كان يطالع بيتها بترقب قاتل لربما يراها .. او ربما تفتح شرفتها و يراها كما كانت تفعل عندما يقلها بسيارته لمنزلها .. لا يجد تفسيرا لغيابها ربما مريضة .. وحتي هذا الاحتمال يبدو بعيدا لانه موقن ان لا شىء قد يبعدها عنه سوى شىء أكبر من ان يتخيله و لا يريد ان يدخل لهذا النفق المظلم .. انتبه علي طرق ياسين لنافذة سيارته ففتح الباب و ترجل من السيارة .. فسأله ياسين بترقب : _ مظهرتش لسه يا مازن ؟! حرك مازن رأسه ببطء شديد وهن و ردد بإرهاق : _ لا معرفش عنها اي حاجة خالص و قلقي كل ثانية بتعدى بيتعبني أكتر . رفعت ليلي نظارتها الشمسية و تركتها بمقدمة شعراتها و قالت بهدوء : _ متقلقش انا هطلع شقتهم و هتطمن عليها و هطمنك . أومأ مازن برأسه و قال برجاء : _ بس اول ما عينك تقع عليها و تكلميها رني عليا فورا اسمع صوتها . اسرع ياسين متسائلا ببديهية : _ مش يمكن سافروا و لا خارجين مثلا ؟ أجابه مازن قائلا : _ لا فوق و البواب لسه مأكدلي .. و ليلي اكيد هتشوفها و هتطمن عليها . رفعت ليلي عيناها ناحية البيت طالعته قليلا و عادت اليهم قائلة : _ تمام انا هطلع و مش هتأخر عليكم ان شاء الله . تركتهم و دلفت للبيت فأوقفها حارس العقار قائلا : _ علي فين يا آنسة ؟! أجابته ليلي مبتسمة : _ انا هطلع شقة كريستينا هي في الدور التاني مش كده ؟! أشار لها علي المصعد قائلا : _ ايوة يا فندم و الاصانسير علي ايدك اليمين . وقفت ليلى أمام باب منزل كريستينا... تنفست الصعداء وطرقت الباب.. إنتظرت قليلا حتى إنفتح الباب..وقفت أمامها الخادمة وقالت بإبتسامة ودودة : _ أيوة يا فندم.. تحت أمرك . ردت ليلى بقلق: _ هي كريستينا موجودة لو سمحتى؟ _ إنتي مين.. وعوزاها ليه ؟! إلتفت ليلى بعينيها.. فرأت سيدة تهبط الدرج الداخلى للمنزل و ملامحها متحفزة بعض الشيء .. وقفت أمامها بصرامة منتظرة رد ليلى التي قالت بثبات: _ أنا ليلى صاحبة كريستينا من النادي.. وجيت أطمن هي مش بتيجي ليه.. هي كويسة يا فندم ؟! أتاها صوت كريستينا المرهق قائلة: _ وحشتيني يا لولة.. تعالى إدخلى . جحظت عينى ليلي وهي تتطلع لكريستينا.. و وضعت أناملها على فمها بصدمة تكتم شهقة ألم على حال كريستينا بعدما إمتلأ وجهها بالجروح.... فقالت بحزن: _ إيه اللي عمل فیکی کده یا کوکی ؟! انتي كويسة يا قلبي طمنيني عليكي . إجتذبتها كريستينا من يدها.. وأدخلتها لمنزلها.. فإحتضنتها ليلى بألم وقالت بإشفاق: _ سلامتك يا حبيبة قلبي.. مالك يا كوكي إحكيلي ؟! بكت كريستينا في حضنها بألم وقالت بشوق : _ وحشتونى كلكم يا ليلى.. بعدي عنكم كان غصب عنى مش بإيدى . إقتربت بشرى منهم وقالت بشك: _ مين دى يا كريستين ؟! إبتعدت عن ليلى وقالت بإبتسامة باهتة : _ دى ليلى يا ماما..my best friend هي قلقت عليا وجت تشوفني.. ممكن أقعد معاها شوية ؟! تطلعت بشرى لليلى.. ولهيئتها المتحررة وقالت بهدوء: _ طيب بس شوية صغيرين علشان إنتى تعبانة . أومأت كريستين برأسها و قالت بخفوت: _ حاضر . تركتهم وإبتعدت.. فلامست ليلى وجه كريستينا و هي تتفحصه وقالت وهي تخفى دموعها: _ مين اللي عمل فيكي کده.. وليه ؟! أجابتها كريستينا بدموعها: _ فكرى أخويا عرف بعلاقتي أنا ومازن.. وطلب منى أبعد عنه.. ولما رفضت ضربني.. من يوم فرح فريدة وهو بيضرب فيا . قطبت ليلى حاجبيها و قالت بضيق: _ ليه كل ده.. حرام عليه هو ماعندوش قلب . طأطأت كريستين رأسها و قالت بخفوت: _ حاولت معاه كتير... كنت عاوزاه بس يفهمنى و يحس بيا .. بس هو محبش بجد علشان يفهمني . ربتت ليلى على كفها و قالت بتعقل: _ إهدى يا قلبي وخليكى واثقة في مازن.... لأنه ممكن يعمل المستحيل علشان تبقوا مع بعض .. انتي متعرفيش هو حالته ازاي الكام يوم اللي فاتوا من غيرك . رفعت عيناها ناحيتها و قالت بوهن: _ خايفة يا ليلى أخسره... إحنا مش ذنبنا إننا مختلفين و عارفة إن ولاده هيبقوا مسلمين... و مش هتدخل في دينهم بالعكس أنا عارفة عن الإسلام كتير من خلال دراستي . هزت ليلى رأسها بتفهم و قالت بتريث: _ ربنا واحد یا كوكى...