدهم بإبتسامة دعم ليتشجع قليلا و يتخلي عن توجسه ..فزفر بصعوبة وقال بتوتر: _ اللي بحبها.. ومش بتمنى غيرها من الدنيا.. واللي نفسي أكمل معاها باقی عمری..هی لیلی. رد جاسر بسرعة: _ ليلى مين ؟! ضيقت أميرة عيناها و قالت: _ مافيش حد نعرفه اسمه ليلي.. دى زميلتك في الجامعة يا ابني؟! أجابهما ياسين ببديهية: _ ليلى صاحبة فريدة. ساد الصمت لثواني.. حتى خرجت أميرة عن صمتها و وقفت ببطء شديد وصاحت من صدمتها قائلة: _ إنت إتجنت يا واد إنت و لا بتهزر.. مقعدنا كلنا قدامك علشان تستخف دمك علينا. هتف ياسين بإستنكار مدافعا عن نفسه: _ ليه يا ماما.. هو أنا علشان بحبها وعاوز أرتبط بيها أبقى مجنون و بستخف دمي؟! ردت عليه أميرة بصرامة وقوة غير مسبوقة عليها وقالت: _ أيوة مجنون طبعا.. بتحب واحدة أكبر منك.. الناس يقولوا علينا إيه.. لأ مش هيحصل يا ياسين. هدأها أدهم قائلا : _ يا ماما إهدى وإسمعيه أول.. من حقه يحب ويرتبط باللي يحبها. إتسعت عيناها وقالت بدهشة ممزوجة بالغضب و هي تلتفت ناحية أدهم : _ إنت هتوافقه على الجنان ده يا أدهم؟! وقف جاسر وقال بصرامة: _ مش عاوز أسمع صوت.. ويا نتكلم بهدوء يا مالوش لزمة الكلام من أولها. وقفت أميرة أمامه وقالت بصرامة: _ لو وافقته على الجنان ده يا حاج.. مش هقعد لكم في البيت ده انا بقول اهه و هرجع البلد زى زهرة. حدجها جاسر بغضب وقال بحزم: _ إنتى بتهدديني.. إنتي إتجنيتي يا أميرة؟! لاحظت الخطأ التي أوقعها غضبها به فقالت مسرعة: _ لا عشت ولا كنت يا اخويا دى غلطة يا حاج.. سامحنى يا أخويا.. بس الموضوع ده نرفزنی و الله. رفع جاسر سبابته أمام وجهها وقال محذرا: _ هعديهالك المرة دى بس لو إتكررت مرة تانية هترجعي البلد فورا سابقك ورقة طلاقك زى زهرة كده. وقف أدهم بينهما وقال بتعقل مهدئاً لوالده الغاضب: _ خلاص يا حاج إهدا.. إتفضلى إقعدى يا ماما المواضيع دى مش محتاحة عصبية. جلست أميرة بحزن.. فجثى ياسين أمامها وقال بضيق : _ تعرفي يا ماما.. إنتى آخر واحدة تخيلت إنها ما تفهمنيش و تحس بيا و باللي عاوزه و بحبه. إحتضنت وجهه بين كفيها وقالت بألم: _ يا حبيبي إنت عمرك ما طلبت منى حاجة وقولتلك لأ.. بس المرة دى غير كل مرة.. دى أكبر منك يا إبني. رد ياسين بقوة موضحا وجهة نظره : _ يا ماما أكبر منی بشهور بس .. وباعدين أنا ماحبتش غيرها.. من وإحنا في ثانوى وأنا بحبها.. إفتكرت إنها فترة وهتعدى بس مش قادر أبعد عنها.. ومش شايف بنات غيرها. ردت عليه أميرة بضيق: _ يا إبنى يا حبيبي البنات حوالينا كتير.. مصمم ليه كده شغل عقلك شوية. أغلق عينيه بقوة وفتحهما مستلهما الصبر.. وقال بصوت هادئ و هو يحتضن كفيها : _ حاولت أكتر من مرة أنساها وأحب غيرها بس ما