كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بين يديه، تشعر أن عظامها قد سحقت تحت سطوته، بشرتها تحمل العديد من الكدمات والجروح التي تنتشر على صدرها وخصرها وقدميها، جسدها يئن من الألم، إحساس بالضعف والوهن الشديد، تحاول أن تتنفس ببطء لعل الألم يهدأ قليلًا، ذهنها مشوش، لا تستطيع استيعاب أن كل هذا من فعل ذلك الذليل، الذي لا يفكأ أن يقبل قدميها كلما أراد منها شيئًا، فكيف ينقلب السحر على الساحر؟، كيف يتحول من ضعيف إلى قوي.. من قط وديع يتمسح في أقدامها إلى أسد متوحش يعتصرها بين مخالبه، بل إنه بعد أن كان ينفذ لها كل ما تريد، استطاع بجبروته وقوته أن يجعلها ترضخ لما يريد، لم تستطع أن تعترض أو تمنعه، تقبلت الهزيمة بصمت، تركته يفعل ما يحلو له بدون أي مقاومة تذكر، أطلقت بعض الصرخات ثم سكنت في استسلام.. نعم جسدها مباح للجميع.. تفعل به ما تشاء.. ولَكن مباح لمن تريد.. وقتما تريد، لم تتذوق قط مرارة أن تجبر على شيء، أو أن يقهرها أي شخص، فما بالك بمن تحتقره في الأساس، كانت دائمًا الملكة وهم العبيد.. فكيف تحولت بين ليلة وضحاها لجارية تفعل ما يطلبه سيدها؟، بعد أن يعاقبها بالسوط ويدمي به جسدها، كيف حدث هذا؟، إحساس غريب اجتاحها لا تعلم هل ما زالت تحتقره؟، أم أنها أصبحت منجذبة تجاهه؟، هل رأت به الرجل الذي كانت تريده؟، هل اكتشفت في طبيعتها أنها كانت تتمنى أن تتحول لجارية وتتنازل عن دور الملكة؟، أم ماذا؟ مر النهار بأكمله وهي ملقاة على الفراش، جسدها لا يقوى على الحركة، حتى بدأت تستجمع قواها قليلًا، وحاولت أن تساعد نفسها على النهوض، إلى أن استطاعت ذلك أخيرًا، ألقت نظرة عليه فوجدته يجلس على المقعد أمامها، عيناه شاردتان في البحر أمامه، لم يحاول النظر إليها أو مساعدتها . لملمت شتات نفسها، وسترت جسدها بالغطاء وزحفت بساقيها نحو الحمام، فتحت المياه ووقفت تحتها وهي تفكر، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ظلت تحت المياه عشر دقائق، حتى هدأت جراحها وأيضًا ذهنها، ثم خرجت وهي تضع منشفة كبيرة حول جسدها، والمياه تقطر من شعرها، خرجت لتجده يقف أمامها، يقطع عليها الطريق، حاولت المرور لكنه لم يسمح لها، ثم جذبها من ذراعها بدون أن ينطق بكلمة واحدة، وأوقعها أرضًا وجلس أمامها على الفراش، وهو ينظر لها بغضب شديد وعيناه تكاد تشتعل نارًا وهي تجلس بين قدميه ثم قال: اللي عملته فيكي، ولا حاجة في اللي لسه حأعمله، أنتِ الوحيدة في حياتي اللي خلتيني قرفت من نفسي.. أنتِ الوحيدة اللي عاملتيني على أني ولا حاجة، كأنك بتتصدقي عليا، أو كأني كلب بترمي له البواقي من أكلك، عايزك تتفرجي بقا على الحقير ده حيعمل فيكي ايه، شكلك معرفتيش رجالة قبلي، أنا بقا حأعرفك الرجالة بتتعامل ازاي . جلست بين قدميه تستمع ولا تعلم ماذا تفعل؟، فهي لم تتعامل مع تلك النوعية من قبل، إنسان مهزوم ولكنه يريد أن يصبح المنتصر، لا تعلم هل أسلحتها قد تفيد معه، كيف ستفيدها معه؟