و أكيد كاتبلنا كلنا الخير حتى لو معجبناش... بس هيكون الأفضل صدقيني . إنتبهوا على رنين هاتف ليلى.. تطلعت لشاشته وقالت بصوت خفيض: _ ده مازن اللي بيتصل . أخذت كريستينا الهاتف مسرعة.. وردت قائلة بهمسة خفيضة أحيته من جديد: _ مازن حبيبى . لأول مرة منذ أيام يشعر بتدفق الأكسجين لصدره .. اغلق عينيه و استند بظهره علي سيارته ورد بلهفة وصوت مختنق: _ حبيبة قلبى وحشتيني قوى .. إنتى كويسة ؟! كنتي فين الايام اللي فاتت دى انا كنت بموت من قلقي . صمتت لحظة ثم قالت بصوت هادئ وهي تغالب دموعها وإبتسامتها الحزينة: _ هموت وأشوفك يا مازن.. وحشتنى قوى . تسلل القلق لقلبه وقال بخوفه والذي يمزق نياط قلبه المشتاق عليها: _ بتعيطي ليه يا حبيبتي.. هو في ايه بالظبط فهميني ارجوكي ؟! كففت دموعها وقالت بلهفة: _ قولى بحبك یا مازن نفسي أسمعها منك علشان خاطرى . حارب دمعات تعاند للظهور في مقلتيه وقال: _ بحبك.. والله بحبك قوى.. تعالیلی یا کوکی انزلي مع ليلي ..هتجنن وأشوفك . تنهدت بتنهيدة طويلة مرتجفة و قالت: _ أنا اللي ممكن أعمل أي حاجة و أبقى معاك.. ما تسبنيش يا مازن مهما حصل . ضيق عينيه قليلا و هو يجيبها بتعجب: _ انا عمرى ما هسيبك يا عمرى... هو في إيه بالظبط.. انا بدأت أقلق حرام عليكي . إبتلعت ريقها بصعوبة و قالت بتردد: _ أصل... أصل فكرى أخويا مش عاوزني أقابلك تاني ابدا . صرخت كريستينا فجأة بعدما جذبها فكرى من شعرها.. وقال بغضب هادر: _ بتستغفليني.. أنا هربيكي وهعلمك الأدب . وقفت ليلى منكمشة في نفسها بذعر ..بينما صرخ مازن قائلا بحدة و هو يستمع لصراخها المتألم: _ كريستين..مالك .. ردي عليا يا كريستين . إنقطع الخط... فوقف مسرعا و ركض ناحية البيت و نظرات التوعد بعينيه تنذر بالأسوء.. سيلقن ذلك المختل درسا لن ينساه لتطاوله على شيء يخصه ... حملت ليلى هاتفها الملقى تحت أقدامهم.. وقالت بصراخ موجهة حديثها لفكرى بحدة: _ سيبها حرام عليك ..ليه كده ؟! رفع فكرى رأسه وتطلع لليلى بنظرات نارية و قال بغضب: _ و إنتي مالك... و باعدين إنتي مين اصلا ؟! حاولت ليلى تخليص كريستين من بين قبضتيه و هي تقول بخوف: _ سيبها حرام عليك.. إنت مش بتخاف ربنا . أزاح يدها و دفعها بقوة و هو يقول بشراسة: _ إبعدى إيدك بقولك . ترنحت ليلى قليلا وكادت أن تسقط ولكنها تمالكت نفسها وقفت أمامه بإيباء وقوة.. فسألها بغضب: _ إنتى مين.. إنتي من طرف اللى إسمه مازن ده ؟ ردت ليلى بقوة مصطنعة: _ أيوة.. بتضربها ليه.. علشان بتحب.. حرام عليك وشها إتبهدل . تجهم وجهه وهو يسمعها ثم قال بتهكم: _ إنتي مالك إنتي أختى وأنا حر فيها و لا هتعلميني أعاملها إزاى . إستقزتها كلماته فصاحت به بغضب: _ حرام عليك.. إنت مش بنى آدم .. ليه مش حاسس بيها طب اعطيها فرصة تتكلم و اسمعها او قابل مازن و اسمعه . استطاعت كريستين فك حصار قبضته عليها و وقفت أمام ليلي و قالت بصرامة: _ كفاية بقا يا فكرى... إنت بعنفك ده مش هترجعنى عن اللي في دماغي افهم بقا . هم أن ينقض عليها مجددا و لكن بشرى وقفت حائل بينهما و قالت بنبرة عالية: _ إرحموني بقا يا ولاد انا صحتى ما تستحملش اللي إنتم بتعملوه ده . خرج صوت لیلی مذعورا و هي تهدر به بعصبية: _ دى مش رجولة يا أستاذ... إسمع أختك بدل ما تضرها بالشكل المتوحش ده . ضاق صدره منها فإجتذبها فكرى من ذراعها.. وساقها ورائه..