Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الثالث عشر

ظل يحمد الله ويناجي ربه أن يغفر له خطئه في حقها، فمنذ علمه بما حدث لها وضميره يقتله وقلبه ينحره على وضعها ، كيف سولت له نفسه بأن يفعل بها تلك الأفاعيل، اندفع الباب يفتحه بقوة غاضبة ، كان يعلم أنها لن تمرر الأمر مرور الكرام، فمنذ علمها وشياطينها تلبستها، فهمس بصوت مرتفع نسبيا مستنكرا تصرفها: يا فتاح يا عليم، في إيه يا جيهان على الصبح ؟ ضربت الباب مرة أخرى بقوة غاضبة: يا برودك يا أخي، إنت مش حاسس بالمصيبة إللي إحنا فيها، قوم شوف أختك راحت في أنهي داهية وجيبها من شعرها. وقف يواجهها وابتسامة تهكمية زينت ثغره: إيه كمان يا جيهان؟، مش عايزاني أروح أقتلها وأخلصك منها بالمرة؟ ارتبكت من مواجهته لها بتلك الصراحة الفجة، واندفعت تدافع عن نفسها : أنا، أنا مقصدش كده، أنا كمان يهمني مصلحتها زادت ابتسامته تهكما وراح يواجهها بمرارة: -مصلحتها ؟، فين مصلحتها دي؟، المصلحة إللي خلتك تسممي وداني لحد ما سلمتها لشخص زي "حاتم"، صفقة خد وهات، هو يتجوزها عشان ظروفها في المقابل نشاركه في مشروع عمره، يا ريتني ما سمعت كلامك زمان وفرقت بينها وبين خطيبها، فضلتي تسممي أفكاري أنه مسيطر عليها وهتركن على جنب ما تركن إيه المشكلة ؟ ، مدام بتحبه وبيحبها. بللت شفتيها بتوتر قائلة بصوت مضطرب: أيوه، خطيبها كان مأثر عليها، وكنت خايفة تتخلى عنك وأنت شوفت بنفسك بقت إزاي بعد ما أتخطبوا. هز رأسه بأسف واضح، قائلا: وفيها إيه خايف على الفلوس ؟، تغور الفلوس قصاد سعادتها، بس إنت كان كل همك إن نصيبها في مصانع للخشب ميخرجش من تحت إيدك، من يوم وفاة أبويا وعرفتي أنه كاتب لها نص المصانع وإنت نارك قايده، إزاي "نيروز" اليتيمة تكون صاحبة كل ده وإنتي لا، مشبعتيش من فلوس جوزك، لا، حبيتي تستولي على فلوسها هي كمان. فركت كف يدها بتوتر بالغ وانطلقت تدافع عن نفسها باستماتة: من حقي أخاف على مستقبلي، ومستقبل ولادي. -إنتهينا يا جيهان، من هنا ورايح تعيشي على قدي وقد فلوسي، وأنا الحمد الله ربنا كارمنا من وسع فنبطل طمع، عجبك يا بنت الناس تعيشي كده تمام مش عاجبك كل واحد يروح لحاله وحقوقك كلها توصلك وإنت عند أبوكي. تحرك مخلفا إياها تتميز غيظا من كلماته القاسية وتهديده الصريح بهدم حياتهما من أجل شقيقته الصغرى. ظل يرمقها بنظرات لائمة تحمل في طياتها بعض الغضب، كيف لها أن ترد طلبه للمرة الثانية ؟، هل يعقل بعد أن عثر عليها مرة أخرى، يتركها تمضي في طريقها كأنه لم يرها ، لا وألف لا، لن يقبل بابتعادها عنه مرة أخرى، فهو أكيد من حبها له وعشقه لها، فالفرصة لن تأتيه مرة أخرى، ويجب عليه الفوز بما يضمن سعادته في تلك الدنيا، اندفع يأمر" هيثم" بالتوقف فجأة مما جعل كلاهما يتعجبان من طلبه باستثناء زوجة صديقه الصامتة إرهاقا، لبى صديقه طلبه بانصياع تام يسأله : وقفتنا ليه ؟، في حاجة ؟! نظر لها بتحدى واضح ينطق بكلماته، يوصل لها مع كل حرف رسالة ضمنية بأنه لن يقبل رفضا مرة أخرى: عايز أقرب مأذون في المنطقة. -نعم ؟! تلك كانت كلمة صديقه المذهول من طلبه في مثل ذلك الوقت، فكرر مرة أخرى كلمته بتحدى أكبر لا يقبل اعتراضا: بقول عايز مأذون، وحالا يا "هيثم". متجيبوا مأذون وتخلصونا بقى أنا تعبت. نظر لها زوجها بنظرة مغتاظة ينهرها: استني إنت اما نفهم الأول. أردف "آسر" بصوته الخشن الرجولي: مش كان نفسك أتجوز، أديني بقولك عايز أتجوز، وحالا، بس هي توافق. نظر كلاهما لتلك المذهولة من الحديث الدائر بينهما بفاه مفغر كأنها ليست طرفا في الحديث، وظلت تمرر نظرها بينهما لا تنبس ببنت شفة، وفجأة انتفضت على حدة "سلوى" قائلة: -متوافقي وتخلصينا بقى مكنتش جوازة دي ؟ ولكنها كادت أن تعترض على تهوره إلا أنها وجدته يفتح نافذة الباب ويشرئب بعنقه مستوقفا رجلا كهلا مرتديا جلبابا أبيضا وبيده عكازا خشبيا من فضلك يا حاج، فين أقرب مأذون في المنطقة هنا. توقف الرجل ينظر حوله بتفكير عميق يظهر لمن حوله كأنه يفكر في أمر عملية فيزيائية معقدة، ثم اقترب مستندا بكفه فوق نافذة الأخير ينظر لتلك المحتضنة طفلها خلفه، ويقول معاتبا: ليه يا بني، استهدى بالله، بلاش الشيطان يأثر عليك. رفع "آسر" حاجبيه مندهشا من كلماته ، فاندفع يوضح طلبه بعد أن القى نظرة سريعة على من خلفه: لا حضرتك فاهم غلط أنا عايز المأذون عشان.... أيوه، أيوه، هتقول العيشة مبقتش تنفع ولازم نطلق، يابني اسمع كلام راجل كبير زي، ومتغلطش غلطتي مش هينوبك إلا البهدلة والمحاكم والنفقة، وكمان حد يطلق السكرة إللي معاه دي؟. ضحكة مكتومة صدرت من صديقه، فبادله " آسر" بنظرة تهديد واضحة حتى تحرك يفتح باب السيارة مترجلا منها ليبتعد الرجل خطوة مفسحا له، فأشار له مصححا ما فهمه: حضرتك فهمتني غلط، مفيش حد هيطلق حد، أنا عايز المأذون عشان عايز أتجوز السكرة دي. ثم أشار عليها لتتحول ملامح الرجل للاستنكار والبغض سريعا، مرددا بحدة غاضبة: -استغفر الله العظيم استغفر الله العظيم، ليه يابني كده؟، أنتوا معندكمش أهل يربوكم جاي تصلح غلطتك بعد مجبت عيل منها، إيه الزمن ده؟! ضحك" هيثم" ضحكات متقطعة حاول السيطرة عليها، ليجيبه ساخرا: جيل أخر زمن يا حاج هنعمل إيه؟ لكمة في ذراعه من "آسر" أخرسته، ناهرا إياه: اتكتم إنت مش وقتك. التفت يحاول تثبيط غضبه من غباء ذلك الرجل، وحاول الحديث بلباقة تناسب عمره: حضرتك ليه مصمم تتسرع، سيبني أكمل كلامي للأخر، السكرة دي مش مراتي ولا ده ابني، أنا عايز أقول من بدري إني عايز أتجوزهاا أخرجت "سلوى" رأسها من نافذتها تصرخ بهم بفقدان صبر: أنا اللي عايزة أتطلق يا حاج، متزعلش نفسك. جلست تنظر للدخان المتصاعد من سيجارته الثالثة بتوتر بالغ حاولت إخفائه، ثم شجعت على سؤاله: -هتفضل ساكت كتير ومقعدني قدامك كده؟ ظل يرمقها بنظرات مستنكرة ثم دهس صبابة سيجارته بغضب قائلا: إنتي تخرسي خالص مش عايز أسمع صوتك، لحد منشوف المصيبة اللي وقعتينا فيها. دافعت عن نفسها مستنكرة هجومه: -إنت بتتعصب عليا ليه ؟ وأنا مالي، هو أنا إللي كنت سايبة عليها حراسة وهربت من وراك. ضرب بكف يده فوق مكتبه بغضب مما دفع لكوب الماء للسقوط، واندفع يقول من بين أسنانه: الهانم كشفتك، وكانت عارفة إنك بتوصلي لي كل حاجة عنها. إيه ؟، لا طبعا، نيروز بتثق فيا جدا، أكيد إنت فاهم غلط. ابتسم ابتسامته الشيطانية، مستهزئا بحديثها: تفسري بإيه إنها كلمتك وأكدت عليكي إنها منتظراني بالليل ومعايا المأذون؟، وهي مخططة تهرب بس أنا مش هسيبها وهوصلها. أراح ظهره لينتشل إحدى سجائره من علبته الخاصة، يبثق كلماته السامة: اتفضلي من غير مطرود مش عايز أشوف وشك هنا تاني. يعني إيه ؟، ده مكنش اتفاقك معايا، ووعدك ليا، أنا مش هخسر صدقتها والوظيفة اللي وعدتني بيها. أشار لها بتقليل لشأنها جهة باب مكتبه: إنتي بقيت كارت محروق بالنسبة لي، ابقي خُدي الباب وراكي وإنتي خارجة عشان مش فاضيلك. انتفضت من جلستها تنظر له شذرا، تهدده بما أتت به من شجاعة: هتندم یا "حاتم"، وبكره أفكرك. تحركت تضرب الأرض بقدميها غضبا، فوصلها صوته الساخر مرة أخرى: متنسيش الباب وراكي. ما كان منها إلا أن ضربت الباب تفتحه على مصراعيه بغضب متحديةً أوامره، ضاربة بأمره عرض الحائط.

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514