Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل التاسع

وقفت ممسكة بقطعة الخبز رباعية الزوايا بأنامل مرتعشة تعلم أنه الآن يقف يراقبها على مسافة معقولة، فشغلت نفسها بتوزيع الجبن فوق شريحة الخبز، وانتفضت مدعية الرعب حينما وصلها سؤاله القلق: إنت منمتيش ؟ كان يعلم أنها على دراية بوجوده، وأنها تفتعل اندهاشها لسماع صوته، لو لم تكن تعلم لما أردت إسدالها وهي تعلم بعدم وجوده؟ دارت حوله تمرر نظرها على وجهه المبتل وخصلات شعره المتساقطة فوق وجهه بذهول ، هل قام بالاستحمام بحمامها بدون إذن؟ ماذا ؟ الحمام ؟، لقد دخل حمامها ؟، وهي تجفف به قطع ملابسها الداخلية مختلفة الألوان والأشكال كعرض رخيص له، فأسرعت تسأله هي الأخرى باندفاع متجاهلة استفساره: -إنت دخلت حمامي ؟ عقد حاجبه في استغراب من سؤالها وأجابها بوداعة مزيفة: -أيوه، دخلت حمامك. إنت إزاي تدخل من غير إذني ؟ رفع حاجبه بتعجب واضح لم يفهم لماذا كل تلك الثورة لدخوله حمامها ؟ ليردف بلا مبالاة هو دخول الحمام بقى بإذن ؟ ، أنا حاسس إن بقيت في حضانة هاخد الإذن عشان ألبي نداء الطبيعة. صمت للحظات يراقب توترها وعينيها الهاربتين من مواجهته، فأرادت الهروب من تلك المراقبة والتفتت تولي اهتمامها لعملها الزائف تسأله ببعض الحدة: ممشيتش ليه؟، أنا كنت فاكره هخرج ألاقيك مش موجود وريحتني من الوضع ده. سمعت خطواته البطيئة مع أنينه المكتوم، أرادت أن تعرف سبب تألمه فخطفت نظرة جانبية لتراه ممسكا بساقه اليمنى العارجة، آلمها شعوره بالتألم حتى الآن تجهل قصة ساقه هل ارتطم بشيء ما جعلتها مصابة أم وقع عليها أثناء تسلقه فأسرعت تطلب منه ببعض اللين : أقعد على الكرسي هنا، أنا بعمل سندوتشات تلاقيك مأكلتش حاجة من إمبارح. لبي طلبها وجلس يتحاشى إظهار ألمه أمامها واستفسر مرة أخرى: منمتيش صح ؟ هزت رأسها بنعم فأكمل يسألها بفضول يتآكله: أكيد مش هترجعي له؟، أنا عارف إنك طول عمرك عندك كرامة ما تخليش الحيوان ده يذلك أكثر من كده. ما عنديش حل تاني، لو رفضت أرجع له هياخد "عبد الرحمن" مني، وأنا مش حمل حاجة حلوة تتسرق مني تاني. فهم ما ترمي إليه، لقد كان في حياتها كل جميل لو لم تتخل عنه في أحلك أيامه، لما تعرضت لمثل ذلك الوضع الآن. وجدها تمد يدها بصحن باللون الأحمر فوقه قطعتين من الخبز رباعي الشكل في دعوة لتقديم ما يسد به رمقه فلبی دعوتها بلهفة لشدة جوعه. بعد إنتهائه من إلتهامه للطعام تفاجأ بشيء جعل قلبه يقفز داخل تجويف صدره ككرة مطاطية، نظر إليها وهي ممسكة ب "إربة" مملوءة بالمياه الساخنة، ثم يتبعها جلوسها أرضا بجوار ساقه تطلب منه بتوتر: اكشف رجلك عشان الكمادة السخنة. أسرع في وضع كفه فوقها رافضا لا، أأأنا أنا كويس، ملوش لزوم. تعجبت من رفضه فأراحتها بجوارها تقول وهي تتحرك مبتعدة: أنا هدخل أجيب چل و مسکن تاخده. أغمض عينيه بقهر يتأكله، هل الآن تريد مساعدته، و ترميم ألمه؟، هل ستشعر بالانتشاء عندما تنظر لتشوه ركبته؟