وفتح باب المنزل ودفعها خارجه.. و رفع سبابته أمام وجهها و قال بتحذير: _ مش عاوز أشوف وشك هنا تاني ... إنتي فاهمة . تقوس فمها للأسفل و هي تمنع دموعها من الإنهمار وقد قالت بحشرجة: _ إنت قليل الذوق و عديم الأدب . طالعها بإزدراء و قال بغضب هادر : _ قولى للأستاذ مازن.. ما عندناش بنات هنا.. يدور على واحدة تانية في مكان تانى أحسنله . وصفع الباب في وجهها... جلست ليلى على الدرج ودموعها لا تتوقف.. كففت دموعها حتى لا تثير غضب ياسين.. وخرجت من المنزل وهي غاضبة.. بينما كان ياسين و مازن يصارعان الحارس لدخول البيت .. إقترب منها ياسين و تفرس بملامحها المحتقنة وسألها بقلق: _ مالك يا عمرى فيكي إيه.. حد زعلك جوة ؟! أجابته بثبات: _ لا يا حبيبي ما تقلقش.. بس أخوها ده متخلف . جذبها من ذراعها و سألها بحدة: _ ليلى الواد أخوها ده عملك حاجة .. انطقي ؟! هزت رأسها نافية ولم تستطع الرد... فسألها مجددا بقوة: _ إتكلمي يا عمرى الواد ده لمسك... قسما بالله ههد البيت على دماغهم . إنتبهوا على ضربات مازن المتهورة للحارس فأنقذه ياسين من بين يده قائلا : _ سيبه يا مازن مش كده . تركه مازن و هو يلهث بجنون و تطلع بليلي قائلا : _ كريستين مالها يا ليلي.. كانت بتصرخ ليه ؟ عادت لها دموعها مرة أخرى وقالت بذعر : _ الواد أخوها هاريها ضرب.. مابقاش ليها معالم.. وهى بتعانده وبتقوله إنها مش هتسيبك.. فسمعها وهي بتكلمك... شدها من شعرها ورماها على الأرض... وشدنى من إيدى وزقنى بره البيت وقالي أقولك إبعد عنها أحسنلك . هنا لم يتمالك مازن نفسه.. وصعد إلى منزلهم راكضا.. إتبعه ياسين بغضب هادر فكيف لهذا الوغد أن يمس ليلى.. طرق مازن الباب بغضب كاد معه أن یکسره.. فتح فكرى الباب.. ليتفاجأ بمازن فسأله متعجبا: _ إنت مين وبتخبط كده ليه ؟! قبض مازن على ياقة قميصه قائلا بعيون تشع نارا: _ أنا اللي لو راجل من ضهر راجل بجد واجهنى بدل ما تتشطر على أختك المسكينة بسببى . أزاح فكرى يده بالقوة وقال بإستهزاء: _ إنت بقا مازن ؟! رد مازن بصرامة: _ أيوة أنا هو.. وبنصحك نقعد ونتكلم بهدوء لأنى مش هسمحلك تمسها تاني . ركضت إليه كريستينا بعدما سمعت صوته....و إنتبه إليها.. ففتح ذراعيه إليها لترتمي بحضنه.. ضمها بشوق وألم وقال بخفوت: _ ما تخافيش يا عمرى.. إهدى . ردت وهي متشبسة به بخوف: _ وحشتنى قوى.. ما تسبنيش یا مازن . ملس على شعراتها بحنو و قال: _ عمرى ما هسيبك ابدا لو علي موتي . إجتذبها فكرى من ذراعها بقوة.. وأبعدها عن مازن وقال له محذرا: _ إياك تلمسها تانى.. والا هقطعلك إيدك . حاولت كريستينا نزع ذراعها من يده و قالت : _ ابعد عني انا مش بعمل حاجة غلط . التفت برأسه ناحية مازن.. فلكمه ياسين في وجهه بقوة وقال بشراسة: _ دى بقا علشان تعمل راجل و تبقى تمد إيدك على بنت تاني . ترنح فكرى قليلا قبل ان يتماسك.. بينما إجتذبت ليلى ياسين من ذراعه وقالت صارخة: _ ياسين.. إهدا شوية.. ده برضه أخو كريستين . التفت ياسين ناحيتها و قال بحدة: _ ما يمدش إيده علیکی برضه . تألم فكرى من لكمة ياسين و مسد وجنته و قال له مهددا: _ إنتم لو ما خرجتوش من البيت حالا هبلغ البوليس وهوديكم في ستين داهية . إحتضنت بشرى كريستينا وقالت بصراخ: - إطلعوا بره.. كفاية اللى حصلنا من تحت راسكم .. كفاية . دفنت كريستينا وجهها بصدر أمها و قالت بنحيب: _ حرام علیکم.. انا بحبه.. إفهموني بقا . تطلع مازن لكريستينا بألم وقال بنبرة محتدة: _ما تقلقيش من حاجة.. أنا جنبك ومش هسيبك.. والأمور هتتحل إن شاء الله.. تمام . تطلعت إليه بصمت و أومأت برأسها.. تطلع مازن ناحية فكرى ورفع سبابته أمام وجهه وقال له محذرا بقوة: _ لو لمستها تانى ما تلومش إلا نفسك . عقد فكرى ذراعيه أمام صدره و قال بسخرية: _ لا بجد...ورينى هتعمل إيه.. أنا قدامك أهه ؟! طالعه مازن بقوة قبل أن يجيبه بهدوء: _ مش هرد عليك.. بس لينا قاعدة باعدين لاننا لازم نتكلم . ثم تحولت مقلتيه صوبها متألما على حالتها .. إجتذبه ياسين من ذراعه وقال بقوة: _ يالا بینا یا مازن دلوقتی . خرج مازن مسرعا تبعه ياسين وليلى.. فصفع ورائهم فكرى الباب بقوة و استند عليه ممسدا وجهه و هو يطالع اخته بنظرات مكسورة منهزمة .. وقف مازن أمام السيارة .. يحاول كبح زمام غضبه الهادر.. ضرب مقدمة السيارة بقدمه.. وتعالت صيحاته المتألمة.. إقترب منه ياسين بحذر من شدة غضبه وقال بهدوء: _ إهدا يا مازن مش كده.. كل مشكلة وليها حل صدقني . إلتفت إليه وقد صبغت عينيه باللون الأحمر نتيجة غضبه الشديد وقال بصوت متحشرج : _ شوفت يا ياسين الحيوان ده عامل فيها إيه . ربت ياسين على كتفه و هدأه قائلا: _ أخوها يا مازن.. معلش بكرة ربنا يهدى الحال . صرخ به مازن قائلا بجنون : _ يعني ايه اخوها .. هو احنا في غابة علشان يعذبها كده . إبتسمت ليلى بسخرية وقالت بتهكم: _ رغم إنها قطعت قلبي.. بس يوم ليك ويوم عليك يا مازن . تطلعا إليها بتعجب وغضب..