على بعد أمتار وقفت سحر تنظر إلى هاتفها ذو الشاشة المكسورة تحاول أن تتابع بيان الأسعار الجديدة التي أعلنها الوكيل المصري للشركة المصنعة للجهاز التعويضي الذي يستخدمه ابنها، وحولها مجموعة من الأمهات، وهي تقول: من أين سنأتي بالمال لندفع كل هذا، كلما ارتفع الدولار كلما أصبحت أطفالنا مهددة، منهم لله المسؤولين الذين لا يشعرون بنا. اقتربت أميرة تقول بوجه ممتعض: هل ستفطرن أم ماذا؟ قالت لها سحر: ما هذا البرود، هل علمتِ بالأسعار الجديدة لقطع الغيار؟ قالت أميرة بضيق: سمعت، لكن ماذا سأفعل؟! قاطع حديثهما وقوف سيارة فارهة أمام مدخل المركز، ترجل منها رجل فارع الطول بالغ الوسامة، يرتدي الزي الرسمي لإحدى شركات الطيران، أغلق باب سيارته ووقف يتفقد المكان بعينيه التي لا تظهر من خلف نظارته الشمسية اللامعة، قبل أن يفتح الباب المقابل له، وتترجل منه امرأة بدت كأنها خرجت من إحدى الإعلانات المعلقة على الطرق الرئيسية، والتي تتحول ليلًا إلى ومضات ساحرة قادمة من عالم آخر، بدت أنثى تختلف عن سحر التي تأملتها وهي تتحرك نحو الباب الخلفي للسيارة وتفتحه وتمد ذراعيها لتحمل طفل ربما في الثالثة من عمره وهي تقول: انظري وملي عينيكِ بالبشر الذين لا يحملون همًا مثلنا، مؤكد هؤلاء يتعاملون مع الشركة الأم، وليس مثلنا نتعامل مع الوكيل المصري الذي يريد أن يمتص دمائنا، انظري للسيارة التي وصلوا بها ونحن من تخرج أعيننا من محاجرها ونحن نتنقل من القطارات إلى الأتوبيسات المكدسة حتى نصل إلى هنا. مطت أميرة شفتيها وهي تتأمل المشهد أمامها وتقول: لا تجعليني أتحسر على حياتي أكثر، لقد لجمت نفسي بالقوة منذ قليل لكي لا أفتعل شجارًا مع معتز، الذي لا يريد إعطائي مئة جنيه حتى لأشتري هدية لمالك ابن أختي لأن اليوم عيد ميلاده. صمتت أميرة للحظات وقالت: لا أعلم إن طلبت منه يومًا حقيبة مثل التي تحملها تلك السيدة ماذا سيكون رده وهو الذي يقابل كل طلباتي بلا.. والظروف.. والأوضاع. قالت سحر بسخرية: حقيبة ماذا التي لفتت نظركِ يا أميرة؟، انظري إلى الخاتم الذي ترتديه هذا مؤكد الماس الذي نسمع عنه، أتعلمين أن ذلك الخاتم يحل جميع مشاكلي. نظرت أميرة للخاتم وهي تزداد نقمة على حياتها، لتقول سحر: أتعلمين ما الذي ينقصني لأصبح مثلها تمامًا؟ قالت لها أميرة بحزن: مؤكد ينقصكِ الكثير يا سحر. هزت سحر رأسها برفض وقالت: ينقصني فرصة، فقط فرصة أرتفع بها ولن أسقط مجددًا.