-شعور بالقرف يجتاحُها عند النظر له، ترُيد خنقه بيدها، تريد تقطيعه إربًا ورميه لكلاب الطريق الضالة، لكنها مُجبرة على أن تكون هادئة ومضبوطة الأعصاب، هكذا المطلوب حتى تتخلص منه في أسرع وقت. دخلت كعادتها تنظف مكتبه قبل حضوره، وكانت تخفي الميكروفيلم الصغير في كُم قميصها التي تعمدت اختياره حتى يسهل عليها تأدية مهمتها بسلام. كانت تخشى أن تكشفها كاميرات المراقبة المُعلقة بسقف الغرفة لكنها وضعته أسفل المكتب في زاوية من الجنب دون أن تكشف نفسها، تنفست الصعداء حين أنهت مهمتها، وراحت تبتسم براحة واطمئنان، فالنهاية تقترب، ستتخلص منه ،ستحيا من جديد حتى لو كانت وحيدة، لكنها ستحيا، ستنام بأمان، ستغلق صفحة الماضي دون النظر فيها مرة أخرى. أحلام وأمنيات كثيرة مُترتبة على الخلاص منه . جابت بنظرها الصور المُعلقة على الحائط، وتطلعت لصورتها بقهر وتذكرت أنها أول صورة التقطها لها هاشم عندما تركت منزل والدها، وقفت لحظة عندما جال بخاطرها والدها وعائلتها جميعاً وسألت نفسها: هل هناك فرصة للرجوع؟ سؤال بسيط طرق عقلها لكن لم يكن لهلهُ جواب أبًدً ا. يجب عليها أل تكون أنانية إلى هذا الحد، كيف تطلب السماح بعد أن تركت كل شيء وراء ظهرها واختفت! وبأي وجه ستقف أمامهم؟ ل بد أن كل منهم شق طريقه، ودهس قطار الزمن ذكرياتها من عقولهم، وأصبحت صورتها باهتة ومشوشة أمامهم. -ل بد أن ألتقط ل ك واحدة أخرى، لكني لم أفرط في هذه أبدا ،فهذه تحديًدًا لها ذكريات خاصة عندي. ارتسمت ابتسامة جميلة وجذابة على ملامحها وهي تلتفت له عندما ألقى على مسامعها جملته، واقتربت تأخذ منه معطفه، بعد أن دخل لتوه. -دعك من هذا، فلد ي أخبار سارة ل ك. جلس على مقعده وهو يبعث في حاسوبه قائلاً دون النظر لها: هاتي ما عند ك. جلست على زاوية المكتب وه ي تطالع الشاشة معه وقالت وهي تمسح على شعر رأسه: لقد أحضرت لك العشر فتيات. ترك ما بيدها ونظر لها بعدم تصديق قائ لًا: -هكذا هي رجاء تلميذتي، ومتى الإضافة والختبار؟ -اليوم ستكون كل ملفاتهن أمامك حتى فيديوهات المقابلة. -ل ك مكافئة لم تكوني تتوقعيها عندما تتم الصفقة بنجاح. هزت قدمها بحركا ت دائري ة وسألته على تمهل: -هذه المرة الأولى التي تخفي فيها عني شيئاً ! أسند بظهره على كرسيه وأجابها ببعض من القلق الذي لحظته هي دون أن يبوح هو به: -هذه المرة الأسماء ثقيلة، أخفض صوته وأكمل: حتى أنني أخشى نطق أسمائهم ،وأيضًا إذ قلت ل ك ما سيفعلونه بالفتيات لن تصدقيني أبًدً ا. انقبض قلبها وأخذ صدرها يعلو ويهبط بذعر، فهي استشعرت صدق قوله، وخوفه منهم. -ماذا سيفعلون بهن ؟ -سيقدمونه ن قرابين للشيطان. -ماذا؟ صرخت في وجهه، ووقفت أمامه تطالعه بنظرات غير مُ صدقة لما قاله. فوضع يده على فمها قائلا بحدة: التزمي الصمت يا حمقاء، سينفضح الأمر. خفضت صوتها وقالت من جديد: ماذا تقول! هاشم نحن لم نعمل في مثل هذا من قبل. -نعم لم نعمل هذا من قبل، لكنه مطلوب الآن، ل شأن ل ك فقط أحضري ملفاتهن لي وغدا اجعليهن يأ تين إلى هنا. أومأت برأسها دون التفوه بحرف، فقد عقُد لسانها ولم تعد تقوى على تحريكه ول النطق به، وبعدها خرجت وكل الأفكار السوداء تظهر أمامها. ********************** -عندما خرج ت رجاء رفع هاشم سماعة هاتفه وطلب رقمًا ما، وبعد لحظات أتاه الرد: هل كل شيء على ما يرام ؟ أمسك بمنديل ورقي وأخذ يُجفف حبات العرق التي ظهرت لتوها على جبينه وأردف: -نعم سيدي، غًدً ا سيكون كل شيء جاهز وفي موعده، الخامسة عصرًا في صحراء سوهاج، وأنا شخصيًا مَن سيأتي بهن لك . -حسنًا، عليك التطلع إلى رصيدك البنكي وسترى الفرق. -شكرا لك سيدي. تنفس بارتياح حين أنهى المكالمة، فك ربطة عنقه وأخذ نفسً ا عمي قًا وأخرجه على دفعات، وهو يبتسم لإتمام مهمته. * ************** -شعرت بالختناق وكأن العالم أصبح كثقُب الإبرة، اشتمت رائحة الموت المنبعثة من الساحات فارتعبت، السكون المريب والصمت المطبق جعلا الرؤية مشوشة أمامها. تباشير الفجر كانت تلوح، وشعاع الشمس كان قد بدأ بالتسلل، راقبت الشمس وهي ترتفع رويدًا رويدًا، وهي ترُسل خيوطًا باهتة، وبدا لها أنها أكثر حُزنًا منها، فهي حتى الآن لم تقدر على تخيل ما قاله لها هاشم . اهتز هاتفها مُعلنًا عن اتصال أحدهم، وقفت بالسيارة على جانب الطريق تلتقط أنفاسها المتهدجة، نظرت للهاتف وجدت المتصل ناصر فردت مُسرعة: هل وصلتم لشيء من مراقبة هاشم ؟ -نعم علمنا بالمكان والزمان، في أي ساعة ترُيدينه ن أن يأتين لهاشم ؟ -نظرت لساعة يدها وجدتها تقترب على الثامنة فردت: إذا بدأ ن في التحرك من الآن سيكون أفضل. -حسنًا. -سيدي. أتاه صوتها مُرتجفًا فقال بهدوء مُصطنع خشية من أل ينتصر على هؤلء الشياطين: ل تقلقي يا رجاء كلُ منهن تحمل جهازً ا للتنصت داخل أذنها مُتصل بنا، ولأنها لم تكن المرة الأولى فلن يمكنهم كشفهن ل تقلقي. -إنني خائفة جدا، هل تعلم مصير هن إذا لم يتم الأمر كما خططنا له ؟ -حسنًا أنا أعلم ما أبلغتني به أمس و هن أيضًا على دراية بالأمر، هل يمكن ك الطمئنان قليلًا ؟ أومأت برأسها وكأنه يراها ثم أغلقت الهاتف دون كلام. بعد ما يقارب من النصف ساعة كانت قد وصلت أمام البناية، ترجلت من السيارة وتحركت بخطوات مرتبكة، ل، لم تكن مرتبكة، وإنما مرتعشة، خطت للداخل وأخذت تصعد الدرج، ألقت بحقيبتها على المكتب وجلست تلتقط أنفاسها، التقطت كوب الماء الموضوع وارتشفت القليل منه. -أمرك عجيب يا فتاة ح قًا! جاءها صوت عبير الممزوج بالتشفي. لم تعرها اهتمامًا، نظرت لحاسوبها وأخذت ت عبث فيه قليلًا، لحظات وقد أتت أول فتاة، استقبلتها بترحيب كالعادة حتى ل يشك أحدهم في أمرها، دخلتا معً ا إلى مكتب هاشم الذي لم يأ ت بعد. -سحبت رجاء يدها وهي تقول: تعلمين جيًدً ا ما هي مهمتك يا شمس أليس كذلك؟ أجابتها الفتاة وهي تهز رأسها: نع م. ابتسمت لها وهي تقول من جديد: أريدك أن تري الغرفة التي ستعملين في مثلها. دخلت أمامها غرفة المساچ، أغلقت الباب بعد أن دخلت شمس قائلة: -هذه الغرفة لم يوجد بها كاميرات لذلك أتيت ب ك إ لى هنا، والآن هل أنت جاهزة حقًا ؟ ربتت شمس على ذراعها وابتسمت في وجهها قائلة: -ل تقلقي، نحن نعلم كل شيء، ول ك مني كل الشكر والحترام. رددت رجاء بدهشة: -شكر؟ احترام؟ أومأت الأخرى مؤيدة: -نعم، أن ت وفجر من ا لأبطال ،واحدة لم تتما دَ أكثر وأرادت أن تترك ما هي عليه ،والثانية لم ترضَ بالدخول إلى هذا الوكر اللعين إل بعد أن قتلوا أباها وهددوها بأ مها، لذلك يجب علينا شكُركما، لأن كل شيء لم يكن سيحدث دون مُساعدتكما، فقط سويعات قليلة وس تنالن حريتكما. لم تجد رًدًا على مدحها فالتزمت الصمت بعد أن قالت: فجر هي مَن لها كل الفضل. -أنتما واحد يا جميلتي. * ****************** -أتت الفتيات العشر جميعًا، وعندما رآهن هاشم افتتن بهن وبجمالهن، وراح يتنقل بنظرة بينهن. تنحنح بصوت مسموع وهو يطالع رجاء بنظرات خبيثة وهو ينظر لساعة يده قائلاً: يجب علينا التحرك الآن. رغم كل الحتياطات إل أن قلبها هوى في قد ميها، فطالعتها شمس بنظرة مطمئنة. وقفت أمامهن وأردفت: -تعل م ن أن مقر عملكن الجديد في محافظة أخرى حيث نفتتح فرعًا جديدًا . أومأن برؤوسهن في طاعة. تقد م هاشم وخرج قبلهن و ه ن وراءه يتبعنه في صمت. أمام المبنى كانت تنتظرهن سيارتان سوداوان اللون، انقسمن إلى مجموعتين، هاشم مع مجموعة، و رجاء مع الأخرى. التزمت رجاء الصمت طيلة الطريق حتى ل ينكشفن، فهي تعلم أن السيارة من المؤكد أنها ستكون مجهزة بأدوات التنصت حتى يعلم هاشم ما سيتحدثن، ثرثرت الفتيات كثيرً ا حول الرواتب التي سيتقاضينه ا مُعبرات عن فرحتهن بهذا العمل الذي لم يك ن يحلم ن به بيوم من الأيام. وصل ن أخيرًا للمكان المنشود، أبد ت الفتيات استغرابهن من الصحراء التي وجد ن أنفسهن فيها، لكن طمأنه ن هاشم قائلًا بابتسامة لعوب: هل جاءت إحداكن سوهاج من قبل؟ نظر ن لبعضه ن البعض وعلامات الستفهام مرتسمة ببراعة. قهقه عاليا عندما لم يجد إجابة وأردف: ل تقلق ن هذه استراحة قصيرة فقط وسنكمل.