فأردفت قائلة بألم: _ سبحان الله.. اللي عملته مع فريدة.. إتعمل معاك في حبيبتك و اللي انت حللته لنفسك جاي دلوقتي تحرمه علي اخوها . زاد سخط ياسين منها وصاح بها غاضبا: - إيه اللي إنتي بتقوليه ده يا ليلى .. ده وقته . أشاحت ببصرها عنهما ..ليبتسم مازن إبتسامة باهتة وقال بإستسلام : _ هي عندها حق يا ياسين . وإلتف حول السيارة.. وفتح بابها وهو كالمغيب.. و إستقلها بسرعة.. وإنطلق بها بسرعة جنونية ... تحولت أنظار ياسين الغاضبة إليها وقال لائما: _ ليه كده يا ليلى حرام عليكي هو ناقصك . لم ترقها كلماتها المؤلمة في الوقت الخاطئ.. فشعرت بالندم وقالت: _ غصب عنى لما شفت كريستين إفتكرت فريدة واللي عمله فيها.. أنا هبقى أكلمه وأعتذر له.. بس ربنا يعينه على اللي هو فيه..رغم كل حاجة صعبان عليا . إنتظر جلال في شرفته عودة إبنه.. لأول مرة يختفى مازن بهذا الشكل حتي عن عمله .. إقترب أذان الفجر ولم يعود... صلى جلال فرضه.. وعاد مرة أخرى للشرفة بقلق حتى ارتاحت ملامحه برؤية ولده..ولكنه تجهم فور رؤيته له وهو يجلس بألم و انكسار ..و ضم رأسه بين ذراعيه شعر بغصة في قلبه على حال ولده.. فخرج من شقته مسرعا، وهبط الدرج بخوف..حتى وقف قبالته متألما من حالته المنكسرة تلك.. وخرج صوته متحشرجا من قلقه قائلا: _ مالك يا ولدى فيك إيه ؟! رفع مازن رأسه ناحية والده وقد إكتست عيناه باللون الأحمر من بكائه.. إرتفع حاجبي جلال من صدمته فهذه أول مرة يرى مازن بهذه الحالة من الإنكسار والضياع، وقف مازن مسرعا وارتمى بحضن والده.. الذي لم يتردد لحظة وضمه إليه بقوة..ثم ربت على ظهره قائلا: _ إهدا یا ولدى.. إيه اللي قاهرك كده.. في حاجة حصلت لحد من إخواتك ؟! حرك مازن رأسه نافيا.. وقال بألم يعتصر قلبه وكيانه: _ تعبان قوی یا بابا.. قلبى بيوجعنی قوی و مش عارف اتنفس . جذب جلال مقعد وجلس وأجلسه قبالته.. و مسح دموعه بكفيه.. ثم سأله بفضول: _ مالك يا إبنى إيه اللى واجعك قوى كده انت هتخلي قلبي يوجعني انا كمان . فقال له مازن بتلقائية.. لم يدرك عواقبها: _ أنا بحب کريستينا.. وأخوها عرف و موتها من الضرب.. إتألمت بسببى.. أنا وعدتها إنى هسعدها.. بس كنت السبب في وجعها . أسند جلال ظهره على المقعد متعجبا.. وتطلع إليه بقوة.. ثم قال بصرامة وإعتراض: _ إنت إتجننت يا مازن .. من قلة بنات يعني .. أخوها عنده حق طبعا . رفع مازن عينيه بغضب تجاه والده وقال بضياع _ إيه اللى بتقوله ده يا حاج ؟! قطب جلال جبينه وقال مسرعا: _ أنا بقولك الصح .. أنا أبوك وعارف مصلحتك فين.. أكتر منك . نظر له مازن بغرابة وقال بصدمة: _ يا بابا بقولك بحبها.. وهى بتحبنى.. يبقى ليه لا تبقى مراتى انا مش فاهم طالما مافيش حاجة تمنع . رد جلال بسخرية: _ واللي إنت عاوزها مراتك وأم عيالك مسيحية.. ولادك بقا هيروحوا الجامع ولا الكنيسة و لا هتشتتوهم بينكم . إستنكر مازن ما قاله والده وإعترض بشدة قائلا: _ هي عارفة إنى مسلم وولادى هيبقوا مسلمين.. وهى عارفة الإسلام كويس جدا.. حضرتك عارف إنها خريجة حقوق.. وهي اللي شارحه الفقه لفريدة قبل إمتحانتها.. وقرأت المصحف كله رغم تمسكها بدينها و اعتزازها بيه . وقف جلال وقال بصرامة.. وعيونه تقدح نارا: _ الكلام في الموضوع ده إنتهى.. إنت إبنى الوحيد .. ومش هسمحلك تدمر نفسك بتهورك ده ..وحب أعمى هيجنى عليك . ترکه وصعد لشقته.. تطلع مازن لوالده المنصرف بسخط.. و عاد بعينيه شاردا متذكرا هيأتها المؤلمة .. وجروحها التي غطت معظم ملامحها..لتعود العبرات لعينيه مرة أخرى ... في اليوم التالي.. ظلت سهى تتبع سامح كظله.. حتى ضاق به ملاحقتها.. رغم إستمتاعه بقربها منه و اهتمامها به ..