، ظل شاردا بفكره عمن تقف أمامه تراقب ملامحه المتشنجة، رفع عينيه لها فأخبرته ببعض الامتنان: خليني أساعدك زي ما ساعدتني زمان، وأنا في القسم، فاكر؟!. هز رأسه وهو بعالم آخر يبلغها بأنه لم ينس مطلق: عمري ما نسيتك.. أأقصد عمري ما نسيت. رفع طرف بنطاله بخطوات حثيثة، وبدأ في كشف قصبة ساقه الأمامية، ثم تبعها ركبته تزامنا مع شهقتها القوية التي كتمتها بكف يدها ذاهله من مدى تشوهها، لقد كان بها الكثير من آثار الخياطة البارزة كخط طولي كبير حتى شكل ركبته أغرب ، ظلت جاحظة العينين لم تشعر إلا بترقرق الدموع بهما فسألها لينتشلها من صدمتها غير المبررة: -هتفضلي متنحه على رجلي كتير، أنا ابن ناس وأخاف على سمعتى. لم تلق دعابته استحسانها فأسرعت تشيح بوجهها عن مرماه، تمسك بأنبوب الجل تضع منه فوق إصابته بيد مرتعشة تحاول السيطرة على صدمتها وتدلكها بطريقة دائرية بأناملها المهزوزة، ظل يراقب حركتها التى خطفت لبه، كم أراد الآن جذبها لأحضانه يبث بها شوقه القديم، يضمها إلى صدره يكسر عظامها فسمعها تستفسر بخجل: إيه اللي عمل في رجلك كده؟ على أساس إنك مش عارفة ؟! قارعها ساخرا من سؤالها، وفي لحظة شعر بتوقف أناملها لتنظر له مدهوشة من سخريته، ولكن ما حيره تلك النظرة المندهشة التي تطفو بعينيها فسألته بريبة: تقصد إيه بمش عارفة ؟ وأنا هعرف منين؟ ضحكته الساخرة صدرت من فاه أثارت غضبها فأكملت مدافعة: أنت مش مصدق ليه إني معرفش عنك حاجة من وقت الحاد.... سكتي ليه ؟ فكرتك بحاجة مش عايزة تفتكريها؟ كملي، من وقت الحادثة صح، إللي عرفتني معدنك كويس أوي، وإزاي كنت مخدوع فيكي یا "نيروز". انتفضت من جلستها تنظر لابتسامته الساخرة بعقل عجز عن تفسير مقصده ، فسمعته يكمل بقهر: أنا مش زعلان ولا حاجة منك، أي واحدة كانت ممكن تعمل إللي عملتيه وتتخلى عني بعد إللي حصل، بس للأسف مكنتش أتوقع أنها تيجي منك إنتي؛ لأن كنت راسملك صورة تانية غير صورة أي واحدة عرفتها... الحاجة الوحيدة إللي كنت منتظرها إنك تواجهيني مش تهربي ولا أكن كان بينا أيام حلوة. اندفعت تدافع عن حالها مستنكرة اتهامه لها بالغدر والخيانة فأشارت بإصبعها له بقهر متبادل: يكون أحسن تحافظ على كلامك لأني مسمحلكش تتهمني الاتهام ده مش أنا إللي خنت يا حضرة الضابط ، مش أنا إللي تخليت عنك في ظروفك الصعبة، وأنت مستني إيد تطبطب عليك وقت شدتك، يستحسن تقول الكلام ده لنفسك. لقد تبادلت الأدوار ليكون الاندهاش من نصيبه تلك المرة، ولكنه أهمل ذلك الشعور فتنحى به جانبا ليقول مدافعا عن حاله: كنت مستني أفتح عيني ألاقيكي جنبي. صرخت به تقارعه بنفس أسلوبه: وأنا كمان كنت مستنياك ، مستنياك أفتح عيني ألاقيك بتواسيني. ارتاب من كلماتها، ولكنه أصر على ترك ذلك الشعور مرة أخرى ليقول بقهر واضح بنبرته: إنتي اتخليتي عني عشان عجزي. صرخت مرة أخرى بصوت مختنق يشوبه البكاء: عجزك، أنا مش فهماك إنت اللي بعتني، ورمتني زي ما يكون بضاعة مستهلكة متليقش بحضرة الضابط "آسر". وقف فجأة يواجهها بوجه خالي من الدماء وتغاضى عن ألم ركبته الحارق، ضيق عينيه مستفهما في محاولة التأكد مما ترجمه عقله من إشارات: -أنا عمري ما بعتك ، أنا ماحبتش واحدة أدك، إنت إللي.... لم يكمل كلماته حتى وجدها تنظر له بكره واضح قبل أن تنصرف للداخل