-استيقظت من النوم والعرق يُبلل رقبتي، جلست على ال فراش في مُحاولة بائسة لتهدئة أنفاسي، مَد دت يدي وأنا ألتقط كأس الماء الموضوع بجانب السرير فشربت القليل واسترخيت من جديد مُحاولة استجداء النوم ولكنه أبى الخضوع لرغبتي؛ فلم يكُن أمامي سوى التفكير فيما يحدث حول ي. تخبطت أفكاري، وعيناي على عقارب الساعة، قد اقتربت من الثانية صباحًا، الوقت يمر، وأنا مكتوفة الأيدي، سأنتهي؛ إذ لم أكن انتهيت بالفعل، ثوا ن معدودة من التفكير، حسمت القرار، سأشركهما في خطئي، لن أتنازل كوني ابنتهما فعليهما حمايتي . تهدجت أنفاسي وأنا أقف كالصنم أمام غرفتهما، قابضة على الهاتف بقوة، هربت الدماء من جسدي، وزاغت نظراتي في كل ركن التقطته عيناي، لأول مرة أكتشف حبي للمكان! تلك الذكريات القريبة البعيدة داهمتني، رحت أبتسم كالبلهاء، ودمعة ملتهبة تجري على صدغي، ويدي تطرق بابهما دون توقف! هالني نظرتهما المفزعة والمتسائلة في نفس الوقت، تمددت على الأرضية الصلبة، ونقلت نظري بينهما، قبل أن أفجر ما بداخلي قائلة: أقسم أنني لم أتوقع كل هذا، فقط طالبتهم بالعمل، فالإعلان الممول لم يكن مكتو بً ا فيه سوى: إذا أردت عملًا براتب مُج ز عليك التواصل معنا؛ فتواصلت. نظرات أبي الثاقبة القلقة كانت تخنقني، جلس كالقرفصاء بجانبي وربت عليَّ بيده وهو يأخذني بين ذراعيه قائلًا بتريث: أكملي، وماذا بعد ؟ قصصت له كل ما حدث معي في الأيام الماضية، صمت تام لم أتوقعه، لكنه لم يقدر على منع دمعة متمردة أن تجري على صفحة وجهه، وأمي شهقاتها تزداد بعد أن خانتها قدماها ولم تقدرا أن تحملاها فجلست بجوارنا. -ربت على ذراعي وهو يبتسم قائلًا : -أي عقد ينص على مخالفة القانون فهو باطل كما ينص القانون؛ فلا تقلقي أبدا. نظرت له بفرحة كغريق في وسط المحيط وبعد أن فُقد واستسلم، وجد مَن ينتشله من العدم . -لكن هؤلء يريدونك أن ت بعد أن ظهروا بوجوههم أمامك، هكذا أكمل أبي حديث ه. الإشارات تزداد حدة بوميضها المشع في عقلي. -ما الذي دفعك لهذا؟ رمت أمي سؤالها وهي تحدجني بنظرات القهر، لم يكن الرد صع بًا حينها، بل كان تفكيري أنا هو الأغبى على الإطلاق. -لأنني كنت غبية، فتاة سطحية ل تفرق بين التعب والعناء والإهمال، عزلت نفسي عنكما في محاولة مني لمعاقبتكما على ترككما لي، لكني الآن ومع أول محاولة للانطلاق سقطت كالأعمى عندما اكتشف أنه يرى! -ماذا سنفعل الآن؟ سألت أمي من جديد وقد شعر ت حينها أن عمرها زاد أضعا فًا مضاعفة، وأبي لم ي قل عنها أبدا. القتراح الأمثل هو الهرب، كان اقتراح أبي، والذي أيدناه جميعً ا، وقبل الثالثة صباحا ومع بدأ قرآن الفجر كنا قد تركنا كل شيء وراء ظهورنا. * ****************** -لم ينت ه القلق بأكمله داخلي، فهناك في زاوية ما كنت أعلم أن الأمر ما هو إل مسألة وقت قليل فقط، وصدق ح سي عندما وجدت رجاء تجلس داخل سيارتها أمام منزلنا الجديد!! هوى قلبي، ودارت الأرض بي، لكنها ابتسمت لي وهي تهز رأسها للأمام والخلف وتغمض عينيها، اقتربت حتى صرت أمامها مباشرة. -كنت أعلم ذلك، هل أنت متهورة هكذا دائمً ا ؟ شيء بداخلي يرتاح لها وللحديث معها وأظنها غيرهم. التفتُ يمينًا وشمالً قبل أن أرد على سؤالها: -هل عرف هاشم مكاني ؟ رفعت أحد حاجبيها و هي تقول: وهل كنت سأصل لك دون مساعدته أو علمه ؟ -أنا أثق ب ك كثيرً ا ليس لد ي إثبات على هذه الثقة، لكن ارتاح قلبي لك، وظننتك غير الآخرين. تجاهلت حديثي، ووضعت نظارتها الشمسية على عينيها قائلة: يجب أن نتحدث، حالً . -جلست بجوارها والصمت سيطر علينا؛ بعد عشرين دقيقة صفت السيارة بحي را ق وهادئ، أظن أنها تعمدت هذا حتى ل يقاطعنا أحدهم، وللأمان أكثر، ويبدو من أريحيتها أنها تعرف الحي جيًدً ا. -اجعليني أخبرك أن الشرط الجزائي قيمته مائتي وخمسون ألف جنيها. لم أجعلها تكمل وقاطعتها: أي عقد ينص على مخالفة القانون فهو باطل. -أخرجت علبة من السجائر ووضعت واحدة في فمها وأشعلتها، نفثت دخانها للأعلى وهي ترجع للخلف برأسها على المقعد: يبد و أن والدك يفهم في القانون جيًدًا ،لكنك تعلمين أن هاشم ل يعنيه هذا، المهم هو أن ت شخصيًا . -لم تتلَقَ رًدً ا، لأني أعلم كل هذا. -كان لد ي أب وأم وثلاثة أشقاء؛ اثنان من الذكور وأنثى، كانت الحياة صعبة جًدً ا ،أبي يعمل بوا باً على عمارة في حي را ق مثل هذا، وأمي تساعده وأنا وأشقائي نلهو ونلعب بجانبهما طوال اليوم، حتى صار عمري خمسة عشر عامً ا، كنت ناقمة على تلك الحياة من الصغر، متمردة كما يقولون، ل يعجبني العجب أردت التحرر والخروج عن المألوف، تغيير تلك النظرة لي ابنة البواب، كان العالم الأزرق حديثاً وقتها ولم يعرفه الكثيرون، ومن ضمن تمردي كان التقرب لأناس ل أعرفهم، فكان العالم الأزرق خير صديق، تعرفت على الكثير حينها، من كل البلدان وكل الجنسيات، اتسعت دائرتي حتى أوقعني حظ ي العثر في قبضة هاشم ،اهتمام، حب، نقود إذا تطلب الأمر، وبعد فترة وجيزة كان قد امتلكني بالكامل، روحي وجسدي. تلاحقت أنفاسها وتمردت دمعة، مَحتها بأصابع مرتعشة وأكملت: سقطت في وسطهم، كنت مستمتعة جدا، لقد تحررت أخيرًا، وأصبحت أمتلك الكثير من النقود، وللحق لم يجبرني على اختيار أي من الأقسام أنا مَن اخترت الدعارة وتدوير الفتيات، كا نت هناك العديد من الأقسام مثل؛ تجارة المخدرات أو تجارة الأعضاء وغيرها. بدأت بالإعلانات وجذب الفتيات وبعض الشباب أيضًا ولكل منهم شغل مخصص، وأتقنت شغلي جيًدً ا، ومَرت الأيام حتى انته ى بي المطاف إلى هذا الوضع الذي أنا عليه الآن، أشهر قوادة في المجال، ولم يعد لي طريق للرجوع، لكني نادمة، وأعلم أنه لن يجدي الندم نفعًا، فلا أعلم عدد الفتيات التي أجبرتهن على هذا العمل ول مَن نصبت لهن فخًا كي ل يتراجعن. - لمَ كانت عينا ك حمراو ين وقت الختبار ؟ مطت شفتيها للأمام، وتعثرت الكلمات في طريقها للبوح بها ولكنها أكملت: حين اعترضت على وجودك لم يكن من هاشم سوى أنه ضربني ضربًا مُبرحُا وهو يسبني بأفظع الألفاظ، و. .. انفلتت شهقة منى حين خلعت شعر رأسها بيدها والذي انكشف للتو بأنه باروكة -لقد نزع شعر رأسي بالماكينة كعقاب على تمردي الجديد الذي لم يعهده منذ أن تعرف عل ي ، هاشم كالوباء الملعون ل يترك الجسد إل بأخذ الروح معه، لذلك أنا مَن قمت بالتفتيش عنك، لأني ل أريده أن يأخذك في طريقه مثلنا، كلُ من تلك الفتيات لها حكاية غير الأخرى، منهن النادمة ومنهن المستمتعة برفاهية ما يقدمه له ا هاشم وأعوانه. -ماذا أفعل؟ سألتها كي تدلني على الصواب. -هزت كتفيها وهي تفاجئني بردها: للأسف كل هذا مجرد هراء وتضييع للوقت ل أكثر، يد هاشم طائلة وسيعثر عليك في غضون ساعات، وصد قًا ل أعرف كيف أساعدك. تجمعت الدموع في مقلت ي ، النهاية ترتسم أمامي، الدماء تغُطي الطرقات والسواد يكسو ملامحي. -لم يكن أمامي سواك كي تنقذ ما يمكن إنقاذه. أعلم أنك تتبعني بنظرك منذ فترة، وأعلم أنك ضابط في مكافحة المخدرات، ل تفُاجَأ فكل هذه المعلومات لم تكن سرية، لكنك الوحيد كما ذكرت الذي سيهمه أمرنا، والآن نحن في انتظار الخلاص، وما بين السطور سأخبرك به عندما تجدني ونلتقي، سأنتظرك.