إلا إنه فطن أنها خائفة عليه من مهمته الجديدة.. زفر بضيق وهو يتأمل ملامحها القلقة وقال بعبوس خفيف: _ هتفضلي ماشية ورايا كده كتير . ردت سهى ببديهية: _ عادي يعني يا سامح.. عاوزة أعرف هتعملوا إيه علشان أبقى مطمنة . رفع عينيه بملل و قال بسخط: _ طب روحى أوضتك دلوقتي وأنا هخلص اللي ورايا وهجيلك علي طول اغلبك دور شطرنج . أومأت برأسها نافية.. وتطلعت إليه مطولا تحفر ملامحه بقلبها.. و هي خائفة من هذه المهمة... فالمرة السابقة خسرت ريان.... لكن هذه المرة... ستموت ان خدش أو تأذى بأى شكل.. لاحظ سامح نظراتها القلقة فقال بإبتسامة عذبة: _ مالك يا عمرى.. قلقانة ليه.. مش ده اليوم اللي إشتغلنا عليه طول الفترة اللي فاتت . ردت بقلق کسی ملامحها وقالت بخوف: _ أيوة بس.. على ما تنتهى مهمتكم وترجعلى تانی.. هكون مت من قلقی . مرر أصابعه على وجنتها.. وقال بنظرات تلتهمها وهو لا يقل قلقا عنها.. وخوفا عليها: _ ما تقلقيش من حاجة.. أنا هروح مكتب القائد نص ساعة بس وهرجعلك تانى تمام . أومأت برأسها.. وطالت نظراتهم الصامتة.. فإبتسم إليها بترفق وتركها.. فكر في حل يبعدها عن هذا التوتر والقلق... حتى جائته فكرة ربما تساعده .... إتجه لعيادة الطبيب.. وسأله بعض الأسئلة.. ومن بعدها توجه لغرفة القائد .... جلس أدهم قبالة والده وأعمامه الذين رحبوا به بفرحة.. وهو يصارع خوفا قد تملك منه قائلا: _ أنا قلبي مش مطمن من زيارة بكرة دى.. ده لو فريدة عرفت هتروح فيها و امي مش هتستحمل ثانية . ربت والده على كتفه بثقة وقال له بهدوء: _ ما تقلقش من حاجة يا ولدى.. سيادة اللوا والد سامح ظبط كل حاجة وهترجع معانا سالم غانم إن شاء الله . تنهد أدهم بقلق وقال: _ يا رب يا بابا . إبتسم جلال وسأله مغير مجرى الحديث: _ عامل إيه مع فريدة يا أدهم ؟! علت الإبتسامة شفتيه فور سماعه لإسمها.. وقال وهو يتخيلها أمامه بشوق: _ كويسين الحمد لله.. إدعيلي يا عمى ربنا يهديها ليا.. الصراحة بنتك مفترية و بحالات شوية الدنيا كويسة وشوية تقلب عليا وتطلع عيني . دخل الجميع في نوبة ضحك.. فقال له عثمان مازحا: _ إنت اللي مدلعها يا وحش عيلة المهدى .. فا ماتجيش دلوقتي تشتكي . تنهد أدهم مطولا وقال: _ أعمل إيه يا عمى بحبها... من يوم ما بابا حطها بين إيديا وقالى دى بتاعتك لواحدك.. وأنا حسيت بجد إنها ليا لواحدى.. ومن يومها وأنا ما شفتش واحدة تانية غيرها.. يبقى يحقلى أدلعها ولا لا . إستند جاسر بمرفقيه على المكتب و قال بمزاح: _ دلعها يا أخويا بس اوعى تيجي و تشتكى منها باعدين . مد جلال رأسه ناحية جاسر و قال له لائما : _ ما تخليك محضر خير يا حاج إنت بتسخنه على البت دى ملاك . وقف أدهم مسرعا و قال بمداعبة : _ أنا كده عملت اللى عليا... أسيبكم أنا بقا تكملوا خناق . تعالى ضحكهم و ودعوه بإبتسامة يخفون بها قلقهم عليه.. و خوفهم من المجهول الذي ينتظرهم ... صوت مدوى جعلها تنتفض بذعر و هي ترفع كفها ناحية قلبها و قالت بخوف : _ بسم الله .. هو في ايه النهاردة مالى كده . دلفت سعاد عليها المطبخ وقالت بتعجب : _ مالك يا ام ادهم دى تاني مرة يقع منك حاجة وتتكسر النهاردة . انحنت أميرة وبدأت في لم شظايا الكوب المنثورة و قالت بقلق : _ والله ما عارفة يا سعاد بس قلبي مقبوض وحاسة انه في حاجة ممكن تحصل .. انا احساسي عمره ما خاب . استندت سعاد علي الحائط بجوارها وقالت مؤيدة : _ و انا كمان حالمة حلم مش كويس لولادى وصاحية مزاجي مأريف بس محبتش اقولك لما لقيتك انتي كمان فيكي حاجة غلط . رفعت أميرة رأسها ناحيتها وقالت : _ يا ساتر يا رب .. انتي كمان يا سعاد قلبك مقبوض .. يا ترى مستخبيلنا ايه ؟! حركت سعاد كتفيها وقالت بحزن : _ انا قولت يمكن علشان مازن بقاله كام يوم متضايق وبيسهر برة كتير .. والجديد انه ابوه كمان النهاردة نزل من غير ما يكلمه ولا يفطر ولما سألته مالك مردش عليا . ألقت أميرة الزجاج