بسرعة، أعتقد أنها ستتحصن بحجرتها كما فعلت منذ قليل، وتغلق الباب خلفها فأسرع خلفها يناديها برجاء أن تتوقف عن انفعالها ليفكرا في حل مشكلتها الكارثية، وصل بساقه المتألمة أمام باب حجرتها المفتوح ليتفاجأ بانحنائها أسفل فراشها الساكن فوقه طفلها في نعاس تام، تجذب صندوقا كارتونيا يبدو عليه القدم، فألقت بمحتوياته تبعثرها أرضها تبحث عن شيء بعينه ، وقفت أمامه بعد لحظات قابضة بكفها على علبة صغيرة ترفعها أمام عينيه وتخبره بقهر: أنا إللي تخليت عنك؟ وأنت اللي محبتش حد قدي مش كده؟ عشان كده بعتلي ده ؟ مرر نظره بينها وبين العلبة التي تواجه وجهه الممتقع، لا يدرك مغزى كلماتها، يجهل ما يقبع داخل تلك العلبة الغريبة، لم تمهله معاناة تعذيبه بأفكاره، فوجدها تفتحها ليظهر أمامه محبس خطبته السابق، نعم! محبسه المفقود من بعد الحادث، ظن أنه فقده أثناء نقله للمشفى كهاتفه الشخصي وقتها، حينما وجد صوته سألها بوجهه متجهم: -دبلتي وصلتلك إزاي ؟ مدت أناملها تنتشل محبسه بعنف واضح لتلقي بعلبته أرضا، ترفعه بين سبابتها وإبهامها ساخرة: إنت بتسأل ؟، مصمم تلعب دور الضحية وأنت كنت الجلاد، مصمم ترمي تهم وأنت المدان. -أنا مش فاهم حاجة. رفعت كتفيها بلا مبالاة تكمل بصوت مجهد -عارف أنا فضلت محتفظة بيه ليه ؟ عشان كل ما أحن لذكرياتنا أفكر نفسي إنك مكنتش تستحق حبي ليك، كنت دايما بفكر نفسي أد إيه أنا صغيرة ولازم أحلم على قدي. صمتت للحظات تحاول فيها التماسك ثم تابعت: -دلوقتي مبقتش محتاجاه ، لأن اكتشفت إني مش محتاجة دبلتك عشان تفكرني بندالتك. ألقت بمحبسه أرضا بإهمال وتابعت سیرها مرورا به خارجا، لتتوقف فجأة تنظر لكفه الممسك بذراعها يمنعها من التحرك قائلا بصوت متمهل: -الدبلة دي وصلت لك إزاي يا "نيروز" ؟ وليه بتقولي إني بعتهالك؟ إنت إللي تخليتي عني، أنا أما فقت من الحادثة ، كنتي أول واحدة أسأل عليها، كنت منتظر إنك تيجي تزوريني بعد ما طمنوني عليكي. شعرت بوجود أمر خاطئ، لماذا يدعي عدم معرفته بأمر محبسه، ولماذا يتهمها بالتخلي ؟ ، أبعدت يده بتمهل عن مرمى ذراعها تسأله ساخرة: عايز تفهمني إنك متعرفش حاجة عن دبلتك اللي بعتهالي مع أمك ، شويكار هانم" مع رسالة الإهانة الواضحة منك ليا. صرخ بوجهها غير مستوعبا ما تلقيه على مسامعه: إنتي بتقولي إيه ؟، بعت مين ورسالة إيه ؟ وأنا هعمل كده ليا وأنا كنت بعشق النفس اللي بتتنفسيه، وإيه دخل أمي في الموضوع ؟ التقطت نفسا عميقا حبسته للحظات ثم حررته ببطء ، راقب انفعالاتها وإغماض عينيها منتظرا إجابة صريحةً تمحي شكوكه، ولكنها أردفت بعدم اهتمام: مش حابه أفتكر الأيام دي، الأيام دي خلاص انتهت قبل ما تبتدي، وياريت تتفضل من غير مطرود؛ لأن وجودك بقى غير مستحب. مرت من جواره تتقدمه جهة مطبخها مرة أخرى فسمعته يتبعها يقول ببلاهة: -أخرج إزاي؟ لم تلتفت إليه وأكملت سيرها بكبرياء تجيبه: -زي ما دخلت يا حضرة الضابط ، أقصد زي الحرامية واللصوص اللي بتحطهم في الحجز عندك، أنا واحدة ليا سمعتي مش حابه حد يتكلم فيها. أنا مش خارج من هنا؟

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514