غادرت زيلدا الجناح وعادت إلى غرفتها، ولكن قبل أن تدخل قامت بإجراء اتصال هاتفي وقالت: الخطة فشلت، حنبدأ في الخطة (ب)، جهز الرجالة. ثم أغلقت الهاتف ووقفت قليلًا بالخارج تحدث نفسها قائلة: ماشي يا قصي.. احنا كنّا بنلاعبك على الهادي.. أشرب بقا اللي جاي، عشان تعرف تعمل فيها كبير اوي.. يلا كان نفسي تسمع الكلام ونتجوز كنت حتستفيد وتفيد.. خسارتك في الموت يا بيبي . ثم دخلت غرفتها لتجد شريف نائمًا في الفراش، وقفت تتأمله وهي تقول: بعد ما كنت حأقضي الليلة مع قصي.. تختم بالجربوع ده.. يلا خليني مستحملة للأخر.. ممكن ينفعني . أما وليد، بعد أن أنهى مهمته بنجاح، غادر الغرفة وقام بالاتصال بزوجته لملاقاته أمام غرفة شمس، ليذهبا سويًا إلى بيتهما، كانتا الفتاتان جالستان سويًا في الشرفة قبل الاتصال، حاولت شاهي في حديثها أن تقوم باستفزاز صديقتها فقالت: مش طايقاه يا مامي.. الحقيني يا مامي الحقيني.. بس قعدتي تقولي مش عايزة اشوف خلقته .. ومش عايزة اكلمه، وأنتِ قعدتي متنحة في الواد كان ناقص تشفطيه . نظرت لها شمس ثم انخرطت في الضحك وقالت: الصراحة الواد مز اوي.. اوي اوي يعني، ايه ده يخربيت الحلاوة، ده أحلى مني . انفجرت شاهي ضحكًا ثم قالت: ما قلنا كده من بدري.. قلتي نطلع من البلد، يا بنتي بطلي عند، الواد حلو، وشكله معجب بيكي . شردت شمس قليلًا ثم قالت: معجب بيا ازاي يا شاهي؟! احنا حنضحك على بعض، بلاش عبط وخليكي منطقية، حيعجب بيا على ايه الجمال اللي مفيش منه، ولا العيلة الكبيرة ومستوايا الاجتماعي.. أنا وهو صعب جدًا نتقابل في نقطة . نظرت لها شاهي وقالت: على فكرة أنتِ غبية اوي واوي كمان.. أنا عمري ما شفت واحدة بالغباء ده، أنتِ فاكرة أنه أحسن منك، وايه اللي يخليه يبصلك، فعلًا غبية، أنتِ أحسن مننا كلنا، سواء أنا أو قصي أو وليد، أنتِ اتولدتي وأتربيتي في ظروف صعبة جدًا.. وقفتي قدام الكل عشان تتعلمي، اشتغلتي وطلع عينك عشان تبقي حاجة، وبقيتي.. لكن احنا تعبنا في ايه ولا عملنا ايه عشان نبقى احنا.. ولا حاجة.. يمكن نكون حلوين من بره يا شمس.. لكن أنتِ حلوة من جوه ومن بره.. قصي شاف جمالك من جوه قبل ما يشوف جمال وشك.. شاف روحك اللي مقابلهاش قبل كده.. أرجوكي خلي عندك ثقة في نفسك.. ولازم تشوفي نفسك حلوة.. لأنك فعلًا حلوة أوي . استيقظت زيلدا مبكرًا وبدأت في حزم جميع أغراضها.. وعندما استيقظ شريف رمقته بنظرات مثيرة ثم قالت: ايه رايك يا بيبي تحب نروح طابا مع بعض؟ أجابها بقبلة على شفتيها طويلة ثم قال: انا اروح معاكي آخر الدنيا . وضعت يدها على كتفه ونظرت في عينيه قائلة: متأكد؟ أخر الدنيا، يعني مش حترجع في كلامك . احتضنها شريف بقوة وقال: متأكد طبعًا . فقالت له بدهاء وهي بين أحضانه ورأسها على صدره: طب وشمس؟ صمت شريف قليلًا، وعادت ذاكرته إلى شمس وإلى ما جمعهما سويًا ثم قال: لا خلاص مفيش شمس.. هي اختارت طريق غيري . فأضافت: يعني مش حتندم يا قلبي.. وحتفضل معايا على طول؟ أجابها بضمة قوية كاد أن يسحقها بين يديه وقال: أنا أصلًا مش عايز غير إنك تفضلي معايا على طول . فابتعدت عنه قائلة: طب يلا بينا، حضر شنطتك عشان حنسافر دلوقتي . استيقظ قصي في ساعة متأخرة من نومه، وظل جالسًا في الفراش بعض الوقت، ثم قام بالاتصال بموظف الاستقبال ليسأله عن حسناء.. وبمجرد أن علم بمغادرتها الفندق.. نهض من الفراش وتوجه إلى الحمام.. وضع المياه على وجهه ثم وقف أمام المرآة ليشذب لحيته.. كان عقله في حيرة كبيرة، لا يعرف ماذا يفعل مع شمس؟، ظل يفكر حتى استقر أخيرًا على فكرة وقرر تنفيذها . مرت الساعات الأولى من النهار.. وشمس منهمكة في عملها ما بين المصنع والفندق.. أما قصي ووليد فكانا يمارسان نشاطاتهم المعتادة في العمل.. وشاهي تجلس أمام البحر وقد قررت أن تعود لرسم اللوحات مرة أخرى.. وبالفعل جلست ترسم طوال النهار . ظلت لقاءات قصي وشمس متفرقة طوال النهار.. مجرد دقائق في كل مرة للتأكيد على أمر.. أو تغيير بعض الأشياء الغير متوفرة، إلى أن أصر عليها أنها يجب أن ترتاح قليلًا من العمل.. وألح أن تتناول الغذاء معه.. وبالفعل رضخت في الأخير . كان قد أعد كل شيء مسبقًا، مائدة خاصة لهما في مطعم الشاطىء، مجهزة خصيصًا، وفي مكان مميز لا يوجد أحد حولهما.. جلسا سويًا، وبدأ الجرسون في وضع الصحون ثم تقديم الطعام.. حاولت شمس الاسترخاء، وعدم التفكير في أي شيء، ثم بدأت تتناول الطعام في هدوء، إلى أن قطع قصي الصمت وقال: أنتِ لسه متضايقة مني؟ تركت شمس الشوكة من يدها.. ونظرت له قائلة: مش فاهمة؟! فأضاف: يعني لسه متضايقة من الموقف اللي حصل؟ صمتت قليلًا ثم قالت: بصراحة مش عارفة.. بس متهيألي لا.. مش قادرة أحدد بالضبط أنا متضايقة ولا متغاظة منك، بس اللي أنا متأكدة منه أن نيتك كانت كويسة، عشان كده الموضوع مبقاش شاغلني . ابتسم قصي وقال: طيب حلو اوي.. كده شجعتيني إني أطلب منك طلب . وضعت الطعام جانبًا وقالت بعدم اطمئنان: طلب ايه تاني!، خير اللهم اجعله خير . فأجابها: لا متقلقيش ده طلب بسيط اوي وسهل.. أيه رأيك نكون أصحاب؟ عقدت حاجبيها وظهرت علامات الاستفهام على وجهها وقالت: تقصد ايه بأصحاب؟! حرك قصي بعض الطعام في الصحن الذي أمامه ثم قال: يعني أصحاب.. أنتِ رفضتي فكرة الارتباط، وده حقك وأنا مش معترض، فعلًا أنتِ عندك حق، أنا كنت متسرع في طلبي، وكلامك كله صح إن ممكن تكون مشاعري غير حقيقية، أنا مش حأنكر أني انبهرت بيكي، أسلوبك.. شخصيتك.. قوتك اللي عمري ما شفت زيها، كل حاجة فيكي بجد شدتني، أنا تقريبًا مش فاكر إني أعجبت ببنت قبل كده.. أو انبهرت بواحدة زيك، ممكن تكوني صح ومشاعري دي حاجة وقتية، عشان كده بقول نبقى أصحاب.. نتعرف على بعض بشكل عادي.. من غير ضغوط، ولا طلبات.. مجرد اتنين أصدقاء، ايه رأيك؟ صمتت قليلًا تفكر في عرضه ثم أجابته: وأنا معنديش مانع . وصلت زيلدا ومعها شريف إلى طابا.. وكانت إقامتهما في فندق هيلتون طابا، فندق يقع على الحدود المصرية التي تفصلنا عن فلسطين الحبيبة المحتلة، تستطيع أن ترى من هناك الجنود الصهاينة وهم مرابضين في ثكناتهم. كان هناك حجز باسم زيلدا الحقيقي.. وعندما سمع شريف الاسم من الموظف في الاستقبال.. اندهش كثيرًا للأمر.. فانتظر حتى صعدا سويًا للغرفة ثم قال: أنتِ اسمك حسناء ولا زيلدا؟ ابتسمت له ابتسامة مغرية، في محاولة منها لإلهائه.. وبدأت في نزع ملابسها وهي تحدثه حتى تشتت انتباهه: ده موضوع طويل حأبقى أحكيلك عنه بعدين.. بس دلوقتي مش حنضيع وقتنا في الكلام.. أصلك وحشتني اوي . لو بحثت عن أسباب غباء الرجل.. ستجد أن ورائه جسد امرأة سلبه عقله.. وحوله إلى شخص أبله بلا عقل.. وهذا ما فعلته زيلدا به.. كانت تعلم نقطة ضعفه جيدًا.. لذا كانت تبرع معه في فنون العشق والغرام حتى يظل مخمورًا بها.. ولا يملها أبدًا.. وبالفعل وصلت لمبتغاها.. نسى كل شيء ولَم يتذكر سوى شهواته وغريزته.. التي أصبحت تستحوذ عليه حتى أنه أصبح لا يتميز عن الحيوانات في ممارستها.. ونسى كل شيء عما حرمه الله وتذكر فقط ما يريده هو . كان قصي يجلس في مكتبه بعد الغذاء مع وليد لإنهاء بعض الأعمال عندما سمع رنين الهاتف، الو _ الوو مسيو قصي، كيف حالك؟ _ أهلًا مسيو إسحاق مردوخ.. أقدر أخدمك ازاي؟ _ حبيبي.. أنت عارف كويس ايه الخدمة اللي أنا محتاجاه . _ وأظن أنا بلغت حضرتك قبل كده إن طلب حضرتك مرفوض . ليه مسيو قصي؟.. لو المبلغ مش مناسب قولي.. ايه رأيك في مليار دولار.. اعتقد ده أكبر من تمن الأرض الفعلي يا مسيو . _ بالضبط يا مسيو إسحاق.. أنت قلتها.. ايه اللي يخليك تدفع في أرض ضعف تمنها.. حاجة غريبة متهيألي. _ أبدًا مسيو قصي.. أنا محتاج الأرض دي موقعها ممتاز وقريبة من اسرائيل جدًا.. أنت عارف طابا عزيزة علينا ازاي مسيو.. واحنا بنحب ننزل إجازات فيها.. حبيت أعمل منتجع على مستوى عالمي عليها.. وأرضك أنسب مكان للمشروع . _ زي ما طابا عزيزة عليكم مسيو.. فهي غالية اوي عندنا، ومش ناويين نفرط في شبر منها، وكون أن أرضي قريبة من فلسطين يا مسيو ده مش معناه تدفع كل المبلغ ده.. وبردوه في الأخر عشان أريح حضرتك لو عرضت عشرة مليار مش مليار واحد.. بردوه ردي لا . _ ده أخر كلام مسيو؟.. لاحظ إني حاولت معاك كتير . _ ده آخر كلام من زمان مسيو إسحاق.. بس أنت اللي مش عايز تقتنع.. وعشان أكون صريح معاك أكتر، أنا مش ببيع حاجة للإسرائيلين . _ تؤتؤ تؤتؤ ليه كده حبيبي؟.. احنا ولاد عّم.. وفِي بينا اتفاقية سلام.. وتطبيع ومفيش أي مشكلة خالص . ضحك قصي عاليًا وقال: لا التطبيع ده يبقى ابن خالتك . والاتفاقية دي تبلها وتشرب مايتها... أنا مش بتعامل معاكم وأنت عارفني كويس.. وسألت كتير عليا.. وياما بعت ناس.. ومفيش فايدة . _ ليه كده حبيبي؟.. أحنا كلنا أخوات.. واليهود شعب الله المختار في الأرض.. محبين السلام.. ولكل البشرية.. ليه التعصب ده؟ _ يا حبيبي.. وايه كمان؟.. شوية شوية حتقولي أنكم بتدعوا للسلام.. وأن الفلسطنيين إرهابين وأنتم اللي ولاد الحلال.. أولًا يا مسيو أنا مَش معترض على اليهود لأنهم أهل ديانة سماوية.. أنا مش بتعامل مع صهاينة.. ثانيًا الله يحرقكم بطلوا كلمة شعب الله المختار.. هو مختار اه.. بس في الإرهاب والتعصب.. والكره.. وسرقة الأوطان . بص يا عّم مردوخ أنا مش حبيع وده أخر كلام. _ براحتك حبيبي.. بس الأرض كده كده بتاعتي.. وبكره نشوف.. شلوم حبيبي . _ شلوم يا حبيبي ورحمة الله وبركاته . أغلق قصي الهاتف وزفر بقوة وهو يشعربالغيظ ويتمنى لو يستطيع فعل شيء أكثر من مجرد الكلمات، كان وليد يستمع للمحادثة ثم قال: لسه بردوه مش عايز يقتنع؟ نظر له صديقه وقال: وهما دول بيقتنعوا، ولاد الو...، ربنا يولع فيهم، الراجل بيتكلم ببرود كأن طابا دي بلدهم، الباشا عايز يستولي عليها هي كمان . صاح به وليد قائلًا: لما يشوفوا حلمة ودنهم . وعلى الجانب الأخر في القدس المحتلة، الأرض الغالية التي ستعود يومًا ما، فهذا وعد الله لنا، والله لا يخلف الميعاد، كان إسحاق يجري اتصالًا مرئيًا على الهاتف الأخر مع زيلدا، التي كانت تجلس في حوض الاستحمام تنعم بحمام دافئ بعدما أمضت وقتًا كافيًا مع شريف.. استطاعت فيه أن تغرقه أكثر في مستنقع الرذيلة وتجعله يقطع شوطًا كبيرًا، بتذكرة ذهاب بلا عودة.. وبعد أن أنتهت منه تركته نائمًا.. حتى تستطيع أن تقوم بالأهم.. إسحاق مردوخ.. أغنى أغنياء العالم.. رجل تفتح له جميع الأبواب.. وهي تتمنى أن تستطيع فتح باب قلبه.. والتربع عليه.. هي تعلم أنه مهما بلغ الرجل من الثراء والذكاء والشهرة.. ولكنه يبقى رجلًا.. ملك أمام الناس.. وعبد أمام امرأة جميلة مثيرة، وهذا ما تفعله معه، تتعمد دائمًا أن تكون محادثاتها معه مرئية، وأن تكون في حمامها أو الفراش.. حتى تسلبه عقله دائمًا وتجعله يرغب بها.. ويتناسى زلاتها. أما مردوخ فكان على علم جيد بمخططها فهو يحفظها عن ظهر قلب، منذ أن تعرف عليها في بيت البغاء الذي كانت تديره.. سلبت عقله بجمالها وذكائها الغير معتاد في المرأة، فهي قادرة على كشف نقاط ضعف كل رجل بسهولة، محترفة في لعبة الإغراء.. تستطيع أن تجعل المؤمن عاصي، والقسيس فاجر، والكاهن كافر، وهذا بالضبط ما يجعلها ذات منفعة له هي وفتياتها.. فهي قادرة على إسعاده وقتما يريد.. وأيضًا بارعة في إيقاع أعدائه بمنتهى السهولة.. لذا هما الاثنان وجهان لعملة واحدة.. لا يستطيعان أن ينفصلا عن بعضهما البعض . أمسك مردوخ الهاتف في يده وتحدث إليها وعيناه تلتهمان جسدها الذي كانت تحاول إظهار جزء منه طوال المحادثة: سمعتي ما قال، فما العمل الأن؟، أريد أن أحرق له كل فنادقه . ضحكت زيلدا ضحكة مثيرة ثم قالت: الرجال دائمًا يذهبون للأصعب.. بالرغم من وجود الأسهل أمامهم.. تستطيع أن تحرق قلبه بدلًا من فنادقه . حدق بها وقال: ماذا تقصدين؟ فأجابته وهي تمسك الإسفنجة في يدها وتمررها على رقبتها وأعلى صدرها: حبيبته . أطلق إسحاق ضحكة مدوية وقال: زيلدا.. أنتِ عاهرة قلبي .