في السلة وقالت بتوجس : _ خير ان شاء الله .. ده اكيد عين صابتنا من فرح الولاد و احنا لازم نخرج حاجة لله يمكن النحس ده يتفك . اعتدلت سعاد في وقفتها وقالت بتعجب : _ هي زهرة فين مش باينة النهاردة .. مي وحياة طلعوا صبحوا عليا و هي ما شوفتهاش .. يمكن مشغولة بحاجة . حملت أميرة المكنسة وقالت : _ يمكن مشغولة .. اللهم اجعله خير انا قلبي مش مرتاح . إقتربت ليلى من مازن الجالس بحديقة منزلهم بخجل.. تطالع ياسين الذي يمدها بالقوة بإبتسامة عينيه المحبة لكل حالاتها.... تنحنحت بخجل و قالت بخفوت: _ إحم.. عامل إيه دلوقتی یا مازن ؟! رفع عينيه ناحيتها.. وجذب كرسى بجواره.. وأشار لها أن تجلس.. جلست وهي تتألم على حالته.. رد عليها بصوت خافت مهزوم: _ أنا عايش.. وحشتنى قوى يا ليلي.. وقلبي بيتقطع عليها.. ومش عارف أعمل إيه . فكرت ليلي قليلا وقالت بإبتسامة ماكرة: _ واللي يخليك تشوفها بقااا . لوهلة لمعت عينيه مرة أخرى من أمل بثته فيه اومات برأسها وأردفت قائلة بمكر: _ بص يا سیدی هتروح تحت بلكونتها يا روميو.. وهى بتطل على الشارع.. وتكلكس بعربيتك.. هتفهم إنه إنت ف هتخرج جوليت منها.. وعليك إنت الباقي بقا . لأول مرة من فترة تعود الإبتسامة لشفتيه.. وقد لمعت فكرتها برأسه قائلا: _ يا بنت اللذين يا ليلي . أتاهم صوت ياسين الغاضب قائلا بحدة: _ إنت هتغلط فيها قدامي.. ما تحترم نفسك شوية يا روميو . تطلع إليه مازن بجدية وقال بهدوء: _ ما تدخلش بينا ليلى أختى زى فريدة وسهى وقسما عظما لو في يوم بصيت لها بس هندمك . حدجها ياسين بلهفة.. وتنهد مطولا مخرجا ما يعتمر صدره من عشق وقال: _ صدقنى ما تهونش عليا ابدا .. دى حلم عمرى . طالت نظراتهم ومازن يتابعهم بسخرية حتى إنتقض واقفا وقال بمزاح: _ أسيبكم أنا تسبلوا براحتكم .. وأروح أستلم ورديتي في التسبيل . أوقفه ياسين قائلا: _ ناوى على إيه يا مازن بعد رفض عمى جلال وأخوها ؟! تطلع أمامه بشرود وقال بصرامة: _ مش هسيبها مهما حصل.. دى بتجرى في دمى . وتركهم وإبتعد.. تطلعت إليه ليلى بألم.. شاردة في حالتهما الصعبة وكيف لهما بالنجاة بحبهما لبر الأمان.. لاحظ ياسين شرودها فقال بإبتسامة هادئة: _ اللى واخد عقلك . إنتبهت إليه بفزع وقالت بضيق: _ خضتنى يا ياسين . إقترب منها برأسه و قال بمداعبة: _ بعد الشر عنك من الخضة يالا علشان أوصلك للبيت.. صحيح كلمتى مامتك في موضوعنا الحاج مستنى تتحددى ميعاد لزيارتنا . ساد القلق والتوتر كل ملامحها وقالت بتلعثم: _ لسه ما كلمتهاش . فسألها ياسين بقلق: _ ليه يا ليلى بس.. إنتي خايفة من حاجة ؟! تطلعت حولها وقالت مغيرة للموضوع: _ خلينا نمشى من هنا أول.. مش عاوزة حد من أهلك يشوفنا لواحدنا هنا . فقال بصوت متحير على توترها الزائد: _ تمام.. تعالى نكمل كلامنا في العربية علشان انا لازم افهمانتي خايفة من ايه . كلما حملت هاتفها وعبثت به تعيده لمكانه مجددا بعناد .. لم يسبق له أن يختفي كل ذلك الوقت .. فإما يهاتفها او يرسل لها رسائل يداعبها بها و بالامس استمرت محادثتهم حتي شروق الشمس وهما يتعرفان علي بعضهما أكثر وأكثر ... طاوعت قلبها أخيرا و ضغطت علي رقمه وانتظرت حتي اتاها صوته قائلا بمداعبة كعادته : _ مساء الورد و الفل و الياسمين . ابتسمت حياة بهدوء و قالت بتلعثم خجل : _ مساء النور .. ايه ده باسم انا كنت برن علي بابا الظاهر رنيت عليك بالغلط . ابتسم بمكر وقال : _ احلي غلطة دى ولا ايه .. وحشاني و الله . اسرعت قائلة : _ لو كنت وحشتك كنت سألت عليا زى عادتك . أجابها بهدوء : _ والله يا حياة الدنيا هنا مقلوبة .. بنستعد لشغل جديد و لازم نكون علي استعداد ومركزين جدا والا مش هنشغل عنك وانتي عارفة . تنهدت براحة وقالت : _ انا عارفة انك مش بتقصر معايا ومهتم بيا جدا .. ودى حاجة مفرحاني قوى و بتخليني اقرب منك بسرعة . أغمض باسم عينيه وقال بصوت خفيض : _ انا بقا بحبك قوى ومش عارف ازاي ولا امتي .. بس كل اللي عارفه انه لما بسمع صوتك بنسي