، لم يعد هناك أي جديد تقدمه له، ولا تستطيع الاتصال بأمن الفندق، لا تريد أن تكشف هويتها لأحد، ماذا تفعل؟، وإلى أي مدى قد يصل معها هذا المعتوه؟ جلست شمس في السيارة والخوف رفيقها، لا تعلم ما العمل؟، هل تحاول المقاومة؟، أم تقفز من السيارة وهي تسير، ماذا تفعل؟ ثم فجأة توقفت السيارة خلف الجبال بعد أن قطعت شوطًا كبيرًا داخل الصحراء، ونزل الجميع منها، وجذبها الرجل الذي كان بجوارها وحملها على كتفه، كما لو كان يحمل شوالًا من الدقيق، ودخل الجميع إلى مبنى صغير في أحضان الجبل، ثم توجه الرجل حاملًا إياها إلى غرفة صغيرة وألقاها على الفراش، وجلس بجوارها وحرك بعض الخصلات من على وجهها وقال لها بالعربية الغير متقنة: أعلم جيدًا أنك واعية منذ أكثر من ساعة.. لقد شعرت بحركتك في السيارة، تحلي بالهدوء وقد تنتهي تلك المسألة وتعودي لبيتك، وإن لم تنته، سأسعد كثيرًا بأن أضمك إلى مجموعتي، وتصبحين من ضمن مقتنياتي، سيكون الطلب عليكي كثيرًا، وخاصة من أصدقائي الإسرائيلين، فهذا سيكون شيء مميز لهم، فأنتم تعلمون مدى الحب الذي بيننا وبينكم، ثم علت ضحكاته الساخرة وأضاف: ولكن أولًا يجب تجربة البضاعة قبل عرضها في الأسواق.. ولكن ليس الآن.. سيحدث قريبًا بعدما تصل إلينا الأوامر، لذا استرخي وحاولي أن تكوني هادئة، فليس بيدك أي شيء أخر . قال كلماته وتركها يعتصرها الخوف، كانت تستمع له وهي تغمض عيناها بقوة كما لو كانت تتمنى أن يكون كل هذا مجرد كابوس، وعندما تفتحهما ستجد نفسها في البيت مع عائلتها، ظلت ملقاة على الفراش تضم قدميها إلى صدرها وهي تحيطها بذراعيها، ظلت هكذا لا تقوى على فتح عيناها أو الحركة، شُل تفكيرها، وتوقف كل شيء أمامها، ظلت راقدة.. ساكنة.. كما لو كانت فارقت الحياة.. مرتعبة حتى من صوت أنفاسها . قررت زيلدا أن تجاري شريف في لعبته وتتركه يستمتع بالسيطرة عليها، حتى تصل لمبتغاها، بل أنها جعلته يشعر بأنها أصبحت خاضعة له، وباتت تفعل ما تؤمر به حتى عندما طلب منها أن تقبل قدميه، لم تمانع بل انحنت عليهما وظلت تقبلهم كما لو كانت عاشقة في محراب العشق، ثم بدأت تُمارس حيلها التي تعرفها، وبدأت تحاول أن تظهر له ذلها وخنوعها له، فجلست تدلك له قدميه، ثم صعدت إلى كتفيه، كما لو كانت جارية لدى السلطان، أما هو فجلس يفكر كيف يستطيع أذيتها أكثر، وما سر تحولها الغريب؟ لحظات ثم بدأت زيلدا تحاول الحديث معه فقالت وهي تحتضنه من الخلف وتطبع قبلات على رقبته: حبيبي، ممكن أطلب منك طلب؟ لم يلتفت نحوها، ولَم يتأثر بما تفعله: عايزة ايه؟ وضعت رأسها على كتفه وهي تلف ذراعاها حول صدره: ممكن نمشي من الفندق ده، ونروح نقعد في مكان تاني . صاح بها قائلًا: مكان ايه؟، عايزة تروحي فين؟ فأجابت بنعومة وهي مازلت متأثرة بآلام جسدها: في بيت في حضن الجبل بتاع ناس صحابي، المكان هناك جميل ورومانسي، وحنبقى بعيد عن الناس ونأخذ راحتنا . هب واقفًا من مكانه وقبض على معصمها بقسوة وصاح بها: ااه.. عايزة تخليني اوديكي عند أصحابك عشان تخلصي مني صح، ولا حألاقي هناك اللي يخلص عليا . صرخت متألمة: لا يا حبيبي مش كده، ولو مش عايز تروح براحتك، بس أنا الفلوس معايا مش كتير، ومش حأقدر ادفع إقامة أكتر من كده في الفندق، وقلت نروح نقعد هناك أحسن، وبعدين يا حبيبي أنا مقدرش أخلي حد يخلص عليك.. ثم نهضت من مكانها واحتضنته وهي تقول: أنت متعرفش أنا مبسوطة ازاي.. اللي عملته رغم أنه وجعني.. بس اتبسطت إنك بتحبني، وكمان عمري ما شفت راجل حمش زي كده.. أنت كبرت اوي في نظري يا بيبي.. وأنا بعد كده حأفضل تحت رجليك . حدق بها شريف وهو يحاول أن يكتشف ما تخبئه له، ولكنها لم تترك له الفرصة، وجذبته نحوها لتسكره بخمرها وتدخله معها في عالمها الذي انغمس فيه، ولَم يعد يستطيع الخروج منه . انطلقتا السيارتان تخترقان الصحراء، لتنطلق خلفهما سحابة من الرمال نتيجة السرعة الرهيبة التي كانت السيارتان تسيران بها، استمرا في السير خلف الآثار التي تم تتبعها، كان قصي يتأهب لما قد يجده، غضب شديد يكاد يكتسح عظامه، إحساس بالذنب والتخاذل نحوها، قلبه كان يضج بداخله من شدة الخوف أن يذهب ولا يجدها، أو أن يكون الأوان قد فات، عيناها كانت لا تفارقه طوال الطريق، شعر أن تلك العيون تلاحقه دائمًا وأنها لن تغفر له أبدًا . استمرت السيارتان في طريقهما إلى أن أختفت الآثار تماما أمامهما ولَم يعد هناك سبيل لمعرفة أين أتجهوا، توقفا عن السير ونزل الجميع، ووقف قصي ينظر حوله، الجبال من كل اتجاه، ولا يوجد طرق واضحة، فما العمل؟، وكيف سيجدها؟ أمسك أحد أفراد الأمن اللاسلكي وتحدث مع الضابط المسئول قائلًا: لو سمحت عايزك تعملي مسح بالقمر الصناعي للمنطقة اللي احنا فيها، هما أكيد ليهم وكر هنا، بس لو قعدنا ندور حنأخد وقت كتير، حاول تلاقي العربية ولو لقيت أي مباني بلغني إحداثياتها ايه من المكان اللي أحنا فيه، أرجوك الموضوع ده يتم في أقصى سرعة، حاول تجيب الإذن باستخدام القمر الصناعي بسرعة من الرئاسة . انهى الرجل المحادثة ثم قال: مفيش في أيدينا غير إننا نستنى شوية، لو حاولنا ندور ممكن نضيع أيام، لكن كده أسرع، نصبر شوية . ربت وليد على كتف صديقه وقال له: حنلاقيها.. والله حنلاقيها، وحتبقى زي الفل كمان، قول بس يا رب . نظر له قصي وعيناه تتوسلان أن يكون كلامه صحيحًا وقال: يا رب . استطاعت زيلدا أن تجعل شريف يلين قليلًا، ولكنه لم ينصاع تماما بل لقد كان يشعر بالزهو وهو يعاملها كالجارية، لذا عندما حاولت أن تغريه بما تملكه، لم يكن الأمر كحبيب مع حبيبته، بل تحول الأمر كما لو كان هو السجان وهي السجينة، الذي أباح لنفسه أن يمارس كل أنواع التعذيب حتى وهي بين أحضانه، لم يكن يريد أن يشعر أنها استطاعت أن تخضعه ثانية بجمالها، بل أراد أن يفرض سيطرته عليها، ويشعرها أن كل شيء بأمره. وبعد أن انتهى الأمر، حزمت الحقائب ليغادرا الإثنان إلى الوكر الخاص بهم، حتى تصل إلى مبتغاها وما تريد . استقل الإثنان السيارة، وانطلقت نحو المكان ولكن من طريق أخر، تلك هي الطريقة المتبعة، كل سيارة يجب أن تتخذ طريقًا