غادر شريف الجاليري وهو عازم على استخدام الخطة البديلة، لذا لم يتوانى أو يتريث قليلًا، وبدأ على الفور في التنفيذ لاستخدام كل أسلحته البديلة، ذهب إلى وجهته الثانية التي رأى أنها ستكون العون له في استعادة حبيبته، وبالفعل وصل إلى العنوان المحدد وصعد إلى الطابق الثالث ثم قام بقرع الجرس، وبعد بضعة ثوان فتح الباب ليجد ضالته أمامه، السيدة رقية والدة شمس التي اندهشت عندما وجدت شريف أمامها، ولكنها سرعان ما استعادت أصول اللياقة وقالت: أهلًا يا ابني، اتفضل نورتنا . تقدم شريف نحوها وقبل يدها وهو يقول: وحشتيني يا طنط، عاملة ايه؟ ثم اتجها سويًا وجلسا في حجرة الجلوس، وبعد الرسميات والترحيب، بدأ الحديث بينهما على الفور، وبجرأة شديدة قال: طنط أنا عايز شمس. ارتبكت السيدة رقية من جرأته ودخوله المباشر إلى لُب الموضوع، وصمتت قليلًا وهي ممزقة بين قلب ابنتها المحطم، وبين مصلحتها التي في اعتقادها أنها لن تستطيع أن تحب شخص آخر مثلما أحبت شريف، وأنها يجب أن تسامحه حتى تبدأ حياتها وتنعم بالسعادة مرة أخرى . تنهدت بحزن وقالت: الموضوع صعب، أنت جرحتها أوي يا شريف، جرحتنا كلنا . نكس رأسه أرضًا من الخجل وقال: أنا عارف، ومش هدافع عن نفسي، لأن أنا مليش عذر، بس أنا معترف اني ضعفت، وكنت مشوش، مقدرتش اعرف قلبي عايز ايه بالضبط، لكن دلوقتي صدقيني، أنا متأكد إني مش حأقدر في يوم أحب حد غير شمس، وأتمنى ترجعلي تاني، ومفيش غيرك أنتِ وأمي اللي تقدروا تقنعوها . عقدت رقية ذراعاها على صدرها وأسندت ظهرها للخلف ونظرت له نظرة عتاب، ثم قالت: اللي فيه الخير ربنا يقدمه . عودة للمعادي مرة أخرى، وبالتحديد في مكتب شمس الخاص، حيث كانت جالسة تحاول أن تنغمس في العمل بكل طاقتها حتى تمحو من ذهنها أي شيء قد يلهيها أو يجعلها تتراجع عن قرارها، ظلت منكبة على المكتب تصمم مجموعة جديدة من أشكال الإضاءات التي تتميز بها وكانت السبب في شهرتها وجعلت براند شمس من الماركات المميزة في هذا المجال، كانت كل حواسها منصبة على التصميم الذي أمامها إلى أن علا صوت رنين الهاتف فجأة وقطع حبل الإلهام وأفزعها فانتفض جسدها وأطلقت صرخة صغيرة: عاااااااا.. تلاها سباب صغير للمتصل في سرها.. ثم أجابت :الوووو.. _......... أهلًا يا شاهي، ازيكِ حبيبتي _.......... جاية دلوقتي؟، اوك حأستناكي.. بس متتأخريش بدل ما امشي وأسيبك . اوك يا قلبي.. باي . أنهت الاتصال ثم حاولت إنهاء التصميم الذي أمامها قبل قدوم صديقتها . انقضت خمسة عشر دقيقة على الاتصال قبل أن تصل شاهي، التي كعادتها دائمًا تقتحم عليها غرفة مكتبها دون استئذان، لتنتفض شمس للمرة الثانية من جراء فعلة صديقتها التي دائمًا توبخها عليها، وتحاول أن تقنعها أنه ليس من المقبول أن تفعل هذا