Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الأول

-تهمس بصوت خافت ل يسمعه غيرك، رغم السكون المخيم حول ك والتي ه الذي تشعر به؛ إل أن ك تريدهم أن يسمعو ك دو ن كلام، فقط يشعرون ب ك فيأتون إلي ك مُتسائلي ن عما بك؟! وإن لم تحصل على ذلك، تسل ك وقتها كل الطرق التي تجعلهم يرون ك من جديد ول تنظر خلف ك للطريق الذي سلكته، حتى وإن أيقن ت أن ك ستعض أصابع ك من الندم بعدها. فقط تريد الهتمام. ************* -وقفت أمام البحر مباشرة يبدو على وجهها سمات القلق والفزع، فتاة صغيرة ل تعدو العشرين ربيعًا، ضفيرتها الطويلة تتأرجح مع الهواء يمينًا ويسارًا بجنون يناس ب أنفاسه ا السريعة المتلاحقة، مالت بنظرها للشمال قليلًا، فابتسمت حي ن رأت بجان ب الشاطئ باخرة مائلة عل ى جانبها، ومقدمتها غائصة ف ي المياه، وجدرانها متآكلة، أيقنت أنها قد أصابتها الأمواج العاتي ة بعطب شديد أثناء تل ك العاصفة الهوجاء؛ فأصبحت قديمة ومهجورة تمامًا مثلها، نظرت لها بتركيز شديد، نظرة تشوبها الشكوك، ويخالطها التوجس والحذر، انعق دت على جبينها حبات من العرق رغم برود ة الجو، وتلاقت عيناها بالباخرة وكأنها شخص أمامها يحثها على التقدم خطوة! لحت على شفتيها ابتسامة خفيفة، وتغيرت ملامحها وكأنها شخص آخر. ضغطت على اللفافة الصغيرة التي كانت بي ن ثناي ا كفها فازداد ت ابتسامتها حتى صارت ضحكة رنانة ل يسمعها سواها والبحر بموجاته المتلاطمة ببعضها. منذ لحظات قليلة قد توارى الليل وظهرت الشمس بخيط ضعي ف من النور يعل ن عن بدء يوم جديد، لكنه جدي د لأشخاص ليس لديهم خوف، لأشخاص ل يرُيدو ن الهرب من الواقع وما فيه! بدأ الخو ف يتسلل إليها، وسرت رعش ة باردة كالجليد على امتداد عموده ا الفقري وهي تنظر لهم بهلع، ثلاثة رجال أقوياء حاوطوها بعد ظهورهم من العدم، لعنت نفسها وغباءه ا على وجودها ف ي هذا الوقت بمفردها، لم يكن هنا ك وقت للتفكير أكثر، ابتلعت لعابها ث م همست وهي تحاول جاهده أل تظهر خوفها: مَن أنتم ؟ نهرت نفسها على غباء سؤالها، فإجابة السؤال واضحة تمامًا على ملامح وجوههم وملابسهم! فالثلاثة من يراهم ل يُفرق بينهم؛ نفس كل شيء، النظرة الثاقبة الماكرة، والرائحة النتنة، والملابس المهترئة. لم يأ ته ا الرد، لكن سقط نظرها عل ى أحدهم، كان يق ف على بعُد خطوا ت ينظر إليها وقبضتاه إلى جانبيه مشتدتان حتى ابيضت مفاصل أصابعه، كان رجلًا ضخمً ا بعض الشيء ذا وجه نحيل، وكانت سيماه عادة تميل إلى التجهم، ومعطفه الجلدي يعطيه وقارًا. استرقت السمع لنباح الكلاب العالي، واستغلت اللحظات ووقفت خل ف الزائر الجديد، ل تعلم إذا كا ن معهم أم ل؛ لكنها استشعرت الراحة بوجوده، دو ن الحاجة إلى دليل على ذل ك. صمتت، وبقيت جامدة في مكانها الجديد لبرهة ،استدار لها يتفحصها، ورغم نظرته الغامضة إل أنها استكانت ف ي وقفتها: لم أفعل شيئاً سيدي، صدقًا لم أفعل، ول أعلم مَن هم، وماذا يريدون مني ؟ قالتها ونكس ت رأسها، فأخرج من جي ب سترته سلاحًا يحمله، وأطلق عيارًا في الهواء، ففروا الثلاثة واختفوا كما ظهروا. شكرً ا سيدي، قالتها وهمت بالرحيل عندم ا وجدته ساكنًا كما هو فقط ينظر لها دون كلام. -لماذا تأتين هنا ف ي الآون ة الأخيرة؟ سألها وهو على نفس وقفته. -محاولة للانتحار، لكني أجبن من أن أفعلها. احتضنت جسمها بذراعيها بعد أ ن صدمته بصراحتها، وسقطت اللفافة من يدها وصارت في طريقه ا مع وعد أنه ا المرة الأخيرة التي ستحضر فيها إلى هذا المكان غير مكترثة بم ا تركته خلفها! سمح لها بالمرور أمام عي نيه، ثم نقل نظرة بينها وبين اللفافة الصغيرة التي تحتضنالرمال براحة، جلس القرفصاء والتقطها وهو يحركها ذات الشمال وذا ت اليمين وهو ينفض عنها حبات الرمال الملتصقة بها، اعتدل في جلسته وهو يدسها في جيب معطفه، وصار بخطوات بطيئة حتى وصل المبنى المقابل للشاطئ. وبعد أن صع د لشقته، جلس خل ف مكتبه يدق بقلمه سطح المكتب بعنف، شعر بالختناق، ف ك ربطة عنقه؛ ليسم ح بمرور الهواء. تحسس ما بداخل معطفه ث م أخرجها وه و حائر في أمره وأمرها. وتعجب حين رأى سلسالً فضيًا ينزلق من بين الورقات، وغزت البتسامة شفتيه وهو يقرأ السم المدون عليها فجر وبع د أن تحسسها وضعها بالدرج، وأخذ يرتش ف من فنجان القهوة الذي أعده من لحظا ت قبل أن يبدأ بقراءة ما ب ين يديه. * ************** -كنتُ قد تتوقتُ شوقًا لحمل المسؤولية، وحين وجدت الفرصة لم أتردد لحظة واحدة، والبداية كانت م ن العالم الأزرق، نعم، ذا ك العالم الموبوء كان أول ما لجأت له كي يساعدن ي على الهرب من وحدتي، هنا ك وسط اللا شيء تعرفت على الكثير والكثير؛ من الإنس والجن، هذا العالم لم يسكنه الإنس فقط بل الشياطين يحتلون المركز الأكثر على الإطلاق، لن يعلم أحد هذا إل بعد التجربة الحية، وأنا عايشتها بأكملها وبكامل إرادتي، حين أردت التمرد على المجتمع؛ على العادات والتقاليد، على نفسي، لم أجد سواه يحتضنني، يجذبني له كالنار وهي تقول هل من مزي د للاشتعال أكثر. لم أكن أكمل عامي التاسع عشر بعد، من أسرة بسيطة لكن كل منهم في وا د، نفتق د الحب، أبي مُنخرط بعمله وأمي بشجار أشقائها عل ى الإرث الذي ورثو ه ع ن والده م من سنوات، رغ م أنن ي البن ة الوحيدة لهما لكني لم أشعر بالراحة أبدا، لن أسُب نفسي على ما ممرا به لكنني تعلمت، أقسم أنني تعلمت. البداية كان ت ذات ليلة حينم ا كنت أستلقي عل ى ظهري وأتطلع لسق ف الغرفة فاتحة العينين، أفكر في وضعنا وفيما أنا أريده. لذة من السعادة انتشت بداخلي حينما قُبل انضمامي لجروبهم على الفيس بوك، تطلعت للإشعار غير مصدقة وأنا أتساءل، هل وصلت الآن؟ وبهذه السهولة دون عناء! أزحت هذا التفكير عن عقل ي واكتفيت بفرحة ما حدث، سرت ف ي بدني رعشة بمجرد تفكيري في هذا الحتمال، إن ما كن ت آمل فيه هو مساعدة القدر في تنفيذ أحكامه، وكنت أحلم دائمً ا بأن مثل هذا الحكم سو ف يكون منقذاً لي م ن عذابي. تطلعت لعقارب الساعة فوجدتها تتراقص بي ن الثاني ة والثالثة صباحًا، استدر ت مُجددً ا لهاتفي وأنا أحتضن ه وعلاما ت التحدي قد كست محيا ي ، وفي أعماق ي أردد: "سأفعلها، سأنجح، سأحيا، أريد عملًا ، أي عمل مهما كان". هكذا كتبت فقط كلما ت بسيطة م ع سيرة ذاتية تشمل اسمي ورقم هاتفي وعنوان غير صحيح وأرسلته لهم، وظللت مكاني أنتظر والخو ف يأكل أحشائ ي من الداخل تارة، والبتسامة تغزو شفت ي تارة أخرى، وشتا ن ما بين هذا وذاك، وللحظة واحدة شعرت بالجنون. -يوجد. هكذا كان ردهم بكلمة واحدة فقط دون المزيد من الكلمات، حدجت الهات ف بابتسامة وأن ا أطبع عل ى شاشت ه قُبلة وكأنه صديق أو حبيب، ورح ت أرقص بتمايل مع حرصي أل يسمعني أحدهم، وصوت همسي لم يصل لأذنُ ي وأنا أقول: لقد انتظرت أكثر مما يجب أيه ا الغبي، لكن الأهم ه و الوصول للنهاية. بعد لحظات وصلتن ي رسالة أخرى فحواها س يُجرى اختبار للعمل أون لين رغ م استغرابي لما يحدث لكني نفضت كل تل ك الهواج س جانباً، وأمام عين ي شيء واحد وهو الوصول. ارتاح قلبي حين وجدتها أنث ى مثلي هي مَن تجري معي الختبار هذا، الغريب أنها لم ترفع عينها ولو لمرة واحدة، فقط كان ت كالآلة تتحدث وتتحدث دو ن أي ردة فعل، للحظة تلاقت أعينن ا وهالني لون عينيه ا الأحمر الداكن! ورأسها التي تنف ي به شيئ اً لم أفهمه وقتها، لم أستغرق الكثير من الوقت فقط عشرون دقيقة هي مدة حديثنا معًا، والنتيجة كانت مُرضية تمامًا، نعم، فق د حصلت عل ى العمل بكل سهولة وأنا ل أعلم مَن هي تل ك الفتاة ول م ا ينتظرني.

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514