-نسمات الهواء الباردة، ضربت النافذة بقوة، فتراقصت الستائر ومرت النسمات ،تململت في الفراش بحيوية ونشاط غير معتا دي ن، وأول شيء أفعله أمسكت بهاتفي أبحث به عن الجديد، بسط ت يدي فسقط منها الهاتف على الفراش وأغمضت عين ي بحيرة، أعلم أنني سأعمل في بيوتي سنتر كوافير في أحد الأحياء الراقية، هذا ما تلقيته في رسالة أمس قبل أن أغفو، لكن أين ومتى ل أعلم. مر النهار ببطء شديد والهاتف بين راحة يدي، لم أتركه لحظة واحدة في انتظار وصول رسالة أخرى. أتى أبي مُبكرًا، وأمي على غير العادة وجدتها تصنع لنا الكيك بالشوكولتة، ومأدبةعشاء مساء الخميس عليها ما لذ وطاب، قطبت جبيني للحظات أعصر فيها رأسي ،نعم هو؛ أكاد أجزم بأنه هو، بل إنه هو فعلًا دون شك، ابتسمت حينما تذكرت، اليوم يوم مولدي. نعم، لكنني كالعادة لم أتذكره، الغريب في الأمر أن والد ي يتذكران؛ وهذه المرة الأولى التي سنحتفل بها معًا، كانت سهرة لطيفة من ألطف المرات القلائل التي جمعتنا معَا . كلُ منا ذهب لغرفته بعد أن دق عقرب الساعة مشيرًا إلى الثانية عشرة. تصفحت كل المواقع أو معظمها بلا عقل، فكل تفكيري كان هناك حيث العمل الذي سأتقاضى منه خمسة آلف جنيهًا كل شهر، أغمضت عيني قليلًا وأنا أشم رائحتهم وهم بين يدي، وراح نظري للحذاء ذي الكعب العالي الذي ما إن رأيت سعره المدون عليه تراجعت بصدمة، أما الآن سأدخل ورأسي مرفوع فقط أشير بإصبعي والباقي مفهوم أكيد. تخبطت قدمي على أرض الواقع عندما استقبلت الرسالة الجديدة والأكثر حلاوة على الإطلاق ولم تكن سوى كلمتين: سنبدأ الآن. رغم أنني كنت ل أفهم شيئاً، وكيف سنبدأ لكن السعادة كانت تغمر روحي، والأهم هل سيكون في هذا الوقت؟! منذ لحظات كان قد أشار عقرب الساعة للثانية صباحًا، وكيف لي أن أعمل في بيوتي سنتر أون لين؟ أسئلة كثيرة تفاقمت داخل رأسي عنوة، ولم أجد لها جوابًا واحًدًا، فأغلقتها تمامًا وأنا أدون لهم رسالة مختصرة: جاهزة. لم أتلَقَ سوى أيموشن عجيب يسمى باللايك الأزرق -وبالمناسبة الجميع يبغضه-، لكني الوحيدة التي أحببته في هذه اللحظة الفارقة في حياتي، لم يلبث من الوقت الكثير حتى جاءني اتصال على ماسنجر مكالمة جماعية بعد أن تمت إضافتي في شات يشمل الشباب والفتيات، شعرت بشيء غريب بعد أن تصفحت حديثهم، في الحقيقة الخجل ارتسم على ملامحي، طريقتهم مُريبة في الحديث حيث رأيت شابًا يدعى هاشم يتغزل في إحداهن بطريقة مُقززة واصفًا ما لم يجب وصفه، تغاضيت عن هذا وأنا أردد بداخلي: ل شأن لي بكل هذا. هي، نعم، صوتها مميز جًدًا، هادئ، يشوبه القليل من التوتر، تميزها لدغة جميلة اكتشفتها حينما كانت تجري معي الختبار أمس، وقالت فجي بدلً من فجر ، وكأنها تريد إخباري بشيء ما؛ لكنها غير قادرة على البوح. في المعتاد أننا جميعًا نتعرف على بعضنا البعض، لكن الواقع الذي أرجفني على حين غرة، ل يعتنون بأحد، كلُ مشغول بحاله . لم أنكر أن السعادة كانت تغمرني، سوف أخرج من تلك الوحدة، سأتعرف على أناس جُدد، سأعمل، سأتقاضى راتبًا محترمًا يجعلني حُرة غير مكبلة تحت رحمة أحدهم. أنا مَن بدأت بتعريف نفسي أولً كانت حركة جريئة غير معتادة عليها لكني فعلتها، لم يكن أحدهم معترضًا على وجودي، ولم أشعر بالنفور والضغينة من أحدهم، مسالمون، متحابون جميعهم. أفلتت ضحكة من بين شفت ي على سذاجتي، فالعمل الأون لين لديهم لم يكن سوى مشاهدة خبراء التجميل، شيء واحد فقط هو ما وقفت أمامه؛ ذل ك الفيديو الذي أرسلته رجاء اللدغة هكذا مدون اسمها عبر الكنية، محتوى الفيديو لم يرقني أبًدًا، فكيف