مختلفًا حتى لا ينتبه أحد إليهم، قادت السيارة مدة قد تقل عن الساعة بقليل حتى وصلت إلى المبنى الذي تقبع فيه شمس أسيرة . صفت السيارة بجوار الأخرى وقالت: استنى هنا يا بيبي، أدخل اشوف مين جوه، وأعرفهم أن معايا ضيوف وأجيلك . حدق بها شريف بتوجس، فأضافت: متقلقش يا بيبي، ثم انحنت نحوه وقبلته قبلة أذهبت عقله، وترجلت من السيارة واختفت داخل المنزل . مرت بضع دقائق ثم عادت ومعها فتاة أخرى، جمالها أوروبي، بشرة شقراء وعينان بلون البحر الأزرق وخصلات شعر ذهبية اللون، وجسد كالمرمر، نعم هي جميلة ولكن حسناء تفوقها جمالًا وأنوثة طاغية . خرجت الفتاة معها لاستقباله وتحدثت معه بالإنجليزية ورحبت به بحرارة ثم ساقته للداخل، ليجد مجموعة من الشباب يجلسون جميعًا معًا، مقسمون إلى مجموعات ثنائية، كل رجل تجالسه فتاة، وقف شريف في منتصف القاعة لا يفهم ما هذا المكان؟، ومن هولاء الأشخاص؟، وماذا يفعلون هنا؟، ثم وجد حسناء تجذبه من ذراعه وتتجه نحو غرفة من الغرف التي أمامهما، دخل شريف معها الغرفة، وجلس على الفراش وقال: ايه المكان ده يا حسناء؟، ومين الناس دي؟ اقتربت منه بدلال وجلست على فخذيه وقالت: ده بيت بتاعي أنا وأصحابي، لما نحب نفرفش بعيد عن الناس نيجي هنا، نعيش بين الجبال ونعمل اللي أحنا عايزينه، لا حد يشوفنا ولا يسمعنا . نظر لها باحتقار وقال: قصدك بيت دعارة؟! حركت أناملها على وجهه وقالت: تؤتؤ تؤتؤ، بلاش التفكير ده يا حبيبي، أحنا ناس بنحب نعيش حياتنا من غير وجع قلب ولا دوشة مالهاش لزمة، بنحب نتبسط ونعيش ونفرح ونحب على مزاجنا، فيها حاجة غلط دي؟، يلا يا بيبي غير هدومك وارتاح كده شوية، وانا حأروح أشوف حاجة نأكلها لأحسن حأموت من الجوع، ثم همت بالخروج لكنها عادت مرة أخرى وقالت: صحيح يا قلبي أنا اسمي زيلدا مش حسناء، محدش هنا يعرف اسم حسناء ده . ثم غادرت وتركته بمفرده، خرجت من الغرفة وتوجهت لأخرى، لتجد شاب وفتاة بالداخل فجلست تتحدث معهما عن شمس وأنه لا يجب أن يعلم شريف شيئًا عن وجودها الآن، وقامت بالاتفاق معهما على كل المخطط الذي تريد منهما إتباعه، ثم فتحت الخزانة وأخرجت منها قميص نوم مثير باللون الأحمر، وأعطته للفتاة وطلبت منها أن ترتديه وتفعل ما تمليه عليها . مرت ربع ساعة على شريف وهو بالغرفة بمفرده، ثم فجأة فتح الباب ليجد فتاة أخرى تقف أمامه، ترتدي قميص فاضح لا يستر منها الكثير.. عبرت الباب وأغلقته خلفها ثم أدارت المفتاح.. وتقدمت نحوه بدلال كبير.. كان يراقبها بعينيه.. وبدأ لعابه يسيل عليها، فالرجل دائما يشتهي المزيد، ولا يكفيه صنفًا واحدًا، بل إنه دائمًا يبحث عن الجديد، جلس في مكانه بلا حركة يشاهدها وهي تتلوى أمامه بجسدها، ثم قامت بالاقتراب منه وهمست له في أذنه أنها تريده لنفسها، لقد وقعت في هواه منذ أن رأته مع زيلدا وقررت الحصول عليه، ابتعدت عنه وقامت بتشغيل الموسيقى، ووقفت ترقص أمامه بدلال، لتجعله لا يستطيع رفضها أبدًا . ماذا سيفعل شريف؟ هل سيكتفي بزيلدا؟، أم سيقع في الفخ؟