وقعت عينيه عليها وهي تترجل تلك الدرجات البسيطة مع زوجة صديقه تتلقى منها عبارات التهنئة المختصرة التي يفرضها الموقف ذاته، ابتسامة مباغتة حلت فوق ثغره عندما تلاقت أعينهما في حوار طويل صامت، به الكثير من الوعود الصادقة لها بألا يمسها سوء ما داما معه في حمايته، لم يصدق سرعة حدوث الأمر من استخراج نسخ سريعة لصورتهما الشخصية صورتها التي احتفظت بها كل تلك المدة، حيث كانت تعدها لعقد قرانهما معا، أبت أن تزين تلك الصور وثيقة زواج رجل غيره، ضربة خفيفة فوق كتفه من صديقه يليها تهنئة صادقة بحبور واضح: مبروك يا وحش البغدادية، أخيرا دخلت القفص برجلك. قارعه "آسر" بثقة: مش أي قفص وحياتك، القفص اللي كان نفسي أتحبس فيه من زمان، عمرك شوفت مسجون بيجري ورا سجنه ؟. حاوط " هيثم" رقبته بذراعه بمشاكسة: شوفت وواقف قدامي كمان. حاول الإفلات منه، ينهره على فعلته: إيدك يا جدع متضيعش هيبتي قدامها وأنا لسه عريس جديد. وقف يهندم ملابسه بعد أن نجح في التحرر من صديقه، فسمعا الأخير يسأله بنبرة جادة: خلينا في المهم، هتروح فين دلوقت، شقتها مش أمان وزي ما قدر يكسر باب العمارة ويدخل هيقدر يفتح شقتها بسهولة، أنا شايف تشوف مكان بعيد عن شقتها لحد ما الأمور تهدى شوية. -إنت شايفني "سوسن" قدامك، يبقى يفكر بس يتعرضلها تاني، عموما هو ليه تخطيط تاني في دماغي متشغلش بالك. راقب اقترابها بنفس متلهفة حتى استقرت جواره تائهة مرتبكة، أشفق على تخبطها، فأحاط بخصرها يقربها منه وهو متابع حديثه مع صديقه: إنت توصلنا، وتروح إنت ومراتك إللي على آخرها دي، وبكرة هروح أستلم عربيتي من الصيانة. متشغلش بالك إنت، أنا بكرة هجيبلك عربيتك لحد عندك، المهم تبلغني هتعمل إيه خطوة خطوة. وقفت تنظر حولها بتوتر بأرجاء الشقة بفضول أنثى تستكشف ذوق صاحبها الذكوري في كل ركن بها، استرعى اهتمامها حركة ذلك الواثق بالمكان بأريحية غريبة أثارت ريبتها بعض الشيء فشددت من احتضان طفلها الغافي بين أحضانها تستمد القوة منه، أثناء تنقله يزيد من إضاءة المكان، شعر بحيرتها وارتيابها، فرنا منها بخطوات حثيثة ينتشل عنها طفلها فلامست يده كفها البارد مما جعله يشعر بانتفاضتها لملمسه فأخبرها بصوته الرقيق: -هنيم " عبد الرحمن" جوا عشان ميصحاش. هزت رأسها بالموافقة، وظلت ثابتة بمكانها تتلفت حولها بقلق، خوفا من وجودها في شقة جارها البغيض، انتشلها من دوامة تفكيرها بصوته الآسر: إنتي لسه واقفة عندك ؟! بللت شفتيها تزيل جفافهما وتبلغه بقلقها قائلة: هو صاحبك عارف إني هكون معاك بالشقة هنا، أنا خايفة ييجي في أي وقت يلاقيني هنا، ياريت نرجع شقتي أفضل. رفع كفها البارد يودعه قبلة طويلة فوق ظهره، يبث بها شوقه: طول ما إنتي معايا، مش عايزك تخافي من حاجة، وده أامن مكان، طليقك مش هيفكر فيه شقتك مش أمان دلوقت. هزت رأسها بتيه مسحورةً بنبرة صوته العاشقة لها، شجعه سكونها لرفع كفيه يحتوي بهما وجنتيها هامسا لها أمام وجهها وأنفاسه الساخنة تلفح بشرتها: أنا لحد اللحظة دي مش مصدق إني لقيتك يا "نيروز"، ومش لقيتك وبس ، لا وبقيت حقي، مراتي. نظرت له بعينين لامعتين تأثرا بمشاعره المعذبة، واندفعت تبلغه بما يجيش به قلبها منذ سنين بجرأة لم تعهدها: وأنا مش مصدقة إني لاقيتك، مش مصدقة إنك لسه بتحبني زي ما أنا ... زي ما أنا بحبك يا "آسر". تلاقت شفتيه بخاصتها ليتعانقا في اعتراف صامت، يبث كل منهما للآخر شكواه، شكوى البعد، شكوى الأيام المريرة، رفعت كفها تلمس ظهره تشدد من احتضانه، حررها بعد لحظات غير مسيطرا على تلاحق أنفاسه، يهمس لها باشتياق: إنتي عارفة الليلة دي تخيلتها كم مرة؟، رسمتها في خيالي قد إيه ؟، اتمنيت إللي حصل ما بينا ده لدرجة إيه ؟ كنت بعد الأيام والساعات اللي فاضلة لجوازنا عشان تبقى في حضني ، وفجأة.... وضعت أناملها فوق شفتيه تمنعه من استرسال تلك الأيام البعيدة التي لا ترغب في تذكرها، شعرت بلثمه لأناملها بخفة سببت لها تيارا من الكهرباء بأطرافها، ألتقط شفتيها مرة أخرى في قبلة أعمق يخبرها فيها بنفاد صبره وأن اشتياقه لها بدى غير مسيطر عليه، انحنى يمرر ذراعه خلف ركبتها يرفعها بين أحضانه ، لتسرع تتشبث بعنقه مرتعبة من تلك الخطوة الآتية حتما، أبعد وجهه عنها بعد أن حرر ثغرها من هجومه الغاشم، يسمعها تقول بقلق: رجلك يا "آسر" بتوجعك، نزلني. سار بها بخطواته العارجة مضحيا بألم ساقه في مقابل وجودها بين أحضانه كما هي، ينثرها بلثماته العشوائية الهادئة بصمت يتمتع من خلاله بنبرة صوتها وعبق أنفاسها المتوترة، لم تدرك متى وصلت لتلك الغرفة ولا هذا الفراش أسفلها، أراح هو جسدها فوق فراشه مستمرا في إهدائها قبلاته العاشقة الثمينة، فابتعد عنها دون تحريرها ينظر لوجهها الملتحف بالحمرة، سائلا نفسه: ترى هل هي حمرة الخجل أم الخوف؟، رفع أنامله كالمغيب يحرر وشاحها عن رأسها ليكشف عن تلك الخصلات السجينة أسفله، لتتساقط خصلاتها حول وجهها تزينه كهالة سوداء تحيطها، فابتلع ريقه بتوتر من رؤيتها لأول مرة بشعرها، لا للمرة الثانية، فالأولى كانت خفية، أمسك خصلاتها وظل يغمر كفه بهم متلمسا نعومته، فقال بصوت رجل معذب: عارفة قد إيه تمنيت أشوف شعرك؟، وألمسه بإيدي، كان حلم بعيد أوي وإنتي حققتيهولي. اقترب يلثم جانب عنقها باشتياق جائع، مع محاولته لتحرير أول أزرار قميصها، آنة تجاوبها شجعته لإكمال تحريرها من ملابسها، ولكن فجأة عاد لأرض واقعه مرتطما بها بقوة، عندما وصله صوت صراخها رافضا، فابتعد عنها ينظر بحاجب معقود لعينيها المرتبكتين اللتين يحبسان داخلهما درتین مهددتين بالانطلاق، يلاحظ تشبثها بمقدمة قميصها بقبضة من حديد، فسألها بألم من رد فعلها اتجاهه: مش عايزاني؟!، عايزاني أبعد؟. هزت رأسها بالسلب تزامنا مع عبراتها الهاربة من محبسها، نفي سؤاله جعله يحيط كفها القابض على ملابسه سائلا مرة أخرى: أومال في إيه بس؟، وليه الدموع دي ؟ أغمضت عينيها بقوة لتنطلق باقي عبراتها تغرق وجهها، تقول من بين شهقاتها : في حاجة إنت متعرفهاش، لازم تعرفها الأول. زحف ليقترب منها ولا يفصلهما شيء، يبلغها بإصرار واضح مش عايز أعرف حاجة، إللي عايز أعرفه إنك معايا وفي حضني وبس. حاولت النطق بما يجيش به صدرها من مخاوف، خوفا من ردة فعله اتجاهها بعد أن يكشف عن إصابتها، هل سينفر منها ؟، سيبغضها، كما فعل "حاتم "قبله، ولكن هذا سيكون قاس عليها، لن تتحمل رفضا منه، هو بالأخص، سيقتلها ذلك إن حدث، في دوامة تفكيرها لا تعرف كيف انتهى بها الأمر مجردة من ملابسها أمامه ، كيف ومتى لا تعلم، كل ما عرفته أنه لم يبغضها مثلما ظنت، بل فاجأها بنوبة عشق غمرها بها كانت تتوق إليها، تقبلت هجماته بنفس راضية، كانت همساته يبث بها كلمات غزله كفيلة لطرد فزاعة مخاوفها عنها، تلك الفزاعة المصاحبة لها في نومها ويقظتها، أما عنه حاول كثيرا وأد انفعالاته وتهوره معها ولكن كل الثبات ضاع هباءً أمام عبرة من عينيها تلخص درجة فزعها وخوفها من أن يكشف عن إصابتها، نعم كانت صدمته كبيرة عندما لاحظ تشوهها أول مرة عند اختبائه، ولكن تلك الإصابات لم تقلل من قدرها بقلبه، لم يلتفت إليها مطلقا، ما زادتها تلك الإصابة إلا جمالا وكمالا بعينيه - عين عاشق. جلس بجوارها فوق فراشه يراقب غوصها في نومها العميق بسعادة بالغة لم يصدق أنها الأن معه تشاركه فراشه، يشعر بأنه ولد من جديد بعد وفاته، لم يكن يرسم بخياله أن يكون لقائهما الأول بهذا التناغم الذي حدث مطلقا ، لم يتخيل يوما اشتياقها له قدر اشتياقه، كانت بين يديه أنثى بما تحمله من الكلمة، لم ينقص منها شيء مطلقا على العكس أذابته ككقطعة الثلج بين أحضانها الساخنة، يجب عليه الاعتراف أنه كان لقاء تاريخيا يسجل في دفاتر التاريخ، انحنى فوق كتفها العاري يلثم إصابتها، مشفقا عليها إرهاقها الجسدي والنفسي، تحرك من جوارها مرتديا ملابسه قاصدا حجرة الصغير