كل حاجة .. بنسي تعبي وهمي و اي حاجة شغلاني و بحس اني في دنيا تانية .. لا .. حياة تانية . عضت علي شفتها بخجل وقالت : _ وانا كمان مش برتاح لو بعدت عني ولو ساعة و اول ما بشوف رسالتك بحس اني ارتاحت ومبسوطة . جلس علي مقعدا بجواره و هو يقول بتردد : _ حياة .. لازم تتأكدى اني حبيتك بجد و انه انا عرفت بنات زمان و قربت منهم و يمكن افتكرت نفسي بحبهم .. بس مالقتش فيهم اللي ابقي فخور انها وافقت بيا و اللي اسافر بالشهور واسيبها لواحدها وانا متطمن عليها علي ولادى ان شاء الله . ثم ابتلع ريقه وتطلع امامه بشرود وهو يقول بقلق : _ كمان لازم تتأكدى اني عمرى ما هسيبك غير بموتى و لو حصل وربنا استرد أمانته .. خليني دايما في بالك وقلبك لو كنت وصلت لقلبك أصلا . انتفضت حياة واقفة وقالت بفزع : _ بعد الشر عليك .. اوعى تقول كده تاني يا باسم مهما حصل . ابتسم مجددا وقال بعبث : _ الخوف ده حب بقا مش هزار . أجابته بقوة دون تردد : _ أيوة حبيتك .. و انا بقا لا عرفت قبلك ولا هعرف بعدك ولا عاوزة غيرك .. فحافظ علي نفسك علشاني ارجوك . انتبه علي صافرة ماجد له فإلتفت برأسه ناحيته فوجده يشير له بأن يذهب إليه .. فأومأ له باسم برأسه و عاد لهاتفه قائلا : _ ده اسعد يوم بحياتي كلها و وعد مني بأقرب وقت هجيلك جرى علشان مش بس اسمعها منك .. لا علشان اشوفها بعنيا جوة عنيكي .. ادعيلي يا حياة ربنا يوفقنا بمهمتنا الجاية وارجعلك . سألته بخوف : _ هو مهمتكم دى امتي ؟! تذكر حالة سهي فقال بمواربة : _ خلال ايام .. متقلقيش هبقى اعرفك قبلها .. انا لازم اقفل دلوقتي .. حياة والله العظيم انا بحبك قوى . وضعت يدها علي قلبها وقالت برجفة غريبة اجتاحتها : _ انا بحبك أكتر .. ما تتأخرش عليا تاني ارجوك . أومأ برأسه وقال بلؤم : _ وانا لو اتأخرت رني عليا بالغلط يا ستي .. اتفقنا . اجابته قائلة : _ اتفقنا .. مع السلامة . اغلقا الهاتف ليتجه باسم ناحية ماجد وهو يدعو ربه ان يعود سالما .. بينما جلست هي على طرف فراشها في محاولة لتهدأة ارتجافتها و ناجت ربها بداخلها الا يعاقبها عما بدر منها سابقا في باسم ... عاد أدهم لمنزله.. محمل بشوق لا نهاني لصغيرته ..فلقد عادت له ذكريات طفولتهما سويا طوال طريقه للبيت و هو يتذكر شغبها و شرارت عشقهم الطفولية و التي نضجت معهما كما نضجت هي بشكل يفقده تعقله ... بحث عنها حتى وجدها في المطبخ تعد له طعام العشاء... كانت ترتدى قميصا ورديا قصيرا ...وتاركة لشعرها العنان وإكتفت بربط مقدمته بشريط ملون.. وعطرها الساحر قد ملأ الأجواء.. تطلع إليها بشوق حتى إتجهت ناحية الثلاجة.. وإنحنت لتخرج خضار السلطة منها.. مال برأسه معها فإشتعلت به نيران الشوق... فنفض من راسه فكرة أنها صغيرته.. وعادت له رغبته في زوجته الجميلة .. إقترب منها بهدوء.. وإحتضنها من الخلف.. فصرخت بصوت عالى من فزعها.. فكمم فمها وقال مازحا كأنه يحمل بيده سكينا: _ وطى صوتك لهشقك والله . هدأت بعدما سمعت صوته.. وإلتفتت إليه قائلة بذعر: _ حرام عليك.. قطعت خلفی یا ظالم يا مفترى . رد أدهم مسرعا: _ لأ.. كله إلا الخلف.. ده أنا عاوز قرطة عيال و نقعد نصوت من دوشتهم و جنانهم و يكونوا كلهم شبهك . حاوطت عنقه بيدها وقالت وهي تشبع عينيها المتلهفة إليه بصورته.. وأنفها الصغير بعطره الساحر: _ وحشتنى . لم يتمالك شوقه أكثر وقبلها مسرعا.. ذابت بين يديه.. فحملها لغرفتهما مسرعا.. تطلعت إليه مطولا و قالت بلوم: - أنا بعرف أمشى على فكرة . حرك أنفه على عنقها بمداعبة و قال هامسا: _ أنا مرتاح كده عندك مانع مثلا . زمت شفتيها و قالت بخجل: _ إستنى بس طب والعشا اللي بقالي ساعة بحضر فيه ده . تعلقت أنظاره بها وقال بجدية: _ ماليش نفس دلوقتي أكل .. ليا نفس لحاجة تانية خالص . إحمرت وجنتاها وقالت بخجل: _ يا قليل الأدب . ضحك ضحكة عالية.. وقال وهو يضعها على فراشهم: _ إستعنا عالشقى بالله . لم تكن لهفته عليها مجرد رغبة و لكنه خشي ان تتطلع بعينيه فينكشف قلقه بهما .. لم يكن قلقه علي نفسه و لكن قلقه من أن يتركها وحيدة في عالم حرص دائما ان تدور به في فلكه وحده دون غيره .. هذا العالم لو اختفي منه غداً غدرا سيترك خلفه روحا محطمة اختفت وجهتها و هدفها و بقيت وحيدة بقلب ميت .. ظلت على حالتها لساعة تقريبا.. وعينى ماجد وباسم ومينا تلاحقها وهي تقطع أرض الطابور ذهابا وإيابا.. وإيابا وذهابا.. نفض ماجد رأسه بعدما شعر بدوار وقال بغضب: _ ما تتدهى وإقعدى شوية بقا..