لاحتمال أن تكون في جلسة عمل مع أي زبون أو عميل، ولكن هيهات أن تتغير شخصية شاهي أو تنصاع لها . حدقت شمس بصديقتها التي كانت تقف أمامها مرتدية بنطال جينز ممزق من على الساق، وبلوزة قطنية بيضاء ذات حمالات رفيعة وحذاء رياضي أبيض وترفع شعرها إلى أعلى ولا تضع أي مساحيق سوى ملمع الشفاه، شاهي أو (شهيرة الدرملي) صديقة شمس المقربة، تعرفتا في وقت كانت كلا منهما تحتاج إلى صديق حقيقي، شهيرة سليلة عائلة عريقة تنتمي لأصول تركية، فتاة جميلة، جمالها يفوق جمال شمس البسيط الهادئ، فهي الفتاة التي يتمناها الجميع، الشعر الأشقر والعينان التي من المستحيل أن تحدد لونهما هل هو لون سماء صافية؟، أم بحر هادئ؟، تخدعك مرارًا وتظل تتسائل هل عيناها زرقاء تميل للإخضرار أم خضراء تميل للزرقة، بشرة مرمرية تشعر أنها من العاج، شفاه وردية تدعي البراءة، ولكنها مثيرة حد التيه، جسد ينافس جسد آلهة الجمال، كل ما فيها يصرخ بالجمال، يتهافت علىها الصبية قبل الرجال، يرتمي تحت قدميها كل يوم العديد والعديد، ولكنها عازفة عنهم جميعًا، لقد ملت هوسهم بها، وتذللهم، تتمنى رجلًا يجذبها إلىه قبل أن ينجذب لها . دخلت شاهي المكتب وشاهدت الفزع في عيني صديقتها، فانفجرت ضاحكة: ايه يا بنتي شفتي عفريت؟! ضيقت شمس عيناها غضبًا وقالت وهي تكاد تنفجر: أنتِ ايه يا بنتي؟ مليون مرة أقولك مينفعش دخلة المباحث دي، خبطي الأول، ارحميني بقى، أفرضي معايا عميل، يقول ايه لما يلاقيكي داخلة كده؟ فأطلقت شاهي ضحكة تشبه ضحكات فتيات الليل، ثم قالت: كده يا شموسة؟، يعني دي غلطتي إني جاية أشوفك، وبعدين أفرضي العميل ده اتغرغر بيكي، مش ادخل اخضه واخليه يجيله سكتة قلبية . لانت ملامح شمس بعد سماع منطق صديقتها، ثم ابتسمت رغمًا عنها قائلة: اتغرغر بيا، أنتِ بتجيبي الكلام ده منين؟! _ فأجابتها بتهكم وسخرية: من اللمبي. رفعت شمس يدها للسماء بأسلوب درامي، ثم قالت: صبرني يا رب، ها يا شاهي يا حبيبتي، خير ايه اللي خلى سمو البرنسيسة تتعطف وتنزل من برجها العالي وتيجي تزورني؟ فأجابت وهي يبدو علىها الشعور بالضجر: زهقانة.. عندي ملل فظيع، ايه رأيك تيجي نسافر شوية تركيا؟، نغير جو، ونعمل شوبينج ونيجي . ابتسمت شمس وأعادت نظرها للتصميم في محاولة لإنهائه وهي تقول: حبيبتي الشوبنح وتركيا والحوارات دي تناسبك أنتِ، أما أنا آخري لما أزهق أروح أشرب حمص شام على كورنيش المنيل، وانزل وسط البلد في التصفيات اعمل شوبنج، قال شوبنج في تركيا قال، مسمعتكيش الحاجة رقية كان زمانها سمعتك كلمتين وجعوكي في عظمك . تأففت شاهي من حوار صديقتها وأجابتها بعصبية: يوووه، هو أنا كل ما أقولك حاجة تأخديها تريقة، أنا بجد يا ستي مخنوقة وعايزة أغير جو، ومش بحب السفر لوحدي . أعادت شمس النظر لصديقتها وشعرت أنها بالفعل مستاءة فتركت الفرشاة من يدها وسألتها: مالك يا شهيرة؟، فيكي ايه؟، في حاجة مضايقاكي؟ صمتت صديقتها قليلًا وأطلقت تنهيدة من صدرها، ثم قالت: مخنوقة يا شمس، بجد مخنوقة، مفيش حاجة بتسعدني، مش لاقية نفسي في حاجة، يومي ملل، أوله زي آخره، مفيش جديد، مش نافعة في شغل، ومفيش حاجة بحب أعملها، طول اليوم ما بين النادي والبيت، زهقت من الناس، ومن وشوشهم، عايزة أغير الوشوش، والأهم زهقت من الباشا والدي اللي بيفتكر يكلمني بس لما يكون بيعزمني على فرحه، خلاص مفيش أي حاجة مهمة، عارفة لولا وجودك في حياتي كان زماني ميتة من زمان . نهضت شمس من مقعدها لتذهب إلى صديقتها تحتضنها قائلة: بعيد الشر عنك يا قلبي، ربنا يخليكي ليا، متضايقيش نفسك عشان خاطري ومتفكريش في حاجة، أنا معاكي . ثم جلست أمامها مباشرة وهي تحتضن يدها: هو أونكل رأفت اتصل بيكي؟ فابتسمت شاهي ابتسامة حزينة، وانحرفت دمعة من جانب عينيها حاولت منعها، ولكنها عجزت أخيرًا عن التحمل: ايوه، بيعزمني على فرحه رقم سبعة، ثم شردت ببصرها أمامها وقالت: الله يرحمك يا ماما، تخيلي بيقولي ايه؟!، بيقولي أنا من بعد والدتك مش لاقي ست قادر أكمل معاها، مفيش واحدة قدرت تأخد مكانها، عشان كده بيتزوج كتير يمكن يلاقيها، تخيلي المنطق اللي بيبرر بيه عينيه الزائغة . ربتت شمس على يد صديقتها بحنان وقالت: يمكن ده فعلًا إحساسه، بلاش نظلمه، ثم حاولت أن تغير الموضوع فقالت: بصي تركيا مقدرش أوعدك، بس احتمال تجيلي سفرية لشرم الشيخ لو ظبطت، حأخذك معايا، ايه رأيك بقى؟ فأجابتها شاهي: يعني مش حينفع تركيا خالص؟ فحركت شمس رأسها بالنفي وهي تضم شفاهها في حركة طفولية علامة على الرفض . لتستسلم شاهي للأمر قائلة: خلاص شرم الشيخ حلوة بردو، بس ايه بقى نوع السفرية دي؟ فأجابتها وهي تعود إلى مقعدها خلف المكتب: فندق هناك، عايزين يعملوا شوية تجديدات فيه ويغيروا أشكال الإضاءات اللي في الغرف، وأنا قدمت ملف بشغلي ليهم لو عجبهم، حيبعتوا لي عشان نتفق، وقتها نروح مع بعض ونقضي كام يوم هناك . تجهم وجه شاهي وقالت: امممم.. يعني مش حتكوني فاضية وحأبقى بردو لوحدي . فأجابتها صديقتها: لا طبعًا.. الشغل مش حيبقى كتير، كام ساعة في اليوم، أرفع المقايسات وأشوف الديزاين اللي يليق مع استايل الفندق، وأكيد حيكون في شوية اجتماعات، بس كلها فترة الصبح، وأنتِ نايمة . ابتسمت شاهي وشعرت بالرضا.. ثم قالت: هو اسم الفندق ايه؟ فأجابت شمس: فندق الدالي. فغرت شاهي فاهها ولمعت عيناها ببريق يعبر عن دهشتها وسعادتها، ووقفت تقفز في مكانها كالطفلة الصغيرة التي عثرت على حلوى مميزة وهي تقول: واوووو، ايوه بقا . حدقت شمس في صديقتها بغرابة، ثم قالت: مالك يا هبلة؟ أتجننتي؟! _ والله أنتِ اللي مجنونة.. فندق الدالي.. يعني حنشوف المز هناك، وأكيد حنتكلم معاه عشان الشغل، وممكن يعزمنا على العشاء بالليل، ونهيص بقى. علامات من البلاهة ارتسمت على وجه شمس: مز مين؟ !! فصرخت بها شاهي قائلة: حرام عليكي بقا ارحميني، أنتِ حتفضلي خيبة لحد أمتى، (قصي الدالي)صاحب مجموعة الدالي، أشهر راجل عازب في مصر، الستات كلها حتتجنن عليه، حتى اللي متجوزين، واد كده قمر، مالوش حل، ولا شخصيته فظيعة، من الآخر حاجة محصلتش، ده يا بنتي صوره على طول في المجلات، وبعدين ازاي تبقي مقدمة في حاجة ومتعرفيش صاحبها؟، مش حتبطلي الخيبة دي؟، قلتلك ميه مرة لازم تجمعي معلومات عن الناس اللي حتشتغلي معاهم عشان تعرفي تتعاملي معاهم ازاي . ابتسمت شمس بسخرية: والله طيب يا حلوة ربنا يهنيه بنفسه، وبعدين ما أنا قلتلك قبل كده اشتغلي معايا، وتمسكي أنتِ العلاقات العامة والاتفاقات، وأنا عليا الشغل والتصميمات وبس، أنتِ اللي مرضتيش . _ اوك خلاص حأشتغل معاكي واتكلم أنا مع المز ده، وأنتِ خليكي في التصاميم بتاعتك . نظرت شمس إلى وجه شاهي وبعد تفكير قالت: لا.. بعد الشغلانة دي، بمنظرك ده وجنانك حتبوزي الشغلانة، والراجل يفتكر إننا من البنات التافهة اللي جايين يدلعوا مش يشتغلوا ، أنا عايزاهم يأخدوا عني فكرة بالجدية والالتزام . جلس قصي في قاعة الاجتماعات مع أعضاء مجلس الإدارة يناقشون جميع الأعمال المتعلقة بالفندق، وبعد عدة مناقشات بدا الحديث عن التجديدات السنوية، ووجه سؤاله إلى مدير التسويق: أستاذ أحمد ايه أخبار التجديدات؟، جمعت ليا ملف بالشركات اللي بعتت شغلها لينا؟ أحمد: ايوه يا مستر قصي، كل الداتا موجودة في إيميل اتبعت لحضرتك . فأجابه وهو يفتح الكمبيوتر المحمول الذي أمامه: في أي ترشيحات لشركات معينة؟ أحمد: أنا دققت في كل الأعمال اللي مرسلة لينا، وبصراحة عجبني اتنين، حسيتهم مختلفين وتصميماتهم مبتكرة، بس في شركة منهم لسه جديدة، يعني مبتدئين . قصي: اسمائهم ايه؟ أحمد: شركة الإضاءة الحديثة، وشركة شمس . قصي: اوك، حأراجعهم واستنى مني القرار بعد ساعة، ثم التفتت للجميع وأضاف: اعتقد كده خلصنا، الاجتماع انتهى يا أساتذة، الكل على شغله . ثم عاد مرة أخرى للشاشة أمامه ليحدد الشركة التي سيقع عليها الاختيار، جلس يتصفح الملفات لكل شركة والسيرة الذاتية لأصحاب الشركات والتصميمات الخاصة بهم، وفِي النهاية بعد أن استعرض جميع الملفات لم يعد لديه أي شك في قراره، وعلى الفور قام بالاتصال بمدير التسويق: الووو أحمد مفيش أي مجال للمقارنة بين كل المعروض علينا، هي شركة شمس بس المتميزة بينهم جدًا، تصميمات الشركة مختلفة وجديدة، الباقيين تقليد، وكلهم شبه بعض، اتصل بأصحاب الشركة وبلغهم باجتماع معاهم أول الأسبوع الجاي .