لي أن أجلس وأمامي أحدهم أدلك رقبته ونصفه الأعلى دون ملابس بهذه الطريقة؟! لم ألتفت للأمر وأنا أحدث نفسي: سأعتذر عن هذا القسم الذي يسمى بالمساچ فهناك الكثير من الأقسام غير هذا. في اليوم الثالث قد بدأت العمل هناك؛ حيث المكان الراقي الذي يسمى ب كان المبنى ضخمًا لم يقدر نظري على أن يطالعه للآخر، مرصعًا بالزجاج من الخارج بأكمله، واثنان من الأمن يجلسان على البوابة، وكل منهما يرتدي بذلة أنيقة زرقاء ويحمل سلاحًا بجانب خصره. يبدو أنهما على علم بأنني العاملة الجديدة، صرح مثل هذا أعتقد أن من المستحيل أن يدخله أحدهم دون بواسطة أو تفتيش كامل. أحدهم جابني بنظرة من الأسفل للأعلى، ثم نظر لصديقه قائلًا: سأذهب معها للأعلى ولن أتأخر عليك. -أومأ الآخر بدوره ولم يعُلق لكني رأيته يمط شفتيه للأمام، ونظرة استنكار شملتني ل أعلم ما سببها! فملابسي كانت نظيفة وجديدة، فستان من اللون الأسود، وحقيبة بيضاء، ما سبب هذه النظرة ل أعلم! م ددت يدي لأخفي خصلة من شعري وراء أذني بعد أن تمردت وجاءت على صفحة وجهي، ولم أكترث لما يحدث أكثر من ذلك؛ فيكفي ما أنا فيه من توتر. لم يكن لد ي رهبة من المرتفعات؛ فحين صعد المصعد الكهربائي بنا وشاهدت الجميع يصغرون حتى أصبحوا كالنمل تحت الأقدام ابتسمت، فقط ابتسمت، الدور الخامس والعشرون، أووه، دهشة احتلتني، شيء ول بالأحلام، وملابس تظهر أكثر ما تخفي، وشباب وفتيات كل منهم في أوضاع غير طبيعية أبًدًا، لماذا أنا هنا؟ وماذاسأفعل؟ أسئلة جوابها واحد، سأعمل، سألتقي أناسً ا جُددً ا، سأتحرر من بين الأربعة جدران، سأدخل تجربة جديدة. فجأة استدرت عندما سمعت اسمي، وكنت أعلم كل العلم من هي صاحبة الصوت ،نعم، رجاء اللدغة. ابتسمت لها بحبور، وبدورها شملتني بنظرة سريعة خاطفة، أعجبتني كثيرًا، كانت أنيقة وجميلة، ترتدي بنطالً من الجينز الأزرق، وكنزة بيضاء لم تصل لمنتصف خصرها، وجهها لم يخلُ من مساحيق التجميل لكنه موضوع بعناية شديدة، أنفها صغير -عكسي تمامًا-، عيناها خليط بين العسلي والأخضر، وشعرها الذهبي ينسدل على ظهرها. بأريحية. -نعم فجر ، أنت رجاء أليس كذلك؟ أومأت برأسها وهي تشير بعينيها إلى باب مُغلق، ولم يكن بدوري إل أنني أقول بتساؤل: أدخل هنا ؟ لو لم أتحدث معها مرتين وسمعت صوتها الآن وهي تنطق باسمي لظننت منذ الوهلة الأولى أنها صماء ل تتكلم أبًدًا، حركاتها أشعرتني بالريبة لكني كالعادة أكملت طريقي للنهاية، طرقت عدة مرات قبل أن يدور مقبض الباب بين يدي. بالداخل كان المكتب مفرو شًا برفوف الكتب القديمة والحديثة وفي وسطها مكتب مهيب محاط بطاولة اجتماعات مصنوعة من خشب الجوز المصمت، وأريكة صغيرة أنيقة كانتا تضيفان جوًا فاخرًا، والجدران مُلطخة بصور كثيرة لممثلات، وفنانين قدامى، وفتيات لم يلبسن شيئاً سوى القليل ومن بينهن صورة رجاء ! كان في باد ئ الشباب، قوي البنية، وأبرز معطفه الطويل ولونه البني قامته الطويلة على نح و أكثر، تقدم من المكتب واثق الخطى، ثم جلس خلفه وهو يخلع معطفه ويمد يده لي، التقطه من بين يديه بسرعة، وذاكرتي تتراجع للخلف؛ لد ي يقين أنني رأيته من قبل، أعرفه لكن خانتني ذاكرتي كالعادة وتخلت عني، طرقت بيدي مرتين أو أكثر على جبيني مُحاولة مني على التذكر لكني فشلت، رفعت نظري له فوجدت ه يحدجني بنظرات قاتمة لم أعلم سببها، أشار لي بالجلوس أمامه، فجلست وأنا أطالعه من حين لآخر، ثم تغيرت ملامح وجهي كاملة حين أيقنت هويته، نعم، هو، ذاك السافل الذي كان يصف حبيبته بوص ف ف ج أمام الجميع دون احترام، إنه: هاشم .