في نفس الوقت... داخل المركز التجاري كانت سحر تسير بخطى متخبطة وهي تنظر لكل ما حولها بذهول، كانت تشعر أنها كمن عبر إلى عالم آخر، ما ظنت يومًا أن له وجود على هذه الأرض التي لا تحوي غير الكادحين المستنزفين، كان عقلها لا يستوعب الترف والبزخ المحيطان بها وهي تحمل عدة حقائب لسدن التي تقول لها: أعطني الحقائب، فحملك لها يشعرني بالإحراج أكثر؛ لأني مؤكد تعبتكِ من كثرة اللف معي. قالت سحر وهي تبعد يديها عنها: والله أبدا… لن يحمل الحقائب أحد سواي، هذا شيء بسيط، لا تضخمي الأمور فأنا والله أصبحت أحبك في الله. نظرت لها سدن بلطف وقالت: شكرًا يا سحر، حسنًا على الأقل دعينا نجلس ونشرب شيئًا فأنا أجهدتك معي، ولكن كان عليّ شراء هذه الهدايا اليوم فأخت زوجي عادت من السفر ويجب عليّ زيارتها. قالت سحر وهي تتحرك تجاه أحد المطاعم، ومن خلفها سدن تسير على مهل وتتبعها: لا داعي، لا أريدك أن أكلفك.. ثم حمد لله على سلامة أخت زوجك، يبدو أنكِ تحبيها لتشتري لها كل ذلك. قالت سدن بلطف وهدوء لم تتبين سحر مطلقًا ما خلفه: لا تضخمي الأمور، أليس هذا قولك، ثم فعلًا أخت زوجي تستحق كل خير. ابتسمت سحر بإتساع وأسرعت نحو إحدى الطاولات تضع الحقائب وتجلس وهي تسحب قائمة الأصناف بلهفة وتنظر لها وهي تقول بصدمة: الأسعار هنا باهظة جدًا. قالت سدن: اطلبي ما تشائين. نظرت سحر لسدن بانكسار، وهي تطلق لسانها بكلمات ناعمة وتقول: أنتِ ابنة أصول يا سدن ومؤكد ستفهميني، بصراحة أنا لا أستطيع تناول شيء من مكان لن أستطيع إحضار أطفال زوجي وأولادي له بيوم من الأيام، لذلك إن كانت ساقيك قد ارتاحتا قليلا دعينا نرحل. قالت لها سدن: لما تقولين هذا يا حبيبتي؟، أحضري زوجكِ وأولادكِ متى شئتِ، لا يمكن لأحد هنا أن يمانع. قالت سحر بكلمات تتسلق العقول وتنفذ من أبواب الشفقة: من أين سأفعل يا سدن، والقادم على قدر الراحل، أتعلمين أن مصاريف التأهيل لطفلي في مركز كهذا تتكفل بها إحدى الجمعيات الخيرية، والله أنا أتمنى أن أفعل لأسرتي الكثير، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، حتى علاقتي بزوجي متوترة بسبب ضيق الحال، وكلما نظرت لعلاقتكِ بزوجك وسمعت حديثك عنه أتيقن أني لن أنعم معه بعلاقة هادئة مطلقًا. أسبلت سدن أهدابها، وقالت ولا تعي لوقع الكلمات بعقل الجالسة أمامها: نعم زوجي حنون مراعي.. متفهم وكريم، وعائلته عائلة محترمة. نظرت لها سحر وكأنما كلماتها تأجج في صدرها نيرانًا لا تهدأ لتقول: سدن، هل إن طلبت منكِ أن يجد زوجكِ وظيفة لزوجي بالمطار، سيكون الأمر ثقيلًا عليكِ؟ أنا فقط متعشمة فيكي خيرًا. رفعت سدن عينيها تنظر لسحر وقالت: سأحاول لأجلكِ ولأجل أسرتكِ، قدر استطاعتي. ابتسمت سحر لها وقالت: وأنا لن أنسى لكِ هذا مطلقًا. بعد عدة أشهر... أما بعد فإنما الكلمات حاجز قوتي الهش، وإنما حروفها باقي زينتي الملطخة، وإنما معانيها هي دموع عيني التي لا يصبح لها معنى حينما تتوارى خلف أهدابي المحترقة.