دوخنا منك يا مفترية انتي . حدجته سهى بغضب وقالت: _ إخرس خالص.. مش عاوزة أسمع صوت . عقد ماجد ذراعيه و قال مازحا: _ حاضر يا مس.. هقعد ساکت بس ما تزنبنيش عالسبورة علشان بخاف اقف لواحدى . دخلا الثلاثة في نوبة ضحك..حتى قالت لهم بغضب: _ أنا مش فاهمة إنتم قاعدين معايا ليه يعنى.. ما تقوموا تشوفوا اللي وراكم وريحوني منكم بقا . رد مينا بإبتسامة ماكرة: _ مافيش ورانا غيرك أصلا .. فتقبلي وجودنا هنا بمزاجك او لأ . حدجتهم بتحذير و قالت بفتور: _ و انا يا سیدی مش عاوزة حد معايا .. هو ايه الابتلاء ده يا رب . رفع باسم حاجبه بتحفز و قال لها بتهكم: _ ده على أساس إننا عاوزين نقعد معاكي أصلا بلسانك المطرقة ده . ضيقت عيناها و قالت بمجون: _ طب إبقى ورينى هتدخل بيتنا تاني إزاي.. و مافيش خطوبة بقا . إعتدل في جلسته و قال مسرعا: _ لا و على إيه.. ده إنتي فوق راسنا و الله . ثم طالع ماجد و مينا و قال بنبرة حازمة : _ مسمعش صوت حد فيكم دى قادرة وتعملها . تطلعت حولها و تسائلت بقلق: _ هو سامح فين.. بس لما أشوفه وربنا ما هرحمه . مال باسم على ماجد برأسه وقال مازحا: _ هو يقعد يقول كده.. وهي تقعد تقول كده.. وأول ما يشوفوا بعض .. ولا كأن ولا حاجة حصلت.. لكن إنت تكون صدعت بقا وجالك هرشة في دماغك . رأت سامح قادم من بعيد.. فإرتاحت ملامحها.. وعلتها إبتسامة هادئة.. فقال له باسم مؤكدا لنظريته: _ مش قولتلك.. أهي ضحكتله ولا كانها أكلت دماغنا بسيرته و هعمل و هسوى . إقترب سامح منهم يحمل صينية عليها اكواب عصير بإبتسامته الساحرة وقال بمكر: _ جبتلكم شوية عصير برتقان فرش إنما إيه يجنن .. الجو النهاردة حر قوى . وضع الصينية أمامهم وبدأ في توزيع الأكواب عليهم.. ثم حمل كوبها وأعطاها إياه وهي هائمة به ... أخذته منه وقالت بقلق: _ شكرا.. هاه هتمشوا إمتى القائد قالك . وضع يده في جيبه وقال بإبتسامة مشرقة: _ قبل الفجر إن شاء الله . تطلعت إليه بقلق.. فإقترب منها أكثر وقال بهدوء: _ علشان نظراتك دى وقلقك ده .. أنا عملتلك عصير البرتقان ده يهديكي .. إشربيه يالا و اشربيه كله متسبيش منه نقطة . إرتشفت منه و إمتعض وجهها و قالت متعجبة: _ هو طعمه متغير ليه ؟! تطلعوا لبعضهم بخوف.. فقال لها سامح مسرعا مدعيا حزنه: _ ده أنا اللي عمله بإديا هو مش حلو ولا ايه ؟! لاحظت تغير ملامحه فقالت بإبتسامة مجاملة: _ لا طعمه حلو جدا.. وهشربه كله مرة واحدة كمان . تابعتها عيونهم حتى إنتهت.. ووضعت الكوب على الطاولة.. إلتفتت إليه وقالت: _ شكرا..تسلم..إييييي دددد كككك . سقطت مغشى عليها.. إلتقطها سامح بسرعة بين يديه ووقف الجميع مفزوعا.. إبتسم ماجد وقال بسخرية: _ دی دماغها خفيفة قوى.. أمال لو مش بتشرب نسكافيه كل شوية . بينما قال لهم مينا برعب: _ أنا اللي هشربها لما تصحى وتدور عليكم وتعرف إنكم نيمتوها ومشيتوا.. هتهريني ضرب أنا عارفها . هتف به سامح بقوة : _ مينا متتحركش من قدام باب اوضتها لأي سبب مهما كان انت فاهم . وقف مينا وقال بجدية : _ تمام يا فندم . حملها سامح وتوجه بها لغرفتها.. وضعها بفراشها.. ثم دثرها.. وقبل كفها وهو يتطلع إليها بحب يحفر كل ملامحها بقلبه.. ثم تنهد مطولا وقال : _ ربنا يكتبلنا السلامة وأرجعلك یا عمری.. بس لو ما حصلش.. مش عاوزك تقعى.. لا خليكي قوية زى ما حبيتك.. هتوحشينى يا أجمل حد دخل قلبي بعد أمي . و تركها مبتعدا و أغلق الاضاءة و طالعها لثواني قبل أن يغلق الباب لتسقط دمعة ساكنة كسكونها علي وجنتها ...