قدرتش.. والأصعب إنى مش هستحمل أشوفها مع غيرى في يوم. فقال له جاسر ببرود مريب: _ خد وقتك وفكر كويس يا ولدى... قدامك وقت كتير لسه. وقف ياسين وقال بحزم: _ لا يا بابا سامعنی.. هی ممکن يتقدملها أي حد وتروح منى. أضاف جاسر وهو محتفظ ببروده القاتل: _ يبقى نصيبها يا ولدي.. وإنت مش نصيبها. فصاح ياسين غاضبا بعدما إغتاظ من تحامل والديه عليه.. وقد إكفهرت قسماته: _ إنتوا مش فاهمنى ليه.. أنا بحبها وما أقدرش أعيش مع غيرها. صاح به جاسر بغضب : _ وطى حسك.. وصوتك ما يعلاش وأنا قاعد تاني مفهوم. إقترب منه ياسين وقال راجيا: _ يا حاج إفهمني أرجوك.. ده إختيارى وأنا اللى هتجوز .. ودى حياتي أنا ولازم أعيشها زى ما أنا عايز. حدجه جاسر بغضب وقال متحديا: _ حتى لو اللي إنت عايزة ده إحنا مش راضيين عليه؟! تجهم وجه ياسين وقال بقلق: _ یعنی يا بابا إنت مش موافق؟! رد جاسر بحزم وهو يغوص داخل عينيه بقوة: _ أنا كنت حاسس من زمان انه في حاجة في نظراتك ليها و كلامك معاها .. وكبرت دماغی.. بس جواز..... لا. صدمة ياسين كانت لا توصف... تعجز كلماتي عن وصفها... لأول مرة يفقد إيمانه بعائلته.. فهو مدلل أبويه.. ولم يرفضا له طلب من قبل... تنفس بصعوبة .. ثم قال بألم: _ سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لما إتجوز السيدة خديجة وهي أكبر منه بكتير.. حبها قوى وعاش معاها أسعد سنين عمره و هي الوحيدة اللي ما إتجوزش عليها... ولما ماتت إتسمت السنة دى عام الحزن.. ولما إتسأل عنها قال بحزن ( لقد رزقت حبها ). وتركهم وخرج من المنزل مسرعا يخفى دموعه و ألمه و صدمته ..تبعه أدهم وركض ورائه.. وإجتذبه من ذراعه وإحتضنه قائلا بإبتسامة متسعة: _ أنا فخور ببك يا سينو.. وليلى تستحق تعمل علشانها أكتر من كده.. وأنا جنبك ومش هسيبك ومتأكد إنك هتقدر تقنعهم. رد عليه ياسين بدموعه التي غلبته: _ يا رب يا أدهم إدعيلى.. أنا هروح أتمشى شوية مخنوق. ربت أدهم على كتفه وقال بإبتسامته العذبة: _ روح يا حبيبي ..وخلى بالك من نفسك تمام؟ مسح ياسين وجهه بيده و قال بنبرة مختنقة: _ حاضر. خرجت فريدة من غرفتها مع حياة.. إبتسمت ليلى وقالت بمكر: _ برافو عليكى يا حياة.. كنت عارفة ماحدش هيقنعها غيرك.. دماغ إنتى برضه. إبتسم مازن وقال وهو يجلس على الطاولة ساحبا مقعده : _ يا بختك يا حياة.. عقبال ما فريدة ترضى علينا إحنا كمان. وخزته سعاد في ذراعه وهى تضع الطعام وقالت بحدة : _ إخرس بقا.. عاوزها ترجع تقعد في الأوضة تاني و لا إيه. اجابها مسرعا بإستسلام: _ خلاص هقعد ساكت فين المخلل المحشي ما يتكلش من غيره. جلس الجميع على طاولة الطعام.. وما أن إنتهوا حتى دخلت الفتيات لغرفهم.. وإنصرف مازن وجلال لعملهم.. أنهت سعاد ترتيب المنزل.. بينما إنتهت فريدة وليلي من المذاكرة.. فوقفت ليلي ولملمت أشيائها وقالت بإرهاق : _ الساعة بقت ستة.. إتأخرت على خالتو و سليم. ضحكت فريدة وقالت مازحة: _ هو عريس الغفلة ده شرف تانی.. هتعملى معاه إيه المرة دى يا فالحة؟! إبتسمت ليلى وقالت ساخرة: _ ده قالى إنه إشترى فيلا في التجمع.. دى أمى هتزن زن من هنا ورايح ... إدعولى بقا. زمت حياة شفتيها و قالت بسخط: _ بقى عريس جامد.. وعنده فيلا.. و غنى.. وإبن خالتك.. وتقولى لأ..تبقى مهروشة في مخك أكيد. إقتربت فريدة من حياة وقالت بمكر: _ أو بتحب حد تانی مثلا.. انا شاكة فيها و هموت و أعرف مين؟! ضحكت ليلى بسخرية وقالت: _ ههههه.. إنتوا هتهزروا وتستخفوا دمكوا عليا.. يبقى سلام یا حبایبی. اوقفتها حياة قائلة بضحك هيستيري: _ اهربي اهربي.. فريدة شكلها معاها حق و الله. رفعت ليلي عيناها بملل وتركتهم وخرجت مسرعة.. وهي سعيدة علي غير عادتها و منتشية براحة... هبطت الدرج و وقفت امام البناية و بحثت عن ياسين فلم تجده.. إختقت إبتسامتها وزفرت بضيق وغادرت عائدة لمنزلها بسيارة أجرة وهى شاردة بقلق ... سألت نفسها عن سبب حزنها و ضيقها فهل تعشقه لهذا الحد.. هل إشتاقت إليه في تلك السويعات القليلة التي تركته بها.. هل غضب منها عندما تحدثت معه عن سليم.. أم هل هناك خطب آخر منعه من رؤيتها... فإذا كان هناك سببا.. فالأكيد أنه سبب جلل... في المساء خرجت سهى متثاقلة.. إتجهت ناحية الميس .. وقد بدا عليها الإعياء و التعب .. جلست بجوار سامح وقالت بنبرة خافتة : _ وحشتونى يا رجالة. إبتسم باسم وقـال بتعجب: _ فينك يا طلبة؟! طول اليوم مختفية في أوضتك إيه مش عاوايدك يعني. ردت بوهن وهى تتأمل سامح بشوق : _ مافيش.. حسيت إنى جعانة نوم.. فنمت ما حستش غير دلوقتى. لاحظ سامح تغير ملامحها وإحمرار وجهها فسألها بقلق: _ سهى إنتى تعبانة و لا ايه؟! تطلعت إليه بإبتسامة هادئة وقالت: _ مش عارفة.. بس حاسة إن راسي تقيلة.. وعاوزة أنام. تحسس سامح جبهتها و وقف مفزوعا وقال بفزع: _ إنتي حرارتك عالية جدا.. قومى معايا عند الدكتور..يالا. قطب ماجد حاجبيه وقال بقلق : _ فعلا وشها أحمر قوى.. يالا بسرعة يا سامح عالدكتور دى سايبة نفسها كده من الصبح. أخذوها للطبيب وفحصها.. بينما وقفوا هم في الخارج بقلق في إنتظار خروجهما.. وبعد دقائق وقف أمامهم الطبيب وقال بهدوء: _ نزلة برد شديدة شوية.. أنا هعطيها مضاد حيوى وخافض.. وهتبقى كويسة إن شاء الله. دلف سامح إليها.. وتطلع ناحيتها مطولا بنظرات لائمة.. ثم حملها متجها لغرفتها.. ركلت الهواء بساقيها محاولة الخلاص منه.. لكنه كان أكثر تصميم على فعل ما يريد.. وقال مازحا: _ أنا حاسس إنك بتتعبى مخصوص علشان أشتالك مش كده؟! ضحكت بوهن وقالت بتعالى: _ إنت تطول أصلا.. وباعدين يا تنزلني.. يا تشيل وإنت ساكت. اجابها بضيق مصطنع: _ في مرة هقطعلك لسانك ده.. اصبري عليا بس. إضطرت سهى أن تلف ذراعها حول عنقه واستندت بالأخرى على صدره.. واصل سيره بخطوات متريثة ..وكأنه يتعمد التباطئ في مشيته .. ليستمتع بحمله لها.. أنزلها في غرفتها.. وقال وهو يتطلع إليها بحنان يغمرها كما تغمرها ذراعيه: _ اعملي حسابك مش هسيبك غير لما تبقى زى الفل.. هفضل جنبك أعملك في كمادات لغاية حرارتك ما تنزل. إبتسمت وهي تتفرس ملامح وجهه.. وشعرت بمشاعر غريبة قد إجتاحتها.. ثم قالت برقة: _ إنت حنين قوى.. وطيب قوى.. بس ليه كنت ناشف كده وعصبي وجد و قفيل؟! تنهد بأسي وهو يجذب مقعد المكتب ويجلس بجوارها.. وقال بهدوء: _ أنا حياتي طول عمرها ظبط وربط.. أمى ماتت وأنا عندى عشر سنين.. ووالدى لواء جيش متقاعد.. رفض يتجوز ويجيب لى مرات أب.. وكان دايما بيعاملني على إنى عسكرى... كل شئ بميعاد مافيش ضحك...مافيش لعب.. مافيش صحاب.. عشت عمري لواحدى..حتى إنى أبقى ظابط جيش ده مش إختيارى.. بس أنا لقيت نفسى في العسكرية.. ورغم كل اللي حكيته عن بابا.. بس هو أغلى حد في حياتي كلها. تطلعت إليه سهى بعينين مليئتين بالدموع وقالت بتأثر: _ صعبت عليا قوى..صدقنى أنا هبقى أمك وأختك وكل حاجة ليك. إبتسم سامح وسألها بإهتمام : _ يعنى موافقة إننا نتجوز صح؟! جلست على فراشها وقالت بجمود وهي تضع ساقا فوق الأخرى بتكبر: _ والله هفكر وأبقى أرد عليك. حدجها سامح بتحدى وقال: _ بقا كده.. طب إستلقى وعدك بقا.. و ربنا ما هرحمك. جذبها من ذراعها.. وأدخلها الحمام ..وفتح عليها مرش الاستحمام وهو يضغط على شفتيه بغضب.. ثم قال بعصبية: _ أهه منه الحرارة تنزل ومنه مش هسيبك غير لما تقولى موافقة أتجوزك وبحبك يا سامح. صرخت قائلة وهي تتنفس بصعوبة من برودة الماء: _ المية ساقعة يا بايخ.. هموت من البرد حرام عليك.. اقفل الدش ده. عاينها قائلا بتحدى: _ قولى إنك بتحبيني..يالا و انا اسيبك. ردت سهى بصراخ من برودة الماء وقالت: _ يا سامح حرام عليك بترعش و الله. ضحك وهو مازال يقذفها بالماء وقال بمرح: _ موافقة تتجوزيني ولا تفكرى شوية... أنا بقول تفكرى.. وأنا مافيش ورايا حاجة غيرك النهاردة. أومأت برأسها موافقة.. وقالت بصراخ: _ لأ موافقة.. موافقة.. إبعد عنى المية بقا. أغلق صنبور المياة وقال وهو يركض من أمامها بعدما شعر بتحفزها له: _ غيرى بقا هدومك وأنا شوية وهجيلك علشان اعملك كمادات. ركضت ورائه وقالت بغضب: _ يا رخم..مش عاوزة أشوفك النهاردة فاهم. أغلقت الباب.. وهي في قمة سعادتها.. أبدلت ملابسها بسرعة.. وأخذت دوائها وتدثرت ونامت دون ان تنتظره....