انتشلته من شروده عندما مررت قدحًا من القهوة الساخنة يتصاعد منه الأبخرة أمام نظره لينتبه لها مجفلا من تصرفها يقول بامتنان: فعلا كنت محتاج فنجان القهوة دا. ابتسمت له ابتسامة لم تصل لعينيها، وظلت تفرك أناملها بتوتر بالغ منتظرة منه أن يطمئنها ويبلغها بالحل الأمثل لمشكلتها، فسمعته يثني على إعدادها للقهوة مع تحركه للجلوس فوق أريكتها المفضلة: ريحة القهوة تجنن. لم تعلق على ثنائه بسبب انشغال بالها فاندفعت تسأله على عجالة: هنعمل إيه دلوقتي، ما أنت مش معقول هتفضل قاعد تشرب في شاي وقهوة وأنا في مصيبة. ألقي نظرة عليها من فوق فنجانه أربكتها وسألها وهو يتلاعب بهاتفه باهتمام: تحبي تفطري إيه ؟، في كافيه ..... قريب من هنا بيعمل القهوة والتشيز كيك تحفه، أنا هعملنا أوردر. -إنت فايق تهرج، وليك نفس تاكل ؟، أنا كنت متأكدة إنك مش قد كلمتك وهتتخلى عني. استمرت بضرب فخذيها بكفيها تولول بأسلوب جديد عليه مشبها هيئتها ب "أمينة رزق": أنا عارفه حظي، كنت متأكدة إنك مش هتعمل حاجة، أعمل إيه دلوقت؟ رفع حاجبه باندهاش، وعينيه تتابع حركة كفيها في علوها وانخفاضها فوق فخذيها سائلا بسخرية: من إمتى أتغيرتي يا "نيروز"، وبقيتي لوكل (local؟) انتبهت لكلماته المسيئة وتلبست وجها صخريا متحفزا قائلة مستنكرة: (أنا؟!local) تنحنح يجلي صوته مغيرا دفة الحوار: خلينا فموضوعنا، في مكالمتك لطليقك. كاد أن يسهب في إقناعها ولكن صوت رنين هاتفها قاطعهما فتهللت أساريرها تنطق باسم صاحبتها، وكادت أن تنتشل الهاتف لتتفاجأ بجذبه منها مانعا إياها من الإجابة، فثارت بوجهه توبخه وهي معترضة على تصرفه: إيه اللي بتعمله ده؟ هات التليفون، زمانها قلقانة عليا. التوى ثغره بابتسامة متهكمة متسائلا بدوره: مين كان يعرف مكان شقتك دي؟ عقدت حاجبيها متعجبة من سؤاله ، وأسرعت تجيب بعد إدراك: مفيش حد يعرف مكانها إلا أنا و..... صمتت للحظات تمرر نظرها فوق وجهه كأنه وصلها أخيرا معنى سؤاله، فتحولت ملامحها سريعا للصدمة عندما وصلها فحوى سؤاله، أن صديقة عمرها ليست سوى جاموسة لطليقها، فضيقت عينيها بشراسة وأسرعت تنتشل هاتفها من كفه وكاد أن يعترض إلا أن ما سمعه منها جعله يبتسم، فصغيرته بدأت تتعلم الدرس وسترد الصاع صاعين لمن يمس أسرتها الصغيرة. أنهت مكالمتها سريعا مع تلك الخائنة لكل معاني الصداقة، لتجده يجري مكالمة هامة بصوت منخفض ، فتحركت من جلستها تولي اهتمامها لما يفعله وسمعته يقول بأسلوب عملي: كويس أوى، إنت فين دلوقت، وفهمتها هتعمل إيه؟ نظر لها بجانب عينيه ولاحظ الفضول يقفز من مقلتيها، ولكنه تجاهلها متعمدا يزيد من غيظها: أنا منتظر إشارة منك، سلام. واجهها بجسده يسألها مغيظا إياها: مقولتيش، تفطري إيه ؟ آسر!!! صرخت بوجهه، فالقلق يقتلها والوقت يمر من بين أناملها، فقطع شرودها حديثه الآمر: نیروز، اسمعي الكلام كويس دلوقت الباب هيخبط ، هتروحي تفتحي وتستقبلي اللي جاي عادي جدا فاهماني ؟ عقدت حاجبها تتساءل: مين هييجي ؟ قطع سؤالها صوت شجار عال خارج شقتها فوجدته يدفعها أمامه جهة بابها، ممسكا مرفقها هامسا لها بصوت منخفض: افتحي الباب ودخليها اسمعي الكلام وأنا هفهمك بعدين، يلا. فتحت الباب ليضربها الذهول من رؤيتها لذلك الكائن الأنثوي المتجسد أمامها ذات البطن المنتفخة، ظلت تمرر نظرها عليها في صدمة مؤقتة إلا أن قرصة بخصرها من ذلك المختبئ جعلتها تنتفض وتعود لتركيزها قائلة بصوت مضطرب: -أهلا، اتأخرتي ليه؟ صرخت "سلوى" غضبا تشيح بيدها أمام وجه ذلك الضخم: التور ده مش عايز يدخلني، ولا حتى مراعي حالتي الصحية ولا بطني إللي قدامي. قال الحارس المكلف بعدم التحرك من موقعه: يا مدام أنا كل اللي قولته هتصل ب "حاتم" باشا آخد الإذن منه. تصدق إنت راجل قليل الذوق عايزني أقف استنى أوامر سيدك، خسارة فيك الفطار اللي "نيروز" هانم موصياني اشتريهولك. وقع عينيه على تلك العلبة المسندة فوق انتفاخ بطنها البارز وكوب القهوة المتصاعد رائحته لتملأ الجو من حوله منذ حضورها، فسال لعابه.. فهو منذ أمس لم يتذوق لذة الطعام والشراب، فتراجع عن موقفه بانكسار: أسف يا هانم ما أخدتش بالي، اتفضلي خدي راحتك. رفعت سلوى أنفها، تمر من أمامه دخولا للشقة ففقد هو الأمل في الحصول على تلك الجائزة الثمينة، ولكن تهللت أساريره عندما عادت تدفع الوجبة له تخبره بنزق: خد، وادعي لستك "نيروز". وقفت تمرر نظرها بينهما مريحة كف يدها فوق بطنها المنتفخة أمامها تقول بلهاث: انا جعت معندكمش حاجة اكلها ؟ رفع "أسر" عينه لأعلى محدثا نفسه: الله يكون في عونك يا "هيثم"، يا مدام "سلوى" بتسألي على الأكل وأنت حاضنة وجبة ؟ دفعته ليتراجع خطوتين، يشاهدها تجلس فوق أقرب مقعد: اتنيل أنت وصاحبك، لولا أنا كنت روحتوا في داهية. أولى اهتمامه لتلك المصدومة مما يحدث، طالبا منها ببعض الحزم تدخلي تجهزي نفسك إنت و "عبد الرحمن"، وتاخدي كل أوراقك معاك، عشان هنخرج من هنا. ليه؟، وإزاي ومين دي؟. مسح فوق ذراعيها يطمئنها اسمعي الكلام، وهتفهمي دلوقت كل حاجة. راقب انصرافها بقلب مخلوع ثم وجه حديثه مرة أخرى لزوجة صديقه: المطبخ هناك أهو عايزك تتشقلبي فيه وتسدي جوع الوحش اللي جواك. فراشة مزدهرة تتنقل بين زهراتها البديعة تداعبها نسمات الكون العليل، كان هذا شعورها وهو قابضا على كفها بتملك رجولي. ترجل درجات الهيئة الحكومية الرخامية كفارس ظافرًا بأميرته، يحملها فوق جياده الأبيض منتصرا بمعركته، رفع نظره لها وهو يمتلك كفها الصغير يهديها ابتسامة رضا بادلتها إياه بخجل عذري، حتى وصل لسيارة صديقه السوداء يخبره بأولى كلماته: الحمد لله قدرنا نلغي التوكيل، شكرا يا "هيثم"، لولا قريب "سلوى" مكنش خلص الموضوع بسرعة. أجابه يربت على كتف صديقه بامتنان واضح: ولا يهمك يا متر"، وكمان الشكر مش ليا ، ل"سلوى" رئيسة العصابة. أخرجت رأسها من نافذتها وهي محتضنة طفل "نيروز" عند ذكر اسمها تخبرهم بتذمر واضح: اللي عايز يشكرني يودينا لأي مطعم ناكل حالا، جعانة يا بشر. هز "آسر" رأسه بملل ينظر لتلك الخجلة بوجهها الوردي مع محاولتها المستميتة لجذب كفها منه، فغمز بعينه مداعبا لها: متحاوليش، وبطلي شغل عيال، ويلا عشان المفروض تبلغي "عبدالله" إنك لغيتي التوكيل ولا إيه؟. جالسة بجواره تحاول تمالك خجلها واضطرابها الذي داهمها منذ أن عرض عليها الزواج مرة أخرى، قلبها ككرة مطاطية لم يتوقف عن القفز داخل تجويف صدرها الصغير، شعوران متضاربان يهاجمانها شعور بالخوف يمتزج بالفرح، رفعت نظرها له وهو يحتضن طفلها يداعبه ويهديه الكثير من القبلات لتلتقي بعينيه ذات النظرات اللائمة لرفضها لطلبه، ولكنه يعذرها لتخبطها وقلقها، فسمعت "هيثم " يسأله باهتمام: -هتعملوا إيه بعد كده؟. تبادلا النظر باهتمام ثم أجابه "آسر": -دلوقت "نيروز" مش هينفع ترجع شقتها، لأن زمان طليقها عرف اللي حصل من الراجل بتاعه أو أخوها. قالت بسذاجة واضحة أنا خايفة الراجل اللي قاطع النفس ده يكون جراله حاجة، وأروح في داهية. قالت "سلوى" وهي تلتهم شريحة البيتزا بجوع يغلبها: غبية! تعجبت من كلمتها غير المبررة، ونظرت لهم متسائلة بصمت فابتسم لها "آسر" يوضح لها ما خطط له بحرفة إجرامية، والذي أخفاه عنها عمدا، لعلمه المسبق بأنها لن ترض عن أفعاله، وراح يقص لها ما حدث. وقف يتابع ما يحدث بالخارج من شجار زوجة صديقه مع ذلك الرجل مستغلا ذلك في التواصل مع صديقه المنتظر بالأسفل يرسل له رسالة مختصرة: دوبت المنوم كويس في القهوة ؟ أجابه صديقه: متقلقش هينام لبكره. رفع نظره لهما عندما وصله صوت "سلوى": أنا جعت، معندكمش حاجة أكلها ؟ بعد مرور ربع الساعة كان ثلاثتهم يقفون بتحفز خلف باب الشقة المغلق يسود حولهم الهدوء القاتل، يشرأب هو برأسه، ينظر من العين السحرية يراقب الأجواء ثم تابع قوله يأمرها هامسا: "نيروز"، نادي عليه شوفيه صاحي ولا نايم؟ ردت ببلاهة: ينام على السلم ؟! أمرها مرة أخرى بصرامة فلبت رغبته بدون أن تعرف السبب، وعندما لم يصلها إجابة فتحت الباب بحرص لتصله شهقة مرتعبة مع اندفاعها للخارج مستغيثة به: الحق يا "آسر" الراجل قاطع النفس. اقترب بخطوات متزنة يدفعها للابتعاد عن ذلك الساقط أرضا يتحسس وريده بأصبعيه، حتى طمأنها، وهو يبحث عن شيء ما بملابسه: الحقيقة في اتنين في شبرا (منطقة بالقاهرة) لسة مسمعوش الحق يا "آسر" دي، نفرض الراجل فايق كنا رحنا في داهية ، عموما متقلقيش دا نایم وقفت مرتابة في تصرفاته فسألته باستغراب: إنت بتدور على إيه ؟ رفع أمام عينيها هاتف الرجل يحاول فتحه أكثر من مرة وكل مرة تبوء بالفشل حتى صرخ بضيق اعتراه: الزفت عامل باسورد للتليفون ظلت تنظر لهما بشك في تصرفاته تهدهد طفلها الذي بدأ يتذمر من صوته العالي مع شعورها بذبذبات سلبية تطوف بالهواء من حولها، فقالت ما جعل أساريره تهللت: التليفون دا ببصمة ، مع "تقى" واحد زيه. ظل يختبر إصبع في الثاني، وقد تنبأ بالثالث لتفتح أمامه طاقة القدر، وأسرع في مراسلة طليقها برسالة مختصرة يطمئنه على هدوء الأحوال وأن هاتفه أوشك على فقد طاقته لعدم وجود شاحن، ثم أغلق الهاتف من زر طاقته، فصدح صوت "سلوى "متعجلا: بسرعة دخلوه جوا قبل ما يفوق ونروح في داهية. نیمته؟ حطتله منوم، إنت إيه ؟ خلاص بقيت مجرم مرة تتشعلق على المواسير، ومرة تنيم الراجل سيبت إيه للمجرمين والحرامية إللي كنت بتحطهم بإيدك في الحجز؟ يعلم طبيعتها ، ورقة قلبها، لذا تم إخفاء الخطة كاملة عنها؛ لأنه يعلم أنه إذا أبلغها كانت ستفسد مخططه إن لم يكن باعتراضها سيكون بتوترها أمام الرجل، حاصر كف يدها بقوة تملكية مهدئا إياها وموضحا وجهة نظره: أهو عشان الانفعال دا كله أنا خبيت عليكي الموضوع عشان عارفك، قلبك الحنين وخوفك، وكمان أحنا نيمناه بس عشان نقدر نخرج مقتلنهوش ولا إيه ؟ قاطع حديثهما " هيثم" بسذاجته: والله أنا لحد دلوقتي مش مصدق إن "نيروز" هي جارتك المجنونة. جارة مين؟! كان هذا سؤالها المرتاب من جملته، ارتبك "آسر" فهو حتى الآن لم يعترف لها عن حقيقة وجوده بشقتها، فأسرع يغير مجرى الحديث مع رمق صديقه بنظرات خطرة ارتبك منها الآخر: بقول إيه يا " هيثم" شوف مراتك كده شكلها لسه جعانة.