أوقف معتز دراجته النارية أمام المركز بوجه جامد كأنه قد من حجر، فنزلت أميرة تنزل ابنتها بانفعال شديد وهي تقول له: اسمعني جيدًا يا معتز، إن لم تجد حلًا لحياتنا هذه، طلقني وليذهب كل واحد منا بطريق. التوى عنق معتز ينظر لها بحدة دون أن ينطق، فقالت له أميرة التي تركت أذنيها معبر لكلمات زرعت في روحها نبتة شيطانية من النقمة: أنت لا تسمع ما أسمعه عن حياة الناس، لا ترى ما أراه، نحن بسبب قلة حيلتك سندفن بالحياة بين جدران شقة والدتك القديمة. قال لها معتز بحدة: هذه الشقة أيام خطبتنا كنتي تنامين وتستيقظين وكل تفكيرك في اليوم الذي تخطين إليها كعروس. قالت أميرة بصوت مرتفع: كان هذا بالماضي، حين كنت غبية لا تعي ما تلقي بنفسها إليه، حين كنت حمقاء رمت نفسها للفقر دون تفكير. بهتت ملامح معتز وظل يتأملها للحظات قبل أن يقول لها بصوت مصدوم: أنا فقر!! تجمدت أميرة من هول ما رأته في عينيه، ولكن روح التمرد التي تجتاحها جعلتها تقول: أنت أدرى بذلك. ثم جذبت ابنتها وابتعدت عدة خطوات، قبل أن تلتفت له وتقول: لا تمر لتقلنا فأنا ذاهبة لمنزل والدي، وأنت حين تجد حلًا يمكنك القدوم لأخذي. تحركت أميرة نحو بوابة المركز غير واعية للقلب الذي أحكمت من حوله مقصلة الكلمات كما أحكمتها حول عقلها، حين خدرت منطقها وتغافلت عما لا تعلمه. سلمت سحر طفلها للمسؤول عن استلام الاطفال، وتحركت لتغادر دون أن تلقي السلام على من حولها وهي ترمقهم بنظرات مترفعة، لتناديها أميرة التي عادت للتو من مطعم الفول والفلافل الذي رفع أسعاره بشكل جعلها تحدث نفسها كمن فقدت عقلها "سحر.. سحر" توقفت سحر على بوابة المركز والتفتت تنظر إليها وهي تقول بصوت جاف: أهلًا أميرة. نظرت لها أميرة بلوم وقالت: أهلًا وسهلًا بكِ، لماذا لا تجيبين على مكالماتي يا سحر؟، ولمَ لم يعد أحد يراكِ؟، صرت لا أجدكِ بين الأمهات اللواتي ينتظرن أبنائهن. قالت سحر: زوجي لم يعد يقبل ببقائي في استراحة الأمهات جالسة كمن عليها ذنب وتخلصه، لذلك أخذ لنا شقة مفروشة في هذا المكان لأكون قريبة من المركز. شهقت أميرة بصدمة وقالت بعدم تصديق: شقة هنا!!، شقة مفروشة بهذا المكان؟! امتعضت ملامح سحر وقالت: نعم، وربما نحدث صاحب الشقة قريبًا لنأخذها تمليك، فأنا لم أستقر بعد، ما بين هنا وبين أحدى المجمعات السكنية. قالت لها أميرة بحسرة: متى انتقلتي وكيف حدث هذا؟ قالت سحر: منذ شهور، زوجي استلم وظيفة بالمطار وأثبت نفسه وأخذ ترقية سريعة وأصبحت الحياة القديمة لا تناسبنا كما ترين. قالت لها أميرة بإدراك: اغتنمتي الفرصة. قالت سحر ببرود واستعلاء: لا أفهمك. قالت أميرة: أقصد سدن. قالت سحر: أنا لا أحد صاحب فضل عليّ سوى نفسي. همّت سحر بالتحرك، لكن صوت صراخ جمد أقدامها وجعلها تغير